توقع محامي الجماعات الاسلامية في مصر منتصر الزيات حصول ضربة اميركية ضد الصومال، مشيراً الى أن الأصوليين العرب عملوا لفترة في هذا البلد ولهم علاقات بالقبائل هناك. واعتبر الزيات أن اسامة بن لادن أضر بقضية الاصولية، لكنه شدد على أن الحركة الاصولية لن تنتهي، وهنا نص الحوار: هل هناك احتمال لان تكون الصومال أرضا بديلة لرجال ابن لادن؟ - نعم، فهم خبروا هذه الارض وقاتلوا ضد الاميركيين هناك وتربطهم علاقات وطيدة مع بعض القبائل. والشعب الصومالي لا ينسى ان الافغان العرب شاركوه القتال ضد الاميركيين العام 1993، بل ان هناك اعتقاداً بأن خروج الاميركيين من هناك جاء نتيجة نشاط الاصوليين العرب وعلى رأسهم القائد العسكري لتنظيم "القاعدة" أبو حفص المصري الذي قاد عمليات بالمشاركة مع قوات عيديد. هل أنهت التطورات في أفغانستان ظاهرة "الأفغان العرب" والاصولية؟ - اذا كانت الأصولية تعني التدين وتمثل ظاهرة الاحياء الاسلامي بمشروع ونسق حضاري تحمله الصحوة الاسلامية المعاصرة منطلقة من رغبة الشعوب العربية في الارتداد الى الاسلام وجذوره، فهي اذا حالة ممتدة وفي كل الاحوال ولم ولن يستطيع دعاة الاستئصال تحقيق هدفهم بالقضاء على الأصولية وفق هذا التفسير، والقراءة المتأنية للتاريخ القريب تؤكد فشل محاولات استئصال حركات أصولية اسلامية. أما ظاهرة "الأفغان العرب" فان المناخ الذي تسبب فيها هو مناخ القهر والاستبداد الذي مارسته بعض الحكومات ضد معارضيها وتكميم أفواههم وتزوير ارادة الشعب وتفشي الفساد والسياسات الاقتصادية الفاشلة. وهو مناخ انسحب على الصعيد الاقليمي ايضا، فالسياسات الأميركية المنحازة لاسرائيل وتعمد انكار الحقوق العربية المشروعة وابادة المقدرات العربية والاسلامية لكثير من الدول الاسلامية لمصلحة استمرار التفوق الاسرائيلي في المنطقة، كل ذلك فرض حالة عداء ضد اميركا، و"الافغان العرب" حينما ذهبوا الى أفغانستان كانت نواياهم حسنة تنحصر في الجهاد ضد الغزو الروسي لافغانستان، لكن المشكلة برزت بعد فتح كابول عام 1992 وقصور السفارات العربية هناك عن تهيئة مواطنيها وتأهيلهم للعودة الى بلدانهم مع الاعلان عن تدابير أمنية مشددة عشوائية ضد كل من ذهب الى أفغانستان. ان ظاهرة "الافغان العرب" وما تضمه بين جنباتها من حركات جهادية لها جذور في مجتمعاتها العربية ولها فقهها الحركي الذي تأصل مع سنوات الجهاد والقتال في أفغانستان. هذا الفقه سيظل موجودا يستهوي البعض من حين لآخر، كلما توافرت أسباب العنف ينادون به. وعموما من الطبيعي أن تتعرض الحركات الاسلامية بصفة عامة لحالة المد والجزر فتختفي لتعود لكنها لن تنتهي ابدا. لكن هناك أصوليون يعتبرون ان اسامة بن لادن تسبب في هزيمة الحركة الاصولية وتغييبها لسنوات طويلة مقبلة؟ - ابن لادن الآن في محنة ويعاني أزمة حقيقية، وهو اختار الدخول في تلك المواجهات من دون أن يشاور أحدا من عموم الحركة الاسلامية وانما فرض الظرف الحالي علينا جميعا، ومن الأفضل الانتظار حتى ينقشع غبار المعركة تماما ثم نبدأ في تقويم الخيارات التي اختارها ابن لادن وتنظيم "القاعدة" بتحالفاته المختلفة عربيا وأفغانيا. لكن الجزء الذي يمكن أن نتناوله في هذا الصدد هو انه على رغم كل المآخذ على المنهج الذي اختاره ابن لادن في التعاطي