انطلقت العولمة كتحدٍ تواجه شعوباً وحضارات بكاملها، وارتفعت آراء موافقة وأخرى معترضة، لكن هل يفهم رجل الشارع ما هي العولمة وما تمثله بالنسبة إليه وإلى مستقبله وبلاده؟ ما هي مصادر معرفته؟ كيف ستؤثر العولمة في الصناعة والتجارة والثقافة والسينما؟ استطلعت "الوسط" آراء شرائح عمرية ومهنية مختلفة، الى جانب بعض المتخصصين، وبعضهم أثبت معرفته بالعولمة وبما تمثله، اما البعض الآخر فأثبت العكس. تقول المرشدة السياحية صفاء خطاب: "على رغم اجادتي للغتين وهما الالمانية والانكليزية وعلى رغم رحلاتي المتعددة، إلا انني لا اعرف معنى العولمة، هل هي مشتقة من كلمة علماء؟ أم عوالم؟! أم هي توحيد السماء مع الأرض، أم توحيد العالم الاول مع الثاني والثالث؟ لا اعرف؟ لكن إذا كانت هي الأخيرة فأنا ارفضها لأن هناك فجوات رهيبة بين المجتمعات والحضارات وانصح المسؤولين بعولمة محلية وليست العولمة العالمية لتصبح الاقصر مثل القاهرة وأسيوط مثل الاسكندرية ولتفقد القاهرة جزءاً من مركزيتها القاتلة لباقي المحافظات". أما جابر سائق التاكسي، فيصف العولمة بأنها "مسخرة وقلة أدب، فكيف يسمح زوج أن تسلم زوجته على صديقه وأن تقبله، وكيف يسمح رب الاسرة ان تستقبل بناته وأبناؤه افلاماً مخلة بالآداب عن طريق التلفزيون، أو أن تأتي له ابنته البالغة الرابعة عشرة من عمرها بال"بوي فريند" إلى المنزل في منتصف الليل". ويرى جابر أن "العولمة" مستحيلة التطبيق على المجتمع المصري أو أي مجتمع شرقي مسلم، فهناك اختلاف بين العوالم. ويقول العم محمد متخصص في نقل أجهزة الصوت والآلات الموسيقية: "الحقيقة نحن متعولمون خلقة، يكفي أنه خلال شهر رمضان في هذا العام لم تدخل بيتي رُبع الكمية التي تدخله كل عام". أما منى وهي مديرة في أحد المنازل، فتقول: "كنت اكره مادتي التاريخ والجغرافيا لذا لا اعرف ما هي العولمة". ويقول طارق عبدالنبي نجار: "لا اعرف أي شيء عن العولمة فأنا لم استمع لنشرة الاخبار بعد". أما جمال السيد سائق تاكسي وليسانس في الآداب فيؤكد ان "العولمة ستأتي بدمار ليزيد دماراً على اقتصادنا الوطني، فمنتجاتنا المحلية لا تستطيع ان تصمد أمام المنتج الصيني فكيف ستصمد إذن امام المنتجات الغربية التي ستنافس منتجاتنا في جودتها العالمية وفي اسعارها الرخيصة"، كما يشدد على ضرورة أن تعرّف الحكومة الناس بماهية العولمة وبما تمثله، وبالانفتاح الآتي في شتى مجالات الحياة لأننا بالكاد نستطيع شراء الصحف وأنا شخصياً لا استطيع النوم من دون قراءة صحيفتي معارضة على الاقل". وعبر عن احباطه الشديد بقوله: "أشعر اننا كالغنم ننساق وراء حكومتنا التي أيدت ووقعت اتفاقات التجارة المشتركة من دون علمنا او حتى فهمنا". أما اللواء طيار متقاعد اشرف عبدالحليم فلا يستطيع ان يُقيّم العولمة او يقف معها او ضدها لأنه لا يفهمها جيداً. ويقول المدير الاقليمي للمبيعات في إحدى الشركات الاميركية في مصر ان "العولمة مثل افكار ونظريات كثيرة لها مميزات ولها عيوب، وأهم المميزات ستكون للمستهلك حيث إنه سيجد منتجات كثيرة ومتعددة، بجودة عالية، بأسعار زهيدة، ارخص من مثيلتها المحلية. أما الجانب السيئ فيتمثل في اننا لا نقدر على المنافسة، فلن نصمد امامهم كثيراً، مما سيؤدي إلى اغلاق كثير من مجالات العمل في وجه المصريين وبالتالي ستزداد نسبة البطالة، أكثر مما هي عليه بمراحل. سنعتمد بشكل أكبر على المنتجات الاوروبية والاميركية المصنعة في بلادها الاصلية". اما وليد قاسم 14 عاماً طالب في الكلية الاميركية في المعادي، فيحب اميركا وكل ما هو اميركي، يحب السينما الاميركية، الأكل الاميركي وكرة البيسبول ويتمنى لو أن مصر تصبح مثل أميركا تماماً، يقول: "بالتأكيد العولمة تأتي من العالم ليصبح مثل دولة واحدة، الارجح ان