يُخفي تحوّل الجزائر إلى منطقة استقرار وليس عبور لآلاف الأفارقة الفارين من أهوال الحروب والفقر في بلدان مجاورة، تفطّن هؤلاء لحيل خارج القانون تجعل إندماجهم داخل المجتمع الذي يحتضنهم يأخذ شكلاً شرعياً، لا سيما في محافظاتجنوب البلاد. وتنصب جهود أجهزة الدولة على اتخاذ إجراءات للحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية لأفارقة، من خلال محاولة ترحيلهم إلى بلدانهم بالاتفاق مع حكوماتها المعنية، مع تعذّر عبورهم إلى أوروبا عبر قوارب تلقّب ب «قوارب الموت» بسبب الرقابة الأمنية. ففي ظل حاجة لاجئين أفارقة إلى المال من أجل توفير ثمن الهجرة إلى أوروبا، تستقطبهم شبكات الدعارة والتسوّل والإتجار بالأعضاء، وفي أشغال شاقة، وفق تقارير حقوقية عدة. وتتحدّث رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس عن عصابات استغلت أكثر من 11 ألف ضحية بين نساء وقصّر للعمل في التسوّل والدعارة. كما أن موضوع توافد هؤلاء عبر الحدود الجنوبية الشاسعة بات مثار قلق لدى الجيش الجزائري الذي دق ناقوس الخطر، بسبب التخوف من استغلال الإرهابيين ومدبري الجريمة المنظمة لمهاجرين والتغرير بهم. بيدَ أن الهاجس المسكوت عنه لا يُلقى له بال، مع تزايد معدّلات توغل المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة في النسيج الاجتماعي الجزائري عبر إتباع طرق ملتوية، لا سيما في مناطق أقصى الجنوب ما ينذر بتغيّرات ديموغرافية من خلال تزايد حالات المصاهرة والزواج العرفي التي تتم بطرق خارجة عن القانون، بسبب غياب الوثائق الثبوتية لدى وافدين. ويقول محمد راحمي عضو لجنة محلية لمساعدة المهاجرين في مركز إيواء في تمنراست (2000 كلم جنوب) ل «الحياة»، إن الأفارقة لا سيما القادمين من النيجر بات كثر منهم أكثر من مجرّد لاجئين، وفضلاً عن لون بشرتهم المتماهي مع السكان الأصليين، وجدوا أساليب للإندماج ضمن المجتمع الطوارقي من طريق المصاهرة وزواج عرفي غالباً تنتهي ب «الترسيم» على مستوى مصالح الحالة المدنية، حيث يسجلون ضمن حالات المنسيين، ليصبحوا جزائريين. وعموماً لا يمكن إغفال علاقات أهالي ماليوالنيجربالولايات الحدودية الجزائرية الممتدة في التاريخ، إذ تربطهم علاقات نسب مع أسر عدة في المنطقة، ما جعلهم يحوزون على عقارات ومنازل ومحلات تجارية، بل أن أحياء بكاملها مسماة باسم نيجريين. فقد منحهم الرئيس الراحل هواري بومدين (توفي عام 1978) الجنسية الجزائرية، بعدما «حررهم» ومنحهم الحق في السكن والمعيشة. وهذه العائلات تمكنت بعدها من إيواء أفارقة مشرّدين يعيشون ظروفاً صعبة. لكن ملفات طلب التجنيس والإقامة تنجز أيضاً بقوة قانون الجنسية، ومستغلة الأمر الرئاسي رقم 05 - 01 (تاريخ 27 شباط- فبراير 2005) الذي عدّل الأمر 70- 86 (17 أيلول- سبتمبر 1970)، وسمح بالتالي للرجال الأجانب من الحصول على الجنسية الجزائرية بعد ثلاث سنوات زواج من جزائرية. وتكشف إحصاءات وزارتي العدل والداخلية في مصلحة الأجانب في الولايات الحدودية، خصوصاً تزايد طلبات التجنّس سنوياً، في ظل وجود ماليين ونيجريين، وهم أكثر الأجانب طلباً للجنسية. ووفق المادة 9 مكرّر من قانون 2005، يمكن كل من تزوّج من جزائرية أو من جزائري وتوافرت فيه الشروط المعروفة من زواج قانوني اكتساب الجنسية بموجب مرسوم، وكون طالب الجنسية مقيماً فعلياً منذ ثلاث سنوات على الأقل في الجزائر، عند تقديم طلب التجنّس والإقامة المعتادة داخل الوطن لمدة عامين على الأقل. وطبقاً لذلك، انتعشت الزيجات لا سيما مع الأفارقة وصارت تتم بطرق ملتوية، مثل تقديم عقود زواج المحاكم مباشرة إلى وزارة العدل، من دون تدوين الزواج بالطريقة الإدارية المعروفة. علماً أن بعض من تزوّج بجزائرية، من ديانات أخرى وملاحق جنائياً في بلده. وأنجز كثر من هؤلاء أوراقهم و «حصنوا» أوضاعهم مكتسبين «الوضع القانوني» على رغم تحريات وبلاغات. كما يخشى مراقبون أن يؤدّي إندماج من هذا النوع إلى بروز أقليات جديدة في البلاد مثل البوذيين والأفارقة الذين لا دين لهم، الذين يلجأون إلى الزواج عرفياً بعد إعلان إسلامهم طمعاً في الجنسية، ثم يتراجعون لاحقاً عن ذلك. وعملياً، تمكّنت مصالح الأمن خلال الأعوام الأخيرة من تفكيك شبكات أجنبية مهدت لجرائمها بالزواج من جزائريات، ما جعل طلبات الزواج التي تتلقاها السلطات الرسمية من أجانب نادراً ما تحظى بالموافقة، ليغير هؤلاء وجهتهم مباشرة نحو المحاكم، بحجة وجود زواج عرفي بفاتحة الكتاب والشهود، يجب تثبيته تفادياً لولادة أطفال بلا نسب. وفي سياق متصل، يتقاسم مهاجرون أفارقة في الجزائر العاصمة شعور الخوف من تجميعهم في مراكز خاصة قبل نقلهم إلى تمنراست تمهيداً لترحيلهم إلى بلدانهم، وبينهم أصحاب طلبات لجوء وعائلات تعيش وتعمل هناك منذ سنوات، بعدما وقّعت بلدان مثل النيجرومالي اتفاقات تخوّل الحكومة الجزائرية نقل مواطنيها من ذوي الإقامة غير شرعية نحو الحدود في أي وقت. ويعمل أكثر من 100 ألف مهاجر أفريقي بطريقة غير شرعية في الجزائر، حيث يزاولون أشغالاً شاقة ينفر منها أبناء البلاد. لذا، يدافع الفلاحون وأصحاب المشاريع العقارية عنهم، خصوصاً في المحافظاتالجنوبية، ويصرون على إبقائهم لئلا يخسروا يداً عاملة غير مكلفة هم في حاجة إليها، ويتنافسون على استقطابها.