عكف العلماء على البحث ساعات طويلة منذ ظهور فيروس ايبولا، نحو العام 1976، لمعرفة أصل الفيروس الذي يسبب حمى الايبولا التي ينزف المصاب من جرائها حتى الموت. وحقق العلماء تقدماً ملحوظاً في مساعيهم التي يبذلونها لمعرفة أصل الفيروس في جمهورية افريقيا الوسطى. غير أن ايبولا ما يزال لغزاً شديد الغموض. ولمحاولة استجلاء ذلك، كان لا بد من لقاء مع العلماء الذين يجوبون الادغال والأحراش في مطاردة لا تكل مع الفيروس الذي توجد منه أربعة أنواع: ايبولا زائير وايبولا السودان وايبولا ساحل العاج وايبولا ريستون الذي يصيب الحيوانات. ظهر فيروس ايبولا للمرة الأولى في بلدة يامبوكو في زائير جمهورية الكونغو الديموقراطية حالياً، وفي حقول القطن في مدينة انزارا في جنوب السودان. وظهر آخر مرة في اوغندا حيث اصيب نحو 1100 شخص، تسبب الفيروس في وفاة 800 منهم. ولا يُعرف كيف يكمل الفيروس دورة حياته. غير أن العلماء عرفوا أنه يبدأ حضانته في الحيوانات من دون أن يصيبها ومن دون أن يتسبب في نفوقها، مما يضمن له حياة مستمرة. ولكن لماذا يظهر الفيروس في لحظة معينة؟ ومن أين أتى؟ وأين ومتى سيظهر المرة المقبلة؟ تقول الدكتورة مي ريان، منسقة أبحاث ايبولا في غولو اوغندا، إن العلماء عاجزون تماماً عن تحديد منشأ الايبولا، وعن معرفة دورة حياته والمكان الذي يختبئ فيه داخل جسد ضحيته، وما هي الثديات التي تنقل العدوى إلى الإنسان. ولمعرفة الاجابة عن أكبر قدر من تلك الأسئلة، أُرسلت فرق من العلماء للتحقيق في غموض هذا الفيروس القاتل. وذهب إلى بانغي، عاصمة جمهورية افريقيا الوسطى، فريق فرنسي يقوده البروفيسور جاك مورفان. وكلفوا مهمة محددة تتعلق بتقديم اجابات عما يأتي: كيف يكافح فيروس ايبولا؟ ما هو مصدره؟ ما هي دورة حياته؟ وكانت المهمة الأولى التي عكف العلماء على القيام بها تحديد سبل انتقال الفيروس من الحيوان إلى الإنسان. وبالطبع كان لا بد من الانتقال إلى البيئة الطبيعية لتلك الحيوانات، وهي ادغال افريقيا الوسطى، حيث تعين عليهم اصطياد مجموعة من الطيور والثديات والحشرات التي ارسلوها إلى قسم خاص في المختبرات التابعة لهم. وبدا للعلماء أن الفيروس يزدهر في الغابات الاستوائية في افريقيا. ومنذ العام 1976 راجت فرضيات عدة تسعى إلى جلاء الغموض المحيط بمسألة ايبولا. غير أن العلماء لم ينجحوا في العثور على أي أثر للفيروس في الحيوانات التي تم اصطيادها في الغابات المحيطة بالقرى التي شهدت اندلاع وباء حمى الايبولا. ولذلك انصرف اعتقادهم أن الفيروس ربما كان يعيش في المناطق النائية في أعماق الغابات الاستوائية. غير أن العلماء الفرنسيين العاملين في جمهورية افريقيا الوسطى اكتشفوا أن الفيروس يظهر في أكثر من مكان في آن معاً. وقال مارك كولين، عالم الأحياء الجغرافية الفرنسي، إن الباحثين عثروا على الفيروس في حيوانات اصطيدت من ثلاثة أماكن متباعدة، اثنان منها خارج مناطق الغابات الاستوائية المستهدفة أصلاً بالبحث. ويعمل الباحثون الذين يقومون بمطاردة ايبولا في قلب الأدغال، حيث يقيمون مخيمات متنقلة وأكواخاً يغطى سقفها بأغصان الأشجار. ويشغل هؤلاء وقتهم باصطياد الحيوانات الصغيرة كالفئران والثعالب والطيور لمزيد من التقصي. وإذا عثروا على حيوان ميت، فإنهم يسارعون للحصول على عينات من أعضائه لاخضاعها للبحث في المختبر. ويضطرون للسفر إلى القرى النائية بوسائل نقل بدائية وبطيئة، حيث يقومون باجراء فحوص طبية للوقوف على صحة الأهالي. وإذا تأكد لهم أن أحد القرويين تعرض للعض من أحد القوارض، فإن عينات من دمه ترسل إلى أحدث المختبرات الأوروبية لاجراء المزيد من الفحوصات. واكتشف العلماء وجود أجسام مضادة في فيروس ايبولا لدى الأقزام وقبائل البانتو التي تستوطن المناطق الاستوائية المحاذية لمناطق السافنا. ولوحظ أنه على رغم اعتماد القبائل على الثمار التي يلتقطونها من الغابات، إلا أنهم يعمدون إلى سلخ الحيوانات التي يصطادونها من دون أي احتياطات، الأمر الذي يعرضهم للاحتكاك المباشر بالفيروس الذي تحمله الحيوانات. واتضح ان 10 في المئة من القرويين والأقزام يتعرضون لمخاطر الإصابة بحمى ايبولا بشكل مباشر. وعلى رغم بطء مسيرة الأبحاث الطبية في شأن ايبولا، إلا أن العلماء لم يفقدوا حماسهم للتوصل إلى نتيجة من شأنها أن تقضي على معاناة الإنسان في الغابات الاستوائية وسط القارة السمراء.