سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شريط الثلاثاء المروع من الاقلاع الى الانفجار
نشر في الحياة يوم 17 - 09 - 2001

كان يوماً لا يمكن أن تصدّق أحداثه. الثلاثاء 11 أيلول سبتمبر 2001. فقد ألحقت فرق انتحارية تملك مهارات في قيادة الطائرات ثلاث ضربات موجعة للولايات المتحدة في واشنطن ونيويورك. وأوشكت أن تلحق بها ضربة رابعة موجعة في اليوم نفسه، مما أثار ذعراً وفزعاً وتشتتاً، بل أدى في الحال الى إغلاق جميع أبواب النشاط اليومي المعتاد في حياة الأميركيين.
اصطدمت أربع طائرات ركاب أميركية، أثناء قيامها برحلات معتادة، بثلاثة أهداف: برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون في واشنطن. الامر الذي أدى الى وقوع آلاف الضحايا.
وفي كل من الرحلات الاربع كان اثنان من أفراد الطاقم هما قائد الطائرة ومساعده، والبقية مضيفون ومضيفات. ويبدو واضحاً أن هذه الرحلات التي يكاد نصف عدد مقاعدها يكون شاغراً اختيرت لمغادرتها في أوقات متقاربة، بحيث يستحيل على السلطات أن تقوم بأي إجراءات للحيلولة دون وقوع الهجوم الذي ستشنه الطائرات التي ستقلع بعد مغادرة الرحلة الأولى. ويبدو واضحاً أيضاً أن المهاجمين اختاروا تلك الرحلات الطويلة لأنها عادة ما تكون محملة بحمولتها القصوى من الوقود، حتى يكون انفجارها أخطر وأكبر ما يمكن أن يحدث، لجهة شدة الحريق الذي سينجم عن ارتطام الطائرة بالهدف. وكانت رحلة "يونايتد" التي تحمل الرقم 93 والمتجهة من نيوآرك من ضواحي نيويورك الى سان فرنسيسكو معبأة خزاناتها ب11 ألف غالون من وقود الطائرات النفاثة.
وبدلاً من أن تسلك رحلة "أميركان" رقم 11 المتجهة من بوسطن الى لوس انجليس مسارها الجوي المعتاد غرباً، انحرفت بمحاذاة نهر هدسون، صوب نيويورك، لتصطدم بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمية، فأحدث الوقود حريقاً هائلاً. وحتى ينجو بعض الضحايا من الموت حرقاً، عمد نحو 15 شخصاً الى القفز من نوافذ الطبقات العليا. وكان بينهما اثنان أمسك كل منهما بذراع الآخر.
ارتطمت رحلة "يونايتد" الرقم 175 بالبرج الجنوبي في الدقيقة الثالثة بعد التاسعة صباحاً، وأحدث ارتطامها انفجاراً وحريقاً مماثلاً. في ذلك الوقت كان الرئيس جورج دبليو بوش يلقي درساً في القراءة على تلاميذ الصف الثاني في إحدى المدارس الابتدائية جنوب غربي فلوريدا.
في التاسعة وأربع دقائق... يدخل أندرو كارد رئيس موظفي البيت الأبيض ليهمس في أذن الرئيس قائلاً إن مستشارته لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس اتصلت به لتبلغه بوقوع الهجمة الأولى. ذهل بوش، غير أنه بقي متماسكاً، وواصل درس القراءة، بل قال- مازحاً - لأبناء السنوات السبع: "إنكم تجيدون القراءة كأنكم في الحادية عشرة من أعماركم"!
بحلول ذلك الوقت كانت رحلة "أميركان" رقم 77 انقلبت تماماً عن مسارها بعد إقلاعها من واشنطن، لتعود صوب العاصمة الأميركية. بل صوب البيت الأبيض. وغيرت رحلة "يونايتد" رقم 93 مسارها بطريقة مماثلة، وبدا أنها تقصد واشنطن حين تحطمت فوق ولاية بنسلفانيا.
عند حلول التاسعة و17 دقيقة قررت الادارة الاتحادية للطيران إغلاق جميع المطارات في منطقة نيويورك. وبعد أربع دقائق أصدر عمدة نيويورك رودي غويلياني تعليمات بإغلاق جميع الجسور والأنفاق المفضية الى نيويورك، مما أحدث زحاماً مرورياً شديداً في ذروة الزحام المروري المعتاد صباحاً.
في التاسعة والنصف انتقل الرئيس بوش الى قاعة الاجتماعات في المدرسة ليلتقي بتلاميذ المدرسة ومعلميها. كان مقرراً أن يتحدث بوش لحشده الصغير عن فوائد القراءة. غير أنه بدلاً من ذلك أعلن للصحافيين الذين رافقوه وقوع الهجمات، وأبلغهم بأنه قرر العودة في الحال الى واشنطن.
