طالب وزير داخلية جنوب افريقيا من المواطنات التأكد من صحة أوراقهن الثبوتية في دوائر الأحوال الشخصية المتعلقة بأمور الزواج والطلاق. وذلك بعدما فوجئت اكثر من 3 آلاف امرأة بزواجهن من أجنبي لا يعرفنه، ومن دون علمهن ومنذ اكثر من 3 سنوات. وبفضل الرشوة وفساد الموظفين اصبحت جنوب افريقيا البلد المفضل للهجرة السرية. أما الزواج الكاذب أو الزواج الأبيض، فهو مسألة معروفة ومتداولة في البلاد الأوروبية والأفريقية والاميركتين التي تعطي الحق، لأي أجنبي متزوج من أحد مواطنيها، بالعمل والإقامة ومن ثم حصوله على الجنسية. وعادة يكون هذا النوع من الزواج بموافقة الطرفين ويتم امام رئيس بلدية أو قاض مدني. لكنه في بعض الدول أكثر تعقيداً ويعتمد على شروط صعبة بعض الشيء للتأكد من صدق النوايا وصحة العلاقة التي تربط بين الزوجين، كما تشترط بعض الدول العيش المشترك وتقوم بالتحقيق عن الزوج الاجنبي بالنسبة لعمله، وصداقاته ومكان اقامته ونظافة سجله العدلي. ويبدو ان هذا النوع من الزواج تحول في جنوب افريقيا الى تجارة رابحة للعديد من موظفي وزارة العدل ودوائر الأحوال الشخصية. لكنه أثار أخيراً غضب وثورة آلاف النساء ممن تزوجن من دون علمهن وتعرض بعضهن للملاحقة من قبل السلطات بسبب تعدد الزيجات التي تصل قصصها حداً من الطرافة لا يوصف. فقد عرفت احدى الفتيات انها متزوجة عندما فتحت باب منزلها لتجد امامها رجلاً يطلب منها التوقيع على أوراق الطلاق، مؤكداً انه زوجها منذ عام 2000، وهو لا يطالبها بأي شيء سوى التوقيع على الأوراق، فعليه العودة بسرعة الى نيجيريا. وقع هذا الأمر العام الماضي، وتقدمت الفتاة بشكوى ضد النيجيري والدوائر المختصة. وقدمت في السنوات الثلاث الأخيرة ما يربو على 3 آلاف و400 امرأة شكاوى مماثلة للتحقيق في صحة زواج لم يوقعن عليه ولم يقفن امام مسؤول مدني رئيس بلدية أو قاض وتم إلغاء اكثر من ألفي عقد زواج، فيما يدرس حوالي ألف ملف مشكوك في أمره. وشرعت السلطات المعنية في اجراء تحقيقات رسمية حول هذه الزيجات، اضافة الى تحقيق دقيق وشامل خاص بكل موظف في وزارة الداخلية بدءاً بالوزير نفسه. وأول ما اكتشفته لجنة التحقيق، انه يكفي لأي اجنبي يرغب في الزواج من فتاة افريقية جنوبية، تقديم مغلف يحتوي على مبلغ 750 دولاراً اميركياً لموظف معين في وزارة الداخلية ليقوم باللازم وبسرعة. أما الحصول على بقية الأوراق الرسمية من تأشيرة اقامة دائمة وإذن العمل والحصول على الجنسية، فهي مسائل اخرى تتطلب القليل من الوقت وبعض المال. ويعتبر المبلغ المدفوع ضئيلاً مقابل ما يقدمه من تسهيلات ومستقبل مضمون. فشهادة الزواج هي أغلى بكثير، لأنها تعطي الحق للاجنبي، المتزوج من مواطنة جنوب افريقية بالإقامة الدائمة وبإذن العمل ومن دون ان يتعرض الى الطرد. وتستقطب جنوب افريقيا بصفتها من البلاد الأكثر تطوراً وازدهاراً في المنطقة، اعداداً كبيرة من المهاجرين بحثاً عن العمل ومستقبل أفضل، كما تستقطب الكثير من الهاربين من القانون والملاحقين من قبل سلطات بلدانهم والذين يدفعون الكثير من المال للحصول على هويات جديدة. كما تسمح شهادة الزواج واذن العمل للاجئين بايجاد وظيفة اسوة بالمواطن الاصلي. فمثلاً النيجيري المذكور سابقاً استطاع العمل كطبيب في مستشفى حكومي مهم في بريتوريا وبراتب يساوي راتب الطبيب الجنوب افريقي الذي درس في جامعات البلاد. ومع انتشار فضيحة الزيجات هذه، ازدادت ثورة نساء جنوب افريقيا على موظفي الدولة، واتهمن وزارة الداخلية والعاملين فيها، بالفساد والخيانة الوطنية. وفي محاولة لايجاد حلول لهذا التورط الكبير في هذه الزيجات، تم التصويت في التاسع من شهر آب اغسطس الماضي على قانون جديد خاص بالزواج من أجنبي، وينص على ان الزواج من مواطنة جنوب افريقية لا يعطي الحق الفوري للزوج بتأشيرة اقامة دائمة إلا بعد فترة خمس سنوات من توقيع عقد الزواج. وبانتظار تطبيق هذا القانون، تستمر ثورة النساء، خصوصاً بعد اكتشاف اكثر من 800 عقد زواج تم توقيعها في شهر ايلول سبتمبر من العام الماضي، وذلك بعد ان اتبعت الفتيات نصيحة وزير الداخلية في التأكد من صحة الأوراق الثبوتية، وبعضهن ممن قصدن