هذه هي الحكومة السادسة في دولة الوحدة، ولعل من أبرز ما يميزها انخفاض الاهتمام بها إلى حد غير مسبوق، وانحصار الاهتمام تقريباً في اختيار عبدالقادر باجمال على رغم أن اسمه كان مطروحاً بين المرشحين لرئاستها، إلا أن كثيرين كانوا يرون أن قدرة باجمال على نسج علاقات اليمن الخارجية، دافع قوي لدى الرئيس علي عبدالله صالح لاستمراره في وزارة الخارجية. ويسند هذا الاحتمال، حسب ما قاله ل"الوسط" مصدر مقرب من رئاسة الدولة، إلى كون باجمال استطاع في فترة 34 شهراً ظل خلالها نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية منذ تشكيل حكومة عبدالكريم الارياني في أيار/ مايو 1998، أن يحسن ويطبع علاقات اليمن اقليمياً وعربياً وأن يحقق نجاحاً مميزاً "في تنفيذ سياسة القيادة اليمنية لتنقية هذه العلاقات من رواسب أزمة الخليج وتوتراتها". وكذا في تفعيل العلاقات مع دول القرن الافريقي ودول شرق اسيا وتطويرها، فضلاً عن نشاطه على صعيد علاقات اليمن مع الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ومع الحكومات والمنظمات المانحة التي ظهر نشاط باجمال في اتجاهها منذ اختياره وزيراً للتخطيط والتنمية في حكومة فرج بن غانم بين أيار 1997 وأيار 1998. إن الرئيس علي عبدالله صالح تجاوز كثيراً من التوقعات، واختار باجمال رئيساً للحكومة الجديدة، لأنه "يرى فيه ما لا يراه الآخرون"، حسب المصدر نفسه، في إشارة إلى نقطة يوليها المراقبون في صنعاء اهتماماً خاصاً، وهي أن اختيار باجمال جاء نتيجة حساب دقيق لطبيعة المرحلة الراهنة وضرورة التغيير في الطريقة السابقة للتعامل معها، إلى طريقة أكثر تناسباً واستيعاباً بها. ومن هنا رأى الرئيس صالح في باجمال معظم الصفات المطلوبة لهذه الفترة، حسب قيادي في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام الحاكم. وأضاف محمد يحيى شنيف ان قيادات من حزبه اتفقت في مناقشات خاصة "على ترشيح باجمال لهذه المهمة"، فهو سيتمتع بقدر كبير من المرونة والهدوء في تعامله مع مختلف القضايا وأطرافها، أي أنه محاور لا مصارع"، وانه "استوعب جيداً سياسة الرئيس صالح حيال أبرز القضايا الداخلية والخارجية"، وأشار إلى الوضع الراهن في اليمن بالقول: "نحن بأمس الحاجة إلى حلول ومعالجات للقضايا والمشكلات وليس تعقيدها وإثارتها". ولفت المصدر إلى أن باجمال "جاء من وزارة التخطيط والتنمية كرؤساء الحكومات الثلاثة السابقين له عبدالعزيز عبدالغني وفرج بن غانم وعبدالكريم الارياني". وفي الوقت نفسه، فإنه إلى جانب تخصصه في الاقتصاد "سياسي وديبلوماسي". وينفي قادة الحزب الحاكم ما طرحه البعض حول اختيار باجمال بأنه جاء "لتحقيق توازن سياسي أو مناطقي أو لأغراض حزبية". تشاؤم مسبق في خضم هذه الآراء والتوقعات، تختلف رؤية المعارضة للحكومة الجديدة ورئيسها، إذ ترى أن باجمال "لا يمتلك مميزات استثنائية تجعله مرشحاً لتحقيق التغيير وتبني سياسات جديدة". وان الغرض من اختياره لتشكيل الحكومة هو "مواجهة قضية مزدوجة يتعلق شقها الأول باستحقاقات سياسية فرضتها الانتخابات المحلية والاستفتاء على التعديلات الدستورية، ويتعلق الآخر بالتردي الاقتصادي". وتتوقع قيادات في المعارضة الشورى أن يكون أداء هذه الحكومة "أضعف من سابقاتها وأنها ستخرج في المرحلة المقبلة من المشاركة في القرار السياسي"، وتذهب مصادر حزبية إلى أبعد من هذه النظرة، وهو أن تغيير الحكومة في اليمن بحكومة أخرى "لم يعد مؤشر تغيير ولا سياسات جديدة"، وان أي رئيس حكومة مهما تميز بقدر من الكفاءة، لا يعطي شيئاً يذكر "لأن تجربتنا أثبتت أن الحكومات لا تملك قرارها"، بحسب قيادي معارض. وتابع محمد المقالح ل"الوسط" مستدركاً: "ليس هناك اعتراض على شخص باجمال"، ولكن كان المفترض أن تشكل حكومة "ضد الفساد وفي اتجاه الانفتاح السياسي". أما هذه الحكومة، فيرى