"في ظل الرئيس صدام حسين" كتاب بالفرنسية عن دار ميشال لافون، يحاول فيه المؤلف هيثم رشيد وهيب، نقل مشاهداته وتحليل شخصية الرئيس العراقي المخلوع في ضوء نشأته الفقيرة التي رافقت تعقيداتها تفاصيل تصرفاته وهو في أعلى المراتب، وتقديم صورة تعكس ممارسات الطغاة في كواليس الحكم وتجاوزات الحاشية والعائلة، وأحياناً جرائمهم. ويعتبر المؤلف شاهداً مميزاً في هذا الإطار، باعتبار انه كان رئيس البروتوكول في رئاسة الجمهورية العراقية منذ العام 1972 وحتى تاريخ هروبه من العراق العام 1993 مع زوجته وطفليه، بعد ثلاث محاولات اغتيال خلال 1991 و1992، نجا منها بأعجوبة. لكن الكاتب لم يدخل في تفاصيل هذه المحاولات وملابساتها، كما لم يشر بوضوح إلى مدبريها، لكنه يتوقف في تفاصيل مغامرة الفرار عند نسبه وحسبه الرفيعين، إذ أنه من قبيلة شمر التي دفعت بعد انتفاضة العام 1991 في أعقاب هزيمة القوات العراقية في حربها مع قوات التحالف ثمناً باهظاً تمثل في قتل 680 رجلاً وشاباً، بعضهم لم يبلغ الثالثة عشرة من العمر. وبينما يعدد المؤلف مناقب عشيرته وكرمها ووفرة أملاكها، يتناول في الوقت نفسه حياة الرئيس صدام منذ نعومة أظافره ويركز على الشحة المادية التي عاشها وعلى شخصية والدته "المزواجة" وكأنه يربط بخيط غير مرئي بين فظاظته والظروف المادية والعاطفية الصعبة التي عاشها، ويعرج في الوقت ذاته على مناقب الرئيس أحمد حسن البكر الذي كان صديقاً لوالده الجنرال في الجيش العراقي آنذاك. وحسب رواية المؤلف، فإن صدام دبر اغتيال والده في حادث سيارة في العام 1969 خشية أن يؤدي تحالفه مع البكر إلى تعزيز موقع الأخير وإبعاد صدام من مجلس قيادة الثورة العراقي، وهو ما كان البكر ينوي فعله نظراً إلى التأثير البالغ الذي كان يتمتع به والد المؤلف وصدقيته في أوساط القبائل، لا سيما في تكريت مسقط رأس صدام، كونه شيخ عشيرة شمر، هذه العشيرة الممتدة في الأراضي الأردنية أيضاً. ونستخلص من رواية المؤلف أن أحد شيوخ هذه العشيرة وفرّ له الإمكانات المادية التي أهلته في ما بعد لمغادرة عمّان لكن هذا الشخص سقط رمياً بالرصاص أمام باب بيته على يد مجهولين. يؤكد الكاتب أن تعاونه مع الرئيس العراقي منذ البداية، أي في العام 1972 كان قسرياً، فبعد تخرجه من كلية الحقوق التحق بوزارة الخارجية بتوصية من الرئيس البكر، وخلال مأدبة عشاء اقيمت على شرف رئيس الوزراء التشيكوسلوفاكي آنذاك، تساءل نائب الرئيس صدام حسين عن الشخص الذي يقف وراء تنظيم حفل العشاء، وبعد أسبوع ارسل في طلب وهيب منظم هذه المأدبة، أي الكاتب نفسه. وقابله لمدة عشر دقائق. يقول المؤلف إنه أحسها دهراً، لكنه خرج محملاً بساعة ذهبية ثمينة وبمبلغ محترم من المال اشترى به منزلاً فاخراً في بغداد. وعرض عليه صدام وظيفة في مكتبه، لكنه استغل حجة ضعف لغته الفرنسية ليطلب منحة دراسية في فرنسا قادته للالتحاق الشكلي بالبعثة الديبلوماسية العراقية في باريس عام 1973 التي بقي فيها حتى العام 1976 حيث أنجز رسالة دكتوراه في العلاقات الاقتصادية الدولية. ومن خلال جولة في ثنايا الكتاب، يتبين ان حياة المؤلف الطالب لا تمت بشيء إلى حياة الطلاب الجامعيين، وهو الذي يأخذ في كل صفحة من الكتاب على صدام وحاشيته، البذخ والترف والتبذير. فقد كان يقطن فندق جورج الخامس قرب أشهر جادة في العالم وأجملها، ألا وهي الشانزيليزيه، ويرتاد أفخر المطاعم العريقة. ومن خلال سرد مغامراته العاطفية الباريسية يحاول الكاتب مداعبة مشاعر الغربيين