"نحذر المشاهدين الكرام، من أن هذا التقرير يتضمن مشاهد عنيفة": ظلال حمر ترشح، فتلطّخ لون الشاش الأبيض الذي يلف رأسه الصغير. أبيض فقد نصاعته، بسبب جروح نخرت صدره. وطغى المشهد المؤلم على براءة ابن الثلاثة أشهر. جسمه الضئيل عارٍ إلاّ من حفاضٍ، يُباعد ساقيه اللتين تحوّل لون جلدهما إلى أزرق. بلا ذنب، افترش سريراً في مستشفى. وحلّت أكياس المصل والدواء مكان اللعب الموسيقية التي غالباً ما تحوم راقصة فوق سرير الأطفال. واحتلّت أنابيب الأوكسجين مكان مصاصته. مشهد يتنافى مع اللون الأبيض الذي يغلّف السرير. عرضته وسائل الإعلام اللبنانية منذ عام ونيّف، كاشفة حال طفل لم يبلغ الثلاثة شهور، ضربه والده، حتى الغيبوبة،"لأنه ظلّ يبكي من دون انقطاع، مدة ساعة تقريباً". وهذا طفل من بين كثر يتعرضون لهذا النوع من العنف، يعيد إلى الأذهان صورة ابنة العشر سنوات التي ضربتها مخدومتها وعذبتها وحرقتها، ووصلت إلى أحد المستشفيات، وهي تصارع من أجل البقاء. وفي شريط الذكريات أيضاً، تلمع صورة الطفل الأشقر، ابن العام ونصف العام، في حضن جدّته. بعد أن نقلته إلى مستشفى، بهدف إثبات فعل اعتداء زوج والدته عليه جنسياً. وروت الجدّة كيف اكتشفت أثار الدماء أثناء تبديل حفاضه. هذا فضلاً عن مشاهد تُظهر مئات الأطفال المعرّضين للقصف والتشرّد والجوع والأمراض في أنحاء العالم كلها. عدم متابعة أحوال هؤلاء الأطفال ومآلها، يسهم في التعتيم عليها وعلى العنف بحقهم في مجتمعات مختلفة. أطفال ضحايا، يملأون شوارع المدن، لا سيما العربية منها. ولا يظهر في الوسائل الإعلامية إلاّ النادر، ولا يلبث أن يخبوَ، في ظلّ تركيز على نوع آخر من المشاكل والأخبار. - 275 مليون طفل، حول العالم، يشهدون شكلاً من أشكال العنف المنزلي سنوياً. 13 مليون طفل يتيم، في العالم، بسبب مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز. مليون طفل، قيد الاعتقال لانتهاكهم القوانين. 264 مليون طفل عامل، بينهم 180 مليون طفل يعملون في"أسوأ أشكال عمالة الأطفال". مليون أو مليونان من 10 ملايين طفل يتاجر بهم سنوياً. مليونا طفل يعملون في الدعارة والأفلام الإباحية. ما لا يقل عن 300 ألف من الأطفال الجنود، منهم منلم يتعدوا الثماني سنوات، يستغلون في النزاعات المسلحة في أكثر من 30 بلداً حول العالم. أكثر من مليوني طفل ماتوا نتيجة مباشرة للنزاعات المسلحة منذ عام 1990. بين 100 و130 مليون سيدة وفتاة تعرّضن لعمليات ختان من دون سبب طبي. مليون طفل، دون ال 15 سنة، يعانون سوء المعاملة والإهمال ويحتاجون إلى رعاية صحية واجتماعية. وتطول القائمة، التي ارتكز إليها تقرير عالمي تحت عنوان"العنف ضد الأطفال"، في دعوة إلى تغيير هذا الواقع المرير. العنف في البيت وفي مفارقة مؤلمة، ترتسم الدائرة الأكبر للعنف، داخل جدران مكان، من المفترض أن يكون الأكثر أماناً للطفل، منزله. ويُقدر عدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف المنزلي ب 275 مليون طفل، وإن كان من الصعب معرفة العدد الفعلي الذي يؤثر فيه هذا الشكل من أشكال العنف. وعدم توافر هذا