هكذا هي الحال منذ سنوات، أي منذ بدأت النشاطات السينمائية في المدن الخليجية الثلاث (دبي وأبو ظبي والدوحة)، تتخذ سمات عالمية: فما ان ينتهي المهرجان الأول حتى يبدأ الثاني، وما ان تنتهي استراحة اسابيع بعد الثاني، حتى يبدأ الثالث... وعلى هذا الأساس يتسم الخليج العربي طوال اسابيع فصل الخريف، بسمات سينمائية حقيقية، وتتوالى فيه عروض أحدث الأفلام العربية... غداً إذاً، يختتم مهرجان أبو ظبي دورته الخامسة... وخلال الأيام المقبلة (الثلثاء) يفتتح مهرجان الدوحة دورته الثالثة. ولئن تميزت دورة أبو ظبي لهذا العام بحضور طاغ للسينما المغربية، فإن دورة الدوحة تتميز أكثر ببعض أحدث الإنتاجات العالمية، ولاسيما النتاجات الأحدث للمخرجين الأكثر حضوراً وقوة في السينما الفرنسية المعاصرة: جان جاك أنو (صاحب «اسم الوردة») الذي يعود بفيلم «ذهب أسود» الذي يقدم في الافتتاح في عرض عالمي أول، وهو الفيلم الذي طغى الحديث عنه طوال العام على الحديث عن أي فيلم آخر، ولوك بيسون (صاحب «ليون» والعنصر الخامس») الذي يعود مع فيلمه الجديد «الليدي». ومنذ الآن، يمكن القول ان مهرجان الدوحة الذي ولد -في عملية قيصرية بالتأكيد- انطلاقاً من مهرجان تريبيكا، الذي كان روبرت دي نيرو أسسه في نيويورك، ردّاً على العمليات الإرهابية فيها، عرف هذا العام كيف يقيم توازناً لافتاً بين السينما العالمية والسينما العربية، كما بين الأنواع السينمائية المختلفة. فمن ستيفن سبيلبرغ وبيتر جاكسون في إعادتهما مغامرات «تان تان» الى الحياة بشكل ثلاثي الأبعاد يدنو كثيراً من الرسوم المتحركة وينتظره مئات الملايين من هواة تان تان في العالم أجمع، الى جديد سينما الشباب العرب... ومن الأعمال الروائية للجمهور العريض، الى الأفلام شبه النخبوية، تتوزع عروض ايام المهرجان، متقاطعة مع عدد لا بأس به من نشاطات فنية اخرى يدور معظمها من حول السينما، ويبدو قادراً على استهداف مشاهدين من كل الأعمار. ولا شك في ان من يتصفح برمجة المهرجان، يقفز الى ذهنه على الفور سؤال حول السبب الذي يجعل فيلم نادين لبكي الروائي الطويل الثاني «وهلأ لوين؟» يعرض في سياق عروض الأفلام الأجنبية، بينما ثمة برنامج مميز يهتم بعرض السينما اللبنانية، التي تعتبر لبكي من أبرز صانعيها اليوم؟ وفي هذا السياق سيشهد مهرجان الدوحة عرض الفيلم الثاني (خلال عقدين من الزمن) للمخرج اللبناني جان كلود قدسي وعنوانه «إنسان شريف»، وكذلك فيلم «أقلام من عسقلان» لليلى حطيط سالاس، و «اختفاءات سعاد حسني الثلاثة» لرانية اسطفان، ناهيك بعدد من الأفلام القصيرة والتسجيلية. وهذا البرنامج اللبناني اللافت (والذي لم نر ما يوازيه في اي مهرجان أقيم في لبنان في الآونة الأخيرة) يأتي ضمن سياق العروض العربية لأفلام آتية من بلدان عربية عدة، تشارك في المسابقة الخاصة بالأفلام العربية، التي يرأس لجنة تحكيمها المخرج السوري محمد ملص، الذي يعوّض اهتمام المهرجان وبياناته به، النقص اللافت في حضور السينما السورية. وهو نقص كان يمكن ان ينسحب الى السينما المصرية أيضاً لولا ان المهرجان يعرض فيلم خالد الحجر «شوق» (الذي سبق ان أشبع عرضاً منذ فوزه العام الفائت بجائزة في مهرجان القاهرة). كما يعرض جديد المخرج الشاب شريف البنداري «في الطريق لوسط البلد». في المجموع، ثمة 14 فيلماً روائياً ووثائقياً تتنافس على الجوائز الخاصة بها. أما بالنسبة الى السينما العالمية، وإضافة الى فيلم الافتتاح «ذهب أسود»، وفيلم الختام «الليدي»، فيقدم المهرجان عدداً من الأفلام الأوروبية والأميركية التي سبق ان عرضت في مناسبات ومهرجانات أخرى، مثل «الفنان» للفرنسي ميشال هازانافشيوس، و «إعلان حرب» لفاليري دونزيلي، و «الصياد» لدانيال نتهايم، و «المانيا» لياسمين سامدريلي، و «ماما أفريكا» لميكا كوريسماكي... بين أعمال أخرى.