بالنسبة لي لم تكن احداث 11 ايلول سبتمبر مناسبة لتتبع الرغبة الاميركية في الانتقام، ولا المساعي التي بذلتها دول عربية واسلامية لتلافي الثأر الاميركي. بل اعتبرتها مناسبة لنتدبر - نحن العرب والمسلمين - في حالنا. لا بد ان نتعرف الى جذور فكرة التطرف في مجتمعاتنا وأفكارنا وآدابنا وفنوننا، لنحاول اقتلاع هذه الجرثومة الخبيثة من حياتنا المعاصرة. وليس صحيحاً قط ان التطرف ناجم عن التفاوت في الوضع الاجتماعي والاقتصادي. فليس معنى ان اكون فقيراً ان افتح باباً لا ينتهي لنسف الاثرياء ونهب ممتلكاتهم وتخريب الحياة من حولهم. واذا كان بعض الدول مستعداً في هذا الزمن الى تبني هذا التفسير للفقر وسبل القضاء عليه، فمعنى ذلك ان دولاً تتبنى التطرف والارهاب وإن يكن مستتراً. كما انه لا يجب علينا - نحن المسلمين - ان نسعى الى تغيير عقائد الآخرين بالقوة. اذ ان الاسلام يحض في عدد من الآيات القرآنية التي تمثل احكاماً ملزمة على المجادلة بالتي هي احسن، وعلى ان الهدى من الله، وعلى ان الانسان مخير ان شاء انصف نفسه، وإن شاء ظلمها. إن الحياة التي يعيشها الغرب، بما تحتويه من مباهج ومباذل وما نعتبره تفسخاً وانحلالاً، إنما هي شأن الغرب وحده ليعالجها بالطريقة التي تناسب شعوبه. فهم يدركون ان الانحلال الاخلاقي يترك انعكاسات وتأثيرات سيئة في حياة شعوبهم، وينشر فيهم امراضاً فتاكة تستعصي على الاطباء والعلماء، ومن ثم تبدأ التوعية المضادة، وتتشكل المبادئ العامة الموجهة الى حياة اخلاقية منضبطة. وهذا الشيء حصل بعد تفشي مرض نقص المناعة المكتسب الايدز في منتصف الثمانينات، بعد اكثر من 20 عاماً من التفسخ الخلقي الذي شهده الغرب في الستينات. ان احداث ايلول ينبغي ان تكون عبرة للمسلمين ليتدبروا شؤونهم، ويعيدوا النظر في اوضاعهم وفكرهم وقراءتهم لمستقبل العالم، من دون تفكير في اللجوء الى العنف والقوة. لأن هاتين الوسيلتين، على رغم انهما يمكن ان تحققا مردوداً يشفي الغليل على المدى القصير، هما سيف ذو حدين، اذ يمكن ان تنتقلا الى شعوب الامة الاسلامية نفسها فتحيلان حياتهما جحيماً ودماء تراق بلا انتهاء. أبو أمجد عمر فتح الله الاسكندرية - مصر