مع قضيته ومع أعدائه فان قدرا كبيرا من التعاطف الشعبي تحقق له لدى الشعوب العربية والاسلامية، لما أثاره من جوانب مهمة حول معاناة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي وعنصرية الاميركيين ازاء العرب. وبقدر ما تحقق له من تعاطف بقدر ما أصيبت قطاعات كبيرة عربيا واسلاميا بصدمة عنيفة للهزيمة التي مني بها ابن لادن أو منيت بها "طالبان" وانكسارها أو تراجعها وانسحابها المريب. والمؤلم في ذلك ليس الهزيمة العسكرية، فهي شيء وارد والحرب كرّ وفر، بل الهزيمة المعنوية القاسية التي حملت تساؤلات عن أسباب ما جرى من انسحاب وتراجع وما أصاب "الافغان العرب" من تنكيل وأسر وقتل. والسؤال الأكبر الذي يتردد هو حول عدم توقع ابن لادن تداعيات قراراته وعدم توقعه مثل هذه الحرب القاسية عليه وعلى الشعب الأفغاني. فهل كان يتوقع أن تمرر الولاياتالمتحدة تفجيرات نيويورك وواشنطن على النحو الذي مررت به تفجير المدمرة "كول" أو تفجير سفارتي نيروبي ودار السلام؟ ولا نتجاوز الحقيقة اذا قلنا أن سؤالا عميقا يتبادر داخل كل أذهان النخب والعامة رغم كل اشارات ابن لادن والظواهري وأبو غيث: هل ان تنظيم "القاعدة" هو فعلا وراء تلك التفجيرات الأخيرة أم أنه استهوى الحدث وأعطى الاميركيين الفرصة في الاجتياح؟ هل أراد ابن لادن اخراج الأميركيين من الخليج العربي أم أعطاهم فرصة تاريخية للتواجد العريض في المنطقة؟ قبل استهداف الأميركيين برز تحول في منهج جماعة "الجهاد" واستراتيجية جديدة لها حين اصبح ايمن الظواهري مساعدا لابن لادن، ما سر هذا التحول؟ - الجهاديون على مدار تاريخهم في مصر لم يعرف لهم تنظيم محدد أو جماعة بعينها الا بعدما تولي الدكتور أيمن الظواهري تنفيذ ذلك في الفترة من العام 1987 حتى العام 1990 في بيشاور، واستطاع توحيد مختلف المجموعات التي تتبني فكرا جهاديا تحت زعامته. لكن قبلها - وعادت بعدها - كانت جماعة "الجهاد" حركة فكرية أكثر من كونها تنظيما محددا له كوادره أو قياداته تتمثل في مجموعات عنقودية. فقبل العام 1981 مثلا عرفت مجموعة محمد عبد السلام فرج التي تتمركز في بولاق الدكرور والمناطق المحيطة بها مثل ناهيا وامبابة وكرداسة، وكانت هناك أيضا مجموعة رفاعي سرور في شرق القاهرة وكانت مجموعة الشيخ السماوي. ولانها حركة فكرية فقد استطاع سالم رحّال وهو اردني فلسطيني أن يجد موطىء قدم ويصبح له أتباع ويلعب دورا في تحالف هذه المجموعات في وقت لاحق من العام 1980 ,ومنهج حركة الجهاد منذ أواخر الستينات منهج انقلابي بمعنى يرمي الى قلب أنظمة الحكم التي لا تطبق شرع الله واستبدالها بأخرى تطبقه وفق رؤيتهم واعتقادهم. واستمر هذا المنهج الحركي لمجموعات الجهاد حتى بعد تولي الظواهري زعامة الجماعة، بل كرس هذا المنهج بشكل أكثر وضوحا، وحدثنا الظواهري لسنوات طويلة عن وجوب قتل العدو القريب قبل العدو البعيد، واستخدم هذه المقولة وهو يعارض توجهنا لترويج مبادرة الجماعة الاسلامية بوقف العمليات العسكرية داخل مصر وخارجها في تموز يوليو 1997 عندما طلبنا تجميع القوى والقدرات داخليا لمواجهة اسرائيل. لكن أعتقد ان الاخفاقات التي مني بها الظواهري في مواجهاته مع الحكومة المصرية في الفترة من عام 1992 وحتى عام 1998 والتي ضمت محاولات اغتيال حسن الالفي