هذه هي المرة الثالثة التي يراجع فيها الأهل طبيب الأطفال لاصابة ولدهم بالتهاب حاد في الرئتين، والمشكلة أن الصور الشعاعية التي أجريت في المرات السابقة أشارت فقط الى وجود التهاب رئوي فقط. وأمام هذا الوضع طلب الطبيب ان تجرى للمصاب فحوص شعاعية نوعية، وكم كانت الدهشة كبيرة عندما جاءت النتيجة لتوضح بالدليل القاطع أن هناك جسماً قابعاً في أحد فروع القصبات. ان استنشاق الأجسام الأجنبية يعد من الحوادث غير النادرة عند الأطفال وهو يشاهد في الجنسين معاً، لكنه أكثر رؤية لدى الذكور منه لدى الإناث، وفي 55 في المئة من الحالات تقع الحادثة قبل سن الرابعة من العمر، وفي 30 في المئة يحدث خلال الثانية من العمر. المعروف أن الطفل، واعتباراً من الشهر الخامس، يبدأ بالقبض على كل شيء يقع بين يديه، وسرعان ما يضعه في فمه، وهنا يكفي أن يضحك الطفل أو يخاف أو يفاجأ أو يعطس حتى يجد الجسم الغريب الذي التقطه الطفل طريقه الى الحنجرة، فإذا كان الجسم ملساً، ناعماً تابع خطاه الى القصبات لكي يستقر فيها. أما إذا كان الجسم كبيراً وناتئاً توقف في البلعوم مسبباً صعوبة تنفس مع هجمات اختناق قوية اضافة للسعال الشديد، وقد يقود الى الموت إذا لم يتم اسعاف الطفل في الوقت المناسب. كل شيء صغير يقع في متناول الطفل يمكن أن يضعه في فمه، وبالتالي يمكن له أن يستنشقه لينزلق بعدها الى المجاري الهوائية الرئوية، فالطفل عادة يتنفس من فمه بدلاً من أنفه. ومن أكثر الأشياء الشائعة التي يمكن أن يستنشقها الصغير نذكر أغطية الأقلام، الشعير، بذور القمح والقرع والجبس والبطيخ، حبوب الحمص، عجلات وقطع الألعاب الصغيرة، الفستق والبندق وغيرها. في حالة واحدة من أصل أربع، يمكن للجسم الغريب أن يتوقف في الحنجرة مؤدياً الى زوبعة من الاختناق والزراق والسعال القوي. كل هذه العوارض تحدث بشكل مفاجئ يثير انتباه المحيطين بالطفل، والمهم هنا التصرف بحكمة وروية وأعصاب قوية وبأقصى سرعة لمحاولة اخراج الجسم من حلق الطفل: اذا كان الطفل صغيراً، فهنا يجب الامساك به من قدميه ورأسه مدلى الى الأسفل، ثم اجراء ضربات سريعة على ظهره أو وسط صدره. في 50 في المئة من الحالات يؤدي هذا التصرف الى نتيجة ايجابية تسمح بقذف الطفل للجسم الغريب الى الخارج. إذا كان الطفل كبيراً، عندها يجرى الاسلوب الآنف الذكر في وضعية الوقوف من دون الحاجة الى ادلاء رأسه للأسفل. إذا بقي الجسم متشبثاً في حلق الطفل على رغم الاجراء السابق، هنا لا بد من الاستعانة بطريقة "هايمليخ" الذي كان أول من وصفها. يتم الوقوف وراء الطفل ثم توضع القبضة اليسرى على منطقة أعلى الصرة، ثم تجرى حركات قوية وقصيرة بالضغط نحو الداخل والأعلى. وهذه الوسيلة تعطي نتيجة في 85 في المئة من الحالات. إذا أخفقت طريقة هايمليخ في حل المعضلة، هنا لا مفر من ادخال الاصبع في حلق الطفل لازالة الضغط الحاصل عليه من تشنج عضلات الحنجرة، وبالتالي للمساعدة على طرد الجسم خارجاً. إذا فقد الطفل الوعي وبدأ يتنفس بصعوبة بالغة فعندئذ يجب نقله الى أقرب مركز اسعافي. قد يقف الجسم المستنشق في الرغامى وهنا يشكل خطراً كبيراً، إذ يمكن أن يصعد الى الأعلى ليقف في منطقة تحت اللهاة مسبباً انسداد المجرى الهوائي. أما إذا تابع الجسم خطاه فهو غالباً ما يفضل الرئة اليمنى لأن الفرع القصبي لها أكبر وأوسع من فرع الرئة اليسرى. اذا كان الجسم الأجنبي عضوياً أي قابلاً للانحلال يمكن أن يتفتت مع مرور الوقت الى أجزاء صغيرة، تحدث ارتكاساً التهابياً تعطي نواتج يتم قذفها وطرحها مع البلغم. أما إذا كان الجسم غير قابل للانحلال والارتشاف، فإنه يؤدي الى عواقب تزداد حدة كلما بقي في القصبات. ان استنشاق الأجسام الغريبة مشكلة خطيرة جداً عند الطفل، وقد تكون مأسوية لأنها قد تودي بحياته مابين لحظة وأخرى وسط حيرة الأهل وقلقهم وارتباكهم، فحذار من وضع الأشياء الصغيرة أمامه لأنها قد تقود الى حصول حوادث مفجعة للغاية