هل تدخل «نقابة الصحافيين» المصرية في نفق مظلم؟ هذا هو السؤال الذي شغل أبناء المهنة إثر صدور حكم قضائي بوقف إجراء الانتخابات على منصب النقيب ومجلس النقابة، والتي كانت مقررة الجمعة الماضي، بدعوة من نقيب الصحافيين بالإنابة صلاح عبدالمقصود. وأوضحت محكمة القضاء الإداري أن الحكم جاء بسبب مخالفة الدعوة إلى الانتخابات مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية الرقم 198 لعام 23 قضائية دستورية، والذي يوجب زوال مجلس النقابة (الحالي والداعي إلى الانتخابات)، برمته نقيباً وأعضاء، والذي أجري انتخابه وفقاً لأحكام القانون الرقم 100 لعام 1993. وكشفت المحكمة في أسبابها أن «الواقع الحالي وما تشهده البلاد من حرية حقيقية يفترضان إعلاء شأن الحرية النقابية، ومنح أعضاء النقابة الحق في أن يختاروا بأنفسهم قياداتهم النقابية التي تعبر عن إرادتهم وتنوب عنهم، وذلك فى إطار القوانين المشروعة التي تتفق مع أحكام الدستور». واعتبرت المحكمة أن إذا وُجهت دعوة الى الانتخابات من النقيب أو ممن ينوب عنه أو مجلس النقابة، كانت مخالفة لأحكام القانون، لأن ليس لهؤلاء سلطة أو اختصاص في توجيه الدعوة للجمعية العمومية للنقابة للانعقاد في اجتماع غير عادي لانتخاب النقيب والأعضاء. وعلى رغم صحة الحكم القضائي القاضي بوقف إجراء الانتخابات، فإنه يضع نقابة الصحافيين أمام مفترق طرق ويهدد بفرض الحراسة عليها وإعادة إنتاج الدوامة ذاتها التي عاشتها نقابات مهنية أخرى مرّت بتجربة فرض الحراسة، وبقيت كذلك نحو ربع قرن. تحركات... ومفارقات ويحاول الصحافيون التعامل مع مفاجأة الحكم بوقف إجراء الانتخابات عبر اتخاذ إجراءات، منها السعي إلى استئناف الحكم والطعن فيه، وفق تأكيد الصحافي ممدوح الولي (الأهرام) المرشح لمقعد النقيب، لافتاً إلى أن الاستئناف يعطي فرصة للحركة بفاعلية أكبر لاتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الشأن، ومحذراً من تأجيل الانتخابات حتى آذار (مارس) المقبل تجنباً لحدوث فوضى في النقابة. وإلى هذا الإجراء، يتبنى الصحافيون خيارات أخرى منها الدعوة إلى جمعية عمومية عاجلة في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري لمناقشة بندين: تحديد موعد لإجراء الانتخابات؛ وتشكيل لجنة لإدارة النقابة ريثما تجرى الانتخابات. وتحمّس الصحافي يحيى قلاش (الجمهورية) الذي كان مرشحاً لمقعد النقيب لهذا الخيار في بيان وجهه إلى زملائه، مؤكداً أن من الضروري الآن الحفاظ على وحدة الكيان النقابي. ودعا قلاش الذي يمثل ما يسمى ب «تيار الاستقلال النقابي»، إلى إدارة النقابة عبر لجنة مستقلة من رموز المهنة المشهود لهم بالكفاءة، يكون لها وحدها حق إدارة النقابة خلال أسابيع قليلة تسبق انتخاب النقيب وأعضاء المجلس الجديد. ومن مفارقات الأحداث أن أزمة وقف إجراء الانتخابات دفعت قلة من الصحافيين إلى المطالبة بإعادة النقيب السابق مكرم محمد أحمد، الذي أرغمته «ثورة 25 يناير» (كانون الثاني) على الاستقالة، إلى إدارة النقابة في جلسة واحدة يدعو فيها إلى إجراء الانتخابات، وهي دعوة تفاعل معها النقيب السابق وفق