في العاصمة، كانت لورا، زوجة الرئيس، تستعد للإدلاء بشهادة أمام إحدى لجان الكونغرس عن ضرورة تخصيص موازنة أكبر للتعليم. غير أن قوات الامن سارعت الى إجلائها وجميع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من مبنى "الكابيتول هيل". وتم الامر بشكل عاجل وصارم الى درجة أن عدداً من أعضاء مجلس الشيوخ أذعنوا لتعليمات إخلاء المبنى، لكنهم اعتبروا القرار رد فعل مبالغاً فيه. ولجأت السيدة الأولى الى هاتفها النقال لتتصل بزوجها وابنتيها الطالبتين الجامعيتين في ولاية تكساس.
كانت رحلة "أميركان" رقم 77، بحلول ذلك الوقت، قد توارت تماماً عن أنظار مسؤولي برج المراقبة الأرضية الذين لم يعد بوسعهم تحديد موقعها. ولم يعد بمستطاع مسؤولي المراقبة في مطار دالاس سوى القول إن الطائرة ربما عدلت عن مسارها الى كاليفورنيا. وبما أنهم كانوا يعرفون ما حصل في نيويورك، فقد سارعوا الى تحذير مسؤولي مطار واشنطن "الوطني" بأن الطائرة تتجه في ما بدا نحو البيت الأبيض. غير أنها بدلاً من ذلك انحرفت بزاوية تبلغ 270 درجة، وانحدرت انحداراً شديداً حتى لم يعد بوسع الرادار أن يلتقط مسارها لتتجه بأقصى سرعتها صوب الجانب الغربي من مبنى البنتاغون. وكان الضرر الناجم عن ارتطامها بالمبنى فادحاً الى درجة أن أربعة من أسقف طبقات المبنى انهال بعضها على الآخر في الحال.
وسرعان ما انطلقت الإشاعات تملأ أرجاء العاصمة الاميركية عن هجمات وتفجيرات استهدفت وزارة الخارجية ومبنى الكونغرس. وفي التاسعة والدقيقة الاربعين أصدر نورمان مينيتا وزير النقل الاميركي، وهو الاميركي الوحيد من أصل ياباني في إدارة بوش، تعليمات الى إدارة الطيران الاتحادي بوقف الرحلات المدنية في جميع أرجاء الولايات المتحدة، وتوجيه أوامر لقادة كل الطائرات التي تحلق في الأجواء الأميركية بالهبوط في أقرب المطارات إليها. وكانت هذه المرة الأولى في التاريخ التي يُصدر فيها أمر من هذا القبيل!
وحين حلت الدقيقة 45 بعد التاسعة صدرت تعليمات بإخلاء مباني الحكومة الاتحادية، بما في ذلك البيت الأبيض. بعد عشر دقائق أقلعت طائرة سلاح الجو الرقم 1، المخصصة عادة للرئيس الاميركي، وعلى متنها بوش واتجهت الى قاعدة جوية في ولاية لويزيانا، ورافقها طوال رحلتها عدد من مقاتلات سلاح الجو لتوفير الحماية اللازمة لها. ومن هناك توجه الرئيس الاميركي الى قاعدة أخرى في ولاية نبراسكا تتخذ منها القوات الاميركية مقراً لقيادة القوات الجوية الاستراتيجية، وهي القيادة التي ظلت منذ عهد الحرب الباردة الخط الدفاعي الأول للولايات المتحدة.
وبدا واضحاً أن الرئيس الاميركي عمد، تحت وطأة الشعور بأنه مستهدف شخصياً، الى تأخير عودته المزمعة الى واشنطن، وأخذ يميل الى ضرورة قضاء الليل في القاعدة التي تقع تحت أحد الجبال. من هناك اتصل بوش هاتفياً بنائبه ديك تشيني والدكتورة رايس في "البيت الأبيض السري". وتحدث أيضاً هاتفياً الى وزير الدفاع دونالد رمسفيلد الذي لم يكن مكتبه في البنتاغون قد أصيب بأي ضرر. وكان وزير الخارجية كولن باول قد قطع زيارة كان يقوم بها لاميركا الجنوبية وبدأ رحلة العودة الى بلاده، ليعلن في اليوم التالي ان اسامة بن لادن هو المشتبه به الرئيسي. لكن الخبراء يعتقدون ان الرد الأميركي لن يكون سهلاً. فالقيام بعملية قصف واسعة لافغانستان لا يحقق الغرض. وتنفيذ عملية انزال هناك قد يحمل في طياته خطر التورط في "المستنقع الأفغاني". هذا فضلاً عن ان شبكات ابن لادن المنتشرة في أكثر من ثلاثين دولة، على حد تقدير الخبراء، يمكن أن ترد في أماكن أخرى. أما فرض الحصار على أفغانستان لارغامها على تسليم ابن لادن فيحتاج الى تعاون الدول المجاورة، خصوصاً باكستان. في موازاة ذلك توقع الخبراء ان تنطلق في الغرب ودول أخرى حملة واسعة لتفكيك شبكات ابن لادن والقوى الأخرى المتهمة بممارسات ارهابية.
