كلما أشرقت شمس وشاخ نهار، يتعرض ملايين الأطفال في العالم الى عنف متنوع واستغلال جسدي ومعنوي في البلدان الفقيرة النامية والغنية المتحضرة على حد سواء. والعالم كله متهم ومسؤول عن تفاقم هذه الظاهرة التي يعاني منها أضعف أفراد المجتمع وأقلهم قدرة على الدفاع عن أنفسهم. وغالباً ما تمر أعمال العنف هذه وسط صمت كلي ومن دون ضجيج، فهي تمارس على أطفال يعيشون بلا حماية فعلية. الأطفال في المدارس ودور الأيتام، في الشوارع ومخيمات اللجوء، في الحقول والمصانع وأيضاً في معتقلات البلدان المتنازعة، تماماً كما في حقول القطن في الولاياتالمتحدة ومصر وعلى حدود البلدان التي تشهد هجرة، مثل اسبانيا والمغرب. ويأتي هذا العنف غالباً، على يد المسؤولين عن حماية الأطفال والمحافظة على حياتهم وقيمتهم الانسانية، مثل رجال الأمن والمسؤولين في المؤسسات الرسمية كالمدارس ودور الأيتام والاصلاحيات القضائية والاجتماعية. الغريب ان أكثر الدول التي تنتهك حقوق الأطفال، سبق لها ووقعت على الاتفاقية العالمية الخاصة بحقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني نوفمبر 1989. وفاقت "اتفاقية حقوق الطفل" سائر الاتفاقات الأخرى، من حيث عدد الدول الموقعة عليها آنذاك، وفعلاً تمت الموافقة بالاجماع باستثناء الولاياتالمتحدة والصومال التي كانت شبه منهارة بل شبه دولة في ذلك العام. وحملت هذه الوثيقة التاريخية وعوداً وبنوداً تشمل حق الطفل في الحياة وعدم التعرض لتمييز من أي نوع وحمايته اثناء النزاعات المسلحة وحمايته أيضاً من مختلف أنواع العنف الجسدي والمعنوي والمعاملة اللانسانية وعدم حرمانه من حريته واعطاءه الحق في معاملة خاصة على الصعيد القضائي، وحقه في التعليم والرعاية الصحية وعدم استغلاله في العمل. وعلى رغم ان الاتفاقية تنص على إلزام الدول الموقعة عليها بحماية الأطفال، فهناك الملايين من هؤلاء يعانون من العنف اليومي الذي تعتبره الحكومات مجرد حوادث مؤسفة وفردية منعزلة، وليست أبداً ظاهرة عالمية تستدعي هذا الضجيج والاهتمام. والجدير بالذكر، ان عدداً من البلدان اتخذ بنود الاتفاقية، كمرجع أساسي لتعديل تشريعاته وقوانينه الداخلية لمصلحة حماية الطفل. مشردون ويتامى مجندون وعمال لم تتحسن فعلاً أحوال الأطفال في العالم هذا العام. ولم تتراجع حدة العنف الموجه ضدهم على رغم مرور حوالى 14 سنة على اعلان حقوق الطفل. على العكس، فقد عملت النزاعات المسلحة المحلية منها والعالمية، على انتهاك الكثير من حقوق الطفل الشرعية والبدائية وأهمها حقه في الحياة الكريمة. ففي عالم اليوم يجنّد الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر في صفوف الجماعات المسلحة، ويموت منهم عدد كبير قتلاً أو يهربون من رعب المعارك ويتحولون الى مشردين ولاجئين أو معاقين شوهتهم الحرب، وهم يتعرضون أيضاً الى الاعتداء الجسدي من قبل المسلحين أنفسهم. وفي البلدان التي لا تشهد نزاعات داخلية مسلحة، يعاني الطفل عنفاً آخر من قبل المؤسسات الحكومية والخاصة التي تتلقى دعماً مادياً ومعنوياً من الدولة، مثل المدارس والمراكز الصحية والاجتماعية الرسمية والخاصة. ويصبح العنف خبز الطفل اليومي في عدد كبير من المدارس التي يفترض بها تأهيل الطفل تعليمياً واجتماعياً. فأكثر هذه المدارس، خصوصاً في العالم الثالث، تعتبر العقاب الجسدي نظاماً تربوياً مسموحاً به، بل ضرورياً لتربية الصغار. اضافة الى الأذى المعنوي والسخرية اللذين يتعرض لهما بعض الطلاب بسبب الانتماء الديني والاجتماعي واحياناً الوطني جنسية أخرى. وفي بعض المدارس المعروفة بجديتها، خصوصاً في البلاد الصناعية، يتخذ العنف صفة الاعتداء والتحرش الجنسي. ونادراً ما يعاقب الفاعلون على رغم تقديم الشكاوى. ويوجد في العالم أكثر من 13 مليون يتيم، أكثرهم في دور للايتام أو في مؤسسات خاصة بالرعاية تابعة كلياً أو جزئياً للقطاع العام. ودلت تقارير لمنظمات ترعى شؤون اليتامى على أن الطفل في هذه الدور، يعاني