أبدى رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ارتياحه لموقف صندوق النقد الدولي الأخير لجهة التخلي عن تخفيض سعر صرف الليرة، الأمر الذي يفسح المجال للاستمرار في سياسة "تثبيت" العملة اللبنانية التي بدأ مصرف لبنان تطبيقها منذ اكثر من سنتين. بدوره أشاد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بسياسة "التثبيت" وعدد إيجابياتها التي تمثلت في القضاء على التضخم الذي قاربت أرقامه الصفر، وارساء الثقة، والتحفيز على تحويل رؤوس الأموال باتجاه لبنان، مما أدى إلى تمويل القطاعين العام والخاص وخفض بنية الفوائد، على رغم نمو الدين العام الذي زاد بمعدل 4 مرات خلال 8 سنوات. واوضح سلامة أن صندوق النقد الدولي لم يطلب من لبنان في أي من اجتماعاته تعديل السياسة النقدية، لا على صعيد سعر صرف الليرة ولا على صعيد الفوائد، "لكنه يقول بوجود إصلاحات مالية تدعم الاستقرار المالي والنقدي والاقتصادي". غير أن بعض خبراء المال والاقتصاد أشار إلى أن خبراء الصندوق نصحوا بإبقاء سعر صرف الليرة عائماً في ظل نظام الاقتصاد الحر الذي يحدد السعر وفق تطور العرض والطلب مع الحفاظ على هامش معقول، وتوفير الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي في ضوء تطور عوامل السوق. وعارض هؤلاء سياسة "التثبيت" التي يعتمدها مصرف لبنان، لانها لا تعكس السعر الحقيقي للعملة اللبنانية في مقابل الدولار الأميركي، مع العلم أن هذه السياسة أدت إلى استنزاف اكثر من مليار ونصف مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، من اجل الدفاع عن تثبيت السعر. وحيال ذلك كشف تقرير صندوق النقد الدولي أمراً خطيراً عندما أشار إلى أن احتياطي العملات الأجنبية لا يزيد على 300 مليون دولار، ويزداد الخطر اكثر عندما يتبين أن هذا المبلغ يكفي فقط لتغطية مستوردات البلاد لفترة 15 يوماً. ووفق تقرير الصندوق بلغ مجموع احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية والذهب بنهاية أيار مايو الماضي نحو 7655 مليون دولار، وهو موزع كالآتي: - 2454 مليون دولار قيمة الذهب البالغة كميته 9.5 ملايين اونصة. - 3949 مليون دولار إيداعات للمصارف التجارية العاملة في لبنان. - 950 مليون دولار ودائع خليجية لدى مصرف لبنان لدعم الاحتياطي وتعزيز الثقة بسعر صرف الليرة، واهمها 500 مليون دولار وديعة من حكومة المملكة العربية السعودية. ويبقى مبلغ 302 مليون دولار قيمة الاحتياطي النقدي الذي يملكه مصرف لبنان. هل يستطيع بهذا المبلغ الضئيل الدفاع عن سياسته في تثبيت سعر صرف الليرة؟ في الواقع يتراوح حجم الطلب اليومي على الدولار في السوق اللبناني بشكل عادي بين 7 الى 10 ملايين دولار، يمكن أن يتضاعف هذا الرقم في حالات استثنائية الى 50 مليون دولار يومياً، وهذا يعني أن ما يملكه مصرف لبنان من احتياطي عملات أجنبية لا يكفي لتلبية الطلب في السوق سوى لبضعة أيام. من هنا كان التوجه في الحديث نحو تسييل الذهب عن طريق رهنه أو إيداعه في الخارج في مقابل فوائد مالية يمكن الاستفادة منها في دعم احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، لكن يبدو أن إثارة هذا الموضوع جاءت في وقت غير مناسب سياسياً، لذلك جوبه بمعارضة قوية من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن فريق كبير من النواب، مما أدى إلى فشل المحاولة. وهكذا يستمر مصرف لبنان في دفاعه عن الليرة وتثبيت سعر صرفها في السوق معتمداً ليس فقط على ما يملكه من احتياطي، بل ما هو متوافر لديه من العملات الأجنبية كودائع للمصارف التجارية العاملة، وكذلك إيداعات دول الخليج والتي يبلغ مجموعها 4899 مليون