على رغم أن الولاياتالمتحدة ودول العالم المتحالفة معها لا تزال تعاني من الآثار الناجمة عن الهجمات التي تعرضت لها واشنطن ونيويورك، وعلى رغم التهديدات المتتالية التي أصدرها تنظيم "القاعدة" الذي يتزعمه أسامة بن لادن بمواصