يضيف رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت كل يوم حيرة جديدة لدى الساعين الى تصنيفه بين ساسة الدولة العبرية التي دمرت لبنان وما زالت تحاصره، لكن حالها مثل حال هؤلاء الغارقين في حصار تساؤلات، أدناها ينبني على خطوط مؤامرة، وأقصاها على افتراض سقطة حكمة كانت وراء حرب ال 33 يوماً. فالحقيقة الوحيدة ربما التي اعترف بها أولمرت هي"إخفاقات"جيشه في حملات تدمير من الجو، طاولت كل شيء لإبقاء اللبنانيين لفترة طويلة، رهائن الصدمة البشعة. تارة ينكر أن يكون هدف الحرب"تدمير حزب الله"، وأخرى لا يرى فيها أي نزاع مع الشعب اللبناني، لإغرائه بالسلام!... بالتالي، لماذا سقط اكثر من ألف شهيد، ألمجرد"ترويض"الحزب ل"تسييسه"كما يقول الأوروبيون، أم لإبعاد صواريخه الى شمال الليطاني، تحسباً لمنازلة مع ايران؟... ولزرع اللغم الكبير في وحدة اللبنانيين، بجعل سلاح المقاومة أكثر وطأة عليهم، وعلى هواجسهم؟ حتى الآن، ومنذ بدأت الحرب، نادراً ما صدق أولمرت، وهذه حقيقة يعرفها الإسرائيليون اكثر مما يدركها معظم اللبنانيين الذين يجمعون على مشاعر واحدة تجاه العدو، وباتوا يفهمون معنى ان يكونوا في آخر الصفوف العربية إذا قبِل بالسلام العادل، لئلا يدمروا ما بقي من وحدتهم بالضربة القاضية. كان جواب رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة على مشاعر"الغزل"التي افاض بها أولمرت، واضحاً وقاطعاً. وهو بذلك لم يكن يوجه رسالة الى الأميركيين المتهمين بالتواطؤ مع اسرائيل المثخنة ب"إنجازاتها"في الحرب بين"الدولة والحزب"، بمقدار ما يخاطب الداخل المنقسم على"الانتصار": لا اتفاق مع الدولة العبرية ولا اتصال مباشراً، بانتظار السلام العادل الشامل. اما الانقسام ذاته فلعله قدّم الذريعة لمن شن الحرب على كل لبنان، ليؤجج نار الشكوك والتشكيك، بحكومة السنيورة وصمودها لتبدو خصماً للمقاومة، وصمودها. في قمة الغباء الإسرائيلي، ذر رياح"الحوار والاتصالات المباشرة"مع الحكومة اللبنانية، لاستعجال إحياء الهواجس في الداخل، وتعميق شروخ طوتها موقتاً مرحلة التماسك في وجه العدوان على مدى 33 يوماً. وبالمثل، في ذروة الطيش الأميركي السكوت على معضلة الحصار الإسرائيلي، لتغذية أصوات لبنانية تشكك في جدية حكومة السنيورة، بل تطعن في إخلاصها، عبر تساؤلات عن السيادة، من دون التفكير بالأسباب التي احتجزت اللبنانيين جميعاً في أسر الحصار. أبسط الأسئلة، هل المطلوب من الجيش التصدي للطيران الإسرائيلي، فيرد بتدمير كتائبه التي أرسلت الى الجنوب، ويجهض اول تجربة جدية لاستحضار الدولة اللبنانية هناك؟ ام المطلوب استئناف الحرب لذبح... جميع الرهائن، من الجنوب الى الجبل الى البقاع وعكار وبيروت؟ مؤلم ان ينهار التوحد الوطني، أو يكاد، بجناحيه الحكومي والمقاوم، بعد ايام على هدنة تحتاج الى الكثير من نقد الذات بدل جلدِها وجلد البلد بالسهام التي تمارس القنص ضد الحكومة، بحجة ان لا بديل من التغيير، ومن وجوه جديدة... كأنها هي التي شنت الحرب على اسرائيل، ولا بد ان تدفع ثمن الدمار. ولكأن التحاق أي حزب أو فريق أو حتى الجنرال ميشال عون بالوزارة، يكفي لتلتئم جروح المصابين وآلام ذوي الشهداء، ليمحى الخراب وصُوَر الإبادة التي سطّرها عدو يعشق السلام مع لبنان! إن ابسط كلمة ينبغي ان تقال بكل بساطة لجميع الذين عادوا الى متاريس التراشق بالاتهامات هي: كفى تكفيراً للبنانيين بلبنانيتهم... كفى سطواً على الطوائف والمذاهب باسمها، على طريق احلام السلطة... ان اول موجبات الانحناء امام دماء الشهداء، الصمت امام رعب الكارثة، لعل"عقلاء"السياسة يدركون ان الهزيمة الفعلية هي استعلاؤهم على الحقائق، وادعاؤهم الحق المطلق واحتكار وصفة الخلاص، فيما آذانهم لا ترتاح الى أنين ضحايا المجزرة الإسرائيلية. آذان كثيرين منهم ترتاح الى الردح اليومي، لتجفف ما بقي من رمق لدى اللبنانيين الذين يتساءلون عن المنازلة المقبلة، وموعدها، وعن الرحيل الكبير، والتأهب له لئلا تباغتهم مثل 12 تموز يوليو، بعدما استنفدوا كل صمود. ... حتى الحوار بين الأقطاب، ما عاد حواراً، ولو بميثاق شرف، فكيف اذا اعتبره بعضهم خديعة؟! الخديعة الكبرى انكشفت، فلنخجل.