النوع من المعلومات، يعود إلى عدم الإبلاغ عن كل الحالات، وإلى عدم توافر أي بيانات عن هذا الشكل من العنف، في عدد كبير من الدول. ويؤكد الخبراء أن 40 في المئة من ضحايا سوء المعاملة، أبلغوا أيضاً عن وجود عنف في منازلهم. والعنف المنزلي، وحتى إن لم يرتبط بإيذاء جسدي مباشر، يترك أثاراً سلبية في نفسية الأطفال. ويُعتبر الأطفال الأصغر أكثر عرضة لهذه التأثيرات، ما يُعوِّق نموهم العقلي والعاطفي في مرحلة مهمة من مراحل نموّهم. وتتفاقم المشكلة، في البلدان العربية، حيث إن قسماً كبيراً من هذه المجتمعات، يتعامل مع مسألة العنف المنزلي ضد الأطفال، بشكليه اللفظي والجسدي باعتبارها"شأناً أسرياً". ويُشير التقرير إلى أن العنف تستخدمه العائلة بشكل شائع وسيلة لتأديب الطفل في الدول العربية. والعائلة في هذه الحالة لا تتضمن الأبوين فقط بل أفراداً آخرين يصنّفون ضمن العائلة الكبيرة. وفي حين، يتناوب أفراد العائلة الكبيرة على"تهذيب"الطفل بضربه أو شتمه مداورة، يؤدي غياب هذه العادات المفاجئ، إلى آثار سلبية أيضاً. ويلحظ التقرير، ظاهرة إلزام الأطفال بالأعمال المنزلية والأعمال المرهقة في المزارع وورش العمل والمناجم ومكبات النفايات أو الشوارع، في محاولة من الأسر للتغلب على فقرها. ويضيف أن الأطفال يعانون، غالباً، من ظروف عمل بالغة القسوة مثل ساعات العمل الطويلة والأعمال المرهقة تحت ظروف صعبة ومضرة. وفي حين يعمل 13.5 مليون طفل عربي، وينخرط بعضهم في أعمال خطرة على صحتهم وحياتهم ولا تناسب سنّهم، تعتبر الإساءة الجسدية روتيناً في حياتهم اليومية. ... وفي المدرسة الفقر وإجبار الأطفال على العمل والتفكك الأسري، إلى جانب"العنف في المدرسة"أسباب رئيسة للتسرب المدرسي، وبالتالي، دفع ملايين الأطفال العرب إلى الشارع. ويقع العنف في داخل البيئة المدرسية، في عدد كبير من الدول العربية، حيث تجيز الثقافة والعادات العقاب الجسدي. ويُعتبر العنف النفسي، أكثر أشكال التأديب شيوعاً في المدارس العربية، فضلاً عن انتشار التأديب بالضرب. وتشير الدلائل إلى أن أشكالاً عدة من عنف المدارس ما زالت تُمارس في دول عدة أبرزها الجزائر وجيبوتي والمغرب وتونس وسورية واليمن وإيران. وعلى رغم حظر العقاب الجسدي في المدارس في بعض الدول كلبنان، إلاّ أنه ما زال يُمارس. ولا تزال البلاغات تتوالى عن حالات عقاب جسدي في مدارس في المناطق الفلسطينيةالمحتلة وإيران. أطفال الشوارع ويُقدّر برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأممالمتحدة الإنمائية أجفند عدد أطفال الشوارع العرب بين سبعة وعشرة ملايين طفل. وتوضح المؤشرات أن الظاهرة إلى زيادة على رغم أن عدداً من الدول العربية ما زال يرفض الاعتراف بوجودها. ويقدر عدد أطفال الشوارع في المغرب بنحو 234 ألف طفل، وفي مصر بنحو 93 ألفاً، وفي السودان 37 ألفاً، وفي اليمن 7 آلاف، وفي لبنان نحو 3 آلاف و500 طفل. ويتعرّض هؤلاء، يومياً للعنف على أيدي السلطات أو الناس، فيُضربون ويُعذّبون ويتعرضون للاعتداء الجنسي، وأحياناً القتل، فضلاً عن الدلائل المقلقة على وقوع إساءات جسدية