بعدما أهملته على مدى عشرين عاماً عادت وكالات الفضاء العالمية توجه أنظارها صوب القمر آملة ان تجعل من هذا الكوكب الوفي حقل تجارب لمشاريعها الرامية الى ارسال الانسان وتوطينه لفترة ما فوق الكواكب الأخرى. ومن المقرر ان تقوم وكالة الفضاء الاوروبية نهاية العام الحالي بإطلاق المسبار "سمارث - 1" حول القمر لتصوير جغرافيته في أدق تفاصيلها ووضع خرائط مسطحة ومجسمة لهذا الكوكب تساعد الخبراء في مواصلة التحضير لمشاريع مستقبلية. أما وكالة الفضاء اليابانية فستقوم خلال العام المقبل بإرسال مسبارين ضخمين يتوليان مسح سطح القمر وسبر أغواره في الداخل بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي تم تحقيقه منذ اكثر من ثلاثين عاماً، تاريخ مهمة "أبولو" الاميركية، اذ ان القوة الحسابية لجهاز الكومبيوتر الذي كانت تحتويه المركبة الفضائية آنذاك لم تكن تتجاوز قوة أية آلة جيب حاسبة. أما اليوم فإن التنافس الحاد الذي تشهده شركات انتاج الالكترونيات في مجال تطوير معدات واجهزة دقيقة للغاية كآلات التصوير، ستساعد الخبراء ورواد الفضاء على جمع معلومات ومعطيات أكثر دقة وعمقاً والحصول على صور ملونة وبالأبعاد الثلاثة لإعادة رسم خرائط القمر ومحاولة الإجابة على أسئلة كثيرة تتعلق بعمره المقدر حتى الآن 4.5 بليون عام، والدور الذي لعبه هذا الكوكب في استقرار دوران الأرض ومعرفة ما إذا كان يوجد ثلج فوق سطح القمر أم لا. لأن الإجابة على هذه النقطة تشكل عاملاً حاسماً في اعادة تركيب وبناء تاريخ القمر وبالتالي تاريخ الكوكب الأرضي. وإذا ما تأكد وجود المياه فوق سطح القمر فستكون المرحلة المقبلة انشاء مستوطنات بشرية، وهذا ما تطالب به جمعية LUNEX الدولية التي عقدت أول مؤتمر لها في باريس العام الماضي وشارك فيه اكثر من 200 عالم وفيلسوف ومحام وفنان بحضور مسؤولين من وكالة الفضاء الأوروبية، واطلقت ورشة التفكير جدياً بطريقة لاقامة قاعدة بشرية فوق القمر بحلول العام 2040، وحتى ذلك التاريخ لا بد من القيام بعمليات أقل طموحاً تتمثل، حسب اقتراح رئيس وكالة الفضاء الأوروبية، بإرسال مجموعة من اجهزة الروبوت لتكوين قرية تقنية مهمتها تمهيد الطريق ووضع النقاط والعلامات بحلول العام 2015 قبل وصول فريق المكتشفين عام 2020. والسؤال المطروح الآن ما مدى استعداد وكالات الفضاء العالمية للخوض في مشروع بهذه الضخامة والاهمية؟! ان وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" المنغمسة حالياً بتمويل محطة الفضاء الدولية، لا تسمح لنفسها حتى ان تحلم بالقمر في الوقت الراهن على الأقل، غير ان بعض الشركات الخاصة وبمساعدة مهندسين وعلماء عملوا سابقاً في وكالة "ناسا" تنوي اطلاق جهاز روبوت صالح للعمل فوق أي سطح أو أرضية من مدينة العلوم في الولاياتالمتحدة الى القمر على ان توفر امكانية تشغيله في هذه المدينة بواسطة نظام التحكم عن بعد، وذلك في العام 2004، غير ان اليابان التي يحتل القمر في تقاليدها وثقافتها مكانة مهمة، يفكر علماؤها ومهندسوها جدياً بإقامة مستوطنات فوق القمر لينافسوا بتقنياتهم ومعداتهم تفوق وكالات الفضاء في كل من الولاياتالمتحدة وأوروبا، وبذلك فإن المسبارين اللذين سينطلقان العام المقبل سيشكلان المرحلة الأولى من برنامج Selen وسيحمل الروبوت Selen ما وزنه 250 كيلوغراماً من المعدات ذات التقنية العالية، في حين يتولى الآخر Lunar مهمة الدخول في أعماق سطح القمر لقياس اهتزازيته وتحديد بنيته الداخلية. إذا كان اليابانيون قد حددوا روزنامة برنامجهم لغزو القمر واستيطانه على الأقل بواسطة الروبوت في المرحلة الأولى، فإن الفضل يعود في ذلك الى موافقة مسؤولين سياسيين على تمويل هذا المشروع، وهو حاجز لا تزال وكالة الفضاء الأوروبية تصطدم به ويحول دون وضع خطة ملموسة لترجمة أحلامها وطموحاتها