ذكّر المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات الخبير كمال حمدان، بأن الأجور «لم تصحّح سوى مرة واحدة في السنوات ال 15 الأخيرة أي منذ العام 1996، وكاد هذا التصحيح الذي أُقرّ عام 2008 ألا يكون فعلياً، لأنه اقتصر على زيادة اسمية مقطوعة بقيمة 200 ألف ليرة على كل شرائح الأجور بدءاً من الحد الأدنى». وقال: «استناداً إلى حسابات تفصيلية مبنيّة على توزّع الأجراء وفق فئات الأجر في ذلك العام، لم يتجاوز المفعول الوسطي للتصحيح 20 في المئة من متوسط الأجر، على رغم أن رفع الحد الأدنى من 300 ألف ليرة إلى 500 ألف، انطوى على زيادة اسمية نسبتها 66 في المئة. ولو أخذنا الفترة الممتدة من عام 1996 حتى الآن، لتبيّن أن معدل التضخم، ارتفع بنسبة 101 في المئة وفق أرقام مؤسسة البحوث والاستشارات». وأشار حمدان إلى أن قرار التصحيح الراهن «لحظ زيادة نسبتها 40 في المئة على الحد الأدنى، إلا أن أثر هذا التصحيح على متوسط الأجر لا يتجاوز في أفضل الحالات نسبة 15 إلى 20 في المئة، نظراً إلى سقف الزيادة الذي توقف عند شريحة الأجور المحددة ب 1.8 مليون ليرة، بحيث لا يستفيد الأجراء الذي تزيد رواتبهم على هذا المستوى من أي زيادة اسمية. ومن المؤكد أن هذا التحديد ينطوي على ارتجال لا سابق له في سياسات تصحيح الأجور مقارنة بعمليات التصحيح المحققة منذ مطلع سبعينات القرن الماضي». ولم يستبعد أن «يُحدث هذا القرار إرباكاً لدى كل مؤسسة على حدة لدى تطبيقه إذ سيمسّ البنية الداخلية لأجور العاملين». التضخم وعن مؤشر المؤسسة للتضخم منذ العام 2008، مقارنة بمؤشر الإحصاء المركزي البالغ 16 في المئة، أوضح حمدان، أن مؤشر المؤسسة «أظهر زيادة في المؤشر العام لأسعار الاستهلاك نسبتها 25 في المئة»، عازياً هذا الفرق إلى «أن وزن الغذاء في مؤشر إدارة الإحصاء يقل عن 20 في المئة من سلة الاستهلاك، بينما يصل إلى 32 في المئة من السلة المعتمدة في المؤسسة، في وقت كانت أسعار الغذاء - محلياً وعالمياً - هي الرافعة الأساسية لارتفاع تكاليف المعيشة عموماً». وإلى أي حدّ يمكن القطاعين العام والخاص تحمّل أعباء هذا التصحيح، رأى حمدان أن «توصيف أثر هذا التصحيح على الأوضاع الاقتصادية خصوصاً في ما يتعلق بزيادة معدلات البطالة وكبح معدلات النمو، مبالغ فيه كثيراً، وأي تقويم موضوعي هادئ يكشف الوهن وعدم الدقة في هذه الحجج». إذ أكد أن الأجور «لا تشكّل أكثر من 30 في المئة من الناتج المحلي القائم، على رغم أن نسبة الأجراء النظاميين وغير النظاميين في القطاعين العام والخاص، تتراوح بين 50 و60 في المئة من إجمالي القوى العاملة». وأشار إلى أن المعطيات المستخلصة من بعض المسوحات التي نفّذتها مديرية الإحصاء المركزي تشير إلى أن «وزن الأجور في ثمن مبيع السلع والخدمات في لبنان لا يتجاوز 20 في المئة، ما يعني أن زيادة الأجور بنسبة 100 في المئة على سبيل المثال، لن تؤثر إلاّ بنسبة 20 في المئة زيادة على أسعار مبيع السلع والخدمات، مع افتراض استمرار ثبات بقية العوامل (معدّل الربح والفوائد والإيجارات... ). ولاحظ حمدان أن أسعار السلع والخدمات «ارتفعت بنحو 25 في المئة في السنوات الثلاث الماضية، من دون إجراء أي تصحيح رسمي للأجور، ومن المؤكد أن وزن الأرباح في الناتج المحلي ازداد كثيراً في الفترة ذاتها، بالتزامن مع تسجيل معدلات النمو الاقتصادي مستويات قياسية تراوحت بين 8 و9 في المئة سنوياً. فالقطاع الخاص هو الذي استفاد أساساً من هذا النمو، وهو القادر بالتالي على تحمّل تصحيح مناسب للأجور يعوّض أصحابها تدهور قدرتهم الشرائية، بما يتجاوز التصحيح المرتجل الأخير». أعباء حكومية أما بالنسبة إلى الدولة، فقدّر حمدان «ألا تتجاوز تبعات هذا التصحيح - إذا جرى تعميمه على القطاع العام - عتبة كلفة التصحيح المحقق عام 2008، والمقدرة بنحو 400 إلى 500 مليون دولار، وهذا ما يكاد يساوي ضعفي «المنحة» المرتجلة التي أعطتها الحكومة السابقة بشطحة قلم للسائقين العموميين، والبالغة قيمتها نحو 190 مليون دولار في السنة». ووفق حمدان «باتت الكلفة السنوية التي تتحملها الدولة لدعم السائقين (190 مليون دولار) ودعم نقل موظفي القطاع العام (نحو 350 مليون دولار) تتجاوز في مجموعها عتبة ال 500 مليون دولار، وذلك مع استمرار غياب أي خطة متكاملة للنقل العام». وعن رأيه في مشروع وزير العمل شربل نحاس، رأى حمدان أنه «ينمّ عن توجه عام نحو إصلاح جذري... وصحيح أن كلفة هذا المشروع الإصلاحي تبدو على المدى القصير كبيرة بالنسبة إلى القطاعين العام والخاص، لكن هذه المقاربة تشكل في المدى الأبعد أداة أساسية لإعادة بناء النمط الاقتصادي وتشجيع استيعاب الموارد البشرية الكفوءة في الاقتصاد المحلي بدلاً من استمرار دفعها قسراً نحو الهجرة إلى الخارج».