على أثر المشاورات التي أجراها مع كبار أقطاب إدارته، اتخذ بوش قراراً بوضع البلاد في حالة الدفاع رقم 3. وتعتبر حالة الدفاع الرقم 1 طبيعية. وبعد فترة وجيزة قرر بوش الصعود بالاستعداد الى الحالة الرابعة، وهي تعني عملياً أن لقوات الأمن حرية مطلقة في ما تنوي القيام به. أما الحالة الدفاعية الرقم 5 فهي تعني حالة الحرب. ولو كانت الطائرة التي تحطمت في طريقها حقاً الى البيت الابيض، ولو هاجمته فعلياً، لتم القضاء على نائب الرئيس ومستشارته في شؤون الأمن القومي. وكان سيتعين في مثل هذه الحال ترشيح نائب جديد للرئيس ليقوم الكونغرس بالمصادقة على تعيينه في أسرع فرصة ممكنة. ولو كان الرئيس بوش نفسه هناك وقُدر له أن يلقى مصرعه في هجوم من ذلك القبيل، فإن الدستور الأميركي يوكل الرئاسة الى رئيس مجلس الشيوخ دينيس هاستيرت الذي لم تسمع باسمه غالبية أفراد الشعب الأميركي!
في تلك الأثناء استمر جحيم الحرائق في نيويورك. وقبل حلول العاشرة من صباح ذلك اليوم انهار أحد برجي مركز التجارة العالمية. وبعد فترة وجيزة انهار البرج الآخر. استردت تلك اللحظة ناطحة السحاب "امباير" لقب المبنى الأكثر علواً في سماء نيويورك.
وفي واشنطن حيث كان مبنى البنتاغون تتصاعد منه ألسنة اللهب التي كان سكان وسط العاصمة يستطيعون مشاهدة دخانها، بدأت "القوات السرية"، الحراس المكلفون حماية البيت الابيض، إخلاء حديقة لافاييت الصغيرة التي تقع أمام المبنى من السياح الذين يتقاطرون اليها لإطعام السنجاب الذي يتكاثر في جنبات الحديقة.
وصل الرئيس بوش الى قاعدة أندروز الجوية - القاعدة الطبيعية لطائرة سلاح الجو رقم 1 - قبل دقيقتين من حلول الساعة السابعة. وفي الثامنة مساء خاطب الشعب الأميركي عبر التلفزة متوعداً الجناة.
حين وقع انفجار مبنى الحكومة الاتحادية في مدنية أوكلاهوما، سنة 1995، وجهت أصابع الاتهام الى "متطرفين إسلاميين". غير أنه اتضح في نهاية المطاف أن وراء الانفجار الفوضوي الاميركي تيموثي ماكفي وقلة من أصدقائه. وقبض على المتهمين، وحكم على ماكفي بالإعدام ونفذ الحكم في حزيران يونيو الماضي. ولكن هل تمكن نسبة التفجيرات التي وقعت في نيويورك وواشنطن أخيراً الى أشخاص من قبيل ماكفي وأصدقائه؟
تبدو الاجابة بنعم غير محتملة إطلاقاً، إذ ان الدقة والتخطيط اللذين واكبا شن الهجمات الاخيرة عسيرا المنال بالنسبة الى أي مجموعة فوضوية أميركية. ويرتقب أن يشهد العالم مشاهد أخرى من الحشود الفوضوية نهاية أيلول سبتمبر الجاري، إذ سيتظاهر نحو 100 ألف شخص في واشنطن من المعارضين للهيمنة الأميركية والعولمة، لمناسبة انعقاد الاجتماع السنوي لمجلس محافظي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتحسباً من مخاطر محتملة، استغاث رئيس شرطة العاصمة الاميركية الصغيرة نسبياً - لا يتعدى عدد سكانها 500 ألف نسمة، أي نحو نصف عدد سكان بيروت أو عمّان - بقوات الشرطة في الولايات المجاورة وبقوات الاحتياط الحرس الوطني، وأمر بتشييد حائط عازل يحيط منطقة الاجتماعات، يصل طوله الى ثلاثة كيلومترات ويبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار. بل طلب من مديري صندوق النقد والبنك الدولي إلغاء مؤتمر مؤسستيهما، أو نقله الى مكان قصي في منطقة جبال الروكي أو عقده على متن سفينة في مياه المحيط.
