قبل ان يصبح اقتراح ارسال قوات الى العراق من دول عربية واسلامية مشروعاً قابلاً للتحقيق وضعت السلطات العراقية خطاً أحمر على هوية هذه القوات، فاستبعدت اي احتمال للقبول بقوات من الدول المجاورة للعراق. فما هي أبعاد هذا الاقتراح؟ ولماذا يستبعد العراق قوات دول الجوار؟ أولاً: قوات اسلامية الى العراق 1- لا يزال وضع العراق المقلق، الشغل الشاغل للكثير من الدول لا سيما الدول العربية، اضافة الى الدول المشاركة في قوات التحالف. ان شرعنة السلطة العراقية على يد مجلس الأمن وقيام الحكومة الموقتة والاعلان عن اختيار مجلس جديد واجراء انتخابات، كل ذلك لم يؤد الى هدوء البلاد واستقرارها، وانما استمرت أعمال العنف والقتل والخطف والتفجير وضرب أنابيب النفط. واستمر سقوط القتلى والجرحى بالمئات سواء من قوات الاحتلال أم من الشرطة العراقية أم من المواطنين العراقيين. 2- هذه الأوضاع الخطرة والمتفجرة دفعت جهات دولية وعربية الى التفكير في امكان مساعدة العراق على استعادة هدوئه وتهيئة الأجواء لامكان انسحاب قوات الاحتلال وهو أمر لن يكون ممكناً الا بوجود قوات تفرض الأمن في العراق ولا تثير حساسية المواطنين. وبناء عليه جرى التفكير في امكان نشر قوات من دول عربية واسلامية في العراق. وانطلقت هذه الأفكار بمبادرة من المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل. ودعي الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الى الرياض للبحث في هذه الأفكار. 3- وفي تقرير الأمير سعود الفيصل ان استمرار وضع العراق على ما هو عليه من غليان وعنف وارهاب سينعكس على كل دول المنطقة وبالتالي هناك "ضرورة لفعل اي شيء يغيّر الوضع من أساسه. وهذا يقتضي حكماً ارسال قوات اسلامية الى العراق. وكانت السعودية تشاورت مع واشنطن في هذا الأمر، فرأى فيه وزير الخارجية الأميركي كولن باول "مبادرة قابلة للدرس في مراحلها الأولى"، في حين وصفها عمرو موسى بأنها "مجرد أفكار سعودية وليست اقتراحاً". واعتبرت جامعة الدول العربية ان معايير ارسال قوات الى العراق عربية أو غير عربية ليست متوافرة حالياً خصوصاً بالنسبة الى موقف السلطات العراقية والى وضع القوات وقيادتها ومهماتها وعلاقتها بقوات التحالف. 4- وتوضيحاً لفكرة ارسال القوات الى العراق، عمدت السعودية، على لسان وزير خارجيتها الى تأكيد أمرين: طبيعة هذه القوات المقترحة والشروط التي بموجبها تتم دعوتها. أما طبيعتها ففي ثلاث: - انها ليست قوات تدخل. - وأنها ليست قوات مقاتلة. - وأنها ليست قوات غازية. يبقى الاحتمال الآخر وهو انها قوات "طمأنة". طمأنة من خلال هويتها الاسلامية، وطمأنة من خلال عدم وجود أي أطماع لديها في العراق، وطمأنة من حيث استخلافها لقوات التحالف. هذا اذا قبلت هذه القوات مبدأ الانسحاب والتبادل في حفظ الأمن. أما الشروط أو المعايير التي اقترحتها السعودية للاستعانة بمثل هذه القوات فهي أربعة: - أن يحظى مثل هذا الاقتراح بإجماع عراقي: طلب الحكومة وكل الأفرقاء ودعم شعبي. - أن تكون هذه القوات تحت مظلة الأممالمتحدة حيث ان مهمتها تحظى بموافقة الشرعية الدولية. - أن تحل هذه القوات، تدريجاً، محل قوات الاحتلال. - أن تلتزم الأممالمتحدة الاشراف على الوضع السياسي العراقي بما فيه اجراء الانتخابات واختيار السلطة العراقية الجديدة. وأما الدول التي اقترحتها السعودية للمشاركة في مثل هذه القوات فهي: باكستان، ماليزيا، الجزائر، بنغلادش والمغرب. وثلاث منها أعلنت حتى الآن رفضها المشاركة في مثل هذه القوات وهي: الجزائر وبنغلادش وباكستان حتى كتابة هذه السطور. ولكل منها أسبابها الخاصة، خصوصاً في ظل أعمال الخطف والقتل والتهديد التي تتعرض لها جاليات أجنبية في العراق لأهداف سياسية وابتزازية. 