ونفسية وجنسية. الاتجار بالأطفال على رغم الارتكاز على مسألة العادات والثقافة المحافظة والتدين وغيرها... تنذر بعض الدلائل، بازدياد الاستغلال الجنسي والدعارة والأعمال الإباحية، في صفوف الأطفال العرب. وتشير الدراسة إلى أن الدول الافريقية أصبحت أماكن منشأ وانتقال للنساء والأطفال الذين يتم تهريبهم إلى أوروبا والشرق الأوسط ودول الخليج وجنوب شرقي آسيا. ويُعرّف كل من المغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان وجيبوتي كدول منشأ ودول عبور للاتجار بالأطفال. وتُضيف الدراسة أن عدم تسجيل المواليد يُعزِّز البيئة المناسبة لهذا النوع من الأعمال. الأطفال المعوقون تنتشر في بعض المجتمعات اعتقادات خرافية بأن الطفل المعوّق لعنة أو عمل شيطاني. وينتج منها تعرّض هؤلاء الأطفال للضرب أو الحرمان من الأكل وغيرها من الممارسات العنيفة التي يُقصد بها طرد الأرواح الشريرة. ومن جهة أخرى، يُشاع في بعض المجتمعات اعتقاد بأن ممارسة الجنس مع عذراء دواء شاف من فيروس الإيدز، فيتم استهداف الأشخاص المعوّقين، ومن بينهم الأطفال، وذلك لاعتقادهم بأنهم غير ناشطين جنسياً. وقد تُفرض طرق علاج ضارّة على المعوّق، أبرزها العلاج بالصدمات الكهربائية، واستخدام أدوية غير ضرورية، وإجراء عمليات استئصال رحم بشكل روتيني للفتيات المعوّقات تخوفاً من إنجابهن الأطفال. وبالتالي يُعتبر الأطفال المعوّقون والفتيات في عمر المدرسة والأطفال العاملون والأطفال الذين يعيشون في المؤسسات والأطفال الذين يعيشون في المدارس الأكثر عُرضة للاضطهاد وإساءة المعاملة. وبهذا يواجهون خطورة أكبر للتعرض للاستغلال الجنسي وأشكال أخرى من العنف. .. وضد الفتيات وهناك أيضاً أشكال عدة من العنف تؤثر في الفتيات في المنطقة كالتهميش والزواج المبكر والحرمان من التعليم والختان وجرائم الشرف. وما زال العنف المنزلي يؤثر في الثقافة والتعليم والدخل في كل الدول العربية تقريباً. ويُحذّر التقرير من أن قبول المجتمعات الصامت للعنف المنزلي يساعد على استمرار الظاهرة وآثارها. وغالباً ما يتم التستر على العنف ضد الأطفال ولا يُناقش علناً إلاّ في أحوال نادرة، كما أن المعلومات المنهجية في المنطقة والمبنية على بيانات المسوحات والبحث محدودة جداً. وتحذر الدراسة من أن الافتقار إلى معلومات كافية عن حالات العنف التي لا يتم الإبلاغ عنها مثل العنف في المدارس أو البيوت والعنف في المؤسسات التي تؤوي الأطفال أو أشكال العنف التي تندرج تحت الممارسات العرفية والثقافة، بما فيها جرائم الشرف وختان الإناث، ما زالت تشكل تحدياً لوضع تقديرات موثّقة لحجم المشكلة في المنطقة. من هنا، يمكن اعتبار التشريعات في المنطقة مفتقرة إلى التطبيق الكافي لتوفير الحماية الضرورية للعنف ضد الأطفال، وهناك ضرورة لبذل جهود مكثفة لكشف هذه الأشكال من العنف والإبلاغ عنها وتجريمها، إضافة إلى توفير استجابات شاملة ومنسقة. وترى المديرة التنفيذية لليونيسف آن فينيمان أن هذه الدراسة تُثبت أن العنف ضد الأطفال ظاهرة عالمية وواسعة الانتشار وأن العنف ضد الأطفال يحدث في كل