ولكن كيف يمكن لثلاثة أو عشرة من الفوضويين وغلاة معارضي العولمة أن يخططوا لتفجير مركز التجارة العالمي والبنتاغون بهذه السرية التي أخذت العالم كله على حين غرة؟ هل يكون الجناة عراقيون؟ هل يستطيع العراق تشكيل منظمة بهذه الفاعلية والقدرة على إحداث الضرر؟ولماذا لم تسارع بغداد الى إطلاق تلك المنظمة قبل ذلك وهي التي تتعرض منذ سنوات الى غارات أميركية وبريطانية تستهدف حتى المنشآت الرئاسية في العاصمة؟ وحتى لو أجمعت النظريات والفرضيات على أن لاسامة بن لادن صلة ما بالهجمات الاخيرة، فإن المحللين يجمعون على ان عملية من هذا القبيل وبهذا المستوى لا يمكن تدبيرها من بغداد أو أفغانستان أو النمسا أو الأرجنتين. لا بد أن يكون التخطيط لها والإعداد لتنفيذها تمّا داخل الولايات المتحدة.
هل هي جماعة فلسطينية أخرى مثل "حركة المقاومة الإسلامية" حماس؟ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟ الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين؟ كل هذه المنظمات والزعامات تبدو أدنى قدرة على تنفيذ عمليات متقنة ودقيقة بهذا الشكل الذي شهده العالم في نيويورك وواشنطن.
هل تذكرون حادثة لوكربي؟ لم يكن أمراً صعباً تدبير زرع القنبلة على متن رحلة شركة "بان أميركان" التي حملت الرقم 103. لكن الحادث أدى الى شيوع فرضيات لا حصر لها: ايران؟ ممكن.. محتمل. إسرائيل؟ ربما وضعت القنبلة ليتم إلقاء التهمة على العرب. صحيح أن إيران وإسرائيل تملكان القدرة العملياتية على شن هجمات من هذا القبيل، لكن نصيب تلك الافتراضات من الصحة يبدو ضئيلاً جداً، لأن كلتا الدولتين تدركان أن حجم المخاطر التي قد تنجم عن مثل تلك الهجمات يفوق المكاسب التي قد تتحقق من وراء تنفيذها.
يرى محققو مكتب التحقيقات الفيديرالي وعملاء وكالة الاستخبارات المركزية ومحققو الأجهزة الأمنية والاستخبارية العاملة في الولايات المتحدة أن ثمة جبهة أولى رئيسية مشتبه بها وهي تنظيم "القاعدة" الذي يتزعمه اسامة بن لادن المتهم بالتورط في محاولة سابقة لتفجير مركز التجارة العالمي.
ولم يعلن هذا التنظيم مسؤوليته عن الهجمات الاخيرة. بل ان بن لادن سارع الى إرسال موفد من قندهار الى اسلام أباد ليسلم بياناً الى رئيس تحرير صحيفة "أوساف" الباكستانية التي تصدر باللغة الأوردية، ينفي فيه أي صلة له بالتفجيرات، وإن كان قد أعلن ارتياحه الى وقوعها. وأبلغ السناتور أورين هاتش عضو لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي "الوسط" بأنه استمع الى محادثات هاتفية تم رصدها تؤكد "أن ناشطين على صلة بابن لادن اتصلوا بأسامة ليبلغوه بأنهم أصابوا هدفين". وقال ل"الوسط" إن المحادثتين أجريتا من فلوريدا.
والسؤال هنا: هل هما محادثتان حقيقيتان؟ أم أنهما أجريتا بغرض توريط ابن لادن؟
وكان عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي اف.بي.آي" يتمسكون في السابق بأن أخطر التهديدات "الإرهابية" التي تواجهها الولايات المتحدة تتمثل في احتمال شن هجمات بأسلحة الدمار الشامل. وادعت السلطات الاميركية أن لاسامة بن لادن صلة بالمشتبه فيهم الذين احتجزوا على أثر الكشف عما سمي "تفجيرات الألفية" نهاية سنة 1999. وابن لادن مطلوب أصلاً للمثول أمام القضاء الاميركي بتهمة قيامه بتدبير عمليتي تفجير السفارتين الاميركيتين في تنزانيا وكينيا العام 1998.
غير أن بروس هوفمان مدير مكتب مؤسسة "راند" لتقديم النصح السياسي والاستراتيجي للسياسيين الجمهوريين، وهي مؤسسة محافظة، قال ل"الوسط" إن جهات عدة قد يشتبه في مشاركتها في الهجمات الاخيرة. وأضاف: "أسامة بن لادن لن يكون المتهم الأوحد". وكانت السفارات الأميركية حول العالم قد أغلقت نحو 68 مرة منذ العام 1968 بسبب التهديدات. وآخر عمليات الاغلاق استهدفت سفارتي أميركا في رومانيا وبلغاريا في آب أغسطس الماضي. ومن الواضح أن ابن لادن لم يكن سبباً لأيٍّ من تلك التهديدات أو لمعظمها. وطبقاً للبيانات التي أصدرتها وزارة الخارجية الاميركية في شأن تحذير الرعايا الاميركيين من السفر الى بلدان معينة، فإن اللائحة الحالية لتلك البلدان تشمل جمايكا وبنغلاديش ومالي واسرائيل وبابوا غينيا الجديدة، وقرغيزستان والفيليبين واليمن وبلجيكا واليابان وكوريا الجنوبية وكولومبيا ويوغندا ورواندا، وأضيفت إليها إيطاليا في الآونة الأخيرة. وقال دانيال بينايمن خبير مكافحة الارهاب في البيت الابيض في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون ان الهجمات التي استهدفت نيويورك وواشنطن قوبلت بهتافات التأييد والشماتة في شوارع مدن صينية وصربية. وأضاف: "اسامة بن لادن ليس وحده الذي يكرهنا".