دور البلديات قصد الزواج واكتشفن انهن متزوجات وعليهن طلب الطلاق لا الزواج وإلا فستتهم هن السلطات بتعدد الأزواج. وهناك بعض الفتيات اللواتي تقدمن بطلب للحصول على هوية جديدة بسبب اضاعة هويتهن القديمة أو انتهاء مدة صلاحيتها وحصلن على هوية جديدة كلياً، أي باسم آخر هو اسم كنية الزوج. وعندما تبدأ سلسلة تحقيقات لهذا النوع من الفضائح، يتم دائماً اكتشاف ما هو اسوأ. ولم يفاجأ وزير الداخلية عندما اكد له المدير العام ان الرشوة والفساد يعمان كل الدوائر وحتى المكاتب البسيطة. ووعد الوزير بالعمل على اقتلاع الفساد ومعه كل موظف متواطئ ضد الدولة والمواطنين. وكشفت التحقيقات ان المهاجرين وبينهم من يطلب اللجوء السياسي أو سواه لأسباب انسانية، يدفعون المال أو الرشوة وبشكل دائم للموظف المسؤول عن ملفاتهم كي يهتم بها. وتعدت قضية الرشاوى والفساد مسألة عقود الزواج، ففي شهر أيار مايو الماضي تم توقيف 10 موظفين للتحقيق معهم بسبب عملية تزوير تتعلق بشهادات ولادة لأطفال لم يولدوا في البلاد. وفي الشهر نفسه صرح رئيس الشرطة في جنوب افريقيا ان السلطات البريطانية وضعت يدها على صناديق مليئة بجوازات سفر جنوب افريقية في شقة أحد المشتبهين بقيامه بأعمال ارهابية. ويعتبر تزوير شهادات الزواج من الجنح الأكثر رواجاً في جنوب افريقيا. وأوقفت السلطات مئات الموظفين منذ بداية التحقيقات. وفي دائرة إحدى المقاطعات قبضت الشرطة خلال شهرين على 39 موظفاً، بينما استطاع احد الموظفين في مقاطعة اخرى، وبمفرده تزوير 500 شهادة زواج. وتؤكد التحقيقات ان هناك اعداداً كبيرة من المواظفين الفاسدين. أما غالبية الاجانب الذين يدفعون المال من أجل زواج كاذب أو شهادة ميلاد مزورة، فهم قادمون من بلاد عدة مثل نيجيريا ومصر وباكستان والصين والهند وبنغلادش وحتى البرازيل. وألقي المحققون القبض أخيراً على أحد الوسطاء وهو باكستاني الجنسية وصل الى البلاد على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الكينية، ونسي عمداً حقيبة سفره في الطائرة كي يستطيع في ما بعد الاعلان عن ضياعها وبالتالي استعادتها من مكتب المفقودات. لكن احد الموظفين شك بالحقيبة وفتحها ليجد فيها حوالي 40 جواز سفر باكستانياً. وطلبت منه الشرطة وضع الحقيبة في مكتب المفقودات، ثم تبعوا الباكستاني حتى وزارة الداخلية حيث استطاع وضع تأشيرة اقامة خاصة بالأجانب المتزوجين من مواطنات من البلاد بعد رشوة احد الموظفين. وهكذا وجدت حوالي 40 امرأة متزوجات من شخص باكستاني من دون ان يدرين الوزيرة وعمليات تطهير حتى سنوات قليلة، كان مصدر الهجرة الى جنوب افريقيا منحصراً بمهاجرين من البلاد المجاورة، خصوصاً موزامبيق. لكن البلاد اخذت تجذب أنظار اعداد كبيرة من الشباب القادم من أطراف اخرى من القارة الافريقية بسبب سهولة الدخول خلسة أولاً، والحصول على الأوراق اللازمة للاقامة الشرعية ثانياً. واضطرت السلطات المحلية لتسهيل عملية طرد المقيمين بطريقة غير شرعية الى استخدام قطار ينطلق ليلاً ومرتين في الشهر ينقل هؤلاء المهاجرين خلسة من جوهانسبورغ حتى ماسينا على حدود زيمبابوي. وهناك حوالي 2500 مواطن من زيمبابوي تطردهم سلطات جنوب افريقيا كل شهر، ويوجد في البلاد نحو مليون مواطن من زيمبابوي، اضافة الى مهاجرين من دول اخرى. ويحاول هؤلاء المهاجرون بشتى الوسائل الحصول على اقامة شرعية لينضموا الى 44 مليون مواطن هم عدد سكان البلاد. يبلغ عدد المهاجرين المقيمين بطريقة شرعية داخل البلاد 3.7 مليون نسمة. منهم من قدم من بريطانيا والمانيا قصد التجارة والربح. واضافة الى هذه الهجرة الاقتصادية، نشطت الهجرة غير الشرعية من البلاد المجاورة والبعيدة التي تعاني من حروب ونزاعات مسلحة وفقر، مثل الصومال وانغولا ورواندا والكونغو وغيرها. ومع كثرة هذه الهجرة ارتفع عدد عمليات الفساد والرشاوى، وتحول الزواج الى تجارة تدر المال الوفير على موظفي الدولة، خصوصاً وزارة الداخلية، كما تحولت العازبات في جنوب افريقيا الى ورقة رابحة يبحث عنها المهاجر الذي يحتاج الى أوراق شرعية وايضاً الموظف القادر على انجاز عقد زواج كاذب من دون الحاجة لوجود الزوجين ولا الشاهدين.