دولار. وخلافاً لما اورده تقرير بعثة صندوق النقد الدولي عن عدم وجود قدرة لدى المصارف التجارية العاملة في لبنان لتمويل الحاجات الحكومية وسد العجز الحاصل في الموازنة، فقد أكد الخبير المالي والاقتصادي فريدي باز ان لدى المصارف قدرات كبيرة للتمويل، ويدل على ذلك عاملان رئيسيان: الأول، أن ودائع المصارف تزيد مرتين ونصف المرة على الناتج المحلي الإجمالي. والثاني، تشير احصاءات مصرف لبنان حتى حزيران يونيو الماضي، الى ان السيولة الجاهزة بالعملات الاجنبية تبلغ 11.8 مليار دولار، وهذا يعني أن لا مشكلة في التمويل. ولكن الخبير باز يستدرك في هذا المجال، فيقول: "إذا كانت بعض المصارف بدأت تمارس سياسة محافظة، فهذا يعني أن المسألة هي مسألة إرادة وليست مسألة قدرة". وللتأكيد على وجهة نظر الخبير باز، فقد بلغ حجم ودائع القطاع المصرفي اللبناني أكثر من 40 مليار دولار، في حين أن حجم الناتج المحلي الإجمالي لا يزيد عن 17 مليار دولار، الأمر الذي يؤكد قدرة المصارف على التسليف وتمويل المشاريع في القطاعين العام والخاص، ولكن استعمال هذه القدرة يلزمها توافر الإرادة للتمويل. ومع استمرار ضعف هذه الإرادة، لوحظ تراجع النشاط المصرفي خلال النصف الأول من العام الحالي، وذلك من خلال المؤشرات الآتية: اولاً: ارتفع النشاط المصرفي الاجمالي المحسوب على اساس الموجودات المجمعة لدى المصارف التجارية العاملة في لبنان، بمقدار 118.5 مليار ليرة 78.6 مليون دولار في حزيران يونيو الماضي، وهو الادنى منذ نيسان ابريل 1999، حيث شهد النشاط نمواً سلبياً واقل بكثير من المتوسط السنوي البالغ 330 مليار ليرة نحو 219 مليون دولار . ثانياً: في المقابل، سجلت ودائع الزبائن نمواً معتدلاً بمقدار 389 مليار ليرة 258 مليون دولار نتيجة زيادة ودائع المقيمين بمقدار 241 مليار ليرة، في حين انخفضت ودائع غير المقيمين بمقدار 32 ملياراً. ثالثاً: في ظل نمط التحويلات من الليرة الى الدولار، نتج نمو الودائع عن ارتفاع الودائع الاجنبية بمقدار 265 مليون دولار، فيما تراجعت الودائع بالليرة بمقدار 10 مليارات، وأى هذا التغيير في بنية العملات الى ارتفاع اضافي في دولرة الودائع بنسبة 0.2 في المئة في حزيران يونيو الماضي ليصل الى 71.5 في المئة، بعدما تجاوزت في نيسان ابريل الماضي عتبة ال70 في المئة، للمرة الاولى منذ ديسمبر كانون الاول 1992. رابعاً: شهدت التسليفات المصرفية في يونيو حزيران الماضي نمواً ضئيلاً في محفظة التسليفات الاجمالية بلغ 91.2 مليار ليرة فقط، وبذلك سجلت نسبة التسليفات الى الودائع تراجعاً بنسبة 0.1 في المئة لتصل الى 40 في المئة. وأكد تقرير صادر عن بنك عوده ان نمو النشاط المصرفي، تراجع في النصف الاول من العام الحالي بنسبة كبيرة، وذلك من خلال المؤشرات الآتية: - بلغ مقدار نمو النشاط المصرفي 1978 مليار ليرة 1.31 مليار دولار، بتراجع 36.6 في المئة مقارنة مع نمو النشاط المصرفي في النصف الاول من العام 2000 وهو ايضاً اقل بنسبة 33 في المئة من متوسط النمو في الفترة المماثلة من السنوات الماضية. - سجل مجموع الودائع ارتفاعاً بمقدار 1595 مليار ليرة 1.058 مليار دولار وهو أقل بنسبة 36.7 في المئة مقارنة مع نمو الودائع في النصف الاول من العام الماضي، وكذلك اقل بنسبة 40.4 في المئة من متوسط النمو المسجل في الفترة المماثلة من السنوات الماضية. - سجلت محفظة التسليفات نمواً بمقدار 331 مليار ليرة 219.6 مليون دولار، أي اقل بنسبة 59 في المئة مقارنة مع نمو التسليفات في النصف الاول من العام 2000، واقل بنسبة 72.4 في المئة من متوسط النمو المسجل في الفترة ذاتها من السنوات الخمس الماضية.