مع اقتراب انطلاق الدوري الأوروبي، تضع الاندية اللمسات الأخيرة على انتقالات اللاعبين استعداداً للموسم المقبل. إلا أنها في موازاة ذلك تراقب عن كثب اللياقة البدنية للاعبين الذين امضوا اجازاتهم السنوية في أماكن لا علاقة لها بالرياضة، أي أنهم عاشوا فترة شهر تقريباً في أجواء "غير صحية" لا تتفق مع مهنتهم، بما لها من شروط ومتطلبات. واذا كان التدريب يشكل شرطاً أساسياً يسبق كل مباراة، فكيف اذا كان يسبق انطلاق الدوري؟ الا انه ليس الشرط الوحيد في البطولات الأوروبية في مثل هذه الفترة من كل عام. فمدرب كرة القدم يتنازل عن قسم من صلاحياته ووقته للجهاز الطبي للفريق، ذلك ان الطبيب وحده يعرف مدى صلاحية اللاعب واستعداداته البدنية للتدريب، مثل الفترة والجهد والمعدل. ويمكن القول ان الفترة التي تسبق انطلاق الدوري في أوروبا هي فترة الطبيب الذي عليه ان يجري فحصاً شاملاً للاعب العائد من اجازته، ثم يشحذ قدراته ليستعيد كامل لياقته البدنية. ففي البلدان الأوروبية، حيث الاحتراف الرياضي أصبح صناعة قائمة بذاتها، لا مكان للاعتباطية أو للتساهل في مسألة تهم صحة اللاعب، لذلك لا يمكن للاعب كرة قدم ان يبدأ موسمه من دون الحصول على شهادة طبية من ناديه تثبت أهليته للعب. ولا يكفي ان تكون عضلات اللاعب وقدماه في لياقة تامة كي يحصل اللاعب على الشهادة الطبية، فاللياقة العضلية لا تكفي اطلاقاً، وهي احياناً تخفي امراضاً خطيرة، مثل أمراض القلب، وحالة اللاعب النيجيري كانو الذي يلعب حالياً مع فريق ارسنال الانكليزي أفضل مثال على ذلك، فقد اكتشف الاطباء الايطاليون قبل حوالي خمس سنوات انه مصاب في قلبه، وان ممارسته الرياضة تشكل خطراً على حياته. وقد خضع لجراحة في القلب وعاد بعدها الى الملاعب بكامل لياقته. ومن بين مهمات الطبيب الرياضي فحص الإصابات السابقة التي لحقت باللاعب لمعرفة درجة ابلاله منها، فهذه الاصابات قد لا تكون ولّت الى غير رجعة، الأمر الذي يستدعي الخضوع لتمرين خاص لئلا تحدث انتكاسة تعيد اللاعب الى نقطة الصفر. وفي الواقع يملك الطبيب، من خلال الوسائل الحديثة الموضوعة بتصرفه، كل التفاصيل عن الوضع الصحي للاعب: وزنه ونسبة الدهون وضربات قلبة والضغط الشرياني. وغالباً ما يكتشف الطبيب من خلال هذا الفحص الشامل ان اللاعب أمضى اجازة حرة، من دون ان يتقيد بالشروط الدنيا التي وضعها له الطبيب، أي انه لم يمارس التمارين البدنية اليومية، وأكل وشرب ما طاب له، لذلك من الضروري اخضاعه لريجيم صارم. ومن بين الفحوصات التي يخضع لها اللاعب فحص الجهد لمعرفة مدى تحمل القلب للتعب، فيمتطي اللاعب دراجة هوائية ثابتة في مكانها، أي من دون عجلات، ويدير الدواسات حتى يصل جهده الى حده الأقصى، في وقت يراقب الطبيب قلبه وضغطه الشرياني. واستناداً الى هذا الفحص يستطيع الطبيب معرفة استهلاك اللاعب من الاوكسيجين وبالتالي من "حامض لينيك" ومدى كثافته في الدم، الأمر الذي يكشف الخط الأحمر للجهد الذي يتوجب على اللاعب عدم تجاوزه. ويأتي بعدها فحص الكوليسترول والسكر في الدم وحامض البوليك ونسبة الكريات الحمر ومخزون الحديد بهدف معرفة قوة الدم على نقل الاوكسيجين الى العضلات، اضافة الى معرفة نسبة المانيزيوم في خلايا الدم وتأثيرها على الاعصاب والعضلات. انه فحص شامل ودقيق ومكلف جداً، فالنادي الذي اشترى اللاعب بملايين الدولارات ويدفع له الملايين ايضاً لا يمكنه ان يترك اللاعب يعيش على الطبيعة من دون ان يأخذ جميع الاحتياطات اللازمة، أولاً لتجنب الاصابات المحتملة، وثانياً ليجعل اللاعب في أفضل لياقة بدنية ويحصل النادي بالتالي على أفضل مردود في الملعب. بعد انتهاء هذه السلسلة من الفحوصات والاستكشافات البدنية يأتي دور الحلول، وهي ليست كثيرة، اذ هناك الحمية الغذائية والتمارين التي غالباً ما تكون بالتدرج، وحسب الوضع الصحي والبدني لكل لاعب. واثناء فترة التدريب التي تسبق انطلاق الدوري - ودائماً في أوروبا - يفرض الطاقم الطبي على اللاعبين قيلولة لتجديد النشاط. وقد بات ثابتاً ان النشاط الذهني والبدني يضعف عند الساعة الثانية بعد الظهر، فيما يكون في أوجه في منتصف النهار أو قبل ذلك بقليل، وقد اثبتت التجارب ان القوة العضلية تبلغ ذروتها عند الساعة السادسة مساء. لذلك فإن التمارين التكتيكية أو النظرية تصبح اكثر فائدة ومردوداً في الصباح بينما تكون التمارين الجسدية اكثر فائدة عند الغروب. لكن اطباء رياضيين ينصحون بأن لا تكون التمارين المسائية شاقة حتى يستطيع اللاعب الذهاب الى سريره من دون توتر بدني. وينصح الطبيب الرياضي لاعبيه بعدم الافراط في استخدام "السونا" أو الحمام البخاري لأنه يجفف الجسم ويؤدي الى عدم توازن المعادن فيه، وفي المقابل ينصح بحمام الجاكوزي أو الحمام الاسكتلندي الذي تتواتر فيه المياه الدافئة والباردة على العضلات المنهكة. وفي كل الاحوال فإن النصيحة الأولى التي يقدمها الطبيب للاعبيه هي ان لا شيء يعوّض النوم الليلي. أثناء فترة التدريب المكثف يتناول اللاعبون وجبات طعام منوعة جداً ومتوازنة، لأنهم بحاجة الى قوة والى بروتين لتجديد عضلاتهم، وكذلك الى فيتامينات ومعادن لانتظام عمل خلايا الجسم. وعندما يعود اللاعبون الى منازلهم وعائلاتهم، بعد انتهاء فترة التدريب استعداداً للدوري، يكونون على بينة من أوضاعهم البدنية وبما يجب عليهم ان يتبعوه، من تغذية وتمارين وراحة ونوم وغيرها. بعد كل هذا يمكن فهم لماذا الكرة الأوروبية متقدمة على غيرها!.