جميع الدول ستكون تحت راية الاقوى، الافضل الا وهي اميركا". ويؤكد وليد انه يعيش تلك العولمة بالفعل فأصدقاؤه في المدرسة أميركيون، وهو على اتصال معظم الوقت باصدقاء آخرين اميركيين وعرب يعيشون في اميركا عن طريق الانترنت، يشاهد قنوات التلفزيون، ونشرات الاخبار الاميركية، يقرأ الصحف والمجلات الاميركية، خصوصاً الخاص منها بالشباب. ويحب وليد العَلم الاميركي ويضعه في حجرة نومه، أولاً لأن شكله جميل كما يقول، وثانياً لأنه اعتاد على رؤيته طوال الوقت في مدرسته. ويتمنى وليد أن يدرس العسكرية في إحدى الاكاديميات في الولاياتالمتحدة، حيث يدرس اخوه، لكنه في الوقت نفسه يرفض فكرة دراستها في بلده مصر كما يرفض فكرة التحاقه بالجيش. من هواياته كرة القدم التي يعشقها لكنه لا يشاهد المباريات المحلية ولا يشجع أياً من الفرق المصرية، بل يشجع فريق "مانشستر يونايتد" ويستمتع بلعب "نيوكاسل" الانكليزي ولديه فانلة الفريقين ويتباهى بأن ثمن الواحدة بلغ 400 جنيه، وانه أول من ارتداها من اصدقائه. وعن تأثير العولمة على الثقافة بشكل عام وعلى العمل الفني أو الادبي بشكل خاص، لا يرى الروائي إبراهيم اصلان خطراً فالعمل الفني، فكرياً كان أم أدبياً أم تشكيلياً، يتكئ على تجربة حية، وعلى بشر يعيش بينهم المُبدع، ومن هنا لا داعي للقلق على تأثير العولمة على الثقافة. فالسماوات المفتوحة ثروة معرفية لا يجب التواني عن الاستفادة منها لتعميق خصوصيتنا، ويضيف: "لن يتم الالتقاء بيننا وبين أي عالم آخر من دون هذه الخصوصية"، ويرى أن هناك التباساً كبيراً حول موضوع "العولمة" إذ "لا يوجد شيء اسمه العولمة مقبلة وعلينا قبولها أو رفضها، لأن ما يتم الحديث عنه هو حاصل بالفعل، ونظراً إلى مجموعة من الانجازات التكنولوجية لانفتاح سماوات الدنيا لم تعد هناك أية حواجز، فالتسمية جاءت متأخرة عن زوال الحدود المعرفية". يضيف ان الالحاح على كلمة "عولمة" هو إلحاح غير مبرر المقصود به رغبة اميركية في أمركة العالم، وفرض نمط اميركي على كل العالم، وبهذا المعنى فهي مرفوضة لأنها تطرح بقوة مشكلة الهوية، فقد أصبحنا مثل "زقاق" ليس له أية مواصفات ومتاح لأي عابرين، وللأسف معظم مشاريعنا لا تتكئ على أسس قوية وليست لها ملامحها الشخصية المميزة بل هي مشاريع ارتجالية نتشبه فيها بأنماط لا تخصنا". ويرى أصلان ان "الدول الأكثر تقدماً واعية للخطر لذلك فهي تقاوم اما نحن فلسنا فاهمين، لذلك ليس هناك اي نوع من أنواع رد الفعل، ورد الفعل ليس بالضرورة رفض العولمة، بل هو الحرص على السعي للوصول إلى نغمة، او صبغة اجتماعية صحيحة تتوافق مع شخصيتنا كبلد واحلامنا وطموحاتنا". ويعيد اصلان عدم فهم العولمة إلى النظام التعليمي الفاشل الذي يعاني انهياراً تاماً، وإلى اعلاميين شأنهم شأن الببغاوات يستخدمون اللفظة من دون فهم، في محلها وفي غير محلها. فالاعلام كان من الممكن ان يقوم بدور مهم جداً يعمق من خلاله معرفة الناس ووعيهم بما يجري. أما المهندس مجدي المهدي مدير ادارة البحوث والتطوير في مجموعات "اوليمبيك - اليكتريك ايديال" الصناعية فيرى أن العولمة ما هي إلا اتاحة الفرصة للشمال الغني ان يمتص دم الجنوب الفقير بحجة الاسواق المفتوحة وهي ستفتح الحدود بين كل انحاء العالم، ويعتقد انه "لو لم نتحرك سريعاً سنتضرر ضرراً بالغاً لأننا لن نقوى على الاقوياء، حيث اننا نستورد خاماتنا منهم، نأخذ بأساليبهم ومكننتهم الصناعية، لذا سينافس المنتج الاجنبي المنتج المحلي في بلاده وفي الاسواق المحلية، بالطبع سيكون أكثر جودة وارخص سعراً بالمقارنة بالمنتج المحلي، لذا تم انشاء الادارة التي أترأسها الآن والتي توصلنا اليها خصيصاً لمواجهة خطر العولمة، وهي تهدف إلى تبني البحوث الجادة وتشجيع التطوير ودعمه بكل الامكانات، لتمكين