ليقدم صدام حسين كمعادٍ للسامية أو اليهود لغرض ترويجي بلا شك، فهو مثلاً أخفى علاقته بفتاة يهودية واضطر إلى انتهاج سلوك مغاير لطبيعته لتنفيرها خشية اغضاب مسؤوليه على غرار ما فعل مع زوجته ليجبرها على طلب الطلاق حفاظاً على حياتها وحياة طفليه، لأن صدام كان مصراً على إعادته إلى بغداد حياً لينكل به وينتقم منه بنفسه. ومن الأمثلة على مغازلة القراء الغربيين في كتابه قوله إن صدام حسين دمر معبداً يهودياً وأقام على أنقاضه في تكريت دارة له من دون أن يدلل على ذلك بإدراج اسم المعبد أو أية لمحة تاريخية عنه. وفي موازاة الأناقة التي اكتسبها الكاتب خلال اقامته الباريسية، إن على صعيد المأكل أو الملبس أو العطور، يمضي في التركيز على افتقار صدام حسين إلى هذه المميزات لأنه يفضل الأسلوب الانكليزي في الملبس ويتهافت وراء جودة نوعية النسيج، إذ يتراوح ثمن البدلة التي يرتديها بين 8 آلاف و15 ألف يورو في المتوسط. كما يتحدث عن قلة الذوق في الهدايا المقدمة، ويسرد على سبيل المثال سجادة يدوية قدمها للرئيس جاك شيراك يوم كان عمدة لمدينة باريس تسلمتها زوجته بواسطة المؤلف، وهي عبارة عن صورة شخصية للرئيس شيراك محاكة على كامل مساحة السجادة. لقد كرس المؤلف الجزء الأول من كتابه لما يشبه نبذة شخصية مقرونة بلمحة مختصرة عن حياة صدام ومع ذلك عاد وخصص بتكرار ممل باباً خاصاً عنونه "ولادة عفريت" وعاد فيه إلى البوابات منذ ولادة صدام حسين، مسلسلاً حسبه ونسبه وسنواته العجاف والاشاعات التي قالت بأنه لقيط وثمرة زنى، وبدايات طموحه السياسي، حيث استطاع خاله الذي تربى في كنفه التوسط له لدى أحمد حسن البكر لدخول الجيش. وفي الخمسينات شارك في التظاهرات المناهضة للملك فيصل الثاني، كما شارك في العام 1959 في محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس الجمهورية آنذاك عبدالكريم قاسم ودخل السجن والتحق بحزب "البعث" ثم نفي إلى سورية وبعدها إلى مصر. وتعود بدايات عطش صدام الدموي، كما يروي الكاتب، إلى سن الرابعة عشرة حيث حاول قتل أحد أساتذته لأنه أقدم على عقابه، لكن المعلم نجا من الموت على رغم جراحه البالغة. أما أول ضحية فعلية لصدام فكانت أحد أولاد عمه سعدون التكريتي الذي كان يشغل منصباً مهماً في وزارة التعليم، وقد قتله صدام في أحد شوارع بغداد بسبب إبعاد خاله خيرالله طلفاح من إدارة المدرسة، لكن سرعان ما اطلق سراح صدام بسبب عدم كفاية الأدلة. أما الضحية الثانية فكانت فتاة مصرية رفضت الاستجابة لتحرشه فقذف بها من شباك الشقة التي كان يقطنها أثناء لجوئه السياسي في مصر، لكن الكاتب لا يقدم اي دليل على هذه الحادثة التي لم يسمع بها احد. وبعد إطاحة عبدالكريم قاسم أصبح أحمد حسن البكر في 8 شباط فبراير 1963 رئيساً للوزراء في عهد الرئيس عبدالسلام عارف، فعاد صدام إلى بغداد حيث أصبح عضواً في المكتب الرئاسي بفضل ولائه، لكن سرعان ما عاد إلى السجن بعد فرض الإقامة الجبرية على البكر وباغتيال عارف في حادثة سقوط المروحية التي دبرها ابن عم صدام، على ذمة الراوي، اعتقد البكر وصدام أنهما سيتوليان مقاليد الحكم في البلاد. لكن عبدالرحمن عارف تسلم الحكم. وفي شهر تموز يوليو 1968 استطاع البكر ورئيس الحرس الجمهوري ورئيس الوزراء آنذاك شن انقلاب عسكري أوصل حزب "البعث" إلى السلطة. وينقل هيثم رشيد وهيب ان صدام كان يقول مراراً لقد وصلنا إلى الحكم بقطار أميركي. ويمضي الكاتب في تفنيد الآلية التي اتبعها صدام لإزاحة البكر عن سدة