تشكو دعوات جامعة الدول العربية للسلطات السورية إلى وقف القتل وبدء مسار سياسي سلمي لحل الأزمة من عطب أساسي، هو عدم قدرة دول الجامعة على التأثير في القرار السوري الرسمي. وشجع فقدان هذه القدرة دمشق على رفض هذه الدعوات والتحفظ عنها أحياناً، والرد عليها بازدراء أحياناً أخرى. ويمكن القول إن التأثير العربي، عبر الجامعة، في دفع السلطات السورية إلى تغيير نهجها في التعامل مع المعارضين والمتظاهرين وبدء عملية إصلاحية سلمية، شبه معدوم. وتدرك دمشق انعدام هذا التأثير إلى حد أنها وصفت بياناً سابقاً لمجلس الوزراء العرب بأنه «كأنه لم يكن». هكذا تعتبر السلطات السورية أن إجماعاً عربياً على خريطة طريق لحل الأزمة يساوي صفراً. يذكر أن دولاً عربية توجهت إلى مجلس الجامعة، بعدما فشلت منفردة في إقناع السلطات السورية، عبر اتصالات مباشرة أو دعوات علنية، بوقف القتل والعنف ضد المتظاهرين. وفي موازاة ذلك، فشلت دول ذات مصالح في الإقليم، خصوصا تركيا، في كل مساعيها من أجل وضع حد لقتل المتظاهرين. وعلى الصعيد الدولي، سجل مجلس الأمن فشلاً مدوياً في إصدار بيان يطالب بإنهاء القتل، بفعل الفيتو المزدوج الروسي - الصيني. وحتى العقوبات المنفردة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفائهما، والتي لا تظهر تأثيراتها الفعلية إلا على المدى الطويل، لم تحمل السلطات السورية على إعادة النظر في نهجها. إذن، لا تشعر دمشق أن كل هذه الضغوط الخارجية، بما فيها العقوبات، تفرض عليها أي تنازل في التعامل مع المحتجين. لا بل تتذرع بهذه الضغوط من أجل تبرير نظريتها حول «المؤامرة» ونهجها في التصدي ل «العصابات المسلحة». وتطبق السلطات السورية هذه النظرية على المستوى الداخلي. بما يبرر لها، إزاء نفسها، استخدام أقصى العنف ضد المتظاهرين والمحتجين المدنيين في شوارع البلاد، واستهداف ناشطين بالاعتقال والقتل. وبمقدار ما يظهر المحتجون إصراراً على التعبير عن رفضهم لهذه السلطات، تمعن آلة القتل بملاحقتهم، إلى حد أن اعتقال وقتل العشرات من المعارضين بات روتيناً يومياً، يفلت من أي عقاب. أما الحديث عن انشقاقات في صفوف عسكريين، فهي لا تعدو كونها حالات فردية لفرار من الجندية. وبغض النظر عن المشاعر التي تدفع عسكريين إلى الانشقاق، لا تشكل هذه الظاهرة أي تهديد لآلة القتل السورية ولا للسلطات. فمن المعروف أن أي انشقاق جدي هو انشقاق وحدات بأسلحتها، وأن تكون هذه الوحدات قادرة على فرض سيطرتها على منطقة معينة وقادرة على حمايتها. ومثل هذا الأمر يبدو مستحيلاً في الجيش السوري، لأسباب تتعلق بتركيبته القيادية ومركز القرار فيه وفي وحدات أسلحته المختلفة. ما يعني أن أي انشقاق لن يكون أكثر من فرار، وأحياناً من دون السلاح الفردي. ومع بيانات من «الجيش الحر» عن عمليات ينفذها ضد الوحدات النظامية، فإنها تبقى نوعاً من عمليات مجموعة مسلحة وليست انشقاقاً عسكرياً قادراً على الضغط على مركز القرار. فمثل هذا الضغط لا يمكن أن يأتي إلا من وحدات كبيرة ومسلحة قادرة على قلب ميزان القوى الأمني. إذن، لا التحرك الخارجي، العربي والدولي، تمكن حتى الآن من إيجاد ترجمة له في ضغط مباشر على السلطات السورية. ولا التحرك الداخلي، تظاهرات وانشقاقات عسكرية، شكل تهديدا مباشرا لهذه السلطات يحملها على تغيير نهجها. هذا على الاقل ما تراه السلطات السورية، او ما تقدمه من تحليل، من اجل اعتبار انها غير مكرهة على اي تنازل، وانها تجاوزت مرحلة الخطر. لكن هذا الاعتبار الذي لا يؤدي الا الى اطالة المواجهة مع المعارضة هو الذي يوفر معطيات لتعديل نوعي لعناصر الازمة، بما سيؤدي حكما الى تعديل في طبيعة المواجهة وميزان القوى.