في الوقت الذي اعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء في مصر ان هناك مولوداً جديداً كل 23.6 ثانية حتى كانون الثاني يناير الماضي، خرجت تقارير عدة من وزارات التخطيط والتنمية الادارية والمؤسسات المعنية بالسكان تحذر من ارتفاع الكثافة السكانية وتؤكد ان هناك تأثيرات سلبية لهذا الارتفاع في مقدمها اضطراب الأمن الاجتماعي وانتشار الاتجاهات الهدامة، ما يجعل الفقراء في البلاد الأكثر تأثراً. ففي الوقت الذي بلغ معدل النمو السكاني حالياً 2.04 في المئة نجد ان هذا المعدل يقترب من صفر في المئة في الدول المتقدمة التي أكملت تحولها الديموغرافي، وتعتبر هذه النسبة كافية لمضاعفة عدد السكان كل نحو 35 سنة. وهذه الزيادة السريعة تتطلب جزءاً كبيراً من مخصصات التنمية الاقتصادية لمجرد الاستجابة للمتطلبات الضرورية. وأدت الزيادة السكانية وارتفاع مستوى الخصوبة الى اتساع قاعدة الهرم السكاني في البلاد حيث توجد نسبة عالية من السكان الذين تقل اعمارهم عن 15 سنة، ويمثل ذلك عبئاً على المجتمع، اذ انها فئة مستهلكة وتستنفد جزءاً كبيراً من موارد الدولة لتوفير ما يلزمها من غذاء وفرص عمل وتعليم وخدمات صحية وغيرها، اضافة الى مساهمتها في ازمة السكن والمواصلات والتلوث البيئي. والمتابع للوضع السكاني في مصر يرى ان معدل النمو كان مرتفعاً في بداية السبعينات بعد انخفاض معدل الوفيات الذي كان يراوح حول 25 في الألف في اواخر الاربعينات ثم انخفض مع بداية الخمسينات الى 19 في الألف ثم الى 10 في الألف في بداية الثمانينات والى 6.4 في الألف حالياً، مما رفع توقعات الحياة عند الميلاد من 39 سنة مطلع الخمسينات الى نحو 69 سنة حالياً، وكان هذا نتيجة فعالية البرامج الصحية وتوفير الادوية الحديثة والامصال وتعزيز انشطة الاعلام والتثقيف والاتصال. ويشير وزير التخطيط السابق الدكتور احمد الدرش في دراسة في هذا المجال الى ان عدد سكان مصر سيكون نحو 81 مليون نسمة عام 2017 في مقابل 67.9 مليوناً حالياً، متوقعاً انه بعد هذا التاريخ سيستمر النمو السكاني البطيء بسبب قوة الدفع التي تكون باقية في التركيب العمري للسكان. وقد لا يتضاعف مرة اخرى في حال استمرار الانخفاض في الخصوبة الذي بدأ في الثمانينات. وعلى رغم الوضع الاقتصادي المتأزم حالياً والذي يطال اكثر من 18 مليوناً من ذوي الدخول المحدودة، إلا ان هناك مؤشرات تؤكد نجاح الحكومة في مواجهة الازمة السكانية وخفض اعداد الفقراء. ومنذ عمل الحكومة بالخطط الخمسية عام 1982 وحتى عام 2000 تحقق نجاح طفيف تمثل في ارتفاع متوسط عمر المواطن المصري من 58.9 سنة الى 68.8 سنة وانخفاض معدل المواليد 36.33 في الألف الى 27.4 في الألف وانخفاض معدل الوفيات من 10 في الألف الى 6.4 في الألف وكذلك انخفاض معدل النمو السكاني من 2.8 في المئة الى 2.1 في المئة وانخفاض نسبة الامية من 53 في المئة الى 35 في المئة وارتفاع نسبة الاستيعاب في التعليم الابتدائي من 85.2 الى 69.1 وزيادة عدد المقيدين في جميع مراحل التعليم من 7.8 مليون طالب وطالبة الى 17.6 مليوناً، في حين انخفضت نسبة البطالة من 9.2 في المئة عام 92 الى 7.4 عام 2000 وتحقق تحسن واضح في مؤشرات الرفاهية للأسرة المصرية اذ ارتفع اجمالي الناتج المحلي بأسعار 1982 بمتوسط نمو سنوي قدره 4.8 في المئة خلال الفترة من 82 الى 2000 في مقابل متوسط نمو سنوي للسكان بلغ نحو 2.3 في المئة خلال الفترة نفسها، معنى ذلك ان متوسط نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي ارتفع خلال هذه الفترة بمتوسط سنوي بلغ 2.5 في المئة. وعلى رغم ما سبق يبدو الوضع قاتماً، فحتى الآن لم يحدث اي توافق بين ما تعلنه الحكومة وما تعلنه المؤسسات الدولية في شأن البطالة ومتوسط دخل الفرد وحجم الفقراء، ما يثير علامات استفهام حول ما يقوله الرسميون والواقع الذي يعيشه المصريون.