أخطار التسمّر الطويل أمام التلفزيون، الكل يعرفها ويتغاضى عنها أو يتناساها، إلى أن تهبط نتائج دراسات جديدة «مرعبة» فتكون سبباً للتطرق من جديد إلى هذه القضية التي تشغل بال الباحثين و «بعض» الناس، و «البعض» فقط. لأن ثمة من لا يفكر إطلاقاً في خطورة الاستسلام للشاشة الصغيرة أو لا يريد ذلك. أخيراً أجرت صحيفة «لوموند» الفرنسية لقاءً مع فريدريك زيمرمان وهو باحث أميركي مختص بالصحة العامة، وأستاذ في جامعة كاليفورنيا اشتهر بأبحاثه التي تتمحور حول تأثير التلفزيون في الأطفال خصوصاً. في دراساته الأخيرة توصل زيمرمان إلى أن الخطر على الصحة العامة يكمن في الطريقة التي يُستخدم فيها التلفزيون، ولا سيما لدى الاستخدام المبكر له والذي يترك آثاراً سلبية وخطرة على الصغار وعلى الأخص أولئك الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاث سنوات. ففي عصرنا الحالي يترك الصغير أمام الشاشة الصغيرة «لاستهلاك» برامجها في وقت مبكر جداً. وفي الولاياتالمتحدة مثلاً، يبدأ ذلك من الشهر التاسع! لا يدرك الرضيع في هذا العمر، ما يعبر من صور تتوالى من هذه «العلبة»، ولا يستفيد منها بالتالي. لكنها تترك في رأي الباحث تأثيراً سلبياً في الدماغ الذي يكون في مرحلة النمو. ففي السنوات الثلاث الأولى من العمر يتضاعف وزن المخ ثلاث مرات، وهي مرحلة لا يتشكل فيها الدماغ فحسب بل الشخصية أيضاً. مع انتشار البرامج «التربوية» المخصصة للرضّع وللأطفال والاستهلاك المبالغ به للصورة، يؤكد الباحث بوضوح أن «التلفزيون قبل السنتين يتعارض مع التطور اللغوي للطفل»، كما أن قضاء ساعة يومياً أمام الشاشة لأطفال أعمارهم دون الثلاث سنوات سيضاعف فيما بعد من صعوبة اكتساب مهارة القراءة وفي تعلم الحساب، كما ستتراجع قدراتهم على التركيز والانتباه بصورة واضحة. يضاف إلى هذا ما بات معروفاً من أن هؤلاء الذين يشاهدون العنف بانتظام على التلفزيون سيفقدون حساسيتهم تجاه العنف وسينظرون نظرة عدوانية وخطرة إلى العالم المحيط. أما عن الكبار فالنتائج ليست أفضل حالاً. وربما كانت «السمنة» نتيجة التسمّر الطويل أمام التلفزيون أكثرها وضوحاً، إضافة إلى الوقت الضائع والذي كان يمكن أن يستثمر في ما هو أجدى. فبعد التعود الطويل على الشاشة يكتشف المرء فجأة أن الوقت قد فات لزيارة العائلة أو لأداء التمارين الرياضية أو لبدء بقراءة كتاب ما. أما لمن يرى في الجلوس أمام الشاشة «استرخاء» بعد يوم عمل شاق، فالباحث يبين في دراسته الجديدة أن «التلفزيون ليس وسيلة للاسترخاء»، لأن الفرد يكون بعد أمسية قضاها أمام التلفزيون أقل استرخاء مما كان عليه قبلها... أمر مؤكد على الأقل لهؤلاء الذين يقضون أمسياتهم هذه الفترة في التنقل مثلاً ما بين الجزيرة والعربية والفضائية السورية، ويعاينون الرأي والرأي الآخر في أبهى صوره...