في عام 1948، شردت دولة اسرائيل الوليدة نحو 750 الف لاجئ فلسطيني، انتقلوا الى دول عربية وخلفوا وراءهم مزارعهم ومنازلهم وممتلكاتهم لتستولي عليها عصابات صهيونية. في السنوات اللاحقة غادر نحو 800 ألف يهودي البلدان العربية ليستقروا اما في اسرائيل او في اوروبا، وكانت الجالية العراقية هي الاكبر عدداً بينهم. نعيم دنغور بليونير يهودي عراقي مقيم في لندن، نصّب نفسه عام 1970 أميراً ليهود بابل "اكزيلارك" وهو منصب شغله حاخامات يهود تولوا تسوية مشاكل اليهود في الشرق حتى عام 1270. حاول دنغور "البقاء والتمسك بأرضه" في العراق الى ان "نصح بعدم العودة" من رحلة عمل قام بها الى لندن في الستينات غداة انقلاب شباط فبراير عام 1963. يستعيد دنغور في حديث الى "الوسط" ذكرياته في بغداد "مدينته" التي يرغب في رؤيتها اليوم بعدما تجاوز عدد سكانها الخمسة ملايين نسمة، بينما كان عددهم عندما غادرها لا يتجاوز 200 الف. يتحدث دنغور من مكتبه الفخم في منطقة ماي فير اللندنية الراقية حيث يعتلي مبناه لافتة كتب عليها منصبه "اكزيلارك" اليهود والى جانبه نجله دانيال الذي غادر العراق وهو في العاشرة من عمره، عن ايام بغداد القديمة عندما كانت الجالية اليهودية في العراق الأكبر والأكثر ثراء في العالم العربي. "كان جدي عزرا كبير الحاخامات في العراق الذي كان يضم اكبر جالية يهودية" في العالم العربي، يتذكر ثم يخرج دليلاً الى ذلك: "هذه صورة مدرسة البنات اليهودية في بغداد" التي "كانت تضم سبعة آلاف طالبة". مكتب دنغور بغدادي بامتياز، اذ تملأه صور بغدادية وخرائط قديمة للعراق وعاصمته، علاوة على كتب عربية على رأسها "دليل العراق" الذي جمعه والده "اكبر ناشر في عراق ذلك الزمان". "زوجتي انتخبت ملكة جمال بغداد في كانون الأول ديسمبر عام 1946 وكانت تلك الانتخابات الاخيرة"، يقول شاهراً بفخر صورة زوجته في صباها من بين مجموعة صور بالابيض والاسود، لا يزال يغرق في ذكرياته كلما عبث بها. ومن ثم يخرج من جعبته التاريخية صورة أخرى له ولزوجته "الملكة" اثناء استقبالهما في طهران 1971 لحضور احتفال ضخم أقيم ابان عهد الشاه محمد رضا بهلوي في ذكرى مرور 2500 عام على قيام الامبراطورية الفارسية. ويقول: "أبلغني سفير ايران انه لا يمكن ان يقام احتفال من دون يهود العراق لدورهم المهم في تاريخ هذه الامبراطورية". التعايش الاسلامي - اليهودي وعن التعايش الاسلامي - اليهودي في العراق، يتخذ دنغور من صداقته مع شريكه أحمد صفوت العوا نجل السياسي الملكي صفوت باشا الذي توفي قبل سنوات في تركيا، دليلاً الى علاقة مبهمة اصلاً شوهها الصراع العربي - الاسرائيلي، ثم يضفي عليها بعضاً من الاطراء على الديانة الاسلامية التي يعتبرها "أصيلة اكثر من اليهودية". "عندما التقيت وزير المال البريطاني غوردن براون حدثته عن ميزات البنكية في الاسلام اي منح قروض بلا فوائد. فقال لي: تريد ان تقلب الاقتصاد البريطاني على رأسه، فأجبت: لا، اريد ان اضعه على قدميه. وبعد ايام امر براون بمنح الموظفين الحكوميين قروضاً بلا فوائد، وكانت تلك ثمرة حديثنا". يعرف دنغور نفسه ب"يهودي عراقي" يرغب في استعادة جنسيته التي سلبت منه في العراق. فيهود العراق "مختلفون عن غيرهم في العالم العربي"، حسب دنغور، لأن "تاريخهم فيه يعود الى ما قبل اعتناقهم اليهودية". ويقول: "نحن يهود العراق مختلفون عن يهود ليبيا ولا يمكن مقارنتنا بهم. جذورنا مرتبطة بتاريخ العراق. فإبراهيم الذي يعتبر أب العرب وأبانا ايضاً ولد في العراق. نعتقد بأنه بلد منشئنا". وكمثال على "وطنية" أبناء ملته، يذكر دنغور حادثة وقعت في لندن: "اشتريت مركزاً لليهود العراقيين في لندن، وكانت ملكية المركز تعود اساساً الى ايرانيين، وعندما علموا اننا يهود عراقيون قالوا لنا انتم الذين دمرتم الامبراطورية الفارسية لأنكم جئتم بالعرب والمسلمين لاحتلال العراق ومن ثم ايران". حادثة الفرهود بدأت الحياة "السعيدة" التي يصورها دنغور للجالية اليهودية تتبخر مع العد العكسي لقيام دولة اسرائيل. ففي عام 1941 واثناء الاحتفال بعيد "شافوت" اليهودي قُتل حوالي مئة يهودي في اعمال شغب اجتاحت مدينة بغداد وخلفت اضراراً مادية بالغة. كانت الحادثة التي اطلق عليها اسم "مجزرة الفرهود"، ذات تأثير بالغ في اوضاع اليهود العراقيين، لكن قيام دولة اسرائيل عام 1948 شكل الضربة القاصمة للعلاقة بين العراقيين واليهود، فبدأت دفعات الهجرة تتوالى، تحت ضغط اسرائيل التواقة الى يهود جدد يسدون ثغرة ضعفها الديموغرافي في مقابل الكثافة السكانية للعرب، وضغط عربي نابع من معاداة الصهيونية ومشاعر قومية لا تخلو من "جنون فاشي" كما يقول. لم يرحل اليهود فوراً اثر وقوع حادثة الفرهود، على رغم وقعها في نفوسهم، لكن "سنوات الضغط" الاعلامي والشعبي مهدت لموجة هجرة كبيرة. هاجر يهود العراق على دفعتين، كانت الاولى بين عامي 1950 و1951 وهي الاكبر، فيما جاءت الثانية بعد انقلاب البعث عام 1963 ولحق بهم آخرون على دفعات متواصلة بعد انقلاب البعث الأخير عام 1968. انتقلت غالبية الدفعة الاولى الى اسرائيل التي استوعبت الوافدين الجدد في مخيمات، ليعاد نقلهم لاحقاً الى مستوطنات ومدن اسرائيلية، في عملية اطلق عليها اسرائيلياً اسم "عزرا ونيشيميا". يقول دنغور الذي كان في عداد الدفعة الثانية ان اليهود كانوا امام قوتين اثنتين: دفع وسحب، "الاولى هي ارض وطننا العراق الذي عشنا واجدادنا فيه منذ آلاف السنين ما يدفعنا الى البقاء، فيما تتعلق الثانية بديانتنا التي تقول اننا سنعود الى القدس وسنعيد بناء هيكل سليمان". ويروي ان "اليهود اجبروا على توقيع أوراق لدى خروجهم عام 1951 يتنازلون بموجبها عن جنسياتهم وممتلكاتهم في العراق". اما الدفعة الثانية فرحلت بعد صدور قانون في عهد الشراكة بين الرئيس الراحل عبدالسلام عارف وحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963، يقضي بعودة اليهود الذين في الخارج في غضون ثلاثة أشهر وإلا تسقط عنهم جنسياتهم. ونفذ النظام الجديد وعيده، فمن رفض العودة منهم وهم الغالبية سُحبت جنسياتهم وصودرت ممتلكاتهم ومنعوا من العودة. "كنت وشريكي احمد صفوت العوا نبني المصانع فيما كان اليهود يغادرون تباعاً من العراق" يتذكر دنغور بلهجة تؤكد تمسكه القديم بأرض وثروة خسرها. "حصلنا على رخصة كوكا كولا وشيدنا مصنعاً لانتاج هذا المشروب، وأقمت لاحقاً مصنعين لصنع الملابس". يحاول دنغور ككثيرين من اليهود، ابراز الأهمية الاقتصادية لابناء جلدته، مذكراً بمخاوف الحكومة العراقية من انهيار الاقتصاد في حال هاجر اليهود دفعة واحدة: "كان رئيس الوزراء العراقي عام 1951 توفيق سويدي يتخوف من انه في حال رحل اليهود سينهار الاقتصاد العراقي وكانوا يسألون الجالية اليهودية: كم تعتقدون سيرحل من اليهود؟ فتوقعوا ربع او ثلث الجالية. وفي النهاية غادر حوالي 75 في المئة منهم. لأن قوة السحب اسرائيل كانت اقوى من الدفع". اما "نصيب" دنغور فجاء في الدفعة الثانية، يقول: "كنت اذهب واعود من لندن واليها، ووصلتني رسالة تقول إنه اما تعودون الى العراق في غضون ثلاثة اشهر او تخسرون جنسياتكم. وعدت الى لبنان لأستطلع الأمر والتقيت شريكي العوا هناك الذي نصحني بعدم العودة. وقلت وقتها: سأعود الى لندن وليأخذوا أملاكي وجنسيتي... لن آبه بذلك". وعلى رغم رحيل دنغور وحوالي 15 الف يهودي، يعود ليعطي مثالاً تاريخياً على تمسك اليهود بأرضهم: "في عام 596 سبى الملك نبوخذ نصر اليهود الى العراق، لكن خليفته عاد وسمح لهم بالعودة الى القدس، وكان عددهم يبلغ تقريباً 140 الفاً. وهو رقم مماثل لتعداد اليهود العراقيين عام 1950. وهذا أمر غريب فالبلاد لا يمكن ان تحتمل اكثر من 140 الف يهودي. وعاد وقتها 40 الف يهودي فقط الى القدس، فيما فضل مئة الف منهم البقاء في العراق". لكن حتى بعد خروج دنغور وآلاف اليهود، اقدم نظام البعث لاحقاً على اعدام مجموعة من اليهود بتهمة العمالة لاسرائيل. ملف التعويضات يعتبر موضوع التعويض المادي ليهود العالم العربي، بالنسبة الى اسرائيل، أحد أهم أوراقها في مفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين، في مقابل حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين صدرت في شأنهم قرارات دولية تضفي شرعية قانونية على حقوقهم، بعكس "نظرائهم" اليهود. لكن اسرائيل كانت "حذرة" دوماً في فتح هذا الملف، خوفاً من "ينقلب السحر على الساحر". وكانت اطراف يهودية اثناء اتفاق كامب ديفيد مع مصر، حاولت طرح موضوع "اللاجئين اليهود"، لكن الموضوع طوي اسرائيلياً خشية ظهور مطالب فلسطينية مقابلة لها تضع الدولة العبرية في موقف حرج. ويحاول بعض اليهود الراغبين في العودة، مثل دنغور، ألا يلحقوا الأذى بالدولة العبرية، من خلال تقديم قضيتهم كقضية منفصلة عن اليهود الذين هاجروا الى اسرائيل في منتصف القرن الماضي. يقول دنغور: "هناك قسمان من اليهود العراقيين: الذين غادروا العراق في مطلع الخمسينات الى اسرائيل، اما نحن القسم الاكثر ثراء من الجالية ويبلغ عددنا نحو 15 الفاً فغادرنا في الستينات عهد البعث. وصادروا اموالنا وسحبوا جنسيتنا من دون سبب، فقط لتطبيق ذلك القانون القاضي بالعودة في غضون ثلاثة اشهر. اعتقد بأن هذين القسمين يجب معاملتهما بطريقة مختلفة". لكن الاسرائيليين لا يرون الشيء ذاته، فعندما اعادت وزارة العدل الاسرائيلية بمبادرة من وزير الامن الداخلي السابق موشي شاحال من أصول عراقية فتح القضية في أيلول سبتمبر الماضي، لم يتم الفصل بين هاتين الدفعتين. كما سربت وسائل اعلام اسرائيلية تعميماً داخلياً لوزارة العدل جاء فيه ان "وزير العدل العراقي المنتظر خالد عيسى طه لم يعين وزيراً يعد باعادة المتروكات اليهودية في كل أرجاء العراق والتي تقدر بعشرات البلايين من الدولارات، لكن بهدوء ومن دون ضجة اعلامية". وجاء ذلك بعد تأكيد شاحال العثور على الطابو العراقي السجل العقاري في حال جيدة، مشيراً الى احتوائه سجلات الأملاك اليهودية المصادرة. ولعل ورقة الضغط الاسرائيلية في هذا الشأن تكمن في الأموال العراقية المجمدة في الولاياتالمتحدة والتي تقدر بثلاثة بلايين دولار، خصوصاً مع انعدام الأمل على الأقل في الاعوام القليلة المقبلة بتحقيق تقدم ملموس على مسار المفاوضات مع الفلسطينيين. ففي حال "موت" عملية السلام، ليس من المستبعد ان تحاول اسرائيل الحصول على تعويضات