الرئاسة عبر إحكام قبضته على أجهزة الاستخبارات في البلاد والتحالف مع العشائر. وفي العام 1979 أبعد صدام البكر وعزل كبار قادة حزب "البعث" الذين كان يعتبرهم خصومه. ويروي الكاتب نقلاً عن أحد الوزراء أن الرئيس جمال عبدالناصر استقبل صدام عام 1969 وفي أعقاب المحادثات تساءل عبدالناصر من أين أتى البكر بهذا الرجل، وقال: "أحذروه، انه غبي وقاطع طرق". لكن الرئيس البكر رد على تحذيرات نظيره المصري التي نقلها إليه أحد الوزراء، بالقول: "لا يمكننا أن نثق بأحكام عبدالناصر إطلاقاً فهو لم يتوقف لحظة عن حياكة المؤامرات ضد الحكومة العراقية". وبعد سياحة ودراسة استمرت سنوات تحت غطاء منصب ديبلوماسي صوري في باريس، عاد الكاتب إلى العراق ليتولى رئاسة قسم التشريفات في القصر الرئاسي، بمعنى آخر، عهد إليه بتنظيم جدول لقاءات الرئيس وتحركاته اليومية واستقبال الزوار والرد على المحادثات الهاتفية ومرافقته في جولاته على المدن والقرى العراقية. ويؤكد الكاتب ان القصر الرئاسي كان يحتوي على استديوهات بث تلفزيوني واذاعي تحسباً لأي محاولة انقلاب والاستيلاء على الاذاعة والتلفزيون ولتسجيل مداخلاته المتلفزة مسبقاً، وكل ذلك من باب الحيطة والحذر والتمويه على مكان وجوده، هذا التمويه كان شاغل صدام وهاجسه اليومي الاساسي. وفي هذا الاطار كان الطهاة يعدون 250 طبقاً مختلفاً من الطعام في كل قصور صدام ومزارعه ثلاث مرات يومياً من دون ان يعرف احد متى يخطر على بال الرئيس ان يباغت موظفي القصر واين يرغب في تناول وجبته. وعلى رغم هذا الاسراف في الانفاق على الطعام كان يتلقى الخبز يومياً من باريس الى جانب الاجبان والكافيار فان صدام لم يكن يتناول إلا طبقاً وحيداً هو "القوزي" يعده له الطاهي الذي خدم الملك فيصل الثاني، وكان يرافقه في كل تنقلاته الداخلية والخارجية لان صدام كان يرفض تناول الطعام لدى المضيفين حتى لدى صديقه فيدل كاسترو عام 1976 في قمة دول عدم الانحياز التي استضافتها هافانا، وكان ينقل اثاث غرفة النوم معه على متن طائرته الخاصة ويتركه لدى مغادرته كهدية للمضيف. وبعيداً عن رواية المؤلف سرد المنتج السينمائي التونسي طارق بن عمار حادثة شاهدها بأم عينه، ومفادها ان الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة منع صدام من تناول الاطعمة التي اعدها الطاهي الذي رافقه من بغداد قائلاً له: "انت ضيفي ولا بد ان تأكل مما آكل، وإلا فلا خيار لك، الا ان تموت جوعاً"! ومما يثير الدهشة في هذا الكتاب عدم قيام المؤلف بمغادرة البلاد والفرار قبل العام 1993، علماً انه كان كثير السفر والترحال كونه كان المسؤول ايضاً عن التمثيل الديبلوماسي العراقي في ثمانية بلدان افريقية وكان يتمتع برتبة سفير وأمضى في ما امضى سبعة شهور كاملة في العاصمة السنغالية داكار، إضافة الى الرحلات التي لا تحصى الى كبريات العواصم الاوروبية لحمل هدايا الرئيس الى اصدقائه من المسؤولين وشحن الطائرة الخاصة التي كانت تنقله بالاحتياجات التي يطلبها صدام وانجاله. ويعترف الكاتب انه كان يمارس المديح مع الرئيس العراقي لارضاء غروره ونرجسيته وتبديد شكوكه وحذره والحصول على عفو رئاسي يشمل حسب تعبيره، عدداً من المحكومين ظلماً وبهتاناً. ومن الامثلة على احتقار الرئيس العراقي لجميع المتعاونين معه، يروي الكاتب انه عرض على الرئيس فكرة اقتناء مجموعة من كلاب الرعاة المعروفة في اسكوتلندا بسبب ولعه بالحيوانات التي كانت تملأ مزرعته، فرد عليه صدام قائلاً: "ماذا افعل بها