كان حظ إذاعة "صوت العرب" طيباً، ففي المهد تثور المغرب فتكتب لها شهادة ميلاد. وقبل أن تكمل عامها الثالث تضربها الطائرات البريطانية لتصمت ساعة كاملة، مرت على الإذاعي احمد سعيد كأمد الدهر، ففي الفترة نفسها كانت إذاعة الشرق الأدنى تؤلب عليها القوى المناوئة لنهجها، فنشبت معركة إذاعية ضخمة بين "صوت العرب" في شارع الشريفين، في القاهرة، والإذاعة البريطانية العربية في قبرص، انتهت بإغلاق الثانية وضرب الأولى... خرجت "صوت العرب" من تلك المعركة شابة قوية تروج للوحدة وتأسف على الانفصال وتطلب تجاوز المحنة. الإذاعة التي كانت تحرك الحجر ما لبثت ان أصيبت بصدمه مباشرة مع انعقاد قمة 1964 التي دعا إليها عبدالناصر على مضض، وأصبحت الإذاعة مقيدة، حتى عن إعلان تأسيس حركة "فتح". لكن أحمد سعيد كسر هذا الحظر بعد مناقشة مع عبدالناصر لينطلق أول خبر عن مولد "فتح" من "صوت العرب" . يقف أحمد سعيد طويلاً أمام أحداث الوحدة ويكشف لماذا تردد عبدالناصر في قرار الوحدة الاندماجية ولماذا أجل القرار أشهرا عدة، ودور جاسم علوان واستقالة عبدالحميد السراج، وكيف دمعت عينا عبدالناصر وهو يعلن قرار الانفصال. هناك من يتهم عبدالناصر بأنه كان عميلاً لأميركا... - طبيعي لا.. بدليل جميع المواقف المناهضة لأميركا الى درجة اعتباره العدو الأول لواشنطن ولكل السياسات الاستعمارية الأخرى في المنطقة. لكن عبدالناصر كرجل سياسة في مرحلة من المراحل رأى ان هناك صراعاً وان العدو الرئيسي لمصر والعرب هو بريطانيا التي كانت توجد قاعدتها في القنال ثم إسرائيل فكان عليه أن يحاول التخفيف من احتمالات انضمام الولاياتالمتحدة اليها سافرة في عدائها لمصر، خصوصاً ان الولاياتالمتحدة كانت تلعب دوراً خطيراً في العالم الثالث في ذلك الوقت للحلول محل الاستعمار والنفوذ البريطاني والفرنسي في العالم، وما يحدث في المنطقة العربية حالياً دليل على هذا من حيث خروج بريطانياوفرنسا وظهور أميركا وتحكمها. هل كان هذا أول إتصال لعبدالناصر بالاميركان ؟ - لا أستطيع التحديد... فهذه المسألة ربما تكون موجودة بشكل أكثر وضوحاً في ملفات الدولة. لكن هذا الاتصال كان موجوداً في الفترة التالية لهجمة مصر الشرسة على حلف بغداد، وتم فتح خطوط واضحة بين مصر وواشنطن حتى أنه عقدت اجتماعات كثيرة للفصل في حملتنا على الحلف ما بين الحملة ضد الغرب عموماً وضد الاستعمار البريطاني - الفرنسي. وكان مقصوداً من هذه الاجتماعات تجنب توسيع قاعدة الخصوم. في هذه الفترة حضر إلى القاهرة مندوبون اميركيون على أعلى مستوى اجتمعوا برئيس الدولة واعضاء مجلس الثورة وهذه الاجتماعات المصرية - الاميركية جعلت مصر تلتمس نوعاً من التهدئة السياسية والإعلامية مع واشنطن دون ان ترتبط ارتباطاً رسميا. وكانت هذه التهدئة بداية المفاوضات الخاصة بإعادة تسليح القوات المسلحة المصرية التي انتهت بالفشل ولجأ بعدها عبدالناصر إلى الكتلة الشرقية. ما هي أوجه الخلاف مع الأميركان في تلك الفترة؟ - قضية فلسطين، وهذا هو احد الاشياء التي كانت بمثابة المحك في بداية الخلاف، التي كانت على رغم انها بالنسبة اليه كانت قضية مؤجلة، إلا أنها كانت قضية مبدأ، فاحتمالات ان يساوم عبدالناصر في 1954، 1955، 1956، 1957 بل حتى بعد هزيمة 1967 وما بعدها يجب ان تتبدد تماماً من عقل أي إنسان. فمهما قيل عن اتصالات تمت سواء من أحمد حمروش او عبدالحميد صادق، أو عن لقاءات في باريس مع غولدن برج او مع غيره، كل هذا كان نوعاً من العمل السياسي من قبيل تخدير العدو، لأن قضية فلسطين بالنسبة لعبدالناصر كانت تضم خطين رئيسيين الأول انها قضية مبدأ والثاني أنها معركة مؤجلة وليست آنية وحتى التفكير في التسليح لم يكن لشيء سوى رد الاعتداء وليس للإنتقال إلى مرحلة الهجوم لأن تقديره وكذلك قدرات المنطقة العربية لا تسمح، كما أن قدرات مصر بمفردها لا تسمح والوضع السياسي العالمي لا يسمح. إضافة إلى ان هدفه كان صناعة الدولة-الطوق ومحاولة تحرير القرار العربي. في كل هذا كانت "صوت العرب" محيّدة ضد الاميركان. لماذا الاميركان وحدهم؟ - اتفاقية الجلاء البريطاني عن مصر 1954 فرضت نوعاً من التهدئة مع بريطانيا في مرحلة من المراحل إلى ان وقعت اتفاقية الجلاء لأننا قبل هذه الفترة كنا نشن هجمة شرسة ضد بريطانيا لإجبارها على الجلاء. هذه الحملة اسفرت عن محاولة بريطانيا لقيام علاقات صداقة مع مصر بكل اجهزتها، ولكن بعد تنفيذ الجلاء على مراحل، شاء القدر ان يمرض الدكتور طه حسين في 26 آذار مارس 1956 وكان له حديث في "صوت العرب" مما احدث فراغاً في البرامج مدته عشر دقائق، شغلته الزميلة نادية توفيق خطأ ببرنامج قديم مسجل يقدم حواراً ثورياً تحريضياً، مع فقرات من اغنية تعد أول أغنية عن البترول أسمها "بترول بلدنا"، من تلحين وغناء محمد الكحلاوي، وتدعو مع البرنامج شعوب الجزيرة لتصفية الوجود الاستعماري في بلاد البترول العربي وتحدد بالذات أسم الاستعمار البريطاني وذلك في الوقت الذي بدأت فيه قوات الاحتلال في الانسحاب من قاعدة القنال، وكان أن فوجئت الرئاسة باحتجاج بريطاني شديد اللهجة وإيقاف الجلاء العسكري وطلب السفير البريطاني مقابلة عاجلة من عبدالناصر. وقد روى محمد حسنين هيكل قصة هذه الأزمة وكيف خرجت مصر في مقال نشرته صحيفة "الأخبار" وكان يعمل بها في عدد الخميس 29 آذار 1956، قال فيه ان الرئاسة عرفت سبب زيارة السفير وفوجئ السفير عند دخوله على الرئيس ان عبدالناصر يكشف له عن سبب زيارته ويقول له إن هذا البرنامج لم يذع، فقال له السفير إن البرنامج تمت إذاعته والحكومة البريطانية كلفته بتقديم الاحتجاج وطلب المقابلة مع الرئيس المصري، فقدم له عبدالناصر تسجيلات وقال له إنها تسجيلات أرسلها له السفير الاميركي - لأن اميركا وبريطانيا ترصدان كل ما تذيعه "صوت العرب" يوماً بيوم - وليس في التسجيلات اي شيء مما يزعم. لكن حقيقة الوضع ان البرنامج أذيع لأننا اجرينا تحقيقاً في هذا الشأن. كيف تعاملت "صوت العرب" مع حرب 1956؟ - شاء القدر أن يكون حظنا طيبا في حرب 1956 فقد كان يوجد نوع من الاسترخاء بالنسبة للحرب في كل أجهزة الدولة بسبب اتجاه الغرب بعد شهرين من التلويح بالحرب واسترداد قناة السويس بالقوة إلى اشاعة جو تفاوضي، خصوصاً بعد نجاح مصر في إدارتها بالمرشدين المصريين ومن تضامن معهم من اليونانيين. ولكن شاء القدر ان توجد حملة صهيونية أميركية في الولاياتالمتحدة قامت بدور كبير جداً قبل العدوان في مقاطعة السفن المصرية. وكانت سفينة مصرية اسمها كليوباترا قادمة من كندا إلى نيويورك لتفريغ بضائع، وتحميل بضائع أخرى إلى مصر. لكن عمال الشحن والتفريغ في نيويورك اتخذوا قراراً بعدم تفريغ او شحن بضائع على السفن المصرية فصدرت الأوامر إلى السفينة المصرية ان تذهب إلى أقرب ميناء في أميركا اللاتينية او تعود إلى كندا مرة أخرى. في هذا الوقت، كان اتحاد العمال العرب يمثل قوة ضارية، فاجتمع وقرر الإضراب ومقاطعة السفن والطائرات الاميركية في بلاد العرب. كما خدمنا الحظ اعلاميا من خلال حدث جزائري كبير، فقد كان هناك اجتماع بين الزعماء الخمسة للجزائر في المغرب، بن بله وبوضياف وخيضر وبيطاط وحسين آيت احمد بدعوة من الملك محمد الخامس الذي وضع طائرته تحت تصرفهم للعودة على متنها، إلا أن الطائرات الحربية الفرنسية انزلتها في باريس واعتقل الزعماء الجزائريون الخمسة مما زاد من اشتعال الوطن العربي غضباً، إضافة إلى إضراب اتحاد العمال العرب، ثم العدوان الثلاثي وضرب محطات الارسال المصرية في ابو زعبل، وانقطع إرسال "صوت العرب" والبرنامج العام مطلع تشرين الثاني نوفمبر 1956 . هل تم ضرب المحطات من دون أي انذار؟ - في البداية وجهوا انذاراً، فقد كانت توجد لديهم اذاعة اسمها اذاعة الشرق الأدنى الانكليزية وكانت تعمل بمجموعة من العرب - فوجهنا لهم نداء نسأل فيه عن سبب عملهم في هذه المحطة على رغم العدوان الثلاثي على مصر فاستقالوا كلهم، فلم تجد بريطانيا مسؤولاً واحداً يتكلم اللغة العربية الى درجة ان المذيع تكلم بأسلوب "خواجة" واغلقت المحطة أثناء العدوان. وأثناء هذا وجه الينا نداء بأن إذاعة "صوت العرب" اذا لم تكف عن برامجها فسيتم ضربها، وفعلاً ضربت الطائرات البريطانية محطات الارسال في أبي زعبل في الثانية عشرة ظهراً وهددوا بضرب مبنى الاذاعة في شارع الشريفين حتى أننا قررنا ترحيل بقية العاملين وبدأنا نفكر في البدائل. في هذه اللحظة تذكرت المحطة الخاصة بالمخابرات التي توجه اليها بيانات ثوار الجزائر وقياداتهم في القاهرة، كانت المخابرات وقتها في مبنى خلف مجلس الوزراء بجوار مبنى مجلة "روز اليوسف" القديم في شارع حجازي بالمنيرة. وفي اللحظة نفسها التي كنت أفكر فيها في استخدام محطة المخابرات تلقيت اتصالا من فتحي الديب يسأل عن الموقف فقلت له إن حل المشكلة يكمن في استخدام محطة المخابرات فوافق. هل مرت الأمور بسلام ام تعرضتم للضرب مرة اخرى؟ - وقعت حادثة دهشت لها. كان علي صبري مديراً لمكتب عبدالناصر في ذلك الوقت، وكنا نقيم في غرفة، أعلى سطح مجلس الوزراء، أخذناها للعمل لوجود كوبري بين سطح مجلس الوزراء والمخابرات. فوجئت بعلي صبري يصعد إلينا ويقول: هل أنت مجنون؟ الرادار يلتقط الارسال وسوف تضربنا الطائرات! تعجبت وسألته: ماذا تريد سيادتك؟ فقال: يجب إيقاف الإرسال، قلت له لو ان هذا قرار فأرجو ان تعطيني اياه مكتوباً واذا لم يكن معك قرار فأنا اتصرف بموجب التعليمات الصادرة لي بعدم وقف الإرسال أيا كانت الظروف. فقال لي سيضربوننا، فأجبته: يضربوننا لكن سنقاوم. لكن علي صبري هاج، فقلت له تفضل تحمل المسؤولية وأعطني قراراً مكتوباً لكنني لن أنهي الإرسال إلا بقرار من الرئيس. فغادر المكان واستمر الارسال. وفي حوالي الساعة الخامسة عملنا اتصالا مع استوديوهات القاهرة لأنها كانت أكثر تجهيزاً وفي الوقت نفسه بدأوا تجهيز أستديو في جبل المقطم. كيف تعرفت إلى أحمد بن بله؟ وما دور "صوت العرب" في ثورة الجزائر؟ - عندما بدأت "صوت العرب" كانت هناك ثورة في تونس، أما المغرب فقد بدأت ثورته في 20 آب اغسطس1953. أما الجزائر فكانت ساكنة، وبعد اشتعال المغرب وضح أسلوب "صوت العرب"، وأنها إذاعة ثورات تحررية. وفي 27 ايلول سبتمبر 1953 وكنا لازلنا نبث نصف ساعة فقط. وأثناء وجودي عصراً في المكتب فوجئت بأحد أفراد الحراسة يبلغني هاتفياً أن شخصاً جزائرياً يريد مقابلتي، فأذنت له بالدخول. وبعد ثوان دخل الجزائري مكتبي وهو شاب طويل وضخم البنيان وبسيط الثياب تظهر عليه علامات المشقة والتعب وقدم نفسه على أنه جزائري من دون أن يفصح عن أسمه وأنه يريد أن يتحدث مع المسؤول عن "صوت العرب" فقلت له: أنا المسؤول لكننا مشغولون الأن في إعداد ما سيذاع في السادسة مساء. وطلبت منه أن نلتقي في السابعة. وبالفعل حضر في الموعد وقال لي إنه قادم من الأسكندرية وأنه هارب من الجزائر عبر مارسيليا إلى مصر ولا