منتجاتنا من منافسة غيرها في ظل "الغات"، وتطوير اداء العقول البشرية بمنح التدريب، للتعرف على احد التطورات في عالم صناعة الاجهزة الكهربائية عن طريق منح السفر الى الخارج للاحتكاك المباشر بالخبرات والكفاءات الاجنبية، وفي هذا النحو تم صرف الملايين، كما تم تطوير اداء العديد من المصانع، وصرفت أموال طائلة على الاستثمارات". ويؤمن المهدي بأنه لو قامت المجموعات الصناعية الكبرى جميعها باعتماد البحوث والتطوير كوسيلة للتحدي وتحسين الاداء سنكون مستعدين لمواجهة ما ستفرضه علينا ظروف المرحلة المقبلة. ويرى الطبيب النفسي هاني السبكي ان الناس بالفعل تائهون بين العديد من المصطلحات التي تستخدم يومياً في وسائل الاعلام مثل "العولمة" و"الغات". بعضهم لا يعرف عن "الغات" شيئاً الا انها نظرية لها صلة بالاقتصاد، اما "العولمة" ففسرها كثيرون على انها مجرد استخدام "الدش" لمشاهدة القنوات العالمية. ويرجع سبب عدم الفهم إلى اسباب عدة منها عدم فهم من جانب من هم قائمون على نوعية الناس بماهية تلك المصطلحات أساساً، أو لأن بعضهم متحفظ حتى لا يتهم بالجهل او الرجعية، أو لسبب اكثر خبثاً وهو عدم الرغبة في تعريف الناس بتلك المصطلحات وبما تمثله من خطر، ويؤكد السبكي ان العولمة هي وسيلة جيدة لاحتلال العالم ولكن بطريقة جديدة تعتمد على الغزو الفكري، وعلى ترويج البضائع الغربية التي تؤثر بشكل كبير جداً في الشباب، حيث اصبح بعضهم يشعرون بالدونية اللا آدمية إذا لم يرتدوا بعض الماركات العالمية مثل Nike وReeboke. ولفت إلى مسألة أخرى أكثر أهمية وخطورة وهي التعليم واللغة التي يتم التعلم بها، معتبراً أن القائمين على "العولمة" أخلوا بطريقة غير محسوسة بمناهجنا التعليمية، وتدخلوا لإلغاء مادة التاريخ في المرحلة الثانوية تلك المرحلة المهمة جداً في تكوين الوعي الوطني، فأصبحت مادة اختيارية، مع مادة علم النفس، وعلى من يختار مادة التاريخ ان يتحمل كتاباً ضخماً، يهرب منه الطلبة الى مادة علم النفس وكتابها الصغير السهل الحفظ والاستذكار، ولأن من أهم شروط الحصول على وظيفة جيدة هو إجادة لغتين أجنبيتين تحولت معظم مدارسنا الى مدارس لغات واصبحت المناهج التعليمية التي تدرس لأولادنا تأتي من الدول المعنية مثل اميركا وبريطانيا او فرنسا. ويشير السبكي الى ان التمهيد لعملية العولمة يتم "ونحن نائمون في العسل" حيث يتم اعداد الدراسات النفسية التي تبدأ من الطفل مروراً بالمراحل العمرية اللاحقة، تلك الدراسات تتميز بدقة شديدة جداً، ترصد كل شيء، مثل احوال الناس وقيمهم ومشاكلهم. ويروى تجربته الشخصية مع احدى الباحثات المصريات التي كلفت من الجامعة الاميركية في القاهرة إعداد بحث عن "احوال الخدمة النفسية في مصر" وكانت تطرح فيها أسئلة غاية في الأهمية والخطورة في الوقت نفسه كما يقول، حيث تعرضت لمستوى الخدمة العلاجية، هل يحدث استغلال للمريض ام لا، هل يدخل الجميع بشكل عادل أم ظالم لتحقيق بعض المآرب الشخصية. لكنه رفض الاجابة عن أي من أسئلتها لأنه شعر بأنه سيخرج أسرار بيته الى الخارج، على رغم اعترافه بوجود كل المشكلات التي طرحتها. وعن نتائج العولمة المنتظرة في رأية يقول: "سيزداد صراع الطبقات، خصوصاً بعد ظهور طبقات جديدة ومتعددة تعتمد على من يملك اكثر ومن يستهلك اكثر، ونتيجة صراع هذه الطبقات مع الطبقات الاخرى الأكثر فقراً ستزداد الجرائم، ويحدث خلل في الوصلات الاجتماعية والأسرية نتيجة لتزاوج تلك الطبقات مع بعضها بعضاً، ويصبح كل من يبتعد عن الاصول والكلاسيكيات والموروثات متحضراً ومتعولماً، ولن يجد هؤلاء المتحضرون أمامهم الا التبعية، والانسياق الى الغرب، وسيزداد الظلم وتقل مساحة الحرية والحقيقة عملاً بالمثل الشعبي القائل: "اللي ياكل لقمتي يسمع كلمتي"