دولة ويتعدى الحدود الاجتماعية والثقافية. من جهتها، تعتبر الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر مشيرة خطاب انه لا يجب استخدام الثقافة والعادات والتقاليد كمبرر لاستخدام العنف ضد الأطفال لأنه يضرّ الأسرة والطفل والمجتمع. وتضيف:"يجب ألا يستخدم الفقر ذريعة لخروج الطفل إلى الشارع أو الزواج المبكر للبنات". وتطالب ب"خلق بيئة مؤاتية وداعمة لمنع العنف ضد الطفل". من ضحايا العنف 1- فلسطين استمرار القتال والعادات التي تتسامح مع عنف الآباء والمعلمين، يُعرّض أطفال الضفة الغربية وغزة إلى مختلف أنواع العنف. وأظهرت دراسة للمكتب المركزي الفلسطيني للإحصاءات، هذا العام أن 93 في المئة من الأطفال يتعرضون للعنف المنزلي، و45 في للعنف المدرسي. وصرحت 51 في المئة من الأمهات الفلسطينيات، أن أحد أطفالهن بين ال 5 و17 من عمرهم تعرّض للعنف خلال السنة الماضية. وفي دراسة استقصائية، أجراها المعهد الجامعي لدراسات التنمية في جنيف، كشفت أن 60 في المئة من الآباء والأمهات الفلسطينيين يعتقدون بأن مستويات التوتر قلق، تدني التحصيل الدراسي، وعدم الاهتمام بالتفاعل الاجتماعي ارتفعت خلال الفترة من 2005 إلى 2006 بين صفوف الأطفال المقيمين في نطاق أسرهم. وطبقاً لتقارير أخرى، نقول"بيتسيليم"المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال انهما زال نحو 375 طفلاً فلسطينياً محتجزين في سجون إسرائيلية عسكرية ومدنية. ويتعرض هؤلاء الأطفال لأشكال متعددة من التعذيب كالحرمان من النوم وعدم ملاءمة أماكن الحجز لجهة المساحة والحرمان من الطعام والشراب ومخاطبتهم بالتهديد والوعيد ومنعهم من استخدام الحمامات وتقييد أيديهم ووضع عصابات على أعينهم ووضعهم في زنزانات انفرادية. وفي بعض الحالات، تعرضوا للإساءة الجسدية والجنسية، من سجناء إسرائيليين بالغين. 2- العراق الحال الأمنية غير مستقرة والافتقار إلى المدرسين المدربين والعاملين في المجال الصحي والاختصاصيين الاجتماعيين لمرحلة ما قبل المدرسة إضافة إلى عدم وجود بيانات عن ممارسات تربية الطفل، تحول دون تطوير سياسة وطنية عراقية تتعلق بنمو الأطفال لا سيما في المراحل العمرية المبكرة. وعلى رغم هذه العقبات، أنجز عدد من المشاريع التي تسهم في تنمية الطفولة المبكرة في مجالات صحة الرضّع وصغار الأطفال وتعليمهم ومياه الشرب والصرف الصحي، غير أن توفير التعليم لمرحلة الطفولة المبكرة لا يزال يعاني صعوبة. ووفقاً لمسح للمدارس أجري عامي 2003 - 2004، لا ينتظم في مرحلة ما قبل المدرسة سوى نسبة 5.7 في المئة من الأطفال في سن الثالثة إلى الخامسة من العمر - ومعظمهم في المناطق الحضرية - والمدارس متدنية المستوى بصفة عامة. 3- أرقام عالمية تقدّر منظمة الصحة العالمية أن قرابة 53 ألف طفل بين سن الولادة والسابعة عشرة ماتوا عام 2002 نتيجة للقتل. ووفقاً لأحدث تقديرات مكتب العمل الدولي، بلغ عدد الأطفال المنخرطين في أعمال السخرة أو الرق 5.7 مليون طفل، وعدد العاملين في البغاء وإنتاج المواد الإباحية 1.8 مليون، وعدد ضحايا الاتجار 1.2 مليون طفل عام 2000.