5- على العكس من ذلك يرى بعض المتطرفين ان ارسال هذه القوات الى العراق لا يهدف الى خدمة العراق والأمن فيه بمقدار ما يهدف الى مساعدة الأميركيين المحتلين على النأي عن المواجهة وخفض خسائرهم بتسكين الوضع. وفي رأي هؤلاء ان الزجّ بقوات اسلامية في العراق سيكون فرصة ثمينة جداً تسهم في اخراج قوات الاحتلال من مأزقها وفي المقابل تكون المدخل لتوريط العرب والمسلمين في ما رفضت أوروبا ان تقوم به في العراق ومعها حلف الأطلسي. وفي اعتبار هؤلاء المتطرفين ان تغيير الوضع في العراق لن يحدث الا بخروج الاحتلال. فاضطراب الأمن هو نتيجة طبيعية للاحتلال. وعند هؤلاء ان الاحتلال هو المشكلة وليس الأمن. وأن الأهداف الأميركية الجيو - استراتيجية من احتلال العراق تشير بل تؤكد، ان الأميركيين جاؤوا الى العراق ليبقوا فيه طويلاً لا لينسحبوا منه. وهذه هي المعضلة، وبالتالي ليس المطلوب مساعدتهم على البقاء بل اجبارهم على الرحيل. ثانياً: استبعاد قوات الجوار الشرط العام الذي وضعته السلطات العراقية الحالية للقبول بقوات اسلامية عربية وغير عربية هو الا تكون من دول الجوار العراقي أي تركياوإيران وسورية والسعودية والأردنوالكويت. لماذا هذا الاصرار؟ وما هي خلفياته التاريخية والجيو - استراتيجية؟ 1- في المنظور الجيو - استراتيجي العام، فإن طبيعة العراق الجغرافية تجعله بلداً محاصراً من أربع جهات: جبال طوروس من جهة الشمال التركي، وجبال زغروس من جهة الشرق الإيراني والصحراء من جهة الغرب السوري - السعودي، والبحر المقفل من جهة الجنوب الكويتي. وفي علم الجغرافيا السياسية ان أهل الجبال عادة يطمعون في أهل السهول. 2- بالنسبة الى الجار الشمالي، أي تركيا، فإن لدى العراق جملة تحفظات على الأداء التركي التاريخي باتجاه العراق ويمكن اختصارها بأربعة: أ - مشكلة الأكراد وموقف تركيا المعروف في ضرب الأقلية التركية وتهميشها ومنعها من السعي الى قيام ولو فيديرالية كردية وتهديدها الدائم والمستمر طوال العهود لكل محاولة كردية للاستقلال الذاتي، والتدخل لمنعها بالقوة. ومن هنا تدخلها الدائم والمستمر عبر حدود العراق الشمالية. ب - مشكلة التركمان وهي الأقلية التركية في شمال العراق حيث تجعل تركيا من نفسها حامية لهذه الأقلية ومدافعة عن حقوقها. ج - مسألة الموصل واستمرار الزعم التركي بأنها جزء من تركيا وأنها منذ زمن الانتداب جعلت جزءاً من العراق. ولا تزال لديها تحفظات ومطالب ومطامع هناك خصوصاً لما يسيل له لعابها وهو النفط في المنطقة. د - مسألة المياه بين تركياوالعراق حيث تستعمل تركيا سلطتها كبلد المنبع لكل من نهري دجلة والفرات لتتحكم بمياه النهرين على حساب القانون الدولي والمعاهدة الخاصة بالمجاري المائية غير الملاحية التي أقرت في الأممالمتحدة عام 1997. باختصار، لتركيا مطامع تاريخية في العراق ماضياً وحاضراً مما يخلق حساسية لدى بغداد حول مشاركة تركيا في ارسال قوات الى العراق. 