جورج بوش حطم في 2004 كل التوقعات بسقوطه وانتقاله الى رفوف التاريخ. فهو نجح في تخويف الأميركيين من الامن الى درجة نسيان الأقتصاد. وتمكنّ من اقناعهم بأن الفشل في العراق هو في الحقيقة نجاح في المعركة الكبرى ضد الارهاب. ثم انه كرّس تحّول الناخبين ملايين الانجيليين المحافظين الى الحزب الجمهوري، الامر الذي قلب كل جداول الاعمال السياسية الاميركية رأساً على عقب، وقذف بالحزب الديوقراطي الى أشداق أزمة فكرية وسياسية طاحنة. والحصيلة: عودة بوش الى البيت الأبيض على حصان أبيض لأربع سنوات أخرى، واضطرار العالم للتأقلم مع بوش، بدل تأقلم بوش مع العالم. وتؤكد المؤشرات ان الرئيس الاميركي المجدد له لن يحيد قيد أنملة في 2005 عن السياسات والمبادئ التي جعلت المحافظين والمحافظين الجدد أسياد اللعبة في واشنطن. وهذا لسبب مقنع: بوش وإدارته فسرّا النصر الانتخابي على انه تفويض من الشعب الاميركي لهما بمواصلة تنفيذ الأفكار التي طرحت بعد 11 أيلول سبتمبر 2001، والتي تمحورت حول "الحرب العالمية ضد الارهاب"، واستخدام القوة في السياسات الدولية لتركيز دعائم الزعامة العالمية الأميركية، ومبدأ الحروب الاستباقية ضد محاور الشر و"الدول الفاشلة". ويبدو أن تفسير بوش، هذا لم يكن اجتهاداً رغائبياً أو قفزة نظرية في الهواء. فالولاياتالمتحدة تشهد بالفعل انقلاباً في المزاج، ليس فقط على صعيد الايديولوجيا الانجيلبة الأصولية، بل أيضاً على صعيد التوجهات الاقتصادية الرأسمالية، حيث تبرز الان نخب جديدة منحازة بشكل سافر الى الشركات الكبرى على حساب الضمانات الاجتماعية، والتماسك النقدي، والامن البيئي، اضافة الى الميل الشديد لدى هذه النخب الى تقليص فضاء الحريات الشخصية تحت شعار مكافحة الارهاب والتسليع المتزايد للديموقراطية عبر اخضاعها لقوى السوق. وولتر رسل ميد، المؤرخ الاميركي البارز، لفت الانتباه في كتابه الجديد "القوة والارهاب والحرب والسلام" الى وجود العديد من العوامل التي يصفها ب"الرأسمالية الالفية" التي تنطلق الان من الولاياتالمتحدة، والتي "تقلب التقدميين الى محافظين، وتبلور ثورة جديدة في الرأسمالية". وبرأي المؤرخ، ليست هذه "الرأسمالية الألفية" سوى استمرار للدور التاريخي للرأسمالية بصفتها ثورة عالمية لا رحمة فيها، تقوم أولاً وأخيراً على "حق" الرأسمالية في تحقيق أرباح بلا قيود من أي نوع، وبالتوسع بلا أي حدود في كل العالم. جورج بوش ليس سوى الممثل الأبرز لهذا الطور الجديد من الرأسمالية. فإلى جانبه وخلفه وامامه هناك العديد من القطاعات القوية في النخب الرأسمالية الأميركية التي يشبهها كثيرون الآن بالنخب الاوروبية في العام 1914، إذا هي، كما سليفاتها الاوروبيات، تبدي كراهية شديدة للسياسيين الاميركيين الذين يطالبون بوضع قيود على الرأسمالية خدمة للنظام الرأسمالي ككل، مثل فرانكلين روزفلت في الثلاثينات وبيل كلينتون في التسعينات. ويعيد أناتول ليفن، الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي، الى الأذهان أن هذا النمط من الرأسمالية الأصولية، الرافضة لأي حلول وسط مع القوى اليسارية المعتدلة، كانت القابلة القانونية التي ولدت في حضنها القوميات الراديكالية الاوروبية التي تسببت في حربين عالميتين طاحنتين. وإذا ما كانت المجتمعات الاوروبية اختارت بعد 1945 صيغة لينة من الرأسمالية، فهذا لانها تعلمت من تجاربها المريرة مع الفاشية والنازية. هل هذا تلميح الى أن الطور الحالي من الرأسمالية الاميركية قد يسفر عن بروز ايديولوجيات قومية اميركية متعصبة، او حتى شبه فاشية في زي خارجي ديموقراطي؟ اجل. وهذا ليس تلميحاً فقط! فالعديد من المحللين الغربيين بات ينظر الى الحزب الجمهوري الاميركي على انه الانعكاس المباشر لهذا الطور، الى درجة أن بعضهم اقترح تغيير اسمه ليصبح "الحزب الوطني الاميركي" تيمناً بالحزب الوطني النازي الالماني، بسبب التشابه الكبير بين مواقفه ومواقف الاحزاب اليمينية القومية السابقة في أوروبا. والخطر في هذا التطور أنه كلما تمسك الحزب الجمهوري ببرنامج عملي محلي متطرف في رأسماليته، كلما وجد نفسه مدفوعاً للاعتماد على التطرف القومي الاميركي للحصول على الأصوات. بكلمات اوضح: الأصولية الرأسمالية ستواصل الرهان على القومية المتطرفة الاميركية، ومعها الأصوليات الانجيلية، طالما انها تعتبر ذلك وسيلة ممتازة لتسهيل انطلاق تمردها الجديد على القيود الاجتماعية والبيئية. وحتى الآن يبدو رهانها في محله. فقد نشرت دورية "فورين بوليسي" قبل عام دراسة مهمة للمفكر مينكسين باي، تحدث فيها مطولاً عن الصعود القومي الاميركي، خلص فيها الى النتائج الآتية: الانتشار الواسع لمشاعر العداء للولايات المتحدة في العالم، هو رد فعل طبيعي على تفاقم الروح القومية الحادة الأميركية التي تؤثر على سياسات واشنطن الخارجية. أي فحص دقيق لمصادر العداء لاميركا يجب أن يسبقه فحص أدق لتطور القومية الأميركية. على رغم ان الأميركين يمقتون تعبير "القومية" لأنهم يعتبرونه تعصباً اوروبياً ويفضلون عليه تعبير "الوطنية"، إلا انهم يمارسون في الواقع قومية شديدة الحماسة لنفسها، وهذا في كل مجالات حياة المجتمع المدني وليس الدولة فقط. وتشير استطلاعات الرأي إلى ان الأميركيين يبدون أعلى درجة من الفخار القومي مقارنة بالديموقراطيات الاوروبية. الأميركيون يعتبرون قيمهم قيماً عالمية يجب تطبيقها على كل الدول. وهذا ما يجعلهم غير قادرين على فهم بنض القوميات الاخرى في العالم، بما في ذلك القوميات الحليفة لهم في كوريا الجنوبية واليابان وبالطبع أوروبا الغربية. العراق هذا التقاطع بين الطور الجديد من الرأسمالية الذي يجسده الحزب الجمهوري الاميركي وبين الصعود القومي الاميركي، هو الذي أفرز الظاهرة البوشية المتجددة، وهو الذي سيدفع بوش في ولايته الثانية الى متابعة توجهاته الاقتصادية "الاصولية" في الداخل، والسياسية المتشددة في الخارج. وكما في 2004، سيكون الشرق الاوسط هو محور سياساته العالمية المتشددة هذه في 2005، وسيكون العراق هو محور هذا المحور عبر ثلاثة خيارات للعراق حددتها وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "السي أي آيه" في اواخر 2004: "استقرار ضعيف"، أو مزيد من التفكك والتطرف، او "الانحدار نحو الحرب الاهلية". بالطبع، تفضّل واشنطن الاستقرار الضعيف بعد الانتخابات العامة المقررة في اواخر كانون الثاني يناير هذا في حال اجرائها، على الخيارين الآخرين، لان هذا سيّحول العراق الى افغانستان اخرى تستطيع الولاياتالمتحدة التعايش معها بأقل الخسائر الممكنة. بيد أن هذا الخيار لن يكون مضموناً في العام الجديد لأسباب عدة، أهمها استمرار المقاومة العنيفة في "المثلث السنّي" وبعض مناطق بغداد، الانقسام الشيعي بين أطراف مؤيدة لاميركا وأخرى تستعد للمطالبة بجلائها، والصراع الشيعي - الكردي المرتقب حول الدستور الدائم وطبيعة الدولة العراقية او بالأحرى "الدولة الكردية" في الشمال. كل هذه الوقائع تدفع كثيرين الى الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة ستعد نفسها في 2005 لاحتمال نشوب الحرب الأهلية في حال فشل خيار "الاستقرار الضعيف"، طالما انها لن تقبل الخيار الثاني المتمثل بتحول العراق الى "دولة فاشلة" تكون مرتعاً للمنظمات المتطرفة. لا بل يعتقد محللون أن الحرب الاهلية باتت في الواقع الخيار الأصلي لواشنطن، منذ أن بدا واضحاً أن مشروعها لتحويل العراق الى نموذج ديمقوقراطي في الشرق الأوسط قد تعثر. وهم يسوقون الأدلة الآتية: في أواسط تموز يوليو الماضي، كانت "نيويورك