غالباً ويومياً من سوء المعاملة والاعتداءات بالضرب والعقاب القاسي، كوضعه في غرفة منفردة من دون طعام لبضعة أيام والاهانات وسوء التغذية والاهمال الصحي، من قبل العاملين والمسؤولين عن هذه المراكز. وأكدت التقارير ارتفاع نسبة الوفيات بين اليتامى بشكل كبير، في المدن الفقيرة والغنية على السواء. أما العنف الكبير الذي يتعرض له أطفال الشوارع، فيقوم به رجال الشرطة والمسؤولون عن تنفيذ القانون واحترامه، خصوصاً في العالم الثالث وبعض البلدان الأوروبية. فأطفال الشوارع فريسة سهلة لأنهم فقراء معدمون، وصغار السن يجهلون حقوقهم كمواطنين، فهم لا يجدون سنداً أو معيناً يدافع عنهم ويقدم لهم النصح والحماية. هؤلاء يتعرضون للضرب ويسرق رجال الأمن المال القليل الذي حصل عليه الطفل من جراء عمل أو عطاء ما. كما يتم ارغام الفتيات على ممارسة الجنس في بعض الأحيان، من خلال التهديد بالقائهن في السجن في حال الرفض. وينظر رجال الأمن الى أطفال الشوارع نظرتهم الى المجرمين من اللصوص ومروجي المخدرات. وكثيراً ما تحتجز الشرطة المشردين من الصغار من دون أمر قانوني ويتم ايداعهم في مراكز الاحداث والاصلاحيات، حيث يتعرضون ايضاً الى سوء المعاملة ويقاسون عقوبات أقلها الحرمان من الطعام والعزل المنفرد والتحرشات الجنسية من قبل الأكبر سناً. أما الأطفال العاملون في الحقول والمزارع والمصانع وخدام في المنازل، فيضطرون الى البقاء ساعات طوية والقيام بأعمال شاقة في ظروف قاسية واحياناً خطرة. ويعتبر العنف الجسدي بالنسبة الى أكثرهم أمراً عادياً مرادفاً للعمل. فهم يتعرضون للضرب لأسباب بسيطة، مثل ارتكابهم بعض الأخطاء أو البطء في تنفيذ العمل والوصول متأخرين، أو بسبب مرضهم. كما يتم ضربهم فقط من أجل اخافتهم واعطائهم دروساً في المثابرة وسرعة العمل. واذا اشتكى أحدهم سوء المعاملة لرجال الأمن، فغالباً ما تتم اعادته وبسرعة الى رب العمل لينال العقاب مضاعفاً. لا يزال العنف مستمراً في العالم بسبب السكوت عنه وعدم اتخاذ اجراءات ضد مرتكبيه الذين يستطيعون التخلص من التهمة اكثر الأحيان. اما الأطفال فلا يجدون أمامهم أية وسيلة للابلاغ عن العنف الذي يمارس ضدهم، وقد يترددون في اللحظة الأخيرة في الكشف عما يعانونه خوفاً من الانتقام، خصوصاً في دور الايتام ومراكز الاصلاح الخاصة بالأحداث أطفال الحدود كل عام، يتسلل آلاف من الأطفال المغاربة الى اسبانيا عبر الحدود المغربية الاسبانية. يدخلون البلاد وحدهم من دون وثائق السفر المطلوبة، وبعضهم لا يبلغ العاشرة من العمر. ويخاطر هؤلاء الصغار بحياتهم، إذ يتسللون عبر مراكز الحدود والمرافئ أملاً بمستقبل قيل لهم انه أفضل في اسبانيا. ويترك أكثر الأطفال البلاد، هرباً من العنف العائلي والفقر وقلة فرص التعليم والعمل. لكنهم في أكثر الحالات يجدون العنف في انتظارهم هذا إذا لم يبتلعهم البحر، ثم يتم وضعهم في مراكز سكنية خاصة بالمشردين وخالية من الشروط الصحية اللازمة. وإذا استطاعوا الافلات من أيدي رجال الأمن الاسبان، فالعنف ينتظرهم أيضاً في الشوارع ومعه التمييز والحياة المليئة بالمخاطر في شوارع مدن غريبة عنهم وفي بلاد يجهلون لغتها. واحياناً عندما يتم القبض عليهم يعيدهم رجال الأمن الاسبان الى بلادهم عبر الحدود في حال عدم ايجاد أماكن كافية في المراكز السكنية، حيث تقوم الشرطة المغربية بدورها بعمليات تأنيب أقلها الضرب، قبل اطلاق سراحهم ليعودوا الى الشارع الذي أتوا منه. الجدير بالذكر ان القانون الاسباني يضمن للأطفال الأجانب الموجودين في البلاد بمفردهم، الرعاية والحماية اسوة بالأطفال الاسبان، بما في ذلك حقهم بالتعليم والضمان الصحي والحصول على الاقامة القانونية الموقتة التي تسمح للطفل بالبقاء في اسبانيا وعدم إرغامه على العودة الى بلاده في حال وجود خطر ما أو انتهاك لحقوقه كطفل. لكن المسؤولين يتجاهلون غالباً هذا القانون ويحرمون الاطفال المغاربة من هذه الحقوق بحجة كثرتهم وتسللهم بالآلاف عبر الحدود.