3- بالنسبة الى الجار الشرقي، وهو إيران، هناك الكثير من الاختلافات بين الدولتين ما دفع وزير الدفاع العراقي للقول ان إيران هي العدو الأول للعراق. وبين هذه الاختلافات نشير الى ثلاثة أساسية: - سعي إيران الدائم للسيطرة على شيعة العراق الذين يشكلون غالبية السكان واستخدام كل السبل والوسائل لبسط نفوذها عليهم وبالتالي للهيمنة على الجنوب العراقي من البصرة الى النجف. - الصراع العربي - الفارسي حول المرجعية الشيعية: مرجعية النجف أم مرجعية قم؟ وهي مرجعية لها نتائجها ومفاعيلها الدينية والسياسية. - مشكلة شط العرب الذي راحت إيران تقضمه رويداً رويداً بفعل خوف القيادة في بغداد. وكان أحد أسباب الحرب التي أعلنها صدام حسين عام 1980 على إيران. وفي حين كان المجرى المائي العربي واسمه يدل عليه بكامله للعراق، أخذت إيران في عهد الشاه نصفه الأعلى مشطوراً بحسب عمقه الوسطي التلويج. ثم أكملت استيلاءها بالقوة على القسم المتبقي من عبادان حتى الخليج. فأصبحت ملكيته مناصفة على امتداده بين العراقوإيران. وفي الاطار ذاته فإن ذكرى الحرب الأخيرة بين البلدين لا تزال في الأذهان. وإن أول دولة ترتاح لضعف السلطة في بغداد هي إيران بكل تأكيد. أكثر من ذلك فإن من مصلحتها الاستراتيجية اخفاق كل سلطة في بغداد لا تكون موالية لها. 4- بالنسبة الى الجار الغربي السوري، هناك، اضافة الى الحدود الانتدابية بين البلدين، أمران أساسيان يؤثران في علاقة البلدين: أ - سياسة سورية الحالية بالعمل فعلياً لتحقيق سورية الكبرى الأمر الذي لا يرتاح له العراق باعتباره جزءاً منه معنياً به. فطالما كانت القاعدة الايديولوجية تنطلق من لبنانودمشق باتجاه بغداد: سواء في فكر أنطون سعادة أم في فكر ميشال عفلق. ويزداد الحذر هذه الأيام تجاه دمشق، ليس فقط من موقفها من العراق ومرور المقاتلين عبر الحدود حسب ما تزعم واشنطن، بل بوجود حكم موحّد في دمشق قادر على التأثير في الحكم "المشلّع" في بغداد. ب - مشكلة مياه نهر الفرات التي كادت تصل بين الدولتين الى حدود الحرب عام 1975 واضطرارهما الى القسمة بينهما بنسبة 58 في المئة للعراق و42 في المئة لسورية من طاقة النهر الذي تسمح تركيا بتدفقه الى سورية وهو منذ العام 1987 بمعدل 500 متر مكعب في الثانية. وهذا يجعل داخل الوعي العراقي حساسية تجاه الحكم في سورية. 5 - بالنسبة الى الجار الغربي الجنوبي وهو الأردن، فإنه على رغم تعاطف ظاهر بين السلطة العراقية الجديدة ومواقف الأردن من العراق، فإن بلاد الرافدين لا تنسى المطالب التاريخية للعائلة الأردنية المالكة في حكم البلدين. 6- تبقى الكويت وهي الدولة التي تختزن حساسية تاريخية ازاء العراق وأطماعه التاريخية فيها وحروبه الاحتلالية ضدها. وسيكون من الخطأ الفادح الاستعانة بقوات كويتية الى العراق في ظل التوجّس التاريخي لدى الجانبين الذي تحوّل في ظروف معروفة الى حقد وكراهية. باختصار، لا يمكن الحكم منذ اليوم على ما ستؤول اليه الأفكار السعودية بإرسال قوات اسلامية الى العراق. وما اذا كانت هذه القوات قادرة على حل المشكلة ام أنها ستخلق مشكلة جديدة، على ان الذين يفكرون بعراق الثمانينات في القرن العشرين يتخيلون دولة العراق تقود جيشاً من أكثر من مليون جندي هو الجيش الخامس في العالم كما وصفه الرئيس بوش الأب وها هي تتحول الى دولة تستجدي الجنود من الخارج. وتستثني دول الجوار خوفاً من مطامعها المتعددة والمختلفة الأبعاد والأسباب في العراق. أجل لقد انتقل العراق من دولة تخيف الى دولة تخاف