تايمز" تتوصل الى الاستنتاج بأن المشروع الاميركي للسيطرة على العراق فشل، "ما يدفع المخططين الاميركيين الآن الى مداعبة فكرة تقسيم العراق على أسس سنية شيعية". وبعد هذا "الاستنتاج" بأيام، كان فرانسيس فوكوياما، المفكر الاميركي المؤثر على أصحاب القرار في البيت الأبيض والبنتاغون، يدعو الى الفصل الكامل بين الشيعة والسنة في "اطار فيديرالية شيعية - كردية"، في حين كان زميله بيتر غالبرايث، الذي ساهم في تكريس انقسام يوغوسلافيا، يقول ان "الواقعية باتت تفرض الاعتراف بتجزؤ العراق الى جنوب شيعي ووسط سني". وفي أواخر أيلول، اطلق الاخضر الأبراهيمي تحذيره الشهير من "وجود مخاطر كبيرة جداً لنشوب الحرب الأهلية "السنّية - الشيعية، في الوقت ذاته تقريباً الذي كانت فيه "فاينانشال تايمز" تنشر تقريراً سرياً اميركياً "يتوقّع" بلقنة مذهبية وشيكة للعراق. وماذا أيضاً؟ هناك التقريران السريان ل"السي. أي. آي"، اللذان توقعا اشتباكات طائفية قد تصل الى مستوى الحرب الاهلية، والدعوات الصريحة للكاتب اليهودي الاميركي تشارلز كروثامر الى اشعال حروب السنة والشيعة. قال كروثامر: "الناس يواصلون التحذير من الحرب الاهلية في العراق. هذا هراء. الحرب قائمة الان على قدم وساق. انها تجري مباشرة قبالة أعيننا. المشكلة أن طرفاً واحداً يخوضها، أما الطرف الآخر، وهم الشيعة والأكراد، فيتفرج، فيما تقوم الولاياتالمتحدة بخوض جزء الحرب الخاص بهم. آن الأوان لهؤلاء كي يقاتلوا، وآن الاوان لتقسيم العراق على أسس طائفية". الشكوك بالنوايا الاميركية لاشعال الحرب الاهلية تفاقمت بعد المجازر الدموية التي شهدتها النجف وكربلاء في الأيام الاخيرة من 2004، والتي اعتبرها العراقيونعن حق رسالة سياسية مفادها أن الصراع الراهن في بلادهم بات أكبر بكثير من بلادهم. فالدم الغزير الذي أسيل في هاتين المدينتين الدينيتين التاريخيتين، لم يستهدف على ما يبدو الشيعة، ولا الانتخابات، ولا حتى السباق الطائفي على السلطة في بغداد، بل تفجير الشرق الاوسط الاسلامي برمته. وبالطبع، أسهل طرق التفجير هي اشعال الحرب المذهبية بين السنّة والشيعة، في كل القوس الممتد من إيران وبعض آسيا الوسطى الى سورية ولبنان ومنطقة الخليج، انطلاقاً من العراق. لماذا العراق ؟ لان هذا البلد لا يختزن في أعماقه كل الذاكرة الجماعية والجغرافية للخلافات السنّية- الشيعية التي تعود الى القرن السابع الميلادي فحسب، بل لانه أيضاً الساحة الرئيسة التي خاضت على أرضها الامبراطورية العثمانية" السنّية والامبراطورية الصفوية "الشيعية" حروبهما الدموية طيلة ثلاثة قرون. في عراق الامس، كانت بداية الانقسام الكبير في جسد الشرق الذي مكّن الغرب من اكتساح المنطقة، باعتراف كبار المفكرين الاسلاميين الايرانيين الذين يدينون الان بقوة حروب الصفويين مع العثمانين. وفي عراق اليوم تجري، وستجري أكثر فأكثر، وقائع بعث هذا الانقسام الكبير، والذي سيمكّن هذا الغرب نفسه من تثيبت اكتساحه للمنطقة. أو هذا على الأقل ما بات يعتقده العديدون في المنطقة، الذين بدأوا في الأشهر الاخيرة من العام 2004 يلتقطون العديد من الاشارات عن أن وراء شجرة الشجار السنّي - الشيعي المحدود في العراق، ثمة غابة كاملة من الصراعات المذهبية غير المحدودة التي قد تشعل حرائق واسعة في الشرق الاوسط وهذا يعني أن رهان البعض في العراق على ان ما يجري الان هو مجرد تصحيح للخلل الذي وقع في عشرينات القرن العشرين، حين سيطر السنّة على السلطة بدعم البريطانيين وبقي الشيعة خارجها، هو مجرد وهم بوهم. فهذه ليست العشرينات. وما هو على المحك ليس مستقبل العراق، بل مصير المشروع الاميركي الكبير في الشرق الأوسط الكبير. بكلمات أوضح: الصراع في العراق، من أسف، تم تدويله وانقضى الامر. وما