من الصعب إيجاد صفة تسمح بوصف النقلة النوعية التي يستعد العالم لمواجهتها مع إشراق شمس اول يوم من السنة الجديدة، عندما تبدأ اوروبا التعامل بعملتها الجديدة اليورو! لقد ألصقت شركات الإعلان ورغبة التشويق - سمة هذا العصر - نعتاً "تاريخياً" بالكثير من الاحداث حتى فقدت هذه الصفة بريقها. ولكن إذا لم يكن "حدث" وصول عملة موحدة جديدة، ترمي في سلة مهملات التاريخ 12 عملة اساسية وأربع عملات ثانوية، وتغطي تعامل اكثر من 500 مليون نسمة، في اربع قارات، لتكون ركيزة الاقتصاد الثاني في العالم، وكل ذلك في فترة لا تتعدى الشهرين، اذا لم يكن ذلك حدثاً تاريخياً، فماذا نبقي لسجلات التاريخ؟ في الأسبوع المقبل تقول اوروبا وداعاً لعملاتها الوطنية، وتختفي الماركات الألمانية والفرنكات الفرنسية والليرات الايطالية والدراخما اليونانية، وبيزيتا الاسبانية وكل عملات 12 دولة من الاتحاد الاوروبي، وأربع دويلات وإمارة منتسبة مالياً للسوق الاوروبية موناكو وليشتنشتاين وأندورا وسان مارينو، وينتقل الفرنك الأفريقي الذي تتعامل به 9 دول من افريقيا الغربية، الى منطقة العملة الجديدة، وبذلك يثبت الاتحاد الأوروبي عبر هذه النقلة النوعية في طريق توحيد اقتصاده، جدية توجهه نحو وحدة بكل معانيها السياسية والاجتماعية، وسعيه لتبوؤ مركز مناسب لقوته الاقتصادية والصناعية. وهكذا بعد زوال الحدود التي كانت تفصل بين الدول الأوروبية التي تشكل الاتحاد الأوروبي، تتم إزالة الفوارق في التعامل اليومي بين مواطني الاتحاد عبر توحيد عملة البيع والشراء... والتوفير. ولكن قبل ان تكون هذه الخطوة اقتصادية - مالية - تجارية، فهي سياسية، ولا يتردد بعضهم باعتبارها "خطوة نفسية" نحو وحدة أوروبية لا يود العديد من الأوروبيين مواجهتها وقراءة حقيقتها الواضحة والموجودة منذ عشرين سنة. وابتداء من اليوم الاول من السنة المقبلة اذاً، وخلال شهرين فقط، ستتم اكبر عملية تبديل عملة شهدها التاريخ في كل البلدان المعنية. وستتم عملية التبديل التي تشارك فيها القطاعات التجارية كافة لحسمها خلال المدة القصيرة المقررة، اعتماداً على نظام يمكن تسميته بأسلوب "الداخل مفقود والخارج مولود" بواسطة قوانين سنتها الحكومات الاوروبية تمنع التجار والمؤسسات التجارية وجميع المتعاملين بالنقد من "إعادة عملة غير اليورو" بعد اول يوم من 2002، اي بمعنى آخر كل ما يدخل الى صناديق التجار من عملات وطنية تحول مباشرة الى البنوك المركزية، وتتم محاسبة الزبائن بالفارق، بواسطة العملة الجديدة. اما بالنسبة الى المصارف ففي الساعة صفر من هذا التاريخ تنتقل الحسابات الى اليورو، ولا يستطيع المتعامل مع المصرف سحب إلا عملة جديدة. وفي المقابل، فإنه يستطيع ايداع المبلغ الذي يحمله بالعملات القديمة في حسابه، حيث تتحول بشكل اوتوماتيكي الى العملة الجديدة. وحسب هذه القوانين فإنه ابتداء من اول يوم من الشهر الثالث مارس / آذار يمنع التجار من قبول العملات القديمة في تعاملهم، ويحصر قبولها بالمصارف ومراكز الصرف فقط. ومما يساعد في تسهيل عملية الانتقال هذه ان نسبة كبيرة من التعامل في الدول الاوروبية تتم بواسطة بطاقات الاعتماد، التي تمت برمجتها بشكل تلقائي، بحيث تتم عمليات المحاسبة مباشرة باليورو بينما لن يمكن سحب غير العملة الجديدة من آلات الصرف الاوتوماتيكية، أما الشيكات فإن كتابتها باليورو تصبح الزامية. لقد ساعدت الحملات الإعلانية المكثفة منذ سنتين، والتي زادت وتيرتها في الاشهر الاخيرة، في تسهيل تناسق عملية التبدل والتبديل. غير انه لا يخفى على احد ان هذه العملية التي يعتمد عليها الاتحاد الاوروبي لتلميع صورته امام مواطنيه وأمام الدول الاخرى، تترك جانباً العديد من الاستفهامات التي تم تأجيل الاجابة عليها