وحين اتصلت "الوسط" بوليام كيسي المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية تسأله عن معلوماته وتعليقه على أحداث واشنطن ونيويورك، رد بأنه يعتبر أن أميركا الآن "في حال حرب". ولكن السؤال الذي يطرح هنا هو: في حرب مع من؟ وجهت "الوسط" السؤال الى مورتون ابرامفيتس المدير السابق لإدارة الابحاث والمعلومات في وزارة الخارجية الاميركية، فاكتفى بالقول إن الاحداث الاخيرة تمثل "منعطفاً تاريخياً". وقال دانيال بنيامين إن العالم الاسلامي ينظر الى الولايات المتحدة باعتبارها "عاملاً على نشر الفساد في الكون". وقال أشهر مؤرخي أميركا في العصر الحديث غور فيدال الذي كان قد أعرب عن اعتقاده بأن تيموثي ماكفي تصدى لإعلان مسؤوليته عن تفجير أوكلاهوما لأنه جندي شجاع مخلص لرفاقه الفوضويين، لكنه رجح أن تكون وراء ماكفي منظمة كبرى من الفوضويين، قال ل"الوسط" انه يتوقع وقوع مزيد من هجمات "الكاميكازي" الانتحارية ضد أميركا.
لكن صحيفة "بوسطن هيرالد" ذكرت أن السلطات ضبطت سيارة في مطار لوغان الدولي في بوسطن وبداخلها مجموعة كتيبات لتعليم الطيران باللغة العربية. وأضافت أن خمسة من العرب قد تم تحديدهم باعتبارهم مشبوهين، وبينهم طيار مجاز في قيادة الطائرات. وذكرت أن اثنين من المشبوهين كانا وصلا لتوهما من بورتلاند في ولاية ماين التي لا تبعد كثيراً عن واشنطن. ولما كانت الدهشة التي أثارتها الهجمات الاخيرة دافعاً للبحث عن معلومات تتغذى بها الصحف الاميركية والاجنبية، فإن صحيفة "بوسطن غلوب" المنافسة ل"الهيرالد" أوردت نبأ يفيد أن أحد أولئك المشتبه فيهم لم يتمكن من اللحاق بالرحلة التي أحدثت ذلك الخراب كله، وأن السلطات عثرت في حقائبه على مصحف وشريط فيديو لتعليم قيادة الطائرات التجارية وآلة حاسبة لترشيد استهلاك الوقود.
هل هو إهمال من جانب المشتبه فيهم؟ أم أنها أدلة ملفقة بعناية؟ لقد تم تلفيق التهمة وإصدار حكم الإعدام رمياً بالرصاص على ماتا هاري بأدلة مختلقة بقدر كبير من التقنية الحديثة وقتذاك!
السي آي ايه لم تتوقعها
"إنه فشل ذريع". بهذا التعبير وجه العديد من المسؤولين والمواطنين الاميركيين اللوم الى مدير وكالة الاستخبارات الاميركية جورج تينيت الذي فشلت مؤسسته العملاقة في توجيه اي إنذار عن قرب وقوع هجمات ارهابية داخل الولايات المتحدة نفسها، بعدما ركزت معظم جهودها على التهديدات المحيقة بالمصالح الاميركية في الخارج.
فقد أنفقت ال"سي. آي. ايه." خلال العقد الماضي ما لا يقل عن مئة مليار دولار على أنشطة الاستخبارات وملاحقة الارهاب التي شملت أنظمة تنصت الكترونية متطورة وشبكات تجسس واسعة، خصوصا بعد التفجير الذي استهدف في العام 1983 مركز التجارة العالمي نفسه في نيويورك. لكن كل هذا المبلغ الهائل لم يستطع توفير المعلومات الضرورية للحؤول دون ما حصل.
وقد بدت أضخم وكالة استخبارات في العالم بعد الاعتداءات وكأنها كانت خلال السنوات الماضية تلاحق سرابا، فلا التهديدات باجتثاث الارهاب نفعت في إخافة مخططيه، ولا الامساك ببعض عناصر وخيوط المنظمات الارهابية أوصل الى جهازها المنظم، ولا عرض المكافآت السخية في مقابل المعلومات والابلاغ عن التحركات المشبوهة نجح في رصد شبكات المنفذين ونواياهم.
