يواجه رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي أخطر أزمة داخلية منذ تسلمه الحكم قبل عشر سنوات عندما قاد "جبهة تحرير شعوب تغراي" الى العاصمة اديس ابابا واطاح نظام الكولونيل منغيستو هايلي مريام العام 1991. إذ بدأت احزاب المعارضة التي يتجاوز عددها عشرين حزباً بالتحرك لتشكيل إئتلاف ضد نظام زيناوي الذي شن حملة اعتقالات طالت اربعة من قادة إحدى الاحزاب الرئيسية. وجاء هذا التطور ضمن سلسلة من الاضطرابات بدأت قبل حوالي شهرين باشتباكات بين الشرطة والطلاب في جامعة اديس ابابا راح ضحيتها اكثر من 40 قتيلاً واعتقل على اثرها اكثر من ثلاثة آلاف طالب. ثم ظهر انشقاق كبير داخل الحزب الحاكم، واغتيل رئيس جهاز الامن كينفي غبري مدين على يد ضابط في الجيش، وتبع ذلك إقالة كل من قائد القوات الجوية ابيبي تيكيلي هيمانوت ورئيس اركان الجيش سادكان غيبيري ميدن من منصبه، واخيراً تعليق عضوية الرئيس الاثيوبي نغاسو غيدادا في الحزب الحاكم بعد اتهامه بالانحياز الى المنشقين في الحزب. كما زادت خلال الفترة ذاتها، ظاهرة فرار مجموعات من العسكريين والطلاب المعارضين عبر الحدود الى الاراضي الكينية حيث يطلب افرادها اللجوء السياسي بحجة ان حياتهم معرضة للخطر. ويتفق مراقبون لتطور الاوضاع في القرن الافريقي على ان ما يحصل في اثيوبيا منذ مطلع السنة يأتي في إطار تداعيات الحرب الاثيوبية - الاريترية على الحدود بينهما التي اندلعت منتصف 1989 واستمرت حوالي ثلاث سنوات استنزفت اقتصاد البلدين وجمدت التنمية فيهما، إضافة الى مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوقين والنازحين الذين شكلت عائلاتهم عامل ضغط على السلطات الحاكمة في البلدين. ويضيفون ان الرئيس الاريتري اساياس افورقي استطاع حتى الان السيطرة على تداعيات الازمة في بلاده حيث لم تحصل اضطرابات او عمليات اغتيال. لكن ذلك لا يعني انتهاء الازمة في اسمرا حيث يحتمل ان تتفاقم بعد نشر مجموعة من اعضاء اللجنتين التنفيذية والمركزية في حزب "الجبهة الشعبية للعدالة والديموقراطية" رسالة مفتوحة تنتقد سياسة افورقي وتُحمله مسؤولية نتائج الحرب. وبدأت بوادر انشقاق داخل الحزب لم تظهر بعد الى العلن. وتبدو مشكلة اثيوبيا اكثر تعقيداً بحكم عوامل عدة من بينها مساحة البلاد الكبيرة التي تتجاوز مليون كلم مربع، وعدد القوميات والاتنيات الذي يبلغ اكثر من مئة، وعدد سكانها 57 مليوناً . وفي المقابل لا تتجاوز مساحة اريتريا 125 الف كلم مربع وتضم سبع قوميات فقط، ولا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين شخص. وكان زيناوي استطاع، بعد إطاحة منغيستو العام 1991، اقناع القوميات الاثيوبية الرئيسية بتشكيل إئتلاف حكومي تحت مظلة "الجبهة الثورية الديموقراطية لشعوب اثيوبيا" بقيادته، بعدما منح كل من هذه القوميات حكماً ذاتياً في اقاليمها، وسجل ذلك في الدستور الاثيوبي الجديد الذي تضمن ايضاً حق اي من الاقاليم الاثيوبية ال 14 المطالبة بالاستقلال بعد موافقة القوميات الاخرى. وقضى بذلك على اي محاولة محتملة للانفصال عبر تمرد مسلح. لكن هذه النزعة برزت اخيراً لدى عدد من القوميات التي تعتبر ان "جبهة التغراي" القومية الحاكمة ورطتهم في حرب كان اول ضحاياها ابناء قوميتهم، خصوصاً الاورومو اكبر القوميات عدداً والقومية الصومالية في اوغادين وقومية الامهرا التي كانت تحكم اثيوبيا منذ عهد مؤسسها الملك منيليك حتى وصول زيناوي الى الحكم. ويبدو ان صراع القوميات الذي برز حديثاً بعد عشر سنوات من حكم قومية التغراي، ما زال في بدايته. ويحاول زيناوي احتواءه اليوم عبر إعادة تقويم لكل سياسته الداخلية والخارجية بما في ذلك توزيع السلطات في البلاد، والتورط في حروب اقليمية