او تم تجنب الاشارة اليها. كما ان العديد من الخبراء، ينتظرون مرور "فترة السماح الاولى" التي يغطي خلالها بريق العملة الجديدة على ردات فعل المواطنين الأوروبيين قبل البدء بدراستها، مع انعكاساتها على الاستهلاك والاقتصاد بشكل عام، او ما ستتركه من اثر على تعاطي "المواطن الاوروبي الجديد" مع مؤسسات الاتحاد السياسية. ومن التساؤلات الاولى التي ستطرح نفسها مع الايام الاولى للعملة الجديدة، موقف الدول الاعضاء في الاتحاد التي فضلت البقاء خارج نظام اليورو، وهي ثلاث: بريطانيا ويقول بعضهم طبعاً! والدنمارك والسويد، التي رفضت الانضمام لأسباب "سياسية قومية" مع انها تتمتع ب "مقومات القبول بنادي اليورو"، ذلك ان شروط الدخول في منطقة اليورو كانت وضعت بشكل "سباق حواجز" شاركت فيه الدول الأوروبية كافة بهدف تحسين أداء اقتصادها، وحددت نسبة دين عام لا يمكن تجاوزها 3 في المئة ونسبة تضخم موحدة 3 في المئة. ولكن شعوب هذه البلدان الثلاثة رفضت في الاستفتاءات التي جرت في دول الاتحاد الانصهار في عملة موحدة، خصوصاً التخلي عن عملتها الوطنية. وإذا كان مفهوماً شعور "النفور المتعالي" السائد في الدولتين الشماليتين، غير ان التبرير البريطاني لرفض العملة الموحدة يعود الى أسباب تاريخية لا يتردد بعضهم في القول انها اسباب "رجعية"، حيث ان الانكليز كانوا من غلاة الدعاة الى فتح الاسواق وتشجيع التجارة ورفع العوائق امامها، وكل هذه المطالب تجتمع في عملة واحدة وسوق موحدة. غير انه عصى على الشعب البريطاني التخلي عن الجنيه الانكليزي الذي كان له مجده المعروف، في حين لم يتردد الفرنسيون المعروفون ب "الشوفينية" الزائدة في طرح الفرنك الفرنسي الذي "ورثوه" عن الثورة الفرنسية والذي "جدده" لهم شارل ديغول العام 1958. اما الألمان فإنهم تخلوا، وإن على مضض، عن المارك "القوي" الذي استطاع منذ "هزيمة" ألمانيا رد الاعتبار لشعبها عبر اقتصاد متين. وكذلك الامر بالنسبة الى اسبانيا التي تتخلى عن عملة "تاريخية" بيزيتا وضعتها كاترين الثانية منذ القرن الخامس عشر بعد تحرير الأندلس ودفعت بواسطتها "أتعاب كريستوف كولومبوس" مكتشف اميركا، وكان رنين بيزيتا في القرنين السابع عشر والثامن عشر أطيب من رنين الذهب الاصفر في آذان اميركا الجنوبية والفيليبين. انتظار انجليزي ولكن من المستبعد ان "يدوم" الرفض الانكليزي، لا بل على العكس، فإن توني بلير الذي يعتبر من اكثر الانكليز حماساً لأوروبا الموحدة، بدأ عملية تحضير شعبه لدخول نادي اليورو، ومن المحتمل نجاحه في تمرير استفتاء في الاشهر المقبلة لتصبح بريطانيا العضو الثالث عشر، قبل وفود الاعضاء الجدد من اوروبا الشرقية. والدوافع الاقتصادية محسومة من قبل الشركات الانكليزية التي تدعو لعدم تفويت القطار ولا بد أن المواطن البريطاني سيفكر ملياً قبل ان يرفض مرة اخرى بعد ان تكشفت له منافع العملة الواحدة. وعلى سبيل المثال فإن 70 في المئة من السياح البريطانيين يقضون فترات سياحتهم في أوروبا، وحيث تسمح العملة الموحدة لهم بتفادي عمليات التحويل والخسارة المترتبة عليها. كذلك الأمر بالنسبة الى مستقبل الحياة اليومية لمواطني الدول الاعضاء في نادي اليورو خلال تجوالهم ورحلاتهم في دول الاتحاد، فهو سهل ومبسط، فلا صرف ولا عمولات صرف فالعملة الموحدة ستكون وحدة القياس المعمول بها. وكذلك الامر بالنسبة الى التصدير والاستيراد، فإن عامل "خطر الصرف" سيتم إلغاءه بالنسبة الى عملات الدول الثلاث عشرة في ما بينها. اما بالنسبة الى الدول المصدرة والمستوردة من الاتحاد الاوروبي، فإن عملية توحيد عملة الاتحاد ستوفر عليها عملية "حمل سلة عملات متعددة" ويتوقع بعد فترة وجيزة ان ينحصر التعامل في التبادل التجاري في العالم باليورو