لم يتوحّد العراقيون لمواجهة هذا الواقع الخطر، سيخوضون لمصلحة الآخرين حروب الآخرين على أرض بلادهم. وهذا أمر سيكون بالغ الوضوح في 2005. فلسطين مفاجأة فلسطين في 2004 كانت مفاجأتين: الاولى، الحركة الديبلوماسية الكبرى التي شهدتها المنطقة بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، خصوصاً على محاور القاهرة - تل أبيب - واشنطن، والتي أوحت ان عرفات كان "العقبة الوحيدة" التي بازالتها تعود عملية السلام الى سابق زهوها الاوسلوي. والثانية، نجاح حركة "فتح" في توحيد صفوفها برغم الصراعات التي تعصف في داخلها، واجماعها على اختيار ابو مازن خليفة لأبي عمار في رئاسة السلطة ومنظمة التحرير. بيد ان المشاهد الشرق أوسطية الفاقعة، عادة ما تكون خادعة بشكل فاقع أيضاً. فالسلام في فلسطين ليس وشيكاً البتة. العملة الوحيدة التي سيتم تداولها في 2005 هي خطة شارون للأنسحاب من غزة، والتي تعلق عليها كبار الآمال الآن بأن تكون بداية ل"الدولة الفلسطينية أولاً"، لا ل"غزة أولاً وأخيراً". السيناريو التفاؤلي هنا يسير على النحو الآتي: حين يبدأ الانسحاب الاسرائيلي من غزة في صيف العام المقبل، ستنطلق عملية سلمية لا يمكن وقفها، وستجد اوروبا الفرصة لمطالبة اسرائيل باكمال انسحابها من غزة بانسحاب مماثل من الضفة الغربية. كما ستجد الولاياتالمتحدة نفسها مضطرة الى أن تحذو حذو حليفتها الاوروبية. لكن هذا لن يكون على الارجح سوى أحلام ليلة صيف. فشارون ليس غبياً كي يقع في هذا الفخ. وهو أصلاً اطلق كل مشروعه الغزاوي بهدف تسهيل هضم نصف الضفة في اسرائيل. وحزب العمل نفسه، سواء بقي بزعامة شمعون بيريز او انتقل الى إيهود باراك، لن يكون البتة في وارد التخلي عن مستوطنات الضفة وعن ال250 ألف مستوطن الذين يقطنونها. والاهم ان بوش لن يكون في وارد التخلي عن حليفه شارون، وهو قدّم له في اواخر 2004 ضمانات بانه سيدعم رفضه العودة الى حدود 1967 أو إعادة اللاجئين. من أين، إذا، كل هذه النزعات التفاؤلية في حقبة ما بعد عرفات؟ كل ما يمكن توقعه في العام الجديد لا يخرج عن كونه في الواقع إعادة ترتيب مواقع في كل من اسرائيل وفلسطين، في اطار الصراع بين الجيلين القديم والجديد. فشارون يبلغ السادسة والسبعين، وبيريز الحادية والثمانين. وهذا الأخير يقول عن الاول، وهو صديقه الشخصي منذ 50 عاماً، أنه كهل ومتعب ولا يستطيع أن يحدث تحولات سياسية كبرى في اسرائيل. هذا في حين ان منافسي الرجلين، نتانياهو وباراك، يفتقدان الى الصدقية اللازمة لتطوير ما يمكن أن يكون حزباً عمالياً - ليكودياً جديداً يمثل الجيل الاسرائيلي الجديد. هذا في اسرائيل، فماذا عن فلسطين؟ الصورة تبدو مطابقة بشكل مدهش. فالاولوية هنا أيضاً هي للصراع بين الجيلين القديم والجديد، خصوصاً في حركة "فتح". وعلى رغم ان مروان البرغوتي انسحب من الانتخابات لمصلحة محمود عباس، إلا ان هذا لم ينه بأي حال وقائع الصراع. لا بل الواقع ان الانسحاب رسم خطوط المواجهة بدل أن يزيلها. وهذا تجسّد في وثيقة البنود ال18 التي أعلنها البرغوثي كأساس لانسحابه من معركة الرئاسة، والتي كانت في حقيقتها "عودة الى المستقبل"، أكثر منها رهاناً على الحاضر. كانت "سفر رؤيا"، أكثر منها برنامجا سياسياً: 1- فهي توقعت أن تؤدي استراتيجية أبو مازن لتحقيق سلام بلا انتفاضة، الى "انتفاضة" اسرائيلية على السلام مشفوعة، كالعادة، بدعم أميركي متواصل وغير مشروط. وهذه تبدو توقعاً مؤكداً. إلا إذا كان في وسع عباس الاثبات بأن شارون يخدع الاسرائيليين ونفسه! حين يقول بأن "غزة أولاً" ستكون "غزة أخيراً"، أو بأن مشروع حزب العمل الاستيطاني في الضفة يختلف كثيراً عن مشروع البانتوستات الليكودي. 