المقالح، وهو باحث وكاتب صحافي، أنها "لن تستطيع مواجهة القضايا والمشكلات التي تنتظرها، بل ستزيد من معاناة المواطنين المعيشية"، وتوقع لهذه الحكومة من خلال رئيسها، أن تتميز بسياسة "الجرع رفع الدعم ورفع أسعار الطاقة والخدمات والسلع الغذائية"، وكذا "عدم محاسبة أي مفسد إلى جانب الخصخصة والتطبيع". وعاد المقالح ليؤكد لباجمال "تحمسه للاصلاحات الاقتصادية وتحريك علاقات اليمن مع السعودية ودول الجوار في اتجاه مصطلحه المعروف"، وهو "الانتقال بالعلاقات من المجاورة الجغرافية إلى المشاركة التنموية". وتتفق مصادر المعارضة في توقعاتها لهذه الحكومة بأن تكون أضعف من سابقاتها حيال التغيير مع اختلاف المبررات والأسباب، ومنها إضافة إلى ما سلف "ان علاقة الحكومة برئيس الدولة وعلاقة رئيس الدولة بالبرلمان غير واضحة ولا محددة بالدقة المطلوبة في الصلاحيات"، كما يرى عبدالباري طاهر، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، الذي اعتبر أن بيان الحكومة التي ستقدمه إلى مجلس النواب "لن يغير من الواقع شيئاً لأننا تعودنا أن نقول شيئاً ونفعل شيئاً آخر". مهمات شاقة وبصرف النظر عن كل التوقعات، فإن حكومة باجمال تأتي في واقع لا تحسد عليه نظراً إلى أنها تفتح عينيها على ركام من ملفات القضايا والمشكلات الكبيرة والمعقدة في معظمها، على الصعيدين الداخلي بالدرجة الأولى والخارجي، وفي مقدمة القضايا والمشكلات، استئناف الحملة من جديد لإصلاح الاقتصاد اليمني في مختلف جوانبه بدءاً بتحسين الواقع المعيشي المتدهور بوصفه مطلباً شعبياً عاماً وملحاً، ومواجهة الفساد المالي والإداري "الذي أصبح الحزب الأكبر والأقوى"، ودعم مشروع المنطقة الحرة المتعثر كان باجمال أول رئيس للهيئة العامة للمناطق الحرة ومشروع الخصخصة تولاه منذ البداية باجمال الذي أصبح شبه متوقف، إضافة إلى قضية الأمن وظواهر الخطف والتفجيرات والثأر التي تحتاج إلى مواجهة حاسمة، ودفع خطوات التحول إلى نظام اللامركزية المالية والإدارية بعد قيام المجالس المحلية، وغيرها من القضايا الأخرى. وتجدر الاشارة إلى أن رئيس الحكومة الجديد عمل في أكثر من مجال قبل قيام الوحدة في حكومة الشطر الجنوبي من اليمن، منها وزيراً للصناعة ووزيراً للطاقة، ودخل باجمال الحكومة بعد قيام الوحدة اليمنية نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للتخطيط والتنمية في الحكومتين الثالثة والرابعة، ثم نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية في الحكومة المستقيلة عبدالقادر باجمال بدأ حياته العملية في الشطر الجنوبي قبل الوحدة محاضراً في الاقتصاد في جامعة عدن أواخر الستينات. أول عمل له في الحكومة نائباً لوزير التخطيط. وزير للصناعة ورئيس لهيئة النفط والمعادن في 1980. وفي 1985، وزيراً للطاقة والمعادن. وفي ما عرف بأحداث 13 كانون الثاني يناير 1986، الناتجة عن خلافات أدت إلى صدامات عسكرية بين جناحين في قيادة الحزب الحاكم، اطيح فيها بالرئيس علي ناصر محمد وانتصر الجانب الآخر بزعامة عبدالفتاح اسماعيل الذي لقي مصرعه في الأحداث وخلفه في قيادة الحزب علي سالم البيض، وكان باجمال من جناح علي ناصر، فحوكم مع مجموعة ودخل السجن لمدة ثلاث سنوات. عشية الوحدة في 22 أيار مايو 1990، اطلق سراحه واتجه إلى صنعاء. بعد الوحدة، كان أول منصب له رئيساً للهيئة العامة للمناطق الحرة في 1991. ثم نائب لرئيس الوزراء أثناء الحرب صيف 1994. دخل حكومة ما بعد الحرب برئاسة عبدالعزيز عبدالغني في تشرين الأول اكتوبر 1994، نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للتخطيط والتنمية. احتفظ بالحقيبة ذاتها في حكومة فرج بن غانم التي تشكلت في أيار 1997. وفي حكومة الارياني الأخيرة التي شكلها في أيار 1998، دخلها باجمال نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية.