ما زال أبناء طائفة الصابئة على رغم قلة عددهم يحافظون على شعائر ديانتهم القديمة جداً ويحرصون على تطبيقها. ويبلغ عددهم في العراق، موطنهم الأصلي، نحو مئة ألف إضافة الى بضعة آلاف يعيشون في إيران. وديانتهم ليست تبشيرية، ويمارسون طقوسهم الخاصة بكل حرية في معابدهم ومنازلهم. ويعتقدون بالعماد مثل المسيحيين ويصومون في فترات خلال السنة مثل المسلمين والمسيحيين. وكتابهم المقدس يدعى "كنزاربا" ويطلقون عليه اسم "الكنز العظيم" وتمت طباعته باللغة العربية قبل مدة قصيرة بتعاون بين مجموعة من مشايخ الطائفة وعدد من كتّابها ومثقفيها، وأبرزهم الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد المقرّب من الرئيس العراقي صدام حسين. ويترأس هذه الطائفة في العالم الشيخ ستار جبار حلو ويتخذ بغداد مقراً له ويزور أتباعه في الأردن وأوروبا وأستراليا عند الحاجة. وللصابئة مركز في وسط بغداد يقع في حي راق يطلقون عليه اسم "مندى طائفة الصابئة المندائيين". ويعيش الصابئيون في بغداد ومحافظات العمارة وذي قار والبصرة. وتربطهم علاقات جيدة مع أبناء بلدهم. "الدرفش" يضع الصابئيون على مداخل معابدهم ومراكزهم الروحية والاجتماعية "الدرفش" وهو يشبه الصليب الى حد ما. ويعرف عنهم انهم لا يعملون في الزراعة بل يفضلون عليها العمل في صنع المجوهرات وبيعها. وثمة اعداد لا بأس بها من الصابئة من حملة الاجازات الجامعية وينخرطون في مؤسسات الجيش والقوى الأمنية والدوائر الرسمية. وفرح أفراد الطائفة كثيراً عندما استقبل الرئيس صدام حسين رئيس طائفتهم قبل مدة ووعده بإنشاء معبد كبير لهم في بغداد فضلاً عن دعم مطبوعتهم "آفاق مندائية" وتقديم مساعدات مادية لهم. زارت "الوسط" مقر الصابئة في بغداد في يوم أحد حيث كانت تعقد حفلات الزواج وسط طقوس وعادات تفاجئ الذي يشاهدها للمرة الأولى، والتقت رئيس طائفتهم. ويرى الشيخ حلو ان "الصابئة أول دين توحيدي عرفته البشرية وأنزلت تعاليمه الأولى على النبي آدم، وديانتنا لها ارتباط وثيق بأرض وادي الرافدين منذ القدم والعراق قاعدة ديانتنا". ويؤمن هؤلاء بالنبي يحيى بن زكريا ويعتبرونه المرجع الأول عندهم. ويقولون انهم يؤمنون بالتوحيد ويستنكرون عندما يصفهم البعض انهم من الوثنيين، ويؤدون الصلاة ثلاث مرات في اليوم وفي أي مكان تتوافر فيه المياه ليقوم الصابئي بعملية الوضوء التي تسبق الصلاة شرط ان يكون طاهر الجسد ويبدأ صلاته بعبارة "باسم الحي العظيم". ويصوم الصابئي 36 يوماً في فترات متفرقة في السنة. ويتكلم رجال الدين اللغة الآرامية القريبة من السريانية. ويشير حلو الى ان ديانتهم "تعرضت للاضطهاد من اليهود والمسيحية الاولى". و"المندى" عند الصابئة يعتبر بيت عبادة. ويؤكدون انهم يحترمون الديانات السماوية الاسلام والمسيحية واليهودية وانه ليست لديهم مشكلات مع اتباعها. ودينهم لا يدفعهم الى التبشير او الدعوة على غرار ما تفعله الأديان الأخرى. ويلفت حلو الى ان الصابئة دين توحيدي لا علاقة له بالمجوس وعبادة النار والكواكب. ويفاخر عندما يقول ان "القرآن ذكرنا في بعض آياته". ويضيف انه "لا توجد اجتهادات في المعتقد بل أحاديث حول هذا الموضوع تدور حالياً. لأن الاجتهاد في رأيه ليس بالبساطة واليسر الذي يتصوره البعض لأن هذه المسألة الحساسة لها أحكامها الصارمة وضوابطها الخاصة التي تمس صحيح معتقدنا وفيها من المحرمات والحلال". ويتابع ان "المؤرخين يظلمون الصابئة ولا يتفهمون حقائق معتقدنا المستمر منذ عهد آدم، ولا نخاف على ذوبانه على رغم قلة عددنا، لكننا باختصار طائفة لن تزول". ويشكو الصابئة من أربع اتهامات توجه اليهم، وهي انهم يشركون في الله ويؤمنون بالسحر وخنق الطيور والانسان المريض قبل موته الطبيعي. وينفي حلو بشدة هذه الاتهامات ويؤكد ان الصابئة يؤمنون بالله الواحد ويرفضون السحر. لكنه يقر انهم لا