2- وهي الوثيقة توقعت بأنه لن يكون أمام الفلسطينيين بعد حين، بشتى تشكيلاتهم الايديولوجية والاجتماعية، سوى إعادة بناء حركة تحررهم الوطني، استناداً الى الثوابت الوطنية. وهذا أيضاً يبدو توقعاً مؤكداً. فاوسلو ماتت حقاً. وخريطة الطريق التي قيل انها وضعت لبث الروح فيها، أثبت أنها لم تكن ولن تكون شيئاً آخر سوى خريطة تقود الى مقبرة. أما ما نراه الان من ورش عمل لاعادة بناء سلطة أوسلو الفلسطينية الانتخابات الرئاسية وبعدها ربما التشريعية، محاولات توحيد القوى الامنية... الخ، فهو أشبه ببناء قصر من الرمال على ضفاف نهر غاضب، إذ كيف يمكن حقاً إعادة ترميم مؤسسات مشروع الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية، فيما المشروع نفسه بات ركاماً؟ الحديث الان في اسرائيل والولاياتالمتحدة هو عن العودة الى مشروع الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية. وسيكون على الفلسطينيين آجلا أم عاجلاً إعادة بناء استراتيجيتهم الوطنية على هذا الأساس. 3- ثم أنها الوثيقة توقعت ما يمكن أن يكون بعد حين ثورة الجيل الجديد الفلسطيني السياسية والاجتماعية على الجيل القديم، في مجالات الشفافية ومكافحة الفساد، وحكم القانون، وتطبيق شعار "من أين لك هذا"، والمشاركة في السلطة السياسية. سورية ولبنان ماذا ينتظر "بلاد الشام" في 2005؟ ينبغي القول، أولا، أن سورية كانت بالنسبة الى أميركا في العام 2004 "الثمرة دانية القطاف"، على حد تعبير الباحث الاستراتيجي الاميركي جوشوا لانديس. فهل "تسقط" هذه الثمرة في العام الجديد في حضن واشنطن؟ الاجابة على هذا السؤال ستعتمد على عاملين اثنين يبدوان على القدر نفسه من الاهمية: التطورات الداخلية في سورية وامتداداتها في لبنان، وطبيعة توجهات إدارة بوش -2 في ولايتها الجديدة. على الصعيد الداخلي، كان التطور الأهم العام الماضي هو بالطبع توقيع سورية ل"اتفاقية الارتباط" مع الاتحاد الأوروبي، كجزء من اتفاقات منطقة التجارة الحرة الاوروبية - المتوسطية المقررة العام 2010. واعتبرت دمشق الاتفاق إنجازاً كبيراً يفترض أن يمكّنه من فك العزلة الاستراتيجية التي يعيش، وأيضاً من بدء استقبال القروض والاستثمارات الأوروبية التي يحتاجها بشدة للخروج من المأزق الاقتصادي - الاجتماعي الراهن. معروف أن هذه الأزمة وصلت العام 2004 الى مفترق طرق خطر. فقد تدهور الدخل الفردي الى أقل من ألف دولار سنوياً، وارتفعت البطالة الى اكثر من 23 في المئة من اجمالي اليد العاملة، وواصل الاقتصاد نموه السلبي نحو 7.1 تحت الصفر. هذا في حين سجلت سورية واحدة من أعلى نسب زيادة السكان في المنطقة 7.2 في المئة، وباتت الدولة في حاجة الى توفير 400 ألف فرصة عمل جديدة كل سنة. الحكومة السورية مهدت للأتفاق مع الاوروبيين بسلسلة اصلاحات اقتصادية شملت: مسودة خطة اصلاح اقتصادي لتحرير الاقتصاد. خطة اصلاح مالي ونقدي مدتها ثلاث سنوات. افتتاح أول مصارف خاصة تجارية سورية منذ أكثر من أربعين سنة، وصرف مئات ملايين الدولارات لجعل السياحة ركيزة رئيسة من ركائز الاقتصاد. مئات القوانين والترتيبات الهادفة الى بدء تحديث الاقتصاد. بيد أن كل هذه التوجهات، على أهميتها، لم تستطع تمكين السوريين من رؤية النور في نهاية هذا النفق الاقتصادي. لأن العقبات الرئيسة أمام الاصلاحات الاقتصادية، لم تكن اقتصادية بل سياسية. فقد اكتشف نظام الرئيس بشار الأسد، كما اكتشف قبله العديد من قادة الأنظمة الموجهّة، أن الانتقال الى الليبرالية الاقتصادية يحتاج الى قدر من الليبرالية السياسية.