اختار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان الواقعية ليلجم أحلام اللبنانيين بنهاية قريبة لحرب التدمير الشامل التي تشنها اسرائيل لاستئصال القدرات العسكرية ل"حزب الله". هو لا يزال متشائماً بهدنة وشيكة، فيما مناقصات الحلول تتقدم وتتراجع لمصلحة حل يريده ايهود اولمرت"دائماً"، متسلحاً بالكثير غير البوارج والطائرات والمدافع: - بوحدة غالبية الاسرائيليين التي تؤيد حرب الإبادة على اللبنانيين وأطفالهم، وتتلذذ بمشاهد جثثهم وأشلائهم تحت الرماد الأسود الذي تضيع معه الأكفان وأسماء الشهداء، كأن المعادلة لدى اليهود: كل أسير بمليوني لبناني يذبحون لضمان أمن مجانين، مبدعين في اختراع أساليب بطش وتقتيل وتدمير، وإقناع العالم بأن بحور الدماء، دماء الأبرياء خصوصاً، وحدها تروي أرض"الاستقرار"في المنطقة. - يتسلح اولمرت أيضاً بعمى ألوان الحقائق يعمّ لدى الكبار ممن يدافعون عن حقوق الجزار، وهو يسوق اللبنانيين الى مقصلة الحقد بذريعة احتضانهم"حزب الله"، طوعاً أو قسراً. كم مرة سمح كبار مجلس الأمن بشرعية لمجازر يرتكبها جيش بحق مدنيين، يصطادهم كالدمى، بينما العالم يتفرج على جنون القتل الجماعي، ويتريث، فما زال في لبنان أحياء ينتظرون المقصلة، ويلعنون عجزهم، ولو خافت حيفا وأقفرت نهاريا...؟ - وينام اولمرت وعصابته على خاصرة العرب الرخوة، بعدما باغتهم"الوعد الصادق"ل"حزب الله"، كما فاجأ معظم اللبنانيين، وبوغت معهم ومع جميع العرب بالرد الاسرائيلي الذي اختار المذبحة الكبرى ليوقع الحزب في الفخ، كما ساق"حماس"من قبله الى نكبة قطاع الدمار في غزة، ويقود لبنان الى غزة ثانية، قبل أن يجر اليه سيناء بقواتها المتعددة الجنسية، الأطلسية - الأميركية. وعلى طريقة سفيره لدى الأممالمتحدة الذي استشهد برفض وزير لبناني اليد الطليقة ل"حزب الله"في لبنان وبمصيره، لن يربأ رئيس الوزراء الاسرائيلي في ايجاد حرج من السخرية بأهل البلد المنكوب الموعودين بنصر الحزب، المنكوبين بليل طويل من الدماء والركام... لن يجد حرجاً لأنهم ما زالوا يلعنون العجز العربي، ولم"يكتشفوا"سر قوة اسرائيل واختراعها شرعية دولية - أي شرعية - لتحطيم أي جار يتحدى، ولو بالابادة. اللبنانيون اختاروا تأجيل المحاسبة، في البحث عمن يتحمل مسؤولية اقتياد البلد الى الفخ، وتدميره وقتل مئات وتشريد عشرات الآلاف من شعبه. لكن وزيراً سابقاً خرق الاجماع ورأى في أشلاء الجثث علامات نصر ربما، استهجن سؤال بعضهم هل يستحق السعي الى فك أسر لبنانيين في سجون الدولة العبرية، اطلاق آلة الحرب الاسرائيلية الجهنمية على رؤوس ملايين كانوا يتمنون تضحية أخيرة من المقاومة بالرضوخ لأحلامهم بسلام دائم، والتنازل عن كل سلاح لتفادي نحر قدسية تحرير الجنوب في حروب عبثية... فإذا بالمذبحة الكبرى تباغتهم من وراء الحدود، ومن فوق كل الخلافات ومشاريع الوفاق والحلول المرحلية والمؤجلة. اسرائيل اختارت"الحسم"، ولن يفيد اللبنانيين شيئاً التنازع الآن على أوصاف الحرب ومبرراتها، فقدرهم ما زال طوابير شهداء ومدناً من الركام يسيّجها منذ أكثر من ثلاثة عقود نفق مظلم، آخره ضوء يخفت كلما اقترب! من المسؤول؟ المحاسبة مؤجلة، الى ما بعد اكتمال فصول التحدي والعبث والجنون، والبطش المكلل بتوابيت بلا أسماء. هل قدر اللبنانيين أن يذهبوا دائماً الى الضوء متأخرين؟ يسمعون بوش يحذرهم من محاولة سورية"العودة"!... لكأنه يروي نكتة في جنازة، هو الذي يأبى وقف القتل لأن الظروف"لم تنضج بعد". المذبحة ناضجة كفاية، سيد البيت الأبيض وشريكه في سيناريو قوات الردع الدولية الأطلسية، ايهود اولمرت، لا يتركان للبنانيين حتى حرية الاختيار بين الكفن الأسود في جنازة جماعية صاخبة، والمقاومة وصواريخها. فالقرار إعدام ودمار على الطريقة الأميركية في العراق، أرض محروقة تحت الليطاني قبل تسليمها الى القوات المتعددة الجنسية، وبعدها فصول اخرى من القتل - ربما بأيدي اللبنانيين - فوق النهر والمنطقة العازلة، لنزع سلاح"حزب الله". بعد الفلسطينيين ونكبتهم الأكثر سواداً من 1948، لا حل عربياً بعد سقوط بعض اللبنانيين في فخ التحدي، ولا حل لبنانياً ما دام بعضهم لا يثق بتفويض الدولة، ولا حل دولياً لأن بين الكبار من يبتلع الخداع الاسرائيلي بالتقسيط، ويصدق بسذاجة أن أميركا تخشى تعميم محنة العراق ومناطقه"الآمنة". الحل كما تريده عصابات اولمرت: تدمير الكيان اللبناني، وابادة من يعجز عن الهرب، قبل الهدنة.