بدت محطات ال"سي آي ايه" في انحاء العالم أشبه بمكاتب بيروقراطية بليدة تتكدس فيها أطنان الاوراق والمعلومات والرسائل المشفرة وتحيط بها اجراءات أمنية هائلة، لكن كل ما فيها كان يدل الى المكان الخطأ والتوقيت الخطأ. لقد كانت عمليا غائبة وبعيدة عن السكة الفعلية التي سلكها الارهاب. وليس هذا بسبب نقص الامكانات ولكنه نجم على ما قال اكثر من محلل اميركي من الاستخفاف بالارهابيين ومن الاستبعاد الضمني بامكان ان يتحركوا داخل اميركا نفسها من دون ان يضبطوا. كانت القناعة السائدة لدى معظم المسؤولين الامنيين بان الساحة الاميركية منيعة، بعدما تم قبل سنوات اعتقال عدد من العرب المرتبطين بالارهاب وصدرت بحقهم احكام قاسية لردع من قد تسول له نفسه حذو حذوهم، وبعدما تم اعدام الاميركي تيموثي ماكفي المسؤول عن تفجير اوكلاهوما.
وركزت انتقادات المحللين ايضا على اجراءات الامن المتخذة في المطارات الاميركية حيث لا تخضع الرحلات الداخلية لاي تفتيش او تدقيق غير اعتيادي، ودعوا الى تلافي الثغرات التي استغلها الارهابيون في عملياتهم، وان كان تغيير ذلك يتطلب جهودا جبارة ومكلفة كثيرا، نظرا لحركة المسافرين الضخمة التي قد يؤدي اي ارباك فيها الى خسائر لشركات الطيران وللمواطنين على حد سواء. ويكفي احتساب الخسائر المادية الهائلة التي نجمت عن اغلاق المجال الجوي الاميركي بعد الاعتداءات.
لقد اثبت الاميركيون، بكل بساطة، انهم لم يكونوا مستعدين للضربة.
كيف حصل ما حصل ؟
من السهل للغاية حمل قائد الطائرة المختطفة - أي طائرة مختطفة - على الهبوط في العاصمة الكوبية هافانا بدلاً من ميامي: ما على المختطف غير أن يضع زناد المسدس على صدغ قائد الطائرة. غير أن حمل الأخير على الاصطدام بطائرته بمبنى وزارة الدفاع قد يثير في الغالب ردوداً من قبيل: "عليك أنت القيام بذلك وليس أنا"!
والواقع أن إرغام الطائرة المختطفة على الارتطام بناطحة سحاب شامخة مثل مركز التجارة العالمي أو بمبنى البنتاغون قد لا يكون صعباً كما يبدو للوهلة الاولى، إذ يتطلب ذلك:
- أولاً: طائرة تحلق أصلاً في الجو.
- ثانياً: فريق جاهز للموت، على أن يكون أحد أفراده على الأقل على "دراية" بقيادة الطائرة. واحد فقط يكفي.
- ثالثاً: تخطيط سري دقيق يتضمن اتفاقاً على مواعيد إقلاع متقاربة بحيث تطبق الطائرات المختطفة على الهدف أو الأهداف المنشودة في وقت متقارب ليحول ذلك دون إمهال السلطات لتقوم بإجراءات وقائية.
ليس ضرورياً أن يكون قائد الطائرة "الانتحاري" في هذه الحالة مجازاً في الطيران، أو مختصاً في قيادة طائرات البوينغ الضخمة التي استخدمت في هجمات نيويورك وواشنطن. وإن كان مسؤول أميركي قد أشار الى أن الطائرة المختطفة التي دمرت جانباً من البنتاغون تمت قيادتها بمهارة عالية، وسرعة فائقة، خصوصاً في الانحدار الشديد والهبوط دون مستوى شاشات الرادار. إذ يستطيع أي طيار مؤهل أن يغلق جهاز الراديو اللاسلكي الذي يحدد تلقائياً موقع طائرته في الجو، ويقوم بدلاً من ذلك بتشغيل الجزء الصغير المتحرك من جناح الطائرة الذي يستخدم عادة لحفظ توازن جانبي الطائرة، وتوجيه الدفة آلياً، الى جانب جهاز تخفيف الوقود الذي يتيح التحكم في السرعة وفي انعطاف الطائرة.
وحين يكون اليوم مشمساً - كما كان الطقس يوم الثلثاء الذي لا يمكن نسيانه - فهو لن يكون بحاجة حتى الى مهارة لتشغيل الأجهزة الملاحية التي تزود بها الطائرات الخفيفة عادة. سيكفيه استخدام البوصلة وحدها. إذ إن الطيران من بوسطن الى نيويورك يعني ببساطة التحليق بمحاذاة الساحل. والمعروف أن واشنطن تقع على سهل منبسط. وإذا كان الطقس صافياً وارتفاع التحليق معقولاً، فبإمكان قائد الطائرة أن يرى معالمها من على بعد 50 كيلومتراً على الأقل، خصوصاً نصب واشنطن والبيت الابيض وحديقته والبنتاغون على الضفة الاخرى للنهر والمطارات.