أنور السادات في مصر واجه هذه الحقيقة، فسارع الى التحالف مع فئات رأسمالية جديدة. و دينغ كسياو بينغ في الصين فتح المجال واسعاً أمام توسيع الحريات السياسية والمنظمات الاجتماعية المستقلة، كما يقول المحللان جورج غيلبوي وأريك هيغنبوثام. بيد أن هذا لم يحدث في سورية، حتى الآن على الأقل، لأن النظام يخشى ان تؤدي الاصلاحات الليبرالية الى خلخلة قواعده الشعبية، ولذا لا يزال يتجنّب كل وصفات صندوق النقد الدولي حول اللبرلة، ويركزعلى النموذج الصيني كأسلوب للأندماج بالعولمة. لكن، وكما أشرنا، حتى النموذج الصيني في حاجة الى قدر من اليبرالية السياسية. وما لم يتمكن النظام من تحقيق هذه اللبرلة وأيضاً من العثور على حلفاء اجتماعيين وسياسين جدد، فإن الأزمة الاقتصادية ستواصل المراوحة بشكل خطر في 2005. هذا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فماذا الآن على صعيد لبنان ومعه مواقف القوى الدولية؟ تعتبر دمشق، وعن حق، أن خط الدفاع الحقيقي عن نظامها يكمن في لبنان. ولذا فهي حاولت طيلة 2004 احتواء العاصفة الأميركية - الفرنسية ضد وجودها في لبنان والتي تمثلت في قرار مجلس الأمن الرقم 1559 عبر توجهين اثنين: الأول، التخفيف من وجودها العسكري - الأمني الظاهر في لبنان وهذا يمكن ان يشمل قريباً سحب كل أو معظم القوات الى الداخل السوري، والاكثار من وجودها السياسي، عبر تعزيز سلطة الرئيس اللبناني لحود التنفيذية المهتزة بسلطة تشريعية ثابتة في الانتخابات النيابية المقبلة. والثاني، الانفتاح على مصر وتركيا وأوروبا لموازنة، أو على الأقل، التخفيف من حجم الضغوط الاميركية عليها. وهي ضغوط لا يزال من غير المستبعد أن تصل في مرحلة ما الى مستوى تغيير النظام، أو تعديل بنيته بشكل جذري. مركز الأبحاث الاستراتيجي الروسي "بينر" أطلق على هذه التوجهات السورية اسم "سياسة الخندقة" retrenchment. وهو حدد شروطاً عدة لاحتمال نجاحها. أهمها: - طبيعة الارادة السياسية للقوى الخارجية الضاغطة. - مستوى اللإستقرار في السياسات الداخلية اللبنانية في الشهور المقبلة. - وضعية الاقتصاد اللبناني في 2005. - وأخيراً، مدى نجاح الرئيس الأسد في التوصل الى اتفاق متفاوض عليه بين أطراف النخبة السورية الحاكمة حول مسألة الاصلاحات. حتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه "الخندقة" ستمكّن دمشق من احتواء الجهود الاميركية الراهنة لاخراجها عسكرياً وسياسياً من لبنان، وبالتالي تغيير موازين القوى في الهلال الخصيب. انها تنتظر تراجع حدة العاصفة، وتراهن على عدم استعداد اميركا لتغيير النظام السوري بالقوة العسكرية، خصوصاً بعد تعثر المحافظين الجدد الاميركيين في العراق. وإذا ما استقر لبنان بعد انتخابات 2005 البرلمانية، فان فرص نفاذها بريشها ستتقدم، وتهديدات واشنطن لها ستتراجع. أو هذا على الأقل ما تعتقده النخبة السورية الحاكمة.لكن، هل تقديراتها في محلها؟ الأمور برمتها ستنجلي خلال النصف الاول من 2005.ففي هذه الفترة سيتبين الخيط الأبيض من الأسود حيال مصير المشروع الاميركي في العراق وباقي انحاء المنطقة. وإذا ما تبين أن هذا المشروع يزداد تعثراً، سيكون في وسع دمشق النوم على حرير في لبنان وغير لبنان، والاستسلام لاحلام لذيذة يتمدد بموجبها عمر النظام الحالي كما هو من دون أي تغيير. هذا على رغم ان البعض لا يستبعد ان يؤدي تأزم الأميركيين في العراق الى دفعهم لتصدير أزماتهم الى سورية ولبنانوإيران أما إذا ارتاح الأميركيون، ولو نسبياً، في بلاد العباسيين، فإنهم سيقفزون مباشرة الى بلاد الامويين "لاتمام المهمة"، بصفتها خطوة أكثر من ضرورية لاستكمال برنامج الشرق الاوسط الكبير. إيران طيلة العام 2004، كانت بلاد الفرس تتأرجح بشكل خطر على حبل نووي مشدود بين التعاون والمواجهة مع الغرب. وهي تمكنت، من خلال التنازلات التي قدمت الى الاوروبيين، من اققال بورصة العام 2004 بسلام. بيد ان الامور قد لا تبقى على هذا النحو في 2005. فواشنطن تعلم أن طهران تشتري الوقت. وهي تدرك التشابه الشديد الى حد التطابق