فانتم تقومون بدورها على اكمل وجه". وكان حينها محاطاً بمساعديه وحراسه وكبار المسؤولين. ان اهم ما يميز صدام في رأي الكاتب، جنون العظمة. إذ كان بوسعه اغداق الملايين على من يحسن التغزّل بشمائله وفضائله وجبروته وعظمته من دون حساب، على غرار ما كان يفعل شعراء المديح في بلاط الملوك وقصور الخلفاء العباسيين. ولا أدل على ذلك من انتشار صوره في مختلف الشوارع والطرقات والمباني العامة وبيوت المواطنين والدوائر الرسمية، فقد كتب احد الصحافيين الاميركيين الذي قدم الى بغداد لتغطية احتفالات عيد ميلاد صدام بدعوة من وزير الاعلام: "لقد حسبت ان عدد سكان العراق 14 مليون نسمة، لكنني اكتشفت ان العدد يصل الى 28 مليوناً نصفه صور للرئيس العراقي". وتقول روايات ان العدد وصل الى 32 مليوناً. وكان صدام حسين يبالغ إذ وهب ويبالغ اذا غضب ويبالغ اذا عاقب. فبعد رحلته الى كوبا للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز ارسل لصديقه كاسترو 25 سيارة مرسيدس جديدة مصفحة على غرار السيارات التي كان يقتنيها ويفوق عددها ال20 الف سيارة من الماركات الفاخرة الشهيرة وكلها مصفحة وعجلاتها مصنوعة من مواد مقاومة للرصاص. ويؤكد المؤلف ان صدام امر في 1993 عندما تخرج ابنه البكر عدي من كلية الهندسة في جامعة بغداد بتوزيع ساعات ذهبية على جميع طلاب دورته احتفاء بالمناسبة. ويبدو ان صدام كان مولعاً بحياة الامراء والعائلات المالكة وكان يقلدها في حركاته وسكناته الى درجة انه استاء جداً ذات مرة عندما تجرأ وزير فرنسي خلال محادثات أجراها معه على وضع رجل فوق رجل في حضرة الرئيس ووصلت الامور الى شفير الازمة الديبلوماسية لولا تدخل الكاتب الحكيم الديبلوماسي، والعهدة على الراوي، الذي اكد ان صدام حسين كان معجباً جداً بالأميرة ديانا والأمير تشارلز حيث لم يفت لقطة واحدة من مراسم زفافهما وكان يستجلب زهور الاركيدة نفسها التي زينت بها كاتدرائية وستمنستر من سنغافورة ليملأ بها قاعات قصوره، وقد اعجبته العربة التي أقلت العروسين الى درجة جعلته يرسل مؤلف الكتاب الى العواصم الأوروبية لايجاد عربة ملكية واصطحابها الى بغداد. وعثر الموفد على الضالة المنشودة بعد جهد جهيد في فيينا، حيث استطاع شراء العربة التي كانت تملكها الامبراطورة ماري تريز في مقابل مليونين ونصف مليون دولار. وإذا كان صدام لا يمت بصلة الى السلالات الملكية فقد أراد التقرب منها عن طريق المصاهرة، عندما طلب يد أميرة عربية لابنه عدي لكن طلبه رُفض بلباقة وديبلوماسية. لقد كرس هيثم رشيد وهيب مقاطع مطولة من كتابه لعلاقة صدام بأولاده وحكايتهم مع المخدرات والنساء. يقول الكاتب: لقد رباهم صبياناً وبناتاً على مبدأ ان ما يريدونه يجب أن يحصلوا عليه عن طريق الفرض لا الطلب وباستخدام العنف، لأن كلمة التحريم كانت ملغاة من قاموس تربيتهم. فقد كان عدي مثلاً يغتصب من الفتيات من شاء ومن النساء أيضاً. وكان سادياً الى درجة انه كان يصر احياناً على اخطار الزوج بما فعلت زوجته، ومن لم يستجب لرغباته من الفتيات كان يشبعهن ضرباً وتنكيلاً الى حد الموت أحياناً، كما كان يفرض على مديرات المدارس في المناطق الفقيرة ارسال مجموعات من التلميذات والطالبات ليختار من بينهن ضحاياه، ولم يكن يوفر حتى بنات المسؤولين، وذات مرة اغتصب ابنة وزير الرياضة، وعندما اشتكى والدها الى الرئيس صدام قال له الأخير "اترك أولادي يتسلون كما يحلو لهم يا رجل". وعلى سيرة التسلية فإن صدام لم يكن مقصراً في هذا الميدان على رغم زيجاته المتعددة بطريقة تشليح الرجال لزوجاتهم، أو رغماً عنهن، فزوجته الأولى هي ابنة خاله ساجدة التي انجب منها ثلاث بنات هن رغد ورنا وحلا وصبيين هما عدي وقصي. وكانت ساجدة مغرمة بطيار يدعى "أمير" كان يعمل لحساب وزارة الزراعة، وقد بقيت الزوجة المفضلة لصدام على رغم زواجه عام 1989 بسميرة الشهبندر المتحدرة من عائلة بغدادية من أصول ايرانية، وكانت متزوجة من مهندس طيران يكبرها سناً ولها طفلان، تعرف اليها عن طريق طباخه كامل حنا وأجبر زوجها على طلاقها تحت طائلة الاغتيال مع ولديه، ففضل الترقية في العمل حيث أصبح عضواً في مجلس ادارة شركة الطيران الوطنية وحصل على منزل فاخر وسيارة مرسيدس ومنحة دراسية لولديه في الخارج. لكن ساجدة اغتاظت من هذه الزيجة وتركت بغداد. وحسب رواية المؤلف، فإن عدي قتل حنا لأنه كان السبب في ادخال سميرة الى حياة الرئيس. وفي العام 1995 تزوج صدام للمرة الثالثة المديرة العامة لهيئة الأرصاد الجوية آنذاك نضال الحمداني وكانت هي الأخرى متزوجة ولها بنت وصبي، ولما رفض زوجها قام رجال من الاستخبارات بايعاز من الرئيس باختطافه مع ولديه واختفى الى أن أجبر على طلاق زوجته فعقد صدام عليها قرانه بعد فترة العدة وكوفئ الزوج المهجور في نهاية المطاف بمنصب مرموق في وزارة الخارجية. ومرة أخرى اغتاظت الزوجة الأولى ساجدة من هذه الزيجة وغادرت بغداد لتعتصم في مقرها في الموصل، فغضب صدام من هذا التصرف وعرض قصورها الثلاثة الواقعة على ضفة نهر دجلة للبيع، لكن عدي توعد من يشتري اياً من هذه القصور بتهديمها على رأس ساكنيها فسحب المهتمون بهذه الصفقة عروضهم، لكن سرعان ما انتهت هذه الزيجة بالطلاق، فتزوج صدام على الفور بامرأة رابعة هي مدرسة لغة انكليزية قدمتها اليه رئيسة الاتحاد النسائي. ويروي المؤلف ان طاقماً خاصاً كان يتولى شرح رغبات الرئيس وما يجب فعله أو تجنبه قبل دخول الفتاة أو السيدة غرفة صدام. وقد أقدم الرئيس العراقي على طلاق زوجته الرابعة بعد أربعة شهور فقط ليتزوج قبل سقوط النظام بقليل للمرة الخامسة بطبيبة أطفال لا تتجاوز السابعة والعشرين من العمر وهي ابنة صديق قديم تولى لاحقاً منصب نائب الرئيس ووزير التسلح وهو عبدالتواب ملا حويش. وهناك قاسم مشترك آخر بين صدام وولديه، فالى جانب اباحة العروض والاغتصاب كان الثلاثة يعانون من آفة المخدرات والكحول حسب المؤلف. وتعود علاقة صدام بالمخدرات الى العام 1968 تاريخ دخوله الحكومة العراقية. الا ان هواية صدام كانت تدخين السيجار الذي كان يرسله له صديقه كاسترو من مخزونه الشخصي. ويروي الكاتب أن الطبيب الخاص لصدام كان يزور الرئيس يومياً في الصباح ليقف على حاله النفسية وحقنه بالمهدئات عند الحاجة قبل بدء مواعيده، أما عدي فكان أكثر ادماناً على المخدرات من والده لأنه كان يعتقد بأن زيادة الجرعات تساعده على التغلب على العجز الجنسي الذي أصابه بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها، في حين كان قصي مدمناً على الكحول فقط. إن الغريب في أمر المؤلف الذي أظهر في كل صفحة من كتابه انه تعاون مع صدام استناداً الى المبدأ القائل "مكره اخاك لا بطل" وكان شاهداً مميزاً على الكثير من الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها صدام وأولاده وحاشيته، انه لم يدبر فراره قبل العام 1993، علماً أنه كان كثير التنقل بين عواصم العالم وعلى علاقة بشبكة واسعة من أصحاب النفوذ. انه تساؤل يحرق شفاه القارئ على مدى حوالى 250 صفحة!