يعرف أحداً في القاهرة. فأخبرته بوجود مكتب للمغرب العربي، لكنه رفض أن يذهب إليه وكان هذا المكتب يضم علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال المغربي ومحمد خيضر عضو مجلس قيادة الثورة الجزائرية لاحقاً وصالح بن يوسف نائب بورقيبه في تونس. وكانت التعليمات أن أي تعامل مع دول شمال أفريقيا لا بد أن يتم من خلال هذا المكتب. قلت له: إنني لا أملك إلا توجيهه إلى هذا الطريق. فسألني عن كيفية الوصول إلى الأزهر، لأنه يود الذهاب إلى رواق المغاربة لأن معه أسماء لبعض المغاربة سيزورهم، فطلبت منه الانتظار ربع ساعة للإنتهاء من عملي ثم اصطحبته إلى الأزهر. بعد يومين عاد إليّ ولم أكن قد عرفت اسمه، وقال لي انه لا يريد أن يثقل على زملائه في رواق المغاربة. وعرضت عليه مرة آخرى الذهاب إلى مكتب تحرير المغرب العربي لكنه رفض معللا ذلك بأنه هارب ولا يريد أن يعرفه أحد، فهو يخشى أن يكون مكتب تحرير المغرب مراقباً، وسألته عما يملكه من المال، فقال ان بحوزته نحو 1200 فرنك، وبعد أن أخرج المال من جيبه وبدأ يعده. وجدته أقل من ذلك فاصطحبته إلى كازينو بجوار كوبري عباس وتناولنا العشاء ثم عدنا إلى منزل اسرتي بجوار حديقة الحيوانات وقضينا الليلة معا حيث أسر إلي للمرة الأولى بأن اسمه مزياني مسعود، ثم رتبت له إقامة في بانسيون في شارع عبدالخالق ثروت في مقابل 35 قرشا في اليوم وحرصت على اختيار هذا البانسيون لأنه مجاور للإذاعة وطلبت منه الاتصال بي باستمرار لأني شعرت أن وراءه سراً لا بد من معرفته. وكنا في كل يوم نلتقي أشعر بأنه يعطيني معلومات إلى أن أخطأ مرة وقال لي كلاماً عن حادثة وهران وعلى الفور قلت له اذاً أنت أحد الذين هربوا من السجن هناك! فارتبك وبدأ في الحديث عن حادثة وهران المعروفة في تاريخ الاستعمار الفرنسي بأسم عملية مكتب البريد بواسطة مجموعة فدائية تضمه وبعض زملائه واعترف لي بأن اسمه الحقيقي احمد بن بله الذي استخدمه عقب نجاحه في الفرار من السجن مع زميل له أسمه محساس، أصبح وزيرا بعد ذلك في حكومة بن بله. وقصة بيان ثورة الجزائر... - ربما تكون هذه أول إرهاصات الثورة لكن ما يفخر به الشخص حقيقة أنه عندما تم تحديد أول تشرين الثاني نوفمبر 1954 موعداً لثورة الجزائر وتم الاتفاق على أنها ستقوم في 16 موقعاً، كانت التعليمات، لو انفجرت الثورة في اكثر من 9 مواقع يذاع بيان الثورة، وإذا انفجرت في أقل من هذا فلا يذاع. ولكن لا بد من كتابة البيان. اجتمع في مكتبي بن بله وأحمد توفيق المدني ومحمد خيضر وفتحي الديب وحرصوا أن يكتب البيان بخط اليد وكانت عملية صعبة وكنا نريد تنفيذ هذا في المخابرات لكن تقرر عدم الذهاب إلى المخابرات حتى لا يشيع موعد الثورة لأنه لم تكن كل المخابرات تعرف هذا الموضوع. فحسب طبيعة العمل داخل المخابرات لم يكن يعرف بالموعد الا فتحي الديب وشخصان آخران معه في الشؤون العربية فقط ومديرها العام ومساعدوه. فتم عمل 8 نسخ من البيان بعدد الجهات التي ستوزع عليها، بما فيها قسم الوثائق في المخابرات و"صوت العرب"، وظلت نسخة "صوت العرب" عندي حتى جاءت الأخبار بالوقائع التي بدأت فيها الثورة وقد تجاوزت 9 مواقع، فأعلنت البيان في نشرة الساعة العاشرة والنصف مساء أول تشرين الثاني 1954. وما هي تفاصيل أزمة "صوت العرب" مع بورقيبة؟ - لكي ندخل على بورقيبة لا بد أن نعود إلى الثورة التونسية التي كانت مشتعلة وقت إنشاء "صوت العرب"، الفرنسيون عندما فوجئوا بالثورة المغربية 1953 ومعها الثورة التونسية ورأت مصر توسيع الرتق على الاستعمار الفرنسي في شمال افريقيا من خلال تأييد الثورة الجزائرية، خصوصاً ان الجزائر تمثل أهمية كبيرة بالنسبة الى فرنسا لأنها تعتبرها جزءاً من التراب الفرنسي، ولذلك كنا في مصر نمهد لإعلان الثورة الجزائرية وتسخينها في الوقت الذي تعمل فيه فرنسا على تمزيق التوحد المغربي، حيث توصلت إلى ان تونس ليست بدرجة أهمية الجزائر بالنسبة الى فرنسا. أما تونس ففي الدرجة الثالثة، وبدأ الفرنسيون مفاوضات مع بورقيبة وكان في السجن وكان يقود النضال من الخارج نائبه في رئاسة الحزب صالح بن يوسف وقد ساعد الفرنسيين في مفاوضاتهم مع بورقيبة لأنه غربي الاتجاه على رغم انه وطني أيضاً. لكن السجن قد يكون أثر فيه فاستسهل الحلول. وغربيته في الاتجاه جعلته يقول ذات مرة جملة عرضته لهجوم شديد لأنه قال: "باريس أقرب من القاهرة ومن مكة". ودعا الجزائر الى ان تتعلق بركب الحضارة، وفي الوقت نفسه رأت مصر انه يستطيع ان يأخذ من فرنسا استقلالا كاملاً لتونس أحسن من هذا. لذلك كان بورقيبة يختلف مع وجهة نظر القاهرة في حين كان نائبه صالح بن يوسف قريباً منا ومقتنع بوجهة النظر المصرية، فبدأ الشقاق بين صالح بن يوسف وبورقيبة، وبين القاهرة وبورقيبة. إلا ان بورقيبة فاجأ الجميع في 1955 بموافقته على اطلاق سراحه وان يحصل على نوع من أنواع الحكم الذاتي، فكان هذا القرار بمثابة تراجع أدنى من الوضع الذي كانوا فيه، وفي الوقت نفسه يعتبر تمهيداً لأن يصبح بورقيبة رئيساً للحكومة مع بقاء قاعدة عسكرية فرنسية في بنزرت ونفوذ اقتصادي قوي جداً. وهذا الأمر لم يرض مصر، فبدأنا بشن حملة شرسة ضد بورقيبة كانت نتيجتها ان عملت فرنسا على توفير الراحة بشكل أكبر لبورقيبة وأسرعت بالافراج عنه وتسليمه رئاسة الوزراء مع الاحتفاظ بالباي الملك، ووقع بورقيبة على الاتفاقية. ولكن لما كانت تونس بالنسبة الى الجزائر تعتبر أرضا مهمة جداً لدخول الاسلحة والمقاتلين الذين يتدربون في مصر لأنهم يمرون من ليبيا وتونس وكان هذا يشترط ان تغمض الحكومة التونسية عينها عن قوافل المتدربين والأسلحة والمعونات وبالتالي لو تشددنا مع بورقيبة كان يستطيع ان يتشدد مع الجزائريين في تونس، ولذلك كانت الحكومة الثورية في الجزائر تطلب منا احيانا مهادنة بورقيبة لمصلحتهم حتى لا يمنع عنهم قوافل المعونات والثوار. شخصية بورقيبة استمرت على هذا الخط، بل اكثر من هذا، ففي أثناء الصراع العربي - الإسرائيلي والمصري - الاسرائيلي بالذات كان بورقيبة على علاقة وثيقة بالحركة اليهودية الصهيونية العالمية، بل كان يدعو دائماً إلى ان نفكر في القضية الفلسطينية بأسلوب التقسيم وكانت وجهة نظره محل إنتقاد كبير لدرجة انه في إحدى الفترات عندما تم الصلح بيننا وبينه خصوصاً بعد القمة العربية كانت النتيجة مجئ بورقيبة إلى مصر في 1965. ووقف في مجلس الأمة المصري ليهاجم سياسة مصر الخاصة بفلسطين والغرب، الى درجة أن المجلس هاج ضده، ولم يكمل زيارته وسافر إلى الاردن، فألقوا عليه الطوب لأنه دعا إلى الاعتراف بإسرائيل. فبورقيبة بالنسبة لنا كان يمثل مشكلة أكبر من نوري السعيد في العراق بكثير، لانه في الرؤية العامة زعيم وطني إلا أن له منطقه وقناعاته التي تؤثر على المسيرة الثورية لتحرير شمال أفريقيا وتحرير القرار العربي. كيف تعاملت "صوت العرب" مع الثورة الفلسطينية؟ - منظمة فتح انشئت كرد فعل على القمة العربية وعندما ظهر تنظيم فتح كانت هناك شبهات أخوانية وبعثية من حوله اكدت تقارير المخابرات المصرية أن هذا التنظيم أخواني في المقام الأول لأنهم كانوا مقسمين إلى فصائل وكانت بعض هذه الفصائل تضم عناصر بعثية خاصة وأنهم كانوا يعتمدون على الأرض السورية وكان الجناح الاسلامي يعتمد على الاراضي اللبنانية والاردنية لكن السيطرة كانت للأخوان وكان أن صدر قرار بعدم إذاعة اي شئ عن حركة فتح. مع ذلك كانت فتح بالنسبة لنا نجدة،فظللت متربصا بها وأصدرت أمراً لإدارة التحرير بترقب نشاطها خطوة بخطوة وفتح ملفات خاصة لرموزها، وأصدر تنظيم فتح البيان الأول ولم يفعلوا شيئا وظلوا هادئين ثم قاموا بعملية سقط فيها 3 إسرائيليين و4 فلسطينيين أثناء تنفيذهم العملية. أين تمت هذه العملية؟ - في تل أبيب. وعندما أبلغني محمد أبو الفتوح - احد المعلقين الذي بدأت تدريبهم وقتها - بهذه العملية كتب عليها للعلم فقط. فقلت له كيف يكون الأمر للعلم فقط وهناك أشخاص ماتوا. فقال وماذا نفعل؟ قلت: لقد سقط شهداء فلسطينيون ولازم نذيع الخبر في أول النشرة، فطلب ان أوقع على هذا القرار فوقعت له. وكان المذيع جمال السنهوري، فاتصل بي من الاستديو تليفونيا يسأل عن صحة توقيعي على الخبر، فقلت له إنني وقعت على الخبر لإذاعته. وبالفعل تمت إذاعته في أول النشرة. وذُكر فيه اسم المنظمة فاتصل بي سامي شرف بعد الاذاعة مباشرة وسألني عن سبب الإذاعة فقلت له كيف أتجاهل سقوط 4 شهداء؟ وبعد عشر دقائق اتصل بي مرة ثانية، وقال لي: الرئيس معاك على الخط. قال لي عبدالناصر: إحنا نعطي تعليمات وانت تنفذ. فقلت: يا سيادة الرئيس 4 شهداء ماتوا . قال الرئيس: انت هاتجيلي عاطفياً؟ فقلت: يا سيادة الرئيس ماقدرتش. فقال: خلاص يذاع مرة واحدة. وعندما ايقنت من حماس مشاعره قلت له: يا سيادة الرئيس ولو وصلت أخبار جديدة فقال: تذاع مرة واحدة، خاصة إذا وقع شهداء.. ثم سألني: وهل مهم انك تقول "فتح"؟ فقلت: حقهم يا افندم. فقال الرئيس: معك حق. وكان أول اعلان عن "فتح". وفي ذلك اليوم قمت باستغلال السابقة التي صدرت عن الرئيس ووضعت الخبر في أول نشرة الثامنة، وهي النشرة الرئيسية لإذاعة "صوت العرب"، على رغم أنه سيكون قد أذيع للمرة الثانية. ممن كنت تتلقى تعليماتك بإذاعة الأخبار من عدمها؟ - تعليمات الرئيس عبدالناصر تقضي بألا تقبل التعليمات في شأن ما يذاع في "صوت العرب" الا من أربع جهات، صارت خمساً بعد انضمام محمد حسنين هيكل. أولاً مكتب الرئيس وكان يمثله على صبري ثم سامي شرف في مرحلة تالية، والمخابرات وكان يمثلها فتحي الديب ووزير الخارجية في بعض الحالات القليلة، وصلاح سالم عندما صار مسؤولاً عن وزارة الارشاد الإعلام في ما بعد. متى انضم هيكل إلى تلك القائمة؟ - هيكل أضيف مع الوحدة عام 1958، وانا استغربت من اضافته ثم بعد ذلك عرفت السبب، فهيكل الصحافي أصبح صديقا لعبدالناصر ثم تحولت الصداقة لعلاقة فكرية خاصة وعندما كنت في سورية ولبنان لتقصي الأوضاع قبل اعلان الوحدة كنت اكتب تقاريري من نسختين الأولى تذهب لعبدالناصر والثانية لا أعرف لمن، وعرفت بعد ذلك من مصطفى امين انها تذهب لهيكل، وقبل هذا التوقيت لم يكن هيكل في الصورة على الإطلاق. الحديث دخل بنا إلى الوحدة وما جرى فيها، أين كنت والوحدة تسابق الزمن؟ - كنت خارج "صوت العرب" لأني نجحت في انتخابات مجلس الأمة سنة 1957، والقانون أيامها كان يمنع الجمع بين النيابة والوظيفة فتفرغت لعضوية المجلس النيابي وفزت في دائرتي التي كانت تضم نصف دائرة مصر القديمة ونصف دائرة شرطة الخليفة بمحافظة القاهرة وتم تعيين احد زملائي الإذاعيين وقام عبدالقادر حاتم وكان مشرفاً على الإذاعة بتعيين يحيى أبو بكر مديرا ل"صوت العرب"، وتقلصت علاقتي ب"صوت العرب" لحدود كتابة بعض التعليقات اسبوعياً، واتذكر ان الرئيس أقام حفلاً للنواب الجدد وكانت المائدة تضمني وإحسان عبدالقدوس واحمد بهاء الدين وجلال الدين