عند منتصف الليلة الماضية كان مواطنو 12 دولة من دول الاتحاد الاوروبي على موعد مزدوج: استقبلوا العام الجديد، واستقبلوا معه عملتهم الموحدة اليورو، متخلين عن عملاتهم الوطنية التي ستزول نهائياً خلال فترة وجيزة لا تزيد على بضعة اسابيع. ويشكل حلول اليورو في الحياة اليومية لحوالى 304 مليون مواطن اوروبي حدثاً تاريخياً، ومحطة بالغة الاهمية في سياق بناء اوروبا الموحدة. وعلى رغم ذلك اختارت حكومات الدول المعنية عدم المبالغة في اضفاء طابع رسمي على هذا الحدث والتعامل معه باعتباره امتداداً منطقياً لمسيرة الوحدة الاقتصادية الاوروبية. ففرنسا اكتفت بالترحيب باليورو، بإنارة جسر "بون نوف" على نهر السين بألوان العلم الاوروبي الموحد، فيما أعلنت وزارة المال ان جميع المواليد في اول كانون الثاني يناير سيحصلون على هدية هي كناية عن حساب توفير عليه مبلغ 50 يورو وعلى مجموعة من القطع المعدنية ايضاً بقيمة 50 يورو. في غضون ذلك تم تزويد مصارف البلاد بنحو 550 مليون قطعة ورقية من اوراق اليورو وبنحو 7 بلايين من القطع المعدنية. وبلغت حماسة الفرنسيين للعملة الموحدة حداً جعل وزير المال لوران فابيوس يوصيهم بعدم قطع سهراتهم لمناسبة رأس السنة للتهافت على المراكز الآلية لسحب اوراق اليورو النقدية. وبعدما ادلى فابيوس بهذه التوصية، عبر التلفزيون ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة وسحب من جيبه مجموعة من اولى قطع اليورو، وقال: "انها لحظة سعادة حقيقية". وتأكيداً لعدم شعوره بأي أسف للتخلي عن المارك، على رغم كونه من العملات الصعبة التي شكّلت جزءاً من احتياطي المصارف العالمية، صرّح المستشار الالماني غيرهارد شرودر مستشهداً بإحدى اغنيات فرقة "البيتلز" الشهيرة: "انا لا اعرف لماذا تقولون وداعاً، فأنا اقول اهلاً". وعلى غرار شرودر، استقبلت غالبية الالمان اليورو بارتياح وايجابية، فأبدى الشباب منهم ترحيبه بالعملة الجديدة التي ستنافس الدولار والين، فيما اعتاد المسنون منهم على التغيير كونها العملة الخامسة التي يعاصرونها ويتعاملون بها. وقلب الايطاليون بدورهم صفحة الليرة بلا أسف، خصوصاً ان عملتهم لم تتمكن يوماً من الارتقاء الى مصاف العملات الاوروبية القوية مثل المارك او الجنيه الاسترليني. لكن الحسرة الوحيدة التي قد يثيرها اليورو لديهم تكمن في انهم كانوا جميعاً من اصحاب الملايين بالليرة، وستفقد غالبيتهم صفة "المليونير" كون اليورو يعادل 1936.27 ليرة. وارضاء للمتحسرين على عملتهم الوطنية، تدرس وزارة المال الايطالية جدياً اقامة نصب خاص بالليرة، باعتبارها رمزاً من رموز الهوية الوطنية. وانفردت اسبانيا عن سواها من الدول الاوروبية بتنظيم احتفالات شعبية عارمة في مختلف انحاء البلاد احتفاء باليورو. فأقيمت في مدريد عروض في الهواء الطلق تروي قصة العملة الوطنية البيزيتا، فيما عمّت شوارع المدينة اعلام تحمل رسم اليورو، وعمت الحفلات الموسيقية ساحاتها العامة. ومن المقرر ان تزول العملات الوطنية في مواعيد مختلفة اقصاها 28 شباط فبراير المقبل. فالفرنك الفرنسي مثلاً سيتعايش مع اليورو حتى 17 شباط، بحيث يستعيد البنك المركزي الفرنسي تدريجاً بليون ورقة نقدية من الفرنك و9 بلايين قطعة معدنية، سيتم تذويبها في مكان لم يكشف عنه. أما الاوراق النقدية فأعلن البنك المركزي الفرنسي انه سيتم حرقها، تبديداً للاشاعة التي ترددت بأنه سيجري ايداع هذه الاوراق في احدى الدول الافريقية تحسباً لفشل اليورو.