حقاً ان الصحافة تستطيع ان تخلق، وتستطيع ان تهدم وليس ثمة اجمل من هذه الكلمات لنبدأ بها حديثنا عن الصحافة، فهي عصب الوعي في الأمة، وهي من عناصر الشخصية الشعبية وان لها حقوقاً وعليها واجبات. فأول حقوقها الحرية الكاملة: حرية الانباء، وتضم حرية التلقي وحرية الاداء، وحرية الرأي والنقد... وحين نفاضل بين عهد وعهد نجد أقومها طريقة هي التي تهبط فيها منسوب الاضطهاد. وأود ان اسأل اين احترام صحافتنا لواجبها، ولقارئها؟ إن الصحافة في توجيه الرأي العام أثرها البليغ، فهي قادرة على هدايته وعلى اضلاله... وبقدر ما تقدم له من عون، تقدم لذاتها ايضاً. فكلاهما للآخر قوة، وعسى صحافتنا تجد من الشجاعة ما تصغي به لهذه الحقيقة وهي ان الاخلاق التجارية تسيطر عليها اكثر مما يسير الواجب الأدبي. وقد يكون عذرها حاجتها المطردة الى الكسب والمال. وهو أمر ميسور ان تم الاحتفاظ بالاخلاقيات الفاضلة التي تجعل منها في بلادها قوة هادية... ولا ريب ان الاتجاه النفسي تغير فتغير معه كل شيء. والجماهير القارئة هي التي تدفع ثمن هذا العبث من اعصابها وسكينتها. إن الصحافة هي الرئة التي تتنفس بها الأمم، وتخيلوا ان رجلاً ذا جاه ونفوذ ومال استأجر رئتي أنا لتتنفس لحسابه، لا لحسابي، كم لحظة من العمر بعدها يمكنني ان اعيش. إن الصحافة تكشف غشاوة القارئ فيبصر وتزيح عن آذانه الوقر فيسمع، وتمزق عن وعيه الحجب فيدرك كل شيء ويعيه. انها القوة التي تحيا بها الأمة... وتموت ايضاً، ونحن ندعوها الى العمل وفق تبعات هذه المكانة الكبرى التي بوأتها الحضارة اياه. مصطفى بكري عين العرب - سورية