عن ممتلكات يهود العراق. وكانت وزارة المال الاسرائيلية اشارت الى انه "عندما يجري الحديث عن اعادة الاموال المتروكة في العراق تتركز الأنظار على الاموال العراقية المجمدة في الولاياتالمتحدة والمقدرة بثلاثة بلايين دولار"، مؤكدة وجود مبلغ مماثل في المصارف السويسرية! لكن وزير العدل العراقي هاشم عبدالرحمن الشبلي نفى وجود اتصالات مع الدولة العبرية في شأن اليهود العراقيين، مؤكداً ان احداً لم يفاتحه بهذا الموضوع "لا الاميركيون" ولا غيرهم. وعن احتمال اقدام الاميركيين على دفع تعويضات لليهود العراقيين في اطار حل للصراع العربي - الاسرائيلي او غيره، اعتبر الوزير في حديث الى "الوسط" في لندن ان هذا "شأن خاص بين الاميركيين واليهود انفسهم"، مشيراً ان لا علاقة للعراقيين في حال حدوث ذلك. وقال الوزير الشبلي إن اليهود "رحلوا عن العراق بقرار سياسي ولن يعودوا اليه الا بقرار سياسي"، نافياً صدور اي قرار من مجلس الحكم في هذا الشأن، كما روجت احدى الصحف العراقية اخيراً. واضاف ان مجلس الحكم منشغل بأمور كثيرة، ولم يبحث بعد في هذا الأمر، على رغم معلومات تفيد عكس ذلك. لكن دنغور الذي يتمتع بعلاقات دولية واسعة يقول: "الآن، هل سيعود 300 الف يهودي عراقي في اسرائيل الى العراق. لا العراقيون سيقبلون بهذا ولا اسرائيل تريد ذلك، لأنه سيخفض نسبة اليهود فيها. اضافة الى ان ذلك يعتبر سابقة يستفيد الفلسطينيون منها لجهة حقهم في العودة الى منازلهم. ستقول اسرائيل اذا عدتم جميعاً الى منازلكم لن تعود هذه الدولة موجودة. ولذلك فإن كل ما تقوم به اميركا في العراق يجب مراجعة اسرائيل فيه، خصوصاً في ما يتعلق بالتعويضات، لأنها اذا دفعت تعويضات لليهود في اسرائيل، سيأتي الفلسطينيون ويقولون هذه منازلنا وكانت تساوي 10 آلاف والآن تساوي خمسة ملايين. واسرائيل لا تملك المال اللازم لدفع هذه الاموال. ولهذا يجب فصل هذين القسمين. نظرية التبادل السكاني يتابع دنغور مستعيناً بنظرية معروفة: "نتعامل معها وفقاً لقاعدة التبادل السكاني. في كل الأحداث بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك تبادل سكاني، مثل ما جرى بين البولنديين والالمان وباكستان والهند... وجميع هؤلاء قدموا الى موطنهم الجديد حاملين معهم ممتلكاتهم. لكن اسرائيل لم تستفد من ممتلكات اليهود العراقيين. وهذه مسألة أهملت من جميع السياسيين ومن بينهم الاسرائيليون. عقدت منظمة "ووجا" مؤتمرها الأول في باريس عام 1975، وكنت مع الوفد الذي يمثل يهود العراق. وقلت إن حقوق اليهود ليست فقط بيوتهم التي تركوها وراءهم. في منطقة بغداد الجديدة... المنزل الذي كان ثمنه خمسة جنيهات بيع بمئتي فلس. اشترينا شقة في بغداد وأردنا شراء اثاث... حتى أثاث العرسان كان يباع بأسعار بخسة". ويضيف ان "لدى هؤلاء حقاً في ثروات العراق، وقد يقدر بمئة بليون دولار. يعني اذا كانت الولاياتالمتحدة خصصت 87 بليوناً لاعادة اعمار العراق، فكم يساوي العراق بالنسبة الى المجتمع الدولي؟". ودنغور البليونير الذي أعاد جمع ثروته "من الصفر" معجب بثروة الولاياتالمتحدة القادرة على "دفع اي شيء" للعرب واليهود لتعويضهم عن ممتلكاتهم: "كما قال الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون ان لا اسرائيل ولا العرب سيكون في امكانهم تعويض اليهود والعرب، بل علينا اقامة صندوق دولي لهذا الغرض. ولأن اميركا اليوم هي بلاد المخزون المالي في العالم، فيمكنها اصدار ما تشاء من الأموال. اميركا قادرة على دفع اي شيء. كيف يمكنهم دفع 87 بليون دولار لإعادة اعمار العراق؟ هذا يعني ان هذه البلايين لا تعني شيئاً بالنسبة اليهم. فتعويض اليهود الذين هاجروا الى اسرائيل سيكون عبر صندوق دولي، وسيكون اميركياً في معظمه وستدعى اسرائيل الى تقديم بعض الاموال فيه". لكن الطموحات الاسرائيلية في استغلال الاحتلال الاميركي للعراق، لتحصيل تعويضات ببلايين الدولارات من الولاياتالمتحدة او العراق، تتجاوز "الطموح البسيط" لعدد قليل ربما من اليهود الراغبين في العودة الى وطنهم واستعادة ممتلكاتهم المصادرة. والسؤال الصعب هنا يتعلق في ما يمكن لاسرائيل ان تفعله في حال "تمرد" بعض اليهود العراقيين عليها وعودتهم من دون افادتها لا مادياً ولا سياسياً. ينفي دنغور، على رغم اهتمامه الظاهر بدولة اسرائيل، اي علاقة له بالدولة العبرية او بمؤسساتها، وكان أكد في حديث الى شبكة "سي ان ان" ان "العراق موطننا الأول وهو حتى يفوق اسرائيل اهمية". كما يصل دنغور في نفيه الى حد التمرد على الدولة العبرية: "لا صلة لنا بإسرائيل. لقد بعثت وزارة العدل الاسرائيلية الينا طلبات تتعلق بالتعويض، فقمت بتمزيقها ونصحت من اعرفه بذلك. ونحن ممن لم يذهب ابداً الى اسرائيل. لكن لدينا اصدقاء هناك من اليهود العراقيين نتصل بهم وندعمهم". ويتابع: "الحقيقة هي اننا عراقيون يهود ولا يعني ذهاب بعضنا الى اسرائيل شيئاً. اردنا البقاء وكنا نبني المصانع عندما كان الآخرون يرحلون وعملنا في العراق مثل الآخرين"، مشيراً الى ان احد زعماء الجالية اليهودية العراقية في الولاياتالمتحدة وهو طبيب اسنان مقيم في لوس انجيليس يتفق معه في استبعاد اسرائيل عن ملفهم. ورداً على سؤال عن محاولة اسرائيل منع تقسيم ملف اليهود العرب وتفتيته، يقول دنغور: "اذا اردنا العودة فإنها لن تكون عبر وزارة العدل الاسرائيلية. ليس هناك شك في انني لا اريد ان تمثلني اسرائيل. ولا رأي لها في ذلك ولا يحق لها فرض تمثيلي. يحق لهم تمثيل اليهود المقيمين في اسرائيل، لكن لا علاقة لهم بأولئك المقيمين في الخارج. ففينا من لم يرَ حتى اسرائيل ولا يحمل جنسية اسرائيلية". اما ادوين شكر اليهودي العراقي الذي غادر بغداد الى لندن عام 1971 بعد إعدام مجموعة من اليهود المتهمين ب"العمالة" للدولة العبرية وزار العراقمرات بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان ابريل الماضي، فيقول: "لا نريد ان يتحدث باسمنا احد. لا اسرائيل ولا اي من هذه المنظمات اليهودية. وهذا ما قلناه لمجلس الحكم. هناك الكثير من الاشاعات المغرضة التي تتحدث عن شراء اليهود لاراض وممتلكات في العاصمة بغداد. هذا غير صحيح ولا اساس له"، في اشارة الى تحذير أطراف عدة في العراق من بيع الممتلكات الى اليهود. وعن حجم عودة اليهود العراقيين، يؤكد دنغور ان عدداً قليلاً منهم يريد العودة، مشيراً الى انه "منذ عام 1948 توفي معظم اليهود العراقيين الذين غادروا بلادهم. كما توفي معظم الذين ذهبوا الى اسرائيل. انا لا زلت على قيد الحياة لأنني عشت 90 عاماً". والعدد القليل الذي قد يعود يقدره دنغور ب"حوالي الفين او ثلاثة آلاف. واذا فتح الباب لاي يهودي يرغب في العيش والاستثمار في العراق، فسيأتي حوالي خمسة آلاف منهم"، مشيراً الى المانيا ما بعد النازية التي "منحت اي يهودي يرغب في القدوم جنسيتها". الدستور العراقي لقد وضع قانون ادارة الدولة الموقت الدستور الشهر