سواء أكان القارئ، أو القارئة في الثلاثين أو الثلاثين بعد المئة، فتجربة العمر تقول ان السيارة لا تتعطل الا في نهاية الاسبوع، وأن ألم الأسنان لا يبدأ الا في نهاية الاسبوع هذا، وأن قطعة الثياب الوحيدة التي اعجبتك في المتجر لا توجد بمقاسك، وإذا وجدت فهي أغلى مافي المتجر، وانك إذا تلقيت ثلاث دعوات خلال الشهر كله فستكون الدعوات الثلاث لليوم نفسه من الشهر. وطبعاً، فإذا كنت تتفرج على مباراة الكأس فهدف الفوز لن يسجل الا إذا قمت الى المطبخ لتشرب. الحياة الدنيا أخذت صفتها من دنا أو قرب، لبعدها عن الآخرة، غير انها أقرب الى الدنيّة، لخستها في التعامل مع الأحياء. الواحد منا يبدأ وطموحه أن يصبح مثل نابوليون، وينتهي بالعلاج عند طبيب نفسي لأنه يعتقد أنه نابوليون فعلاً. وتتواضع الطموحات الى درجة أن تصبح وضيعة مع كل يوم يمر. أنت تريد أن تكون الأول في صفّك، وتقبل أن تبقى في الوسط، وتنتهي في المؤخرة. وتريد أن تذهب الى اوكسفورد أو كامبردج، وتقبل الجامعة الأميركية في بيروت أو القاهرة، وتنتهي في جامعة باتريس لومومبا في موسكو. وفي حين أن طموحك أن تصبح جراح دماغ، فانك تقبل أن تتخرج طبيب أسنان، وتنتهي ممرضاً في المشرحة. أو تريد أن تكون مؤلفاً، وتقبل أن تصبح ناشراً، وتنتهي بائع سيارات مستعملة. وتريد من رياض نجيب الريّس ان يقبل روايتك ويطبع منها مئة ألف نسخة على حسابه، وتقبل تعديلها والنشر على حسابك، ولا تطلع من الزيارة بأكثر من فنجان قهوة. وتريد من مي غصوب أن تترجم روايتك الى الانكليزية، ثم تقبل نشرها بالعربية فقط، وتنتهي بفنجان قهوة. وتأمل بأن تلعب للفريق الوطني في كرة القدم وبتسجيل هدف الفوز في بطولة العالم، وتقبل اللعب في أي فريق، وترفض في فريق الحي. وترجو أن تؤسس شركتك الخاصة، وتقبل أن تعمل في أي شركة، وتنتهي بالعمل في شركة ابنك. وتريد أن تتزوج ابنتك أميراً، وتقبل أن تتزوج ابن الجيران، وتنتهي بالبحث عن أي واحد يتزوجها. وكنت قبلها تحلم بالزواج من جوليا روبرتس، وتقبل أن تتزوج بنت الجيران، وتنتهي وأهلك يزوجونك واحدة في حجم جوليا روبرتس وبنت الجيران مع بعض الفراطة الفكة. وتريد أن يصبح ابنك رئيس وزراء، وتقبل أن يصبح وزيراً، وتنتهي وكل أملك ألا يدخل السجن. وكنت تحلم ببيت الأحلام، وأصبحت تقبل أي شقة، وانتهيت بالبقاء في بيت العائلة وأنت في الأربعين، ومتزوج ولك خمسة أولاد. وتصر على وظيفة بمرتب عالٍ، وتقبل أي وظيفة، وتنتهي بطلب فلوس من والدتك. أو انك تريد أن تصبح ثرياً، وتقبل ألا تكون مديناً للناس، وتنتهي والبنك يطاردك بمساعدة الشرطة. هل لا تزال تذكر عندما كنت تريد أن تحرر كل فلسطين، ثم قبلت ان تحرر ربعها، والآن لا تستطيع أن تحرر نفسك؟ وتريد أن ترضي والديك وتقبل أن ترضي نفسك، واليوم لا ترضي أحداً. وكنت تحلم بسيارة "بورش" حمراء، وأصبحت تقبل أي سيارة حمراء. وانتهيت على بسكليت دراجة هوائية. وتريد أفضل طاولة في مطعم فرنسي، وتقبل طاولة في الزاوية، وتنتهي في ماكدونالد. وكان طموحك ان تصبح أميركياً، وتقبل ان تصبح كندياً، وتبقى عربياً بجواز سفر تحتاج معه الى تأشيرة للخروج من بلدك، وتأشيرة للعودة اليه. وتريد أن تكون عبدالوهاب، وتقبل أن تكون عبدالحليم، وتنتهي عبدالرحيم. وتريد أن يستضيفك عماد الدين أديب، وتقبل أن تفضح جهلك أمام جورج قرداحي، وتنتهي بالهتاف للقائد البطل في تلفزيون الحكومة. ماذا أزيد؟ الانسان الذي كان يطمح أن يدفن في جنازة رسمية تنكس فيها الأعلام، ويعلن الحداد القومي أسبوعاً، يكبر ويصبح طموحه أن يحضر الأهل والأصدقاء جنازته، ويكبر أيضاً وأيضاً ويخاف ان ينتهي في المشرحة ولا أحد يعرف اسمه. الحياة هي تراكم سنوات تضم كل سنة منها 365 خيبة أمل 366 خيبة في السنة الكبيس غير أنها تظل أفضل من البديل.