الحمامصي. وبمجرد اقتراب الرئيس من المائدة للترحيب والمجاملة، قال له إحسان خسارة أحمد سعيد يترك "صوت العرب". فقال الرئيس "يا إحسان انا قلت لأحمد ستعيش وتموت في "صوت العرب" لكنه يبدو أنه يرى خلاف ذلك، وانا اعطيته الحق في التنقل بحرية"، وضحكنا. لكن في نهاية تشرين الأول اكتوبر 1957 فوجئت باستدعاء الرئيس عبدالناصر حيث قال لي سوف تذهب لسورية، نحن في الطريق للوحدة، قبل ان تذهب مر على المخابرات والرئاسة وأقرأ كل التقارير التي جاءت من هناك، أنا محتاج الى مسح شعبي لقيادات الشارع والنواب في أقرب فرصة، امامك شهر او اثنان على الأكثر، لا بد ان تحدد لي مواقف الجماهير من البعثيين والقوميين والرأسماليين، اريد ان اعرف رأي الشعب السوري، ووصلتني تقارير عن اتجاهات الشعب السوري لن تعرف ما بها حتى استطيع المقارنة والاستقرار على رأي معين. اخترت لمعاونتي اثنين من الصحافيين من وكالة انباء الشرق الأوسط وأستاذنت عبدالقادر حاتم الذي كان مشرفاً على الوكالة. وكيف كان الوضع الشعبي قبل الوحدة في الشارع السوري؟ - من اول يوم وصلت فيه كانت هناك لغة واحدة يتحدث بها الشعب تريد الوحدة وتتطلع اليها، والتقارير التي كتبتها ورفعتها إلى عبدالناصر كانت احد أسباب قراره بالوحدة الاندماجية مع سورية. هل كان تسرعاً ام رغبة في الوحدة؟ - في موضوع الوحدة كان عبدالناصر متحسبا للجماهير السورية، كما كان يعرف ملل الشعب السوري من حكم العسكر ويعرف ان دمشق ليست القاهرة، وان توالي الانقلابات هناك أفقد الشعب الثقة في العسكر وكان الشعب السوري يود الاطمئنان اذا جاء العسكر من مصر هل يلقون موجة الاعتراض نفسها ام ان الامر مختلف. كان يدعم عبدالناصر لدى السوريين انه تحول إلى رمز قومي بعد حرب 1956 وبهزيمته لحلف بغداد، ويقيناً ان قرار ناصر بالاندماج كان نابعاً من قناعاته بان الشعب السوري يريد الوحدة وليس الجيش فقط خاصة ان عبدالناصر ظل متردداً في قبولها طويلاً . وما الذي جعله يقدم عليها رغم تحسبه وتردده الذي ذكرت؟ - تحرك ضابط سوري اسمه جاسم علوان انهى خلافات ضباط سورية حول تفاصيل الوحدة. ما دوره في الوحدة؟ - هذا الرجل بطل ولولاه ما كانت هناك وحدة، فعندما انقسم الضباط حول الوحدة دخل جاسم الى مكان الاجتماع وقال لهم: وقعوا هذا البيان. ودعاهم إلى السفر فوراً إلى القاهرة لتوقيع بيان الوحدة بشروط عبدالناصر. ذهب الجميع وبقي عبدالحميد السراج وامين النفوري. عبدالناصر رد على الوفد بأنه التفاوض مع العسكر في أمر الوحدة غير معقول وانتم لديكم وزارة مدنية ورئيس جمهورية. فجاء الوفد الرسمي مكوناً من شكري القوتلي رئيس الجمهورية وصبري العسلي رئيس الوزراء ووقعا الاتفاق على الوحدة. وبعد الاستفتاء الشعبي على الوحدة في 1958 زار عبدالناصر سورية وحملته الجماهير على الاكتاف، بينما تنحى قادة الجيش من مناصبهم. ما مدى قوة السراج في تلك الفترة؟ وكيف كانت علاقته بعبد الناصر؟ - عبدالحميد السراج هو الرجل الأول في سورية قبل الوحدة وبعدها وهو قومي وناصري مئة في المئة وكان أكثر السوريين محبة لعبدالناصر حتى يومنا هذا... وقد دس كثيرون للسراج عند عبدالناصر مما يسر نجاح مؤامرة الانفصال عام 1961في مصر أو في سورية. هل كان لعامر دور في الانفصال؟ - هناك فارق بين الدور والأسلوب، أسلوب عامر دفع سورية للانفصال وليس دور عامر. ماذا حوت تقاريرك عن سورية في تلك الفترة؟ - حتى لا نظلم عبدالناصر او البعث لا بد ان نحدد المسائل بدقة. انا وجدت اثناء مسحي لسورية ان القيادات الشعبية كلها تحترم السراج وتهابه لأنه قوي، في الوقت نفسه وجدت قيادات أخرى تمثل الرأسمالية الوطنية وتلك كان يعتريها القلق من عبدالناصر، خصوصاً بعد قرارات التأميم التي اعقبت حرب 1956، ثم كان هناك تيار رافض لحكم العسكر المصريين من منطلق اذا اردت ان تستبدل العسكر لا تستبدلهم بعسكر مستوردين من مصر. تقاريري كانت تصل لعبدالناصر بعيداً عن السفارة التي كان يتولاها محمود رياض والملحق العسكري عبدالمحسن ابو النور، كان أبو النور ميالاً لسراج. وكان رياض ميالاً للبعث، وبعد فترة اقترحت على عبدالناصر ان يرسل مراقبين محايدين واحد يدخل على العسكر والآخر يطمئن الرأسمالية الوطنية، وفوجئت بمندوب جاءني ليقول ان كمال رفعت سوف يحضر ليطمئن الجيش ومصطفى أمين سوف يأتي ليتحدث إلى الرأسمالية الوطنية، وعرفت من مصطفى امين ان تقاريري كانت تصل لهيكل عندما قال لي قرأت تقاريرك في الاهرام عند هيكل. وكيف تعامل عبدالناصر مع كل هذه التقارير التي كانت توحي بالخلاف على الاقل في وجهة النظر؟ - عبدالناصر بعد الاستفتاء طلب من كل العاملين في سورية كتابة رأيهم فرادى وتصوراتهم للتعامل مع سورية، وكان ناصر قرر إنشاء الحكومة إلا أنه أخر القرار قليلاً وعقد اجتماعاً عاماً لخص فيه كل شخص رؤيته، وكانت الآراء تدور حول ان ياخذ شكري القوتلي صلاحيات نائب رئيس الجمهورية، وان يتحول السراج إلى وضع مدني بعد فترة، وبالنسبة للعسكر يفضل ان تتم تصفية جميع العسكر الحزبيين باخراجهم من الجيش. لماذا كان يتحسب عبدالناصر؟ - الحكاية كانت معقدة اولا الجماهير التي ترى في عبدالناصر البطل كانت مستعدة للتضحية، لكن طلباتها ملحة، خصوصاً على صعيد الحرب مع اسرائيل وكانت تلك قضية مؤجلة عند عبدالناصر. ثانياً: يصعب جداً ان تنزع من حزب البعث نفوذه الذي وصل الى درجة ان الوزارات الرئيسية كانت بحوزته قبل الوحدة وبعدها. كونك تنزع منهم تلك الصلاحيات، هذا سيؤدي إلى خلخلة. لك مقولة ان القاهرةودمشق لم تكونا جاهزتين لدفع ثمن الوحدة؟ - نعم الوحدة تمت في ظروف كانت القاهرةودمشق لا تملكان ان تقدما ثمنها، اي ان تضحيا وتقاتلا من اجلها نحن لم نكن مؤهلين كقيادات ولا هم كانوا كذلك ايضاً، كان السوس ينخر في عظم الوحدة. اضف إلى ذلك عيوب الحكمين المصري والسوري، الاثنان خارجان من حكم العسكر، البعث نجح في ان يفرض نفسه من خلال تطبيق خطة من أيام حسني الزعيم بإلحاق اولاد البعث في الجيش وبعد 15 سنة يمسكون الحكم وهذا ما حدث بالفعل. ودور السراج في الانقلاب؟ - ليس دوراً. السراج بكل ثقله لما رفع يده وقدم استقالته نتيجة خلافاته مع المصريين أدى هذا الى خلخلة في اجهزة الأمن، أدت بدورها لنجاح الانقلاب الذي استمر 36 ساعة، وكان يمكن تصفيته خلالها، ذلك أن القوة الضاربة للعسكر التي كانت موجودة في قطاع دمشق كان يمكن ان تسحق الانقلاب، بل بدأ بعض الضباط التحرك بالفعل، كما ان الوحدة الرئيسية في حلب بقيادة جاسم علوان اعلنت رفضها للإنقلاب وقالت انها ستزحف على دمشق. اذاً لماذا نجح الانقلاب؟ - عبدالناصر قرر ارسال قوات عاصفة مظلية جوية إلى سورية وبدأت البحرية المصرية تحرك سفنها محملة بالجنود ولكن في الوقت نفسه اعترفت حكومة الاردن بالانفصال وكذلك اعترف شاه ايران وفرموزا في اقصى الشرق، الاتحاد السوفياتي طلب من عبدالناصر ان يعيد قواته البحرية لأنه تلقى انذاراً من واشنطن انه لو تعمقت السفن المصرية في البحر فسوف تتم مواجهتها بالاسطول السادس الاميركي. كان عبدالناصر امام قرار مصيري، وقد اتخذ هذا القرار وقد اغرورقت عيناه بالدمع. وأذكر أننا تركنا صوت ناصر للجماهير وأخفينا صورته وهو يبكي. وهذا هو الخطاب الوحيد لناصر من دون صورة. صوت فقط