وإذا كان قائد الطائرة يفتقر الى المهارة الكافية لإنزال طائرة من طراز بوينغ 767، خصوصاً أن إنزالها بعد الاقلاع بوقت قليل ينطوي على مخاطر جمة بسبب كمية الوقود التي تحملها، إلا إذا قام الطيار بالتخلص من الوقود في الجو، فإن ذلك لن يغير في الامر شيئا، لأن الطيار الانتحاري لا يبحث عن هبوط اضطراري آمن، بل يريد أن يقود الطائرة للاصطدام بالهدف الذي يريد تدميره. وما عليه في هذه الحال سوى فتح أجهزة تخفيف السرعة والاصطدام بالهدف المحدد.
ولكن كيف يمكن لفريق من المختطفين الصعود على متن الطائرة؟ الظاهر أن أسهل سبيل الى تحقيق ذلك يتمثل في شراء تذكرة الطيران. ولم يحدث في تاريخ الطيران المدني أن تخفى مختطف أو مختطفون في هيئة موظفين أرضيين أو مشرفين على تموين الطائرات بالأطعمة والمشروبات. وبالطبع فإن ارتداء بذلة كاملة وحمل حقيبة مستندات أو جهاز كومبيوتر حضني يساعدان في تبديد الشكوك في هوية أي مسافر.
ويبدو أن مختطفي الطائرات التي استخدمت في مهاجمة مركز التجارة العالمي والبنتاغون كانوا مسلحين بالمدي فحسب. والمعروف أن السكين قد لا تثير أجهزة الانذار المعروفة في المطارات مثلما تفعل البندقية أو المسدس. وقد لا تحدث السكين ذات المقبض البلاستيكي أثراً في جهاز الانذار أكثر من التأثير الذي يحدثه عادة قلم الحبر السائل! والواقع أن إجراءات صعود الطائرات في الرحلات الداخلية في معظم بلدان العالم لا تشوبها التعقيدات التي ترافق ذلك حين يتعلق الأمر بالرحلات الدولية. وقد يشمل ذلك التراخي الرحلات الدولية أيضاً.
قصة برجين
تغيّر المشهد. لم تعد الواجهة البحرية لمدينة نيويورك هي نفسها. البرجان الشهيران اللذان كانا يرمزان الى قوة الولايات المتحدة الاقتصادية وعالميتها اختفيا مخلفين فراغا كبيرا، معنويا وماديا، يصعب تعويضه. لن تبقى في اذهان من شاهدوهما من قبل سوى الصور التلفزيونية المرعبة للطائرتين اللتين اقتحمتاهما وأشعلتا النار في طوابقهما العليا قبل ان يؤدي الحريق الى ذوبان الاعمدة الفولاذية وانهيار البرجين الهائلين، رمز العظمة الاميركية واخطبوط الاقتصاد الذي أصرّ الارهاب على تدميره.
ففي العام 1993 تعرض مركز التجارة العالمي الى عملية تفجير قنبلة زنتها 600 كيلوغرام في مرآبه تحت الارض أسفرت عن سقوط ستة قتلى وأكثر من ألف جريح وأشاعت جوا من الذعر: عشرات سيارات الشرطة والاسعاف والاطفاء تحيط به واضواؤها تلمع وطائرات مروحية تهبط على سطح البرجين اللذين يعلو كل منهما 110طوابق 1368 قدما لاخلاء الاف العاملين والزوار المرعوبين. لكن الحريق أُطفىء والحفرة التي بلغ قطرها ثلاثون مترا وعمقها ستون ردمت، وسلم المركز.
هذه المرة تغير الاسلوب. اطنان الفولاذ التي صمدت في وجه الانفجار الاول لم تستطع مقاومة الحرارة التي وصلت الى الف درجة مئوية بعدما تحولت الطائرتين المخطوفتين بركابهما الى قنبلتي "مولوتوف" عملاقتين. فسعة خزانات وقود البوينغ-767 تبلغ عشرين الف غالون، اما البوينغ-757 فتبلغ 11 الف غالون. وهما لم تكونا قد استنفدتا الكثير من وقودهما عندما حصل الارتطام.
لم يبذل الارهابيون مجهودا كبيرا ولم يضطروا لتهريب مئات الكيلوغرامات من المتفجرات لتنفيذ عمليتهم، بل حولوا طائرات مدنية الى قنابل موجهة بمجرد خطفها، وهو ما وصفته الصحف الاميركية بتعبير "تقنية متدنية ونتائج عالية".
كان وزن الطوابق الثلاثين العليا التي فصلها الحريق عن الطوابق السفلى في البرج الجنوبي أثقل من ان تتحمله اساسات البرج فانهار كله معها. وكان مصير البرج الشمالي مشابها. انهار المركز بكامله في دقائق بعدما استغرق بناؤه سبع سنوات وبلغت كلفته 750 مليون دولار وصل سعره الى خمسة بلايين دولار قبل انهياره. ظل المركز يعتبر اعلى مبنى في العالم حتى العام 1974 عندما بنيت ناطحة سحاب في شيكاغو بارتفاع 1450 قدما، ثم تبعتها ناطحة سحاب اخرى في ماليزيا بارتفاع 1483 قدما.
في العام 1999 اقام عمدة نيويورك رودي جولياني غرفة عمليات للطوارىء في الطبقة الثالثة والعشرين من المبنى رقم سبعة في المركز التجاري العالمي قرب البرجين بكلفة 13 مليون دولار لتتولى التنسيق في اوقات الازمات التي قد تنجم عن الاعاصير او انقطاع التيار الكهربائي او العمليات الارهابية. هذا المركز لم يستطع القيام بالكثير يوم الثلاثاء 11 ايلول سبتمبر، فقد انهار المبنى الذي يضمه ايضا وكان مؤلفا من 47 طبقة بفعل صدمة انهيار البرجين.
عندما افتتح المركز امام المؤسسات التجارية في 1975 قال مهندسه مينورو يامازاكي انه بني ليكون "تجسيدا لايمان الانسان بانسانيته، وحاجته الى الكرامة الفردية، وايمانه بالتعاون بين الرجال، وقدرته عبر هذا التعاون على تحقيق عظمته".
لكن المشهد تغيّر. ولا بد ان تتغير معه اشياء كثيرة، ليس الركام في نيويورك سوى بدايتها.
الارهاب واميركا : حرب مستمرة
منذ عقدين تقريبا أستعرت الحرب بين الارهاب والولايات المتحدة وطاولت، الى مناطق مختلفة في العالم، المدن الاميركية نفسها. المتهمون كثر: اجهزة استخبارات معادية واخرى من مخلفات الحرب الباردة، منظمات سياسية ودينية متطرفة، حركات تحرر تأخذ على اميركا وقوفها عثرة في طريق تحقيق اهدافها الوطنية، واميركيون ناقمون على نظامهم او مستاؤون من اتساع الهوة بين الاغنياء والفقراء. وباختصار قد يكون لاميركا اصدقاء كثر في العالم، لكن اعداء سياساتها اكثر. وهنا الشريط:
- 18 نيسان ابريل 1983: سائق انتحاري يفجر السفارة الاميركية في بيروت فيقتل 17 اميركيا.
- 23 تشرين الاول اكتوبر 1983: انتحاريان يفجران شاحنتين بمقر مشاة البحرية الاميركية والمقر العسكري الفرنسي في بيروت فيقتل 241 جنديا اميركيا و56 جنديا فرنسيا.
- 12 كانون الاول ديسمبر 1983: سيارتان ملغومتان امام السفارتين الاميركية والفرنسية في الكويت تقتلان خمسة اشخاص.
- 20 ايلول سبتمبر 1984: سيارة ملغومة تنفجر امام مبنى السفارة الاميركية في عوكر شرق بيروت فتقتل 16 شخصا وتجرح السفير.
- 14 حزيران يونيو 1985: اختطاف طائرة تابعة لشركة"تي دبليو اي" الاميركية الى مطار بيروت وقتل احد ركابها.
- 5 ايلول سبتمبر 1986: اختطاف طائرة اميركية بانام على متنها 358 راكبا في مطار كراتشي ومقتل 20 شخصا على متنها بعد اقتحام قوات الامن الباكستانية لها.
- 21 كانون الاول ديسمبر 1988: طائرة اميركية تنفجر في الجو فوق لوكربي، باسكتلندا، اثناء رحلة بين لندن ونيويورك ويقتل 270 شخصا.
- 26 شباط فبراير 1993: قنبلة تنفجر في مرآب مركز التجارة العالمي في نيويورك فتقتل ستة اشخاص وتجرح اكثر من الف.
- 19 نيسان ابريل 1993: قنبلة تدمر مبنى الحكومة الاتحادية في اوكلاهوما سيتي فتقتل 168 شخصا وتجرح اكثر من 500 آخرين. ادانة تيموثي ماكفي بتنفيذ الاعتداء واعدامه في بداية العام الحالي.
- 13 تشرين الثاني نوفمبر 1995: سيارة ملغومة امام مقر القيادة العسكرية الاميركية في الرياض تقتل خمسة اميركيين.
- 25 حزيران يونيو 1996: شاحنة ملغومة تنفجر في الخبر بالضهران فتقتل 19 عسكريا اميركيا وتجرح المئات.
- 7 آب اغسطس 1998: سيارتان ملغومتان تفجران السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام فتوقعان 224 قتيلا والاف الجرحى. وتوجيه التهمة الى اسامة بن لادن.
- 12 تشرين الاول اكتوبر 2000: قارب ملغوم يصدم المدمرة الاميركية كول في ميناء عدن اليمني فيقتل 17 بحارا، والولايات المتحدة تعتبر بن لادن المتهم الاول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.