يذبحون طيور البط والدجاج على طريقة المسلمين. ويعرف عن الصابئة انهم يلبسون المريض ثياباً بيضاء قبل احتضاره ويتجمعون حوله قبل مفارقته الحياة، ويؤكدون انهم لا يخنقون مريضهم. ويحتفل الصابئة بالعيد الكبير ويطلقون عليه اسم "الكرصة" ويستعدون كثيراً لهذه المناسبة خصوصاً في الأرياف حيث تتجمع العائلات منذ الصباح ويوقفون جميع أعمالهم ويتوجهون لشراء خروف العيد وطيور البط والدجاج والفواكه والخضار. ويقوم الصبية بتنظيف منازلهم وتبدأ بعدها عملية ذبح الطيور. وعند حلول الغروب يتوجه الصابئي المندائي الى النهر لتأدية فرض "الطماشة" اي الغطس ثلاث مرات مع قراءة "الملاويش" اي الادعية. وللصابئة طقوس خاصة في اقامة الأعراس حيث تلتقي عائلة العروسين يوم الأحد في المعبد ويرتدي الشباب والصبايا الثياب الجديدة. ويقوم الشيخ بعمادة العروسين وتغطيسهما في بركة ماء باردة تتوسط المعبد. والقيام بهذه العملية أمر اجباري بغية اتمام مراسم الزواج حتى ولو في فصل الشتاء. وسألت "الوسط" أحد العرسان لماذا تغطس في الماء وفي هذا الجو البارد؟ فأجاب: "معتقدنا يطلب منا ممارسة هذه الطقوس التي نعمل على المحافظة عليها وهي قد لا تعجب الآخرين لكننا نعتز بها". ويرتدي العروسان ثوباً أبيض يتألف من خمس قطع. ولحظة نزول الشاب في البركة يعمل الشيخ على صب الماء على وجهه وتلاوة عبارات باللغة الآرامية ويضع عشبة فوق رأسه، وتنطلق في هذه الأثناء زغاريد النساء والصبايا التي تتمنى للعروسين الأطفال والحياة السعيدة. وبعد اتمام عملية الغطس يجلس العروسان تحت خيمة مصنوعة من القصب تقع في وسط المعبد ويسمونها "الاندرونة"، ويقوم أحد رجال الدين ومساعده بتلاوة مراسم الزواج، والمطلوب من العريس هنا ان يردد قسم الزواج الذي يقول "حلفتك بالحي العظيم وبملائكته الأطهار والشهود الحاضرين ان لا تنقض عهدك ولا تخالف وعدك وأن تحافظ على قرينتك وتعزها وتكرمها ولا تأكل ولا تشرب من دونها كي تتوكأ عليها في أيام المحن. وابتعد عن الكذب والسرقة والخمر لأنها تدمر حياتك الزوجية. هذا ما آمرك به وأنا رجل الدين / آمرك ان تلتزم به/...". وتوجد في الخيمة تسع من الأواني المنزلية مقارنة بعدد أشهر الحمل عند المرأة، اضافة الى كمية من الجوز واللوز وبعض أرغفة الخبز التي تحضرها عائلة العريس طلباً لمباركة الزواج. وبعد هذه العملية تتم ملاصقة جسدي الشاب والفتاة للتأكيد على ان الزواج عند الصابئة هو اتحاد روحي حيث لا انفصام ولا طلاق. وثمة أمر مهم يسبق البدء بمراسم الزواج بدقائق وهو خضوع الفتاة لعملية فحص عذريتها والتأكد من حفظ بكارتها بواسطة سيدتين كبيرتين في السن. وفي حال كانت الفتاة ثيباً يبلغ الشاب الذي يريد الزواج منها وعليه ان يتحمل المسؤولية، وعندها تحضر للعروس مراسم زواج أقل من التي تقام للعذراء. ويتم هذا الأمر من دون اخبار عائلتي العروسين تحسباً وخوفاً من أي مشكلات قد تحدث. ولا تحرم نصوص الصابئة الزواج من فتاة ثانية لكن رجال الدين يدعون الى الاكتفاء بواحدة، وسمح بعضهم بالزواج من امرأة ثانية لأن عدداً من شبان الطائفة توفي في الحرب العراقية - الايرانية وآخرين سافروا الى الخارج بسبب الضائقة الاقتصادية في العراق. والهدف من هذا الاجراء هو التقليل من عنوسة الفتيات اللواتي لا يستطعن الزواج من غير شبان طائفة الصابئة القليلة العدد. ويشترط على الصابئي ان يكون من أبوين صابئيين والفتاة التي تتزوج من غير أبناء طائفتها يغضبون عليها ويعتبرونها في حكم الميت وتقطع صلات العائلة معها. لكن أعداداً من المثقفين والعلمانيين يوافقون على زواج بناتهم من شبان مسلمين. وتنص نصوص الصابئة الأهلية على عدم حق توريث الشخص وتقديم ممتلكاته لأولاده بل تركها للمؤسسات الروحية، لكن هذا الأمر غير مطبق فيقوم الصابئي بتوزيع ثروته وما يملكه على أولاده، مناصفة بين الذكور والإناث.