"سكن" وبالشراكة مع وكالة الإسكان التنموي توقعان اتفاقية بقيمة 4.8 مليار ريال لدعم 16 ألف أسرة من الأشد حاجة    سلمان الفرج يتعرض لإصابة في الركبة    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024م    عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    أمير تبوك يدشن الموقع الإلكتروني للإمارة بهويته الجديدة    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    أمين عامّ رابطة العالم الإسلامي يستقبل وزيرَيْ خارجيتَيْ غامبيا وغينيا بيساو    سياسيان ل«عكاظ»: الرياض مركز ثقل عالمي.. والدبلوماسية السعودية حققت موقفاً موحّداً لحماية غزة من جرائم الاحتلال    داخل شحنة مواد بناء.. إحباط تهريب أكثر من 11 مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بجدة    16 قتيلا في مجزرة إسرائيلية شمال غزة    مستشفى عسير المركزي يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للصحة النفسية"    معرض الدفاع العالمي 2026 يعلن عن حجز 88% من مساحة الجناح الصيني    أمير المنطقة الشرقية يرعى الحفل الختامي "لمسبار 8" ويستقبل سفير جمهورية أوكرانيا    تحت رعاية خادم الحرمين .. تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    هيئة التراث تُسجل 5 مواقع أثرية جديدة في منطقة جازان ضمن السجل الوطني للآثار    كتب و روايات في معرض الشارقة تحولت لأفلام عالمية    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    في 100 لقاء ثنائي.. قمة الرياض للتقنية الطبية تبحث توفير فرص ذهبية للمستثمرين    رئيس جمهورية تشاد يصل إلى المدينة المنورة    الدولار يحافظ على استقراره قرب أعلى مستوى في ستة أشهر ونصف    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    الكويت تدين تصريحات وزير حكومة الاحتلال بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية    الأرصاد: الفرصة مهيأة لتكوّن السحب الرعدية الممطرة    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    بتوجيه من أمير مكة.. سعود بن مشعل يرأس اجتماع لجنة الحج    إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    5 مشاهير عالميين أصيبوا بالسكري    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    خطة لاستحداث 16 ألف وحدة سكنية جديدة خلال عام    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    أسبوع معارض الطيران    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيل ال «ألتراس» في مصر من ملاعب كرة القدم إلى ميدان التحرير
نشر في الحياة يوم 26 - 10 - 2011

ليس محمد جمال نجماً فنياً أو سياسياً أو صاحبَ قضية أيديولوجية، كما أنه ليس من الثوار. هو بطل مصري من نوع آخر، ينتسب الى ال «ألتراس» (ultras)، (تيار لمشجعي فرق كرة القدم، برز في أوروبا وأميركا اللاتينية في السبعينات وحطّ رحاله في دول شمال أفريقيا مطلع العام 2000). في مصر، برز تيار «الألتراس» كأكبر مجموعة منظمة بعد «الإخوان المسلمين» إثر سقوط حسني مبارك، وهو نجح في الإفلات من وصاية الحزب الحاكم وقبضته.
«أنا مرشح مستقل الى الانتخابات التشريعية. مشكلتي الوحيدة هي مع النساء... فهن يعشقنني، وهذا ما لا يخفى على أحد... وهو أمر خطير في مصر»، يقول جمال مقهقهاً وساخراً. وينحاز «الألتراس» الى فريقهم الرياضي انحيازاً حاداً، وهم ينتقدون «الكورة» (كرة القدم في العامية المصرية) المتلفزةَ والتجاريةَ أو المروَّجَ لها كسلعة»، ولا يخفون عداءهم لرجال الشرطة، ويصعب على تظاهراتهم الحماسية التقيد بضوابط قوى الامن وقيودها. وفي مصر، احتلت ثقافة «الالتراس» النقدية مكانةً بارزة اجتماعياً وسياسياً في مرحلة ما بعد مبارك.
خرجت أولى مجموعات «الألتراس» في مصر الى العلن في 2005، وأسس محمد جمال أبرز فرقها، فرقة «وايت نايتس» (الفرسان البيض) مشجعي فريق الزمالك. وفي مواجهة بنى رياضية أبوية وسلطوية متواطئة مع زعماء الحزب الوطني الديموقراطي، وهو حزب مبارك، أعلن الألتراس المصريون استقلالهم، وطعنوا في إدارة الفرق الرياضية ونوادي المعجبين، وتحولوا بعبعَ وسائل الاعلام الرياضية، ووُصِفوا ب «الزعران» والشيوعيين والملحدين ومدمني المخدرات والمنحرفين جنسياً.
وتعاظمت شعبية تيار الألتراس في المنتديات الإلكترونية، وصار ظاهرةً تؤرق استخبارات الريس (السابق). ففي نظام يحظر إنشاء المنظمات، أثبت الألتراس قدرتَهم على التجمع والاصطفاف حول «عرابين»، واستمالوا إليهم آلاف الشباب في عقدهم الثالث، يجتمعون دورياً، وينشئون منتديات إلكترونية، ويُعِدّون موازنةً خاصة بأعمالهم يموِّلها المعجبون. وينظم الألتراس عروضاً احتفالية بصرية، وينأون بأنفسهم عن الاضواء الاعلامية حفاظاً على سلامتهم من قبضة الاستخبارات، ويتوسلون أسماء مستعارة، ويصوغون ثقافة سرية ليّنة البنية وهشّة هي أقرب الى البنى الديموقراطية. فعلى سبيل المثال، يُعرف محمد جمال ب «جيمي هود».