وزير الداخلية الاسبق ود. عاطف صدقي رئيس الوزراء الاسبق وقتل الطفلة شيماء ومحاولة استهداف فوج اسرائيلي في منطقة خان الخليلي عام 1995 واجهاض أجهزة الامن له وافشال تحرك طلائع الفتح عام 1993 وصولا الى القبض على بعض معاونيه في الخارج وترحيلهم الى مصر مثل أحمد النجار وأحمد سلامة مبروك وغيرهما، كل هذه الاخفاقات والتي صحبتها نصيحة من ابن لادن الى الظواهري بوقف عملياته داخل مصر والاشتراك معه في تحالف ضد عدو رئيسي مشترك هو الولاياتالمتحدة، دفعت الظواهري الى توقيع وثيقة تكوين الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين في شباط فبراير 1998. ما هو سر العلاقة بين ابن لادن والمصريين؟ - حينما توجه أسامة بن لادن الى أفغانستان في أوائل مراحل الجهاد الافغاني ضد الروس كانت توجهاته اغاثية وكان يعتنق الفكر السلفي وكان المصريون من أكثر الشعوب التي أمدت ميادين الجهاد الافغاني بشبابها ورجالاتها، وكانت تتوافر للقيادات الاسلامية المصرية خبرات لم تتوافر في غيرهم من قيادات الحركات الاسلامية في بلدان أخرى، ولهذا ارتبط ابن لادن في فترة سابقة بكثير من قيادات العمل الاسلامي من المصريين على مختلف انتماءاتهم . لكن التأثير الأقوى كان لأيمن الظواهري الذي تمكن من اعادة صياغة تفكير ابن لادن. وجمعت بين الاثنين علاقة انسانية ساهمت في قبول ابن لادن لمنهج الظواهري الجهادي خصوصا أن الاخير كان سباقا في الوصول الى بيشاور من عناصر "الجماعة الاسلامية". وعمد الظواهري الى امداد ابن لادن بمجموعة من أبرز معاونيه المصريين ليتحولوا لاحقاً الى قيادات بارزة في تنظيم "القاعدة" بل حتى كمعاونين اقتصاديين له مثلما حدث في السودان. واعتقد أن سبب وثوق هذه العلاقة يعود الى اخلاص هذه العناصر المصرية وتفانيها في سبيل أفكارها ومعتقداتها وتفوق أدائهم القتالي في أفغانستان وأيضا في الصومال عندما شاركوا في حرب عصابات ضد القوات الأميركية، متحالفين مع قوات فارح عيديد وما أبدوه من زهد تام في الحياة والمال. من كان وبالا على الآخر ابن لادن أم "طالبان"؟ - لا يجوز النظر إلى العلاقة بينهما من هذه الزاوية الضيقة، فأسامة بن لادن صاحب مشروع اسلامي أو صاحب مرجعية اسلامية وله قضية محورية، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، وتحركاته طيلة العشرين عاما الماضية تندرج في اطار هذه الرؤية. فمناصرته الجهاد الأفغاني ضد الروس كانت منطلقة من ايديولوجية اسلامية تفانى من أجلها وانتقاله الى السودان واقامته فيه لبعض الوقت كانت لاعتقادات لديه بجدية توجهات السودان الاسلامية المتوائمة مع ايديولوجيته الفكرية أو العقائدية، ثم كانت عودته الى أفغانستان مجددا عام 1996 بعد حمله على مغادرة السودان تماشيا مع ما أبداه قادة "طالبان" له من تقدير وامتنان لدوره في دعم المجاهدين الافغان وسعيهم الى تحقيق الأمن في أفغانستان بعدما دمرتها الحرب الأهلية بين الفصائل المتناحرة على السلطة أنذاك. ابن لادن كان يسعى الى العيش في ظلال دولة مسلمة تعلي شعائر الاسلام و"طالبان" بقياداتها الشبابية كانت صادقة في توجهها الى تطبيق الاسلام وتحقيق الأمن، لكن ربما أعاق تأهلهم لتنفيذ ذلك بشكل طبيعي نقص خبراتهم فتقوقعوا داخل أحكام أو آراء فقهية ربما أصبحت غريبة مع