الليبيون الذين يعيشون خارج ليبيا معظمهم معارضون سياسيون لنظام العقيد معمر القذافي المنهار. منهم من وصل إلى الغرب كطالب لكنه تزوج وحصل على جنسية وعمل واستقر هناك، ومنهم رجال أعمال وتجار غادروا بثرواتهم بعد أن أحسوا أن نظام القذافي وتوجهاته ستضر بأعمالهم واستثماراتهم وتصادرها تطبيقاً لمقولات الكتاب الأخضر. وبعد نجاح ثورة ليبيا عاد الكثير منهم تصحبهم حماسة شديدة تصل أحياناً إلى حد المبالغة. يقول الناشط السياسي والإعلامي محمد بويصير الذي كان يقيم في أميركا والذي عاد ومعه مقتنيات إعلامية لتأسيس إذاعة في ليبيا ستباشر البث قريباً: «أهم ما تعلمته في أميركا هو أنهم يحولون أي شيء إلى صناعه تخضع لمعايير الربح والخسارة، وبالتالي يضمنون استمرارها وازدهارها وكذلك حدوث انتقاء طبيعي من خلال آليات العرض والطلب، ولو أننا نستثمر في ليبيا في صناعة الإنتاج الثقافي كأن نبني مدينة لإنتاج التلفزيون والسينما والمسرح مع تشجيع ودعم إقامة مئات المسارح ودور العرض، عندها يتاح لكتابنا وموسيقيينا تسويق إنتاجهم من خلال هذه الصناعة وبالتالي تطوير قدراتهم والاستفادة منها». أما الباحث في الفلسفة في جامعة بنسلفانيا كمال عبدالكريم الشلبي فيرى «أن نجاح التجربة الثقافية الغربية لم يحصل في يوم وليلة كما هو معروف، والأمر احتاج إلى قرون من الثورات - العلمية والاجتماعية - والاهم من ذلك الثورة الدينية التي وضعت حداً لهيمنة رجال الدين على قدرة العقل على الخلق والإبداع... نحن الآن مرتبطون علمياً وسياسياً واقتصادياً بالمنظومة الغربية شئنا أم أبينا». وعما اذا كان يعتبر ان الدين عائق ومعرقل لنجاح المشاريع الثقافية الجادة في ليبيا الجديدة أجاب: «دعني أقول لك أن ما ينقصنا هو التعديل المفهومي للدين... الأمر لا يعني فصل الدين عن الدولة... وإنما الوصول إلى حالة من الوعي يصير فيها الفهم الحقيقي للدين يسير في خط متوازٍ مع حقائق اللحظة الحياتية المعاشة. هذا الأمر لا شك انه صعب وعسير بخاصة مع وجود تيارات إسلامية لها أجندتها مثل تيار الأخوان والتيارات السلفية». فاطمة ماضي ناشطة سياسية ليبية كانت تعيش في السويد، قالت: «التلفزيون السويدي ملك الشعب وليست له علاقة بالحكومة ولهذا هم مستقلون وينتقدون بحرية. التلفزيون ممول من الشعب من طريق دفع اشتراك من كل مواطن. ثم إن في كل مدينة وقرية مكتبة عامة ممولة من الدولة ومعرض للكتاب أيضاً، وهناك انتشار للمسارح على أنواعها واتجاهاتها مثل المسرح الشيوعي والمسرح القومي، وتوجد دور أوبرا واحتفالات غنائية ترفيهية خاصة في فصل الصيف في الحدائق والمتنزهات، وتنتقل الفرق الفنية من مكان الى آخر. كل تلك الأشياء أحب أن أراها في وطني الأم ليبيا». أما الكاتب خالد الغول المحسوب على التيار الإسلامي والمقيم في كندا فيرى «إمكانية الاستفادة من التجربة الكندية في المجال الثقافي حيث أن كندا تتبع بصرامة سياسة تعدد الثقافات، ولها وزارة خاصة تهتم بالإبداع وترعاه، ولها قوانين مشددة من ناحية احترام الأديان وحقوق الإنسان». الأديب الشاب محمد المصراتي العائد من بريطانيا، يقول: «هناك نقلة ثقافية كبرى أودّ ان أساهم فيها شخصياً في ليبيا بمساعدة العديد من الشباب الذي اكتشفته بعد الثورة. في ليبيا شباب منفتح ومثقف وليبرالي ونملك الأدوات ولكننا لا نملك الوحدة في الصف لتحقيق أحلامنا. لقد تناقشنا كثيراً في الداخل والخارج واجتمعنا على عدة أفكار أسست لنا مبدئياً مفهوماً لحركة اجتماعية ثقافية، نبلور فيها العديد من العناصر الخامدة في الروتين الليبي، كالأدب التجريبي والسينما والتصوير والمسرح وغيرها». ويضيف صاحب القصص القصيرة: «أنا شخصياً أشعر بأن تعمّقي في الثقافة والسينما والأدب البريطاني أعطاني فسحة للتفكير ولأعبر بالكثير من الأحلام إلى الوسط الليبي، بخاصة فكرة الحركات الاجتماعية والتي شاهدناها في أميركا منتصف الخمسينات مروراً بأوروبا الستينات وفرنسا 1968. المرحلة القادمة في ليبيا ستكون على هذه الشاكلة».