الماضي اليهود وغيرهم من العراقيين الذين أسقطت جنسياتهم في وضع مبهم، اذ نص على ان "تتخذ الحكومة العراقية الانتقالية خطوات فعالة لانهاء آثار الاعمال القمعية التي قام بها النظام السابق والتي نشأت عن التشريد القسري واسقاط الجنسية ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة... لأسباب سياسية او عنصرية او طائفية"، لكنه لم يأت على ذكر الحكومات العراقية السابقة. الا الفقرة "د" من المادة 11 في الدستور تنص ايضاً على انه "يحق للعراقي ممن اسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية او دينية او عنصرية او طائفية ان يستعيدها". يرى دنغور الذي احتفظ بوثيقة سفر "أملاً بالعودة" وامتنع عن تحصيل جنسية بريطانية الى ان حصل عليها قبل عامين فقط ان "الخطوة الأولى بالنسبة الينا ان نحصل من جديد على جنسيتنا. ولا اعتقد بأن لدينا الحق القانوني الذي يخولنا المطالبة بحقوقنا اذا لم نحصل عليها". ويتابع ان "اليهود الذين جردوا من جنسياتهم عام 1950 يجب ان يكون بمقدورهم تقديم طلبات لاستعادة الجنسية. واعرف اشخاصاً استعادوا جنسياتهم من خلال تقديمهم طلبات فردية. أريد العودة واستعادة املاكي في العراق. لدي مبنى صادرته صحيفة تابعة لنظام الرئيس صدام حسين، ومن ثم أخلته لدى دخول قوات الاحتلال. لكن صحيفة أخرى عادت وسيطرت على المبنى ذاته، واعتقد بأن من السهل إخراجهم". وعن الانعكاس الامني لعودة اليهود لجهة موالاتهم لاسرائيل، يتساءل دنغور: "هناك من يقول: لا نريد يهوداً بسبب تأثيرهم في امن البلاد، وماذا يقولون عن مليون فلسطيني يقيمون في اسرائيل ويعارضون علناً وجودها؟ ولماذا تخافون اذن من بضعة يهود يريدون العودة؟" ويتابع بصوت حزين: "أريد العودة الى العراق، لأنني لم أره منذ 40 عاماً والى بغداد موطني والمدينة التي نشأت فيها وقضيت حياتي فيها. ان تاريخي الأول مرتبط بالعراق. والآن اريد العودة. انا كنت ضابطاً في الجيش العراقي، وكنت مهندساً وعملت في بناء جسور بغداد". اما دانيال دنغور فيقول إن عودته "تعتمد على العراقيين انفسهم. فاذا كانت دولتهم دينية اسلامية، فلا مكان لليهود فيها. ان العراق لا يعتمد على احمد الجلبي عضو مجلس الحكم الانتقالي او غيره. اذا ترك الاميركيون العراق في ايدي اهله، فإن العراقيين هم الذين سيقررون ماذا سيريدون. قطعاً ان الشعوب هي التي ستقرر مثل هذه المسائل". غداة سقوط نظام صدام حسين، زار شكر العراق لرؤية اصدقاء طفولته، لكنه تألم لدى تداول الصحف العراقية الجديدة سيلاً من الاشاعات التي وصفها ب"المغرضة" عن تدفق اليهود الى بغداد لشراء العقارات. يقول: "نحن عراقيون نريد ان نعود الى بلادنا، ولا نريد ان نكون مختلفين عن بقية العراقيين. فاذا حصل العراقيون على تعويض، فلنحصل نحن ايضاً. لا فرق بيننا وبينهم، وما سمعناه من اعضاء مجلس الحكم هو انه لا تفرقة بين ابناء الشعب العراقي". ويتفق مصدر عراقي مطلع وقريب من مجلس الحكم مع ما يقوله شكر، اذ ان العديد من الدول العربية تعيش على اراضيها جاليات يهودية، و"هم كانوا في العراق ولا نستطيع انكار ذلك". ويشير المصدر الى انه اذا كان عددهم مناسباً مستقبلاً "فيحق لهم حتى الحصول على ممثل في البرلمان كما هي الحال في ايران وفي سورية سابقاً وغيرها من الدول العربية والاسلامية". لكنه اشار الى ان "الوضع في العراق لا يسمح حتى للاميركيين والبريطانيين بالإقامة فكيف باليهود او الاسرائيليين؟"