تخطى عالم الطب الافتراضي عتبة حاسمة بفضل تطور تقنيات الاتصال السريع وأذهل الخبراء الذين وصفوا الجراحة عن بعد قبل بضع سنوات بأنها ضرب من الجنون والهذيان. حين تمكن البروفسور هاريسكو Harescaux رئيس قسم الجراحة الهضمية في مستشفى مدينة ستراسبورغ من اجراء عملية جراحية لمريضة تعاني من التهاب الزائدة الدودية وهو على بعد 6500 كيلومتر. وفيما كانت المريضة في غرفة العمليات في مستشفى ستراسبورغ والى جانبها المبضع والمقص والملاقط بدأ الجراح، وهو في نيويورك، بتحريك هذه المعدات لاجراء العملية بواسطة ثلاث أذرع متمفصلة روبوتية بفضل جهاز للتحكم عن بعد يتم تشغيله كما يتم التحكم في لعبة الكترونية. أما الكاميرا المستخدمة في هذه العملية فتعمل وتتوجه بالأوامر الصوتية. وما كان لهذه التقنية ان تتكلل بالنجاح لولا الاعتماد على الألياف البصرية، وهي العمود الفقري في نظام الاتصال السريع، لتأمين ايصال واستقبال الصور والمعطيات المعلوماتية في الوقت الفعلي تقريباً اذ لم تتجاوز مدة رحلة المعلومة أو الصورة ذهاباً إياباً بين نيويورك وستراسبورغ عُشر الثانية، وهو شرط أساسي لنجاح مثل هذه العمليات كي تكون حركات الجراح الافتراضية متطابقة مع حركات الروبوت الجراحية الفعلية. وقد استغرقت هذه العملية 45 دقيقة فقط. وفي الواقع بدأ الجراح ماريسكو باجراء العمليات الجراحية عن بعد في العام 1999 غير أن المسافة الفاصلة بينه وبين المريض لم تكن تتجاوز خمسة أمتار وذلك بمساعدة جهاز كومبيوتر وذراع روبوتية وكاميرا تعمل بالأوامر الصوتية وتتحرك طبقاً لتعليمات الفريق الطبي، أي الى الأعلى، الأسفل، اليسار، اليمين. وتنطوي هذه التقنية على ميزة مهمة جداً من شأنها أن تضفي على العمل الجراحي قدراً أكبر من الدقة لأن اتصال المعدات الافتراضية بجهاز الكومبيوتر يتيح الحصول على تحليل حركات الطبيب وحساب هامش الأمان في الخطوات الواجب اتباعها جراحياً وبالتالي عندما يحرك الطبيب الملقط مثلا على مساحة سنتيمتر واحد تقوم الذراع الروبوتية بتنفيذ الحركة نفسها لكن على مساحة ميليمتر واحد مما يوفر للجراح قدراً لا بأس به من الراحة في العمل. وبانتظار القيام باجراء تحسينات ملحوظة على الصور التي يتم التقاطها أثناء العملية يحاول فريق البروفسور ماريسكو الطبي تركيب صورتين على قناة المراقبة المتاحة أمام الجراحين تمثل الأولى العضو المقرر اخضاعه للجراحة قبل العملية وأثناءها، والثانية بثلاثة أبعاد لتسهيل مهمة الجراح وإضفاء قدر أكبر من الدقة على العمل الجراحي. ومن النقاط الواجب تحسينها خلال السنوات المقبلة لضمان رواج هذه التقنية توفير الاتصال بالنظام السريع من دون انقطاع أو تباطؤ للحيلولة دون ضياع أية معلومة أو صورة اثناء اجراء العملية الجراحية وتمكين الجراح من استقبال وارسال الصور بالوقت الفعلي من دون تفاوت يذكر. وترى شركة فرانس تيليكوم التي ترعى الشق الخاص بالاتصالات في هذا المشروع ان التقدم على صعيد الاتصال السريع يسير بخطى حثيثة وسيتمخض قريباً عن نتائج باهرة ستنعكس ايجاباً على كل الميادين المهنية والاختصاصية للاستفادة من اكتساب المعارف والمهارات عن بعد.