بين الاتفاق الايراني - الاوروبي في تشرين الأول اكتوبر 2004، وبين الاتفاق الأيراني - الاوروبي في الشهر نفسه من العام الماضي حول مسألة البرنامج النووي. ففي 21 تشرين الأول 2003، أبرمت طهران مع الثلاثي الاوروبي اتفاقاً تتعهد فيه بوقف تخصيب اليورانيوم "موقتاً"، اضافة الى توقيع بوتوكول اضافي ملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، يسمح لوكالة الطاقة الذرية الدولية باجراء عمليات تفتيش أوسع وأدق على المنشآت النووية الايرانية. آنذاك، أعلن وزير الخارجية الايراني كمال خرازي أن بلاده "أوقفت تخصيب اليورانيوم اختيارياً... وموقتاً. ولاحقاً حين تعود علاقاتنا الى طبيعتها مع وكالة الطاقة، سنستأنف حتماً عملية التخصيب". هذا في حين كان حسن روحاني، وزير المجلس الأعلى للامن القومي الايراني، يوضح ان طهران وافقت على الطلبات الاوروبية "لأن هذا أفضل طريق أمام بلادنا لتحقيق السيطرة على دورة الوقود النووي". وبعد اتفاق مع أوروبا، سارعت إيران الى الاعلان على لسان روحاني أيضاً ان وقف تخصيب اليورانيوم "لن يدوم اكثر من أشهر قليلة، الى حين الانتهاء من التفاوض على اتفاق بعيد المدى مع الاوروبيين". بالطبع، هذه "الألعاب الموقتة" التي تريد بوضوح كسب الوقت، لم تنطل على واشنطن. وهكذا أعلن الرئيس بوش أن الايرانيين "وافقوا على تعليق، وليس انهاء، برنامجهم للتسلح النووي. موقفنا هو ان عليهم انهاء هذا البرنامج كلياً". حسناً. طالما ان واشنطن تعرف ان طهران تناور، فلماذا قررت المضي قدماً في اللعبة؟ لانها هي أيضاً تلعب لعبة الوقت: فهي تريد، أولا ً، ستخدام ورقة التفاوض الاوروبية ضد الاوروبيين أنفسهم، من خلال الاثبات لهم ان إيران لن تكون بعد حين في وارد وقف برنامجها النووي نهائياً، مهما كانت طبيعة مغريات بروكسل. وهي تسعى، ثانياً، الى وقف تسلق سلم التصعيد موقتاً مع إيران، الى حين انتهاء بوش من إعادة ترتيب بيته في ولايته الثانية. ثم انها، أخيراً، لا ترى بداً من احتساء كأس التفاوض الديبلوماسي حتى الثمالة، لمعرفتها أن روسيا والصين، وحتى بريطانيا وفرنسا، التي تملك كلها حق النقض الفيتو في مجلس الامن، لن تكون في وارد نقل "القضية الايرانية" الى الاممالمتحدة، ما لم تتأكد قبل ذلك، ومئة في المئة، بان إيران تنوي بالفعل امتلاك سلاح الآخرة النووي. ماذا تعني رقصة الوقت الايرانية والاميركية المشتركة هذه؟ انها، ببساطة، تعني أمراً واحداً: إيران مصممة على امتلاك السلاح النووي، وأميركا مصممة على منعها من ذلك. ولماذا تريد إيران حيازة "القنبلة"؟ لأسباب استراتيجية عدة: 1- فهي تعتبر وباجماع نخبها السياسية أن القنبلة النووية هي السلاح الوحيد الذي يمكنها من الدفاع عن استقلالها وعن بقاء نظامها، خصوصاً مع تطوير الولاياتالمتحدة لمبدأي محور الشر والحروب الاستباقية، ومع وجود القوات الأميركية على حدودها في الغرب مع أفغانستان وفي الشرق مع العراق. 2- وهي ترى انها تعيش في بيئة استراتيجية خطرة للغاية. فهي محاطة بدول كبرى ومتوسطة وصغيرة تمتلك كلها السلاح النووي: روسيا، باكستان، الهند واسرائيل. 3- والاهم من هذا وذاك ان لدى ايران طموحات اقليمية وتاريخية كبيرة في الخليج العربي ومنطقة قزوين وآسيا الوسطى والهلال الخصيب العربي. وبالطبع، أي من هذه الطوحات غير قابلة للتحقق إذا ما كانت إيران مكشوفة استراتيجاً ومهددة عسكرياً. ولماذا تريد أميركا منعها من امتلاك القنبلة؟ لأسباب لا تقل استراتيجية: 1- فالولاياتالمتحدة، وبسبب اعتمادها على النفط الشرق أوسطي، وضعت نصب عينيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هدف جعل كل دول الشرق الاوسط معتمدة على حمايتها العسكرية، وقابلة لسيطرتها الاقتصادية والسياسية. 