تصريحاته لفضائية «الحياة»، مطالباً بتمكينه من ممارسة دوره النقابي كنقيب للصحافيين ومزاولة عمله بدعوة الباحثين عن المتاعب إلى الانتخاب، وذلك عبر عقد لجنة لمدة عشر دقائق. وكانت المفاجأة التي أعلنها النقيب أحمد وأثارت استياء الصحافيين، تأكيداته أنه لم يتقدم بالاستقالة كما أشيع، لأن الورقة التي تقدم بها أشارت إلى توقفه فقط عن ممارسة العمل لحين استقرار الأوضاع وتهدئة الأجواء، خصوصاً بعد تعرضه للإهانة داخل النقابة. واستطرد قائلاً: «إذا لم يكن المجلس مقتنعاً بصحة قراره... فليذهب بتلك الورقة إلى المحكمة للفصل فيها». وأكد عدم ترشحه لمنصب النقيب للدورة المقبلة، وسط الأجواء السائدة حالياً، ولكنه قال إنه يحتفظ بحقه في العمل النقابي حتى آخر لحظة. لكن ذهاب مكرم أيضاً لن يسقط حجة الحكم القضائي في بطلان إجراءات الدعوة الى الانتخابات. وفي مواجهة هذا السيناريو، اعتبر الولي أن حكم المحكمة الخاص بتأجيل الانتخابات غامض ويثير علامات استفهام ستجيب عنها الأيام المقبلة، مؤكداً أن نقابة الصحافيين كانت تتميز بالالتزام طوال السنوات الماضية - دون سواها من النقابات - في تحديد موعد الانتخابات وإجرائها في مواعيدها. وحذر الولي من سيناريو إدارة النقابة من خلال «مجلس حكماء» حتى إجراء الانتخابات في آذار المقبل، لأن المروجين له كانت فرصتهم في الفوز ضعيفة وتلعب على وتر التأجيل حتى تتمكن من خوض الانتخابات والفوز بها. وفي قراءة أخرى، رحّب مدير تحرير جريدة «الحرية» (تحت التأسيس) محمد طعيمة بالحكم القضائي، معتبراً أنه «أوقف عملية اختطاف النقابة» من جانب ممثلي «الإخوان المسلمبن» في المجلس المنحل. وكشف أن إثر صدور حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان القانون الرقم 100 للنقابات المهنية وعدم دستوريته في منتصف كانون الثاني الماضي، تقدم خمسة من أعضاء المجلس ال 13 باستقالتهم احتراماً لقضاء المحكمة، مطالبين بالدعوة إلى انتخابات جديدة وفقاً لقانون الصحافة الرقم 76 لعام 1970، بينما تمسك ممثلو «الإخوان» وفلول النظام السابق بالبقاء في مجلس النقابة بعد الثورة. وعندما أجبر الصحافيون النقيب أحمد على الاستقالة، «ظنها» الإخوان والفلول «فرصتهما» الذهبية، واعتبرا أن الإخواني صلاح عبدالمقصود «احتل» منصب النقيب بالإنابة، فدعا إلى انتخابات تستحضر جوهر القانون الرقم 100، وهي محاولة أوقفها الحكم القضائي الأخير. وسأل الصحافي أحمد خالد (الأهرام) الذي كان مرشحاً لعضوية المجلس: «لماذا دعا صلاح عبدالمقصود إلى الانتخابات؟ فإما أنه وبقية الأعضاء كانوا يجهلون عدم قانونية الدعوة، وهذا يسيء إليهم لأنه يضعهم في خانة الجهل الدستوري والقانوني، وإما كانوا يعلمون وقرروا التلاعب بالنقابة وأعضائها من أجل غايات لا تصب في مصلحة الجسم الصحافي». لكن خالد استبشر بإجراء وقف الانتخابات، تحسباً لوقوع النقابة في «دوامة قانونية»، معتبراً أن «كثيرين من الصحافيين أدركوا أن هناك مؤامرة مدبرة للقضاء على نقابتهم يديرها بعض أعضاء المجلس الباطل، بالاشتراك مع جهات وجماعات يهمهما ألا تعود النقابة إلى دورها الحقيقي».