غيّب الموت صباح أمس الكاتب والصحافي المصري أنيس منصور عن عمر يناهز السابعة والثمانين، على أثر وعكة صحية ألمت به الأسبوع الماضي، واستدعت نقله إلى أحد المستشفيات حيث وافته المنية، وستُشيع جنازته ظهر اليوم من مسجد عمر مكرم في وسط القاهرة. بدأ أنيس منصور حياته العملية معيداً في قسم الفلسفة في كلية الآداب - جامعة عين شمس، العام 1947، لكنه بعد فترة وجيزة قرر التفرغ للكتابة والعمل الصحافي في دار «أخبار اليوم»، ومن أبرز محطاته الصحافية تأسيسه مجلة «أكتوبر» العام 1976 وتوليه رئاسة تحريرها ورئاسة مجلس إدارة «دار المعارف» التي تصدرها. وتولى منصور كذلك رئاسة تحرير مجلات «الجيل»» و «آخر ساعة» و «العروة الوثقى» و «الكاتب»، وتولى كذلك رئاسة تحرير جريدة «مايو» التي كانت لسان حال «الحزب الوطني» الذي جرى حله في أعقاب ثورة 25 يناير. وفي السنوات الأخيرة اكتفى بزاويته اليومية في جريدة «الأهرام»، وعنوانها «مواقف»، إضافة إلى زاوية يومية أخرى في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، وكان يعد طوال العقود الأربعة الأخيرة، أحد أبرز كتّاب المقال اليومي في الصحافة العربية. وعلى مدى نحو 60 عاماً أصدر عشرات الكتب، أشهرها «حول العالم في 200 يوم»، وهو بين أكثر الكتب انتشاراً باللغة العربية. وأثار حصوله العام 2001 على جائزة مبارك، التي تغيّر اسمها أخيراً إلى «جائزة النيل»، في الآداب، جدالاً واسعاً، على اعتبار أن عطاءه الأساسي هو في الصحافة و «التأمل الفلسفي»، وليس في الأدب. خبايا السادات وكان أنيس منصور، قبل رحيله، يستعد لإصدار كتاب يكشف خبايا فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات، والدور الذي لعبه شخصياً في «إرساء السلام» بين مصر وإسرائيل، وهو الدور الذي وضعه دائماً على لائحة «أنصار التطبيع»، وجعله عرضة لانتقادات حادة من جانب التيار اليساري في مصر عموماً والناصريين بخاصة. ويأخذ منتقدو أنيس منصور عليه أيضا الكتابة في أمور «ما وراء الطبيعة» متبنياً «فرضيات مثيرة»، منها مثلا أن أهرامات مصر شيدتها كائنات فضائية، ومن كتبه في هذا الباب: «الذين هبطوا من السماء»، «الذين عادوا الى السماء»، «لعنة الفراعنة». كان أنيس منصور، على أية حال، يعتبر نفسه «أديباً يعمل في الصحافة»، وكان منتقدوه يأخذون عليه الهروب من مواجهة هموم الناس الحقيقية حتى لا يضبط متلبساً بمعارضة الحكومات التي عاصرها، إلا أن الثابت هو أنه عوقب على كتابة اعتبرت مناوئة لجمال عبدالناصر وتقرر منعه من الكتابة، ثم ما لبث أن أصبح في صدارة الصحافيين المقربين من الرئيس الراحل أنور السادات، وكتب له الكثير من خطبه السياسية، ومن أحدث كتبه كتاب «من أوراق السادات»، الصادر العام 2009 عن «دار المعارف» في القاهرة. أما علاقته بعبدالناصر فكتب عنها كتابه «عبدالناصر المفترى عليه والمفتري علينا». واشتهر أنيس منصور كذلك بشغفه ب»الوجودية» ومنظريها، وساعده تمكنه من الانكليزية والألمانية والايطالية على ترجمة كتب عدة، أشهرها «الخالدون مئة، أعظمهم محمد»، لمايكل هارت، وترجم كذلك عدداً من المسرحيات، أشهرها «زيارة السيدة العجوز لفردريك دورينمات»، وربما شجعه ذلك على تأليف 13 مسرحية خفيفة، منها «جمعية كُل واشكُر»، و «حلمك يا سي علام». وله مجموعات قصصية عدة منها «عزيزي فلان»، و «يا من كنت حبيبي»، و «هي وغيرها»، وتتسم بمستوى فني عادي، ومن هنا استغرب النقاد حصوله على جائزة الدولة في الآداب ثلاث مرات: التشجيعية في 1963 والتقديرية في 1981 وأخيراً «مبارك» في 2001.