2- وهذا عنى منع أي دولة في المنطقة عدا اسرائيل من امتلاك ما يكفي من القدرات والامكانات للاستقلال أو لممارسة نفوذ ما على مناطق النفط. وهكذا تم تدمير مصر الناصرية العام 1967 بعدما تنامت قوتها الاقليمية، ثم عراق صدام حسين بعد ان خرج قوياً من حربه مع إيران، وقبلهما إيران محمد مصّدق حين حاول لعب دور قومي استقلالي. 3- حصول الجمهورية الاسلامية الايرانية على القنبلة، سيّحولها الى قوة اقليمية كبيرة قادرة على التأثير على الموارد النفطية، وزعزعة استقرار النظام الاميركي - الاسرائيلي المشترك في الشرق الاوسط. 4- ثم ان ايران النووية ستحيد قوة اسرائيل الاقليمية، وستطلق سباق تسلح جديداً تنضم بموجبه السعودية وتركيا ومصر الى النادي النووي. كل هذه الاعتبارات دفعت وزيرة الخارجية الاميركية الجديدة كوناوليسا رايس الى الاعلان بأن واشنطن "لن تتحمل وجود إيران نووية". كما حفزت جون بولتون، مساعد وزير الخارجية لشؤون التسلح والأمن العالمي، على القول أن واشنطن "مصممة على منع الايرانيين من امتلاك القدرات النووية". الى أين من هنا؟ الايرانيون يضعون نصب عينيهم ثلاثة خيارات في 2005 : الاول، وهو السيناريو الأفضل، أن تجبر الولاياتالمتحدة على الخروج من العراق. حينها ستسارع إيران الى امتلاك الأسلحة النووية بدون رادع، والى ضمان منطقة نفوذ لها في عراق يسيطر عليه الشيعة، او في دولة شيعية منفصلة في الجنوب. وحينها ستصبح إيران القوة المهيمنة في الخليج. الثاني، وهو السيناريو الأسوأ، يتضمن قيام الولاياتالمتحدة او اسرائيل بشن ضربات وقائية على المفاعلات النووية الايرانية، على ان يترافق ذلك ربما مع جهود اميركية لتغيير النظام في طهران. والثالث، وهو الاكثر واقعية، يسير في اتجاهين بالنسبة لايران: ايجابي، وهو سيحدث إذا ما انهكت اميركا في العراق، وإذا ما تمكنت طهران من تمديد المفاوضات النووية الى ما لا نهاية مستغلة الانقسامات بين الدول الكبرى. وسلبي، ويتجسد في طرد النفوذ الايراني من العراق، وفرض عقوبات دولية عليها لفشلها في وقف برنامجها النووي، او تخليها هي نفسها عن البرنامج اتقاء للحصار. أي هذه الخيارات الأقرب الى التحقق؟ كلها! فكل سيناريو سيكون مرتبطاً بالمستوى الذي سيصله الصراع، سواء على الصعيدين الديبلوماسي والاقتصادي أولاً ثم العسكري لاحقاً. كما سيكون مرتبطاً بنتائج حرب العراق، وبمدى قرب أو ابتعاد إيران عن امتلاك الخيار النووي. لكن هناك شيء واحد مؤكد: اللعب على الوقت لا يمكن ان يستمر طويلاً. لا البيئة الاستراتيجية الخطرة في الشرق الاوسط تتحمل ذلك، ولا القوى المهيمنة على هذه البيئة اميركا واسرائيل تقبل به.في لحظة ما سيكون الموقت مرفوضاً، وسيفرض الدائم اما بقوة السلاح، او الضغوط الديبلوماسية - الاقتصادية... أو بقوة الأمر الواقع، إذا ما فاجأت ايران الجميع ونفسها ؟ بعبور الحاجز النووي وتفجير قنبلتها النووية الأولى. وكل هذا سيكون واضحاً في 2005. أين المشروع الاميركي الكبير ل"دمقرطة" الشرق الاوسط الكبير، من كل هذا الذي سيجري في 2005؟ الخطب البلاغية الكبيرة حول الديموقراطيات والحريات الليبرالية ستستمر في العام الجديد. لكن، وكما دل "منتدى المستقبل" في الرباط في الأيام الأخيرة من 2004، مشروع الديموقراطية بعد الفشل العراقي، بات هو أيضاً مشروعاً مودعاً رحم المستقبل. الاولوية ستكون ل"انجاز المهمة" أمنياً في العراق وضواحيه خصوصاً سورية ولبنان وفلسطين، أي في الشرق الأوسط الصغير. وبما أن إدارة بوش- 2 ستكون نسخة طبق الأصل عن إدارة بوش-1، فلن يكون امامنا سوى انتظار الأسوأ في 2005. ولا عجب، فالشرق الأوسط الصغير، سيكون الساح الرئيس لاختبار مضاعفات ذلك المزيج بين الاصولية الرأسمالية وبين الطفرة الزائدة في القومية الأميركية. وهو مزيج خطر فعلاً