والدولار، وفي بعض مناطق آسيا فإن التعامل بالين الياباني سيحافظ على مستواه وإن كان بشكل متراجع. وتشكل عملية الانتقال الى التعامل باليورو، بالشكل الشريع هذا، ضربة موجعة لحاملي "الأموال السوداء"، وهي الثروات المجنية من اعمال غير شرعية من ابتزاز وتزوير وعمولات وتجارة محرمة مثل تجارة المخدرات وتجارة الرقيق الأبيض او السلاح. ذلك انه على رغم ان الدولار الاخضر يتربع على عرش الاموال الوسخة، ويعتبر بحق "عملة التهريب" او "عملة السوق السوداء"، فإن الاحصاءات تشير الى ان ما يعادل مليار دولار من العملات الاوروبية التي سيتم الغاءها موجودة في ايدي لا تستطيع الافصاح عنها، ولا يمكنها تبديلها في المصارف، خصوصاً في اجواء حملة محاربة اموال الارهاب، لذا من المتوقع ان تزدهر "سوق سوداء" لتبييض هذه المبالغ وتحويلها الى "يورو أسود". وبشكل عام لن يواجه مواطنو الدول الاخرى خارج اوروبا اي مشكلة لتحويل اموالهم. ذلك ان حاملي العملات الاوروبية بصورة رسمية مثل اصحاب الحسابات الجارية وحسابات التوفير في المصارف في دول العالم المختلفة، سيتلقون إشعاراً من مصارفهم بتحويل موجوداتهم الى العملة الجديدة. وكذلك يستطيع حاملو تلك العملات نقداً، وبحدود كميات معقولة تحويل عملاتهم خلال شهرين لدى مكاتب الصرف في دولهم. وبعد فترة الشهرين عليهم التوجه الى مصارف معينة، يتم اعتمادها من قبل المصارف الاوروبية. المهاجرون الفقراء وعلى رغم كل هذا، فإنه من المتوقع ان تكون هناك "فترة حرجة" خارج اوروبا وداخلها. فالعديد من مواطني الدول الفقيرة، خصوصاً الذين عملوا بصفة مهاجرين في اوروبا الغربية، وعادوا الى بلادهم، "يحملون" مبالغ نقدية صغيرة من عملات البلاد التي عملوا فيها، ويحتفظون بها "للأيام السوداء". ويشك المتخصصون في ان تصل نتائج الحملة الاعلانية الى كل هؤلاء، والقسم منهم الذين لن يصلهم خبر تغيير العملة، هم بشكل عام "أضعف الاشخاص اجتماعياً" وخسارة هذه المبالغ، مهما كانت صغيرة، تكون مؤثرة جداً بالنسبة اليهم. كما انه لا يمكن تجاهل امكانات قيام عمليات احتيال كثيرة في الفترة الاولى، خصوصاً ان العديد من الاشخاص لا يعرفون شكل العملة الجديدة، مما يفسح المجال واسعاً امام "عمليات صرف تكون اشبه بعمليات نهب" على حد قول مسؤول أوروبي. ولا يقتصر هذا التخوف على دول العالم الثالث او الدول خارج اوروبا، بل يشكل التزوير الهاجس الاول لدى المعنيين بوضع اليورو في التداول. فاتساع سوق التعامل باليورو يجعل هذه العملة محط انظار مزيفي العملة مثل الدولار لسهولة "تسويقه" وعدم حصرية سوق التعامل به مما يخفف "مخاطر" اكتشاف عمليات التزوير. ولكن بانتظار وصول المزيفين المحترفين بعد سنوات قليلة، يتخوف الكثيرون من "تقنية الفوتوكوبي" التصوير التي باتت تسمح بالحصول على صور ذات نوعية عالية جداً، تمكن اي شخص من تصوير العملة الجديدة وإبدالها في الاسواق، خصوصاً في الفترة الاولى قبل ان تعتاد يد المواطنين على لمس الورقات النقدية الجديدة ومعرفة تفاصيلها الصورية، على رغم الحملات الاعلانية التي كلفت الملايين من اليورو، لكنها لا تحل محل خبر الاستعمال والتداول. اليورو وشكله 500 يورو بنكنوت و200 يورو بنكنوت و100 يورو بنكنوت و50 يورو ينكنوت و20 يورو بنكنوت و10 يورو بنكنوت و5 يورو بنكنوت و2 يورو معدني اما اليويو المعدني فمقسم الى مئة سنت: 50 سنت نصف يورو معدنية و20 سنت و10 سنتات و5 سنتات و2 سنت وسنت واحد. وللأوراق النقدية بنكنوت والقطع المعدنية كافة وجه واحد في كل الدول ال13، ويختلف الوجه الآخر من دولة الى اخرى، ولكن يمكن التداول بها كلها في الدول كل من دون تمييز، وينتظر ان تمتزج كل الاصدارات خلال سنوات قليلة بسبب تنقل المواطنين الاوروبيين بين هذه الدول.