كانت محاكمة لا مثيل لها تلك التي تواجه فيها، في باريس، الجنرال خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري السابق وعضو "الهيئة العليا للدولة"، الذي يعتبر من أقوى الرجال في الجزائر، مع الملازم حبيب سوايديه، الضابط الذي كان يمارس المهمات الأكثر تواضعاً، في أسفل سلم التراتبية العسكرية الجزائرية. خلال المحاكمة التي جرت إثر دعوى قدح وذم أقامها الجنرال نزار على الضابط سوايديه، اتهم الأول الثاني بأنه قال أمام كاميرا القناة الخامسة في التلفزيون الفرنسي انه "منذ عشر سنوات ليس هناك رئيس في الجزائر... وليس هناك سوى جنرالات هم الذين يقررون وهم الذين شنوا هذه الحرب، وهم الذين قتلوا آلاف الأشخاص مجاناً، وهم الذين أوقفوا العملية الانتخابية في العام 1992، وهم المسؤولون الحقيقيون عن كل هذا. وأنا لا يمكنني أن أسامح الجنرال ماسو والجنرال أوساريس الفرنسيين عما اقترفاه، تماماً كما لا يمكنني أن أتكلم مع الجنرال نزار... يجب ان يحاكم المسؤولون". والحقيقة ان المحاكمة لم تكن لتلك المقابلة المتلفزة بقدر ما كانت محاكمة للكتاب الناري "الحرب القذرة" الذي صدر في شباط فبراير 2001، والذي فصّل فيه سوايديه بإسهاب أفكاره. طوال خمسة أيام، شارك القضاة والحقوقيون والصحافيون والجمهور، وأعينهم وآذانهم بالكاد تصدق ما تسمع وما ترى في واحدة من أكبر عمليات نشر الغسيل القذر في التاريخ المعاصر للجزائر. لكن الشيء السوريالي في الأمر كله، هو ان هذا جرى في باريس، حيث تقدم رؤساء وزراء أو وزراء سابقون، مثل سيد أحمد غزالي وعلي هارون، وزعيم تاريخي خلال حرب التحرير الوطنية، أصبح اليوم من أهم قادة المعارضة، هو حسين آيت أحمد، ومؤرخون وصحافيون، وأهل بائسون ذبحت الجماعات المسلحة أفراداً من عائلاتهم، وضباط من الجيش الجزائري لاجئون في الخارج، تقدموا ليرووا، كل على طريقته، تاريخ الجزائر خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، طالبين - بشكل أو بآخر - من محكمة فرنسية ان تفصل وتعلن من هو المحق منهم ومن هو المسؤول عن ضروب البؤس التي اصابت الجزائريين. غير ان اللافت، كما قالت النائبة العامة بياتريس انجليللي في مرافعتها، هو ان تصريحات سوايديه تشكل "شهادة شخص فاعل مشارك، يشهد مكشوف الوجه"، مؤكدة ان هناك شهادات أخرى، وتحليلات أخرى. وهي، عبر تبرئتها ساحة سوايديه من تهمة القدح والذم، رفضت ان تنحاز الى أي طرف في هذا السجال الجزائري معلنة ان "التاريخ هو الذي سيحكم". وبالنسبة الى سوايديه، فقد أسفر ذلك كله عن انتصار كبير له. وها هو يشرح الأمر في هذا الحوار الطويل، الذي شئنا ان نستكمله بحوار مع الجنرال خالد نزار، لكنه رفض الاجابة على أسئلة "الوسط". وهنا الحديث مع سوايديه: ماذا كانت مهنة أبيك؟ ومتى ولدت وما هي الدراسة التي حصلتها؟ - كان أبي جندياً بسيطاً في الجيش الفرنسي، إذ بعدما تيتم في الخامسة عشرة من عمره، تطوع في جيش فرنسا أملاً بالهرب من البؤس، وخاض المعارك في حروب الهند الصينية وكوريا. ثم عاش فترة في الجزائر، قبل أن يتوجه ليعيش في فرنسا خلال الفترة بين 1970 و1995، حيث عمل لاعالة أسرته وأبنائه السبعة. وتوفي في العام 1995. أما أنا فولدت العام 1969 في تبسة القريبة من الحدود مع تونس. وكانت دراستي الابتدائية والثانوية باللغة العربية. وفي العام 1989 انخرطت في الجيش الجزائري. وفي ايلول سبتمبر من العام نفسه قُبلت في الاكاديمية العسكرية في شرشال، ومنها تخرجت ملازماً ثانياً في العام 1992، واثر ذلك أمضيت فترة تدريب في الكلية التطبيقية للقوات الخاصة في بسكرة. ما الذي دفعك لاحقاً الى اتخاذ قرارك بوضع هذا الكتاب؟ - عندما يتطوع المرء في الجيش وهو بعد في التاسعة عشرة من عمره، يكون احساسه انه يفعل ذلك ليخدم وطنه وشعبه وانه مستعد لفعل أي شيء في سبيل ذلك. لقد اخترت لاحقاً الدخول في وحدة للقوات الخاصة، حيث كنت على استعداد تام لخوض القتال ضد الاسلاميين. ولكن في الوقت نفسه، اكتشفت ان الأسلوب الذي يتبعه الجنرالات من قادة الجيش ليس الأسلوب الأصح. ووجدت ان مهمتنا اتخذت وجهة أخرى غير تلك التي كنا نعتقدها. وهكذا حين بدأنا بعمليات تمشيط عشوائية، ونمارس التعذيب ضد المدنيين من دون ذنب اقترفوه، شعرت بأنه لم يعد في وسعي أن أتحمل وزر مثل تلك الممارسات، وبدأت أحتج وراحت احتجاجاتي تثير في كل مرة مواجهة، وطاولني اللوم مراراً والانذار غالباً، ثم بدأت أُعتقل وأوقف. وكنت أقول في نفسي: "اننا لن يمكننا أبداً أن نواجه الارهاب بالرعب". وصرت مزعجاً. وفي الوقت نفسه لاحظت المساعي المتعددة للتخلص من مثل هؤلاء الضباط المزعجين، وهذا ما حدث لي، حيث اعتقلت للمرة الأولى في 27 حزيران يونيو 1995. يومها حاولوا أن يلصقوا بي تهمة سرقة اقترفها شخص آخر. اتهمت بسرقة قطع غيار من مرآب سيارات تابع للجيش كانت تودع فيه السيارات المستعادة من اسلاميين سرقوها، في انتظار اعادتها الى أصحابها. والذي وجه التهمة إليّ شخص يدعى تاجر، مهمته حراسة المرآب. وكان ابنه اسلامياً عرف بأنه قتل ثلاثة من رجال الشرطة. وكذلك اتهمني ذلك الشخص نفسه باغتصاب فتاة في شهر آب أغسطس 1995، مع انني كنت نزيل السجن في ذلك الحين. في الجزائر يمكن لأي كان ان يوجه اي تهمة لأي شخص آخر. وهكذا حكم عليّ بالسجن 4 سنوات. ولكن، لماذا كتبت "الحرب القذرة"؟ هناك ضباط كثيرون عاشوا ما عشته، لكنهم لم يضعوا عن ذلك أي كتاب؟ - انهم كثر أولئك العسكريون الذين يقفون ضد ما يحصل، لكنهم يخشون الادلاء بشهاداتهم: وهم على حق في هذا. أما بالنسبة إليّ فقد شعرت بأن من واجبي أن أشهد. وهو واجب تجاه كل الضحايا الذين رأيتهم يموتون موتاً مجانياً. لقد أردت أن أروي درب عذاب كل أولئك الذين عذّبوا، أردت ان أريح ضميري. ان هناك شراً قد اقترف، ويتعين الاعتراف به. ثم ان السلطة الجزائرية الصقت بالإسلاميين كل الجرائم التي ارتكبت. وأنا رغبت في اظهار الحقيقة وكشف الجرائم التي ارتكبها الجيش الجزائري. وأنا على يقين بأن مقترفي الجرائم الحقيقيين سيحاكمون ذات يوم. ولست نادماً على ما فعلت فالعدالة يجب ان تأخذ مجراها. هل تخاف على أمنك الشخصي؟ - يمكن ان يحدث لي أي شيء، والكل يعرف درجة تورط عملاء فرنسيين في العمل مع أجهزة الأمن الجزائرية غير انني لست قلقاً. فلو حدث لي أي شيء سيعرف الناس جميعاً من الفاعل. لكنني أخاف على عائلتي في الجزائر. وأذكر أمامكم هنا انني في اليوم نفسه الذي هاتفت فيه أمي لأطلب منها أن تأتي الى فرنسا لزيارتي، سحبوا منها جواز سفرها. انني أعلم ان الكثير من أفراد أسرتي هم تحت المراقبة وعرضة للتهديدات. ما رأيك في هذه المحاكمة؟ - انها المرة الأولى التي يشهد فيها العالم سجالاً مملوءاً بالتناقض والمواجهة بين ممثلي السلطة والمعارضين. وهكذا فتح باب يستطيع الناس بواسطته البدء بالتحدث عن هذه الحرب... وكذلك عن مشاكل أخرى اقتصادية وثقافية. ورائع ان يبدأ السجال الآن عن كل هذه المواضيع. انه أمر يشجع الآخرين على المجيء والادلاء بشهاداتهم، وبخاصة الذين تعرضوا للقمع والملاحقة والاضطهاد. والحال انه بات على الرأي العام العالمي ان يفهم طبيعة هذه الأزمة: فهي أزمة مشروعية. ويتعين الآن ان يكون ثمة سجال حقيقي حول التاريخ الراهن، حول العلاقة بين الحرب الجزائرية الأولى 1954 - 1962 ضد فرنسا والحرب الجزائرية الثانية. يجب ان توضع محصلة بالوضع الذي تعيشه الجزائر منذ العام 1962، أي منذ حصولها على الاستقلال. لقد ساعدني كثيراً ان أجد في مواجهتي، في المحكمة، عدداً من القادة الذين أوصلوا الجزائر الى الافلاس. انها حرب نخوضها، مواجهة بين جيلين: فهناك من جهة أشخاص مثل سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة بين 1991 - 1992 وعلي هارون وزير حقوق الإنسان خلال الفترة نفسها، وفي الجهة الثانية، انا وكل أولئك المنتمين الى جيل الاستقلال. بدا الأمر وكأنني أحاسب هؤلاء الأشخاص: ما الذي أعطيتموه لي؟ بالنسبة إليّ كان الأمر رائعاً ولم أشعر بأي خيبة أمل. أي انطباع تركه لديك ان تجد نفسك على بعد خطوتين من الجنرال خالد نزار، حيث كان في امكانك ان تلمسه تقريباً؟ - ان ما هو رائع حقاً، في أوروبا، هو ان للعدالة وجوداً حقيقياً. والعدالة تحسم هنا بين أي مواطن بسيط، وبين الجنرال، حتى وان كان واحداً من الرجال الأقوى في بلده. ان زعيماً أو جنرالاً، يعتقد نفسه في بلده أعلى من القوانين، يجد نفسه هنا في مواجهة من يتهمه مباشرة صارخاً في وجهه: "هذا ما أنت عليه حقاً". ان مثل هذا الأمر مستحيل في الجزائر. ان لدي هناك رفاقاً وجهت اليهم اتهامات، لكن الجنرالات لا يحدث لهم أبداً أن يطأوا أرض المحكمة. القانون في الجزائر هو هؤلاء الأشخاص، الجنرالات. لذا لا يمكن ان تتصورهم وهم يدافعون عن أنفسهم أمام المحكمة هناك. كنتما جالسين وجهاً لوجه، هل تلاقت نظراتكما؟ - لقد كنت أمامه كنت أنظر اليه طوال الوقت، أما هو فلم ينظر إليّ أبداً. ولكن ذات لحظة عندما تلاقت نظراتنا، أحسست بأنني في مواجهة شخص لا يأبه لأي شيء، وليس عنده أي قلب. ان بي رغبة كبيرة في معرفة ما الذي يجري في داخله، لكي أسأله "هل أنت نادم؟". لكنني لم أتمكن من الوصول اليه هكذا. ذات لحظة خالجني الأمل بأن يقول: "اعذروني... لقد أخطأت" لكنه كان، طوال الوقت، لا يعبر عن أية مشاعر. رأيته رجلاً يعيش فوق كوكب آخر يحتقر كل ما حوله. في رأيك، لماذا أقام الجنرال خالد نزار الدعوى عليك؟ - قال: "أريد ان أغسل سمعتي" فأجبت: "سيدي الجنرال، هل تعتقد حقاً بأن المرء تبقى له سمعة مشرفة بعد 200 ألف قتيل، وكل هذه الخسائر، وتحول المجتمع الى أطلال وخرائب؟". هل تعتقد ان المسألة مبادرة معزولة... أم أن في الأمر اتفاقاً بين الجنرالات؟ - ان الجنرالات هم الذين أذنوا له بإقامة الدعوى عليَّ. والجنرال محمد العماري قال في اكاديمية شرشال، لمناسبة الذكرى الأربعين لاستقلال الجزائر: "انني أساند مبادرة خالد نزار من أجل غسل سمعة جيش التحرير الوطني". وقول هذا في الأكاديمية أمر يحمل كل دلالته ورمزيته. ولماذا خالد نزار، وليس الجنرال محمد العماري؟ - لأن العماري لا يزال يشغل منصبه في الجيش، لذلك اسندوا المهمة الى خالد نزار ليتمكنوا من أن يقولوا، إذا خسروا المحاكمة، أو ساءت الأمور بالنسبة اليهم: لقد كانت مبادرة معزولة. الشهادات والمداخلات والمرافعات خلال المحاكمة هل علمتك شيئاً؟ - لقد علمتني شهادات الكثيرين أموراً كثيرة، وأطلعتني على تفاصيل عن دور بعض المسؤولين المدنيين الذين شاركوا في الانقلاب أي في "استقالة" الرئيس الشاذلي بن جديد في كانون الثاني/ يناير 1992. وكل هذا فتح عيني على نفاق رجال السياسة الجزائريين من الذين يتلقون أوامرهم من الجنرالات. ثم جرى الحديث علناً عن التعذيب. وكانت هناك شهادات من مهدي مصبح ونصيرة ديتور... وجرى الحديث أيضاً عن سبعة آلاف مفقود. ثم كانت هناك شهادة حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية. أنا شخصياً لا أنتمي الى أي حزب سياسي. ولم يسبق لي أبداً ان أدليت بصوتي في انتخابات، ذلك انني اعتقد بأنه ليس على الجندي ان ينتخب. ولكن كانت هناك عبارة لحسين آيت أحمد ستظل محفورة في ذاكرة الجزائريين جميعاً، إذ حين حاول خالد نزار ان يجذبه الى صفه قال له: "سيد خالد نزار، ان هناك نهراً من الدماء يفصل بيننا". وأعتقد بأن هذه العبارة تلخص الأمر كله. والرأي العام الجزائري، هل تراه تعلم شيئاً؟ - في الحقيقة نحن ليست لدينا في الجزائر صحافة حرة الى هذا الحد. لقد كانت صحافتنا دائماً منحازة، وهكذا جرى تشويه الكثير من الأمور ومراقبتها. ولكن هناك كتاب عن المحاكمة سيصدر، وفيه كل التفاصيل، خلال ثلاثة شهور أو أربعة. وحين يصدر سيعرف الناس كل شيء. وفي اعتقادي ان هذه المحاكمة ستحرك الأمور في الجزائر. وستكون هناك سجالات كثيرة، وستظهر شهادات كثيرة. وهذا ما سيفتح أعين كثير من الناس. لقد كان في ودي لو جرت هذه المحاكمة في الجزائر نفسها، لكنني أعرف ان الحقوق مفقودة في الجزائر. هناك ليس ثمة مكان لمن لا ينتمي الى السلطة، أو الى الإسلاميين. هناك من يتهمك بأنك تلعب لعبة الإسلاميين؟ - أنا لست قريباً منهم بأي حال من الأحوال. بل انني حاربتهم. وقتلت الكثير منهم في معارك نديّة. ولكن في كل مرة يوجه فيها أحد أصابع الاتهام الى السلطة، يتهم بأنه يلعب لعبة الإسلاميين. وأنا شخصياً أعتقد بأن هناك اسلاميين معتدلين في الجزائر، على غرار عبدالقادر حشاني الذي اغتيل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1999، ويتوجب مناقشة هؤلاء الناس. أنا مسلم مؤمن وأعرف ان الإسلام لم يأمر أبداً باقتراف الفظاعات. لقد اعتقلت في السجن العسكري في بليدة. من كان في رفقتك في السجن، خصوصاً من الإسلاميين؟ - كان معي أشخاص من كل الأطراف: مدنيون وعسكريون، لصوص ومهربون، مناضلون ومثقفون. ابرياء وإسلاميون، وأناس ليست لهم أدنى علاقة بالإسلام. كل الشرائح الاجتماعية الجزائرية كانت ممثلة هناك. وكان ثمة أشخاص محكومون لعشر سنوات ولعشرين سنة. لقد تركت في السجن أصدقاء لا أعرف إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة، أو ماتوا. هناك حين يُعتقل شخص ما يعاني فوراً كل ضروب التعذيب. ويُسأل: "من تعرف؟" فإذا لفظ اسماً تكون نهاية صاحب هذا الاسم. داخل السجن كان في الإمكان التواصل بين زنزانة وأخرى. وكان في الامكان ايصال الرسائل بواسطة الجنود أو الفارين من الجندية الذين يقومون بأعمال سخرة. أنا أمضيت القسم الأكبر من وقتي في المجمع "ب"، أي المخفور أكثر من أي مجمع آخر. الطابق السفلي فيه كان خالياً تماماً، على سبيل الاحتياط الأمني. وفي الطابق الأول، حيث كنت، كان هناك ما بين 18 و19 زنزانة، في كل منها عدد يتراوح بين 4 و7 نزلاء. كنا نعيش معاً. ونتناقش في ما بيننا. أما الطابق الثاني فكان مخصصاً كله تقريباً للمعتقلين من الإسلاميين. وكنا نتناقش معهم خلال ساعات النزهة. هل كنت عرضة لمحاكمة ثانية أخيراً؟ - أجل خلال شهري نيسان - أيار ابريل/ مايو من هذا العام. وحكم عليّ بعشرين سنة سجناً، بتهمة قدح الجيش الجزائري. هل كان لديك محام؟ - على الإطلاق. عرفت كل مجريات المحاكمة من الصحف. وقيل انني حين أعود يمكنني أن أستأنف الحكم. لقد أشرت الى انك لست عضواً في الحركة الجزائرية للضباط الأحرار. لماذا؟ - انني على وفاق معهم، ولا بد - هنا - من أن أكون صريحاً. لكنني اختلف معهم حول بعض النقاط. أعرف بعضاً منهم، وهم لا يجمعهم جامع بالإسلاميين. ولكن من الصعب الثقة بأشخاص لا تعرفهم معرفة وثيقة. لقد كان النقيب شوشان مدربي في اكاديمية شرشال. وذات يوم طلب منه الجنرال كمال عبدالرحمن، ان يذهب الى الأماكن الخارجة على سلطة الدولة لكي ينضم الى جمال زيتوني زعيم الجماعة الإسلامية المسلحة ويتمكن بالتالي من قتل معارضين اسلاميين آخرين. الجميع في الجزائر يعرفون ان جمال زيتوني هذا هو عميل للأجهزة الجزائرية التي استخدمت الجماعة الإسلامية المسلحة من أجل ضرب معتدلي جبهة الانقاذ. بعد ذلك اتهم خالد نزار شوشان بأنه اسلامي، وبأنه رصد وهو يلتقي بالإسلامي شبوطي، فرد عليه شوشان بأن شبوطي، حين التقاه كان لا يزال ضابطاً من دون مشكلات، ولم تكن الأجهزة تطارده. في نهاية الأمر اضطر النقيب شوشان الى الهرب عبر مالي وموريتانيا. واليوم ها هو لاجئ في انكلترا. كيف خرجت من الجزائر؟ يقال انك اشتريت سمة الخروج من ابن أحد كبار الضباط؟ - لقد كان هناك عدد من أبناء الجنرالات في دفعتي. وحين خرجت من السجن في حزيران 1999، تمكنت من تدبير شؤوني. لقد كنا أصدقاء أنا وهم. وربما كان هذا سبب انقاذي ان أكون من أصدقاء هؤلاء الناس. كنا نعرف بعضنا بعضاً منذ العام 1989. كنا في مدرسة واحدة. المهم، أعطيت ابن ضابط كبير أقل من ألف أورو ثمناً للسمة. هناك آخرون دفعوا ضعف هذا المبلغ. والآن ما مشاريعك؟ - أريد ان أواصل الكتابة، وكشف الأمور لكي تسود العدالة، ويحاكم المجرمون من الجانبين، أكانوا عسكريين أم اسلاميين، على الجرائم التي اقترفوها ضد الانسانية. أود كذلك ان أؤلف كتاباً جديداً، أقارن فيه بين الحربين: حرب الاستقلال والحرب التي تخاض الآن. أريد أن أقارن بين أساليب الجيش الفرنسي وأساليب الجيش الجزائري، فالحال ان ثمة الكثير من ضروب التشابه بين مستعمري الأمس ومستعمري اليوم