تحرّك «لا تطعموا القوقاز» يحيي أوقات الثمانينات المريرة حين كان الروس يناقشون مصير الجمهوريات السوفياتيّة: هل ننفصل عنها أم لا؟ وإذا وقع الانفصال من أين لحياتنا أن تبقى رغيدة من غير هؤلاء «الطفيليين»؟، على ما كانت الجمهوريّات هذه تسمى. انفصلت روسيا عن الجمهوريات السوفياتية، وعانينا نحن الروس الفقر، وانتظرنا عام 2008 لتستعيد روسيا مؤشرات نمو 1991 الاقتصادي. لذا، أرى أن الكلام عن انفصالات جديدة يستكمل فصول كارثة الثمانينات. ومن المضحك أن يرفع شعار «التخلي عن القوقاز» من انتقد، أخيراً، السلطة اشد انتقاد بسبب إبرامها اتفاق الحدود مع الصين الذي تخلت روسيا بموجبه عن جزيرتين صغيرتين غير مأهولتين لبتّ الأمور والخلافات. وهؤلاء يتسابقون اليوم إلى التخلي عن القوقاز. وقد طالبوا بالمساواة في تمويل موازنة الدولة المناطق، ووضع حد لمنح الأموال إلى جمهوريات القوقاز التي ينهشها الفساد. لكن التخلي عن القوقاز يؤذّن بكر سبحة التخلي عن مناطق أخرى روسيّة. وفي موازنة العام الماضي، ثمة فقرة خاصة بمنطقة القوقاز تخصص جمهوريّات مثل إنغوشيا بمبلغ 137 مليون روبل، وجمهورية القرشاي والشركس ب 100مليون روبل، والشيشان ب 700مليون روبل، وجمهوريّة كالميكيا ب 100مليون روبل. وهذه مبالغ تمنح للشعوب التي تعرضت للقمع الجماعي والترحيل والتنكيل الجماعي في عهد ستالين. أمّا قانون التعويضات هذا فيعود الفضل في سنّه إلى نيكيتا خروتشيف، الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي بين 1953 و1964. والعمل به سارٍ إلى اليوم. وثمة فقرة أخرى تخصص المناطق «المانحة للدولة» بمبالغ. ومنها موسكو التي تحصل على 650 مليون روبل ونيجني نوفغورود على 252 مليون روبل، وبطرسبرغ 214 مليون روبل. وتحصل موسكو على تسع المنح المخصصة للمساحات السكنيّة أي 11 بليوناً من أصل 100 بليون روبل، ولربما علينا التوقف عن «إطعام» موسكو أيضاً؟ والحق أن القوقاز يتصدر الإعانات المخصصة لتأمين فرص العمل. ووفق إحصاءات رسمية، في 2008، بلغت معدلات البطالة في الشيشان 35 في المئة، وفي داغستان 14 في المئة، وفي إنغوشيا 55 في المئة. أمّا في موسكو فبلغ معدل البطالة 0.9 في المئة. عليه نرى أنّ حاجات القوقاز تفوق حاجة غيرها من المناطق. وتقدم مساعدات قيمتها بلايين الروبلات إلى الجمهوريات القوقازيّة. وعلى رغم أن المساعدات هذه كبيرة، لكنها ليست استثنائية قياساً إلى مساعدات المناطق الأخرى. ولم يدع القوميون إلى التخلي عن ياكوتيا أو روستوف، وإذا جازت الدعوة إلى الانفصال عن القوقاز، جاز التنازل عن إقليم كامتشاتكا إلى اليابانيين المحاذين له. واللافت أن بعض غلاة الليبراليين يؤيد القوميين المتشددين. ومثل هذا «المزيج» القومي - الليبرالي هو مدعاة حذر وريبة، فثمة إجماع في أوساط هؤلاء على تدمير الدولة الروسيّة الحديثة وتفكيكها. القوقاز خاصرة رخوة، وجرح نازف. والمجتمع القوقازي عشائري ينهشه الفساد المستشري والجريمة. والبطالة والتطرف الديني والفساد هي تربة الإرهاب الخصبة. ولكن، علينا أن نخيب ظنّ المتربصين بروسيا، لأن من يناضل من أجل البلاد فعلاً هم الذين يحاربون الإرهابيين والعصابات في القوقاز، أي رجال الأمن المتهمون بالفساد. هؤلاء الرجال خسروا 700 من عناصرهم في 2009 في روسيا، منهم 500 رجل سقطوا في القوقاز دفاعاً عن وطننا المشترك. ودفع 500 شرطي، غالبيتهم من القوقازيين، حياتهم لإثبات أن وحدة روسيا مهمة وليست أسطورة. * صحافي، عن صحيفة «فزغلياد» الروسيّة، 20/4/2011، إعداد علي شرف الدين