ظروف العصر، وكانوا يحتاجون الى ابن لادن ليعملوا على تنمية بلدهم أو تحقيق الحد الأدنى من الاقتصاد اللازم لتسيير شؤون البلاد بعدما تخلى عنهم العرب وأوقفوا دعمهم من أجل أعمار أفغانستان. يحسب لبن لادن تشجيعه لطالبان ومساعدتهم واقامته مشروعات اقتصادية في بلدهم النامي، ويحسب ل "طالبان" تمسكهم بابن لادن حتى النفس الاخير ومقاومتهم كل الضغوط التي مورست عليهم من أجل تسليمه أو طرده وفق رؤيتهم وتفسيرهم عدم جواز ذلك اسلاميا، بصرف النظر عن صحة ذلك او عدمه، لكن الذي فاتهما معا هو عدم التدقيق اللازم في حساب المصلحة والمفسدة وهما يختاران هذا الموقف وعدم اعتنائهم بردود الأفعال الدولية تجاههم. ما هو مستقبل اللاجئين الى أوروبا؟ - أعتقد أن الاسلاميين الذين تقدموا للحصول على اللجوء السياسي في بعض الدول الغربية كانوا واضحين في رغبتهم احترام أمن وسيادة البلدان التي منحتهم حق الاقامة على أراضيها هربا من اضطهاد قالوا أنه يلحقهم في بلدانهم، والشاهد أنهم يعلمون تماما باقامتهم النظامية أنهم تحت الرقابة المشددة من الاجهزة الامنية المختلفة، وبالتالي فهم حريصون على براءتهم من أي تورط أو اتهام يوجه اليهم. بشكل أوضح كان هؤلاء غير راغبين في ممارسة أي نشاطات عدائية ضد حكومات بلدانهم الأصلية وبالتالي ليست هناك مشكلة حقيقية تقابلهم حتى مع تطورات الاحداث على شكل دراماتيكي بعد 11 ايلول سبتمبر الماضي، ولذلك كانت المشكلة دائما مع أولئك الذين اختاروا أن يكونوا بعيدين عن الاقامة النظامية سواء في أوروبا أو غيرها لحرصهم على الاستمرار في مدافعة الأنظمة التي يعارضونها وشن هجمات مسلحة ضدها. ولو صدقت المعلومات أو الاتهامات الخاصة بتورط تنظيم "القاعدة" في ارتكاب تفجيرات نيويورك وواشنطن فانها تكشف بجلاء عن براءة طالبي اللجوء السياسي في أوروبا من التورط فيها، حتى الشخصيات التي نسب اليها الاشتراك في مثل هذه العمليات من المقيمين في أوروبا مثل محمد عطا وغيره لم يكونوا من طالبي اللجوء السياسي وانما كانوا مقيمين اقامة طبيعية وتم تجنيدهم حال وجودهم هناك أو ترددهم على أفغانستان في فترة سابقة. أين يتم توجيه العنف مستقبلا، وهل هناك تغيير كامل في الاستراتيجية الاصولية؟ - أنا معني منذ منتصف التسعينات بالترويج لضرورة وقف الاعمال المسلحة وتبني استراتيجية أخرى تعمل على تحقيق أهدافنا من أسلمة المجتمعات بشكل أكثر التزاما وتطبيقا للتعاليم الاسلامية والعمل على شيوع الفكرة الاسلامية والبحث عن وسائل وأليات مناسبة تعمل على تحقيق المشروع الاسلامي وفتح قنوات للدعوة الاسلامية والتعاطي مجددا مع الشعوب العربية والاسلامية من خلال مساحة نستطيع أن نقدم من خلالها مشروعا متكاملا ورؤية اسلامية تتواءم والعصر الذي نعيشه، ولست أعني بهذا التحامل على كل التجارب السابقة وتخطئة قادتها، لكن الحرص الأكبر هو على ضرورة تفادي المحطات المؤلمة التي أعاقت انطلاقة الحركة الاسلامية وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وليس مهما أن نبدأ دائما الطريق من جديد. ولا يعني أبدا أن نقبل التفريط في المتفق عليه في مذهب أهل السنة والجماعة أو نداهن الحكام ولكن علينا أن نقدم صورة صحيحة وسلمية لأهدافنا وأن نتحمل الأذى بعد ذلك ان لزم الأمر حتى يقضي الله أمرا.