مجموعة "زهر الرمان" الصادرة حديثاً عن "دار الآداب" في بيروت، عبارة عن اعادة تشييد العلاقة بالمكان وبدقائقه، بعد العودة اليه. هذا التشييد يكون بتذكر الحياة الماضية التي تحدث الآن امام الشخص، بأدق التفاصيل، كأن الماضي لم ينته. العودة الى المكان تعني، إضافة الى عودة المنفي من الخارج، عودة الأسير ايضاً، الأسير الذي سيعود بعد "ثلاثة وثلاثين صليباً" سيؤلمه، مع الموت والهدم والعزلة، ان اختاً ولدت في غيابه وكبرت في غيابه ايضاً. يذهب مريد البرغوثي الى الارض كي يشاهدها بعزلة العين، يذهب بعين طفولته كي يشارك الاطفال في صنع قلاع الرمل على ارض من رمل ويتركونه وحيداً، يصوّر الطفولة كما لو انها استمرار لطفولته التي لم يرعها، مثلهم الآن، على هذه الارض. يذهب الى المآتم بعين القتيل، ويرشد الموت الى الطريق كي يترك وقتاً لشؤون الحياة. وبعين الكاميرا يصور ما آل اليه المكان الا ان "الكاميرا، بالطبع، لا تستطيع / تصوير ذلك كله". ان حالات الفقد التي تلف القصائد لم تأتِ من حالة التذكر فحسب، ولا من ترميم العيون التي فقدت مشاهدها في الغياب القسري عن المكان، ولا من ترميم المشهد بما كان حاضراً في المنفى، وأضحى غائباً على الارض. الفقد لم يأت من عدم الانتباه للأشياء والأحداث والاسماء وغيرها، بل أتى من قطعة العلاقة الحميمة التي دأب الموت على حياكتها في هذا التعيين للملامح. البرغوثي في هذه القصائد، وما سبقها، يرفع الغنائية اعلى فأعلى، في كل جملة هناك اختزال للكثير من الشعر الذي قيل خارج هذا المكان، ولكن في الداخل اضحى الشعر اكثر ايلاماً في حواريته المستمرة مع الموت والفقد وإهدار الطفولة وكسل العيش. هذا ما يظهر اكثر في قصائد مثل: "الى اين تذهب في مثل ليل هكذا" و"صلاة الى زيوس"، حيث الشعر الملحمي مكمّل لما نقش على الألواح القديمة: شعر التضرع وأداء دور الضد المهزوم الذي لم يبق أمامه سوى الوقوف على أعلى صخرة وناجاه زيوس.