ولم يتردد الألتراس في التمرد على وحشية قمع الشرطة لهم، فقد دخلوا في 2007 في مواجهات مباشرة مع وزارة الداخلية، وارتفع عدد صداماتهم مع «الأمن» في مدرَّجات الملاعب الرياضية وفي الشوارع، فكان «الألتراس» «أولَ مجموعة تصدت لعنف «الداخلية» وقمعها، وردّت عليها بالعنف»، يقول أشرف الشريف، استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية بالقاهرة.
ودرجت الشرطة على اعتقال قادة الألتراس في منازلهم قبل المباريات، واقتادتهم الى المحاكم العسكرية، وحملت بعضهم على توسل الشغب، «اعتقلتُ 16 مرة منذ 2005، وذات مرة بقيت قيد الاعتقال 13 يوماً»، يقول محمد جمال فرِحاً، على رغم زعمه أن الشرطة كسرت فكه وعطبت طبلة أذنه، و «لم أُعتقل أول مرة في ملعب رياضي، بل في منتجع مطلّ على البحر الاحمر في دهب، قصدتُه لتمضية عطلة مع الأصدقاء في 2001، ولم أكن يومها بلغت العشرين عاماً. اعتقلوني و25 شخصاً من غير ان نرتكب شيئاً. أكره رجال الشرطة كرهاً جمّاً»، يروي جمال.
ومع توالي المواجهات مع القوى الأمنية، طور «الألتراس» تقنيات دفاعية تُستخدم في معارك الشارع، برزت نجاعتها في ميدان التحرير أثناء الثورة. فالمصريون اكتشفوا أن «الألتراس» وحدهم يجيدون مواجهة الشرطة مواجهةً منظمة. ومساء 25 كانون الثاني (يناير) المنصرم، في أول أيام الاحتجاج، نزل الألتراس الى الشارع من تلقاء أنفسهم، ومن غير أن ينتظروا تعليمات «عرّابي» المجموعة. كانوا في أول صفوف المواجهات: فهم معتادون على التعامل مع القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاط، ويعرفون كيف يعيدون رمي قنبلة الغاز على مطلقها، ويجيدون تسلق جدران الملاعب وشاحنات الشرطة وتدمير أجهزة الإنارة للاختفاء عن عيون رجال الأمن، وأدّوا دوراً راجحاً في الانتصارات التي حققها الثوار في الاشهر الماضية. ومخيلة «الألتراس» خصبة، فهم صاغوا شعارات الثورة ولحنوا إيقاع هتافاتها الصاخبة المستوحاة من «أرشيف» مؤيديهم (الألتراس). و «في ميدان التحرير، شعرنا أننا في ملعب رياضي لحظة اعلان مبارك تنحّيه»، يقول أشرف الشريف.
ينظر عدد من ناشطي الثورة وشطر كبير من الشباب المصري بعين الامتنان والإعجاب الى «الألتراس» ودورهم في الثورة، كما أن طريقة عيشهم الاستفزازية تأسر قلوب شباب كثر تثقل عليهم القيود الاجتماعية والدينية. وتسعى الاحزاب السياسية الى استمالة «الألتراس» وجمهورهم، فعددهم كبير، ووزنهم الانتخابي لا يستهان به. فعدد أعضاء «الأهلاوي» وال «وايت نايتس» وال «بلو دراغن» (التنانين الزرق) يبلغ نحو 20 ألف ناشط، وفي وسعهم تجييش 50 ألف شخص، «ألتراس وايت نايتس يستطيعون وحدهم جمع 25 ألف شاب جاهزين للقتال في الشارع خلال دقائق قليلة»، يقول محمد جمال.
لكن الألتراس يرفضون تلبية نداء الاحزاب والدخول الى الساحة السياسية، مُؤْثِرين الفوضوية، «تدعونا احزاب الى المشاركة في التظاهرات، لكننا لسنا دمى في أيدي أبناء النظام والصادعين به».
ولا يستسيغ «الألتراس» التزام نهج سياسي، للحفاظ على تنوع أنصارهم الاجتماعي الذي يجمع بين الأغنياء والفقراء والعلمانيين والإسلاميين واليساريين والسلفيين والليبراليين والإخوان المسلمين... وهؤلاء كلهم يذوبون في بوتقة حب الفريق نفسه.
منذ اندلاع الثورة، لم يعدل «الألتراس» عن انتقاد وزارة الداخلية والمجلس العسكري، وهم يواصلون ثورتهم على الشرطة رافضين مهادنتها، ويشاركون في التظاهرات المنددة بالمجلس العسكري. وصارت مباريات كرة القدم مناسبةً لتذكير الشرطة بهزيمتها في 28 يناير وانسحابها من الشارع وانتشار الجيش محلها.
ويرى عمر عبدالرحمن، العضو في الاتحاد الشعبي الاشتراكي، أن بقاء «الألتراس» على الحياد إزاء الاحزاب السياسية لافت، فهم من الجيل المولود في عهد مبارك، وتوسلوا الإنترنت لصوغ هوية جديدة مضادّة للطبقة الوسطى. هم وجهٌ من وجوه الثورة يفضل كثرٌ تجاهلَه ونسيانه: وجه الغضب الشديد والحنق، والوجه المعادي للمجتمع والأسرة والمؤسسات والوعظ الاخلاقي. ف «الألتراس» هم نقيض الشباب المهذَّب.
* مراسلة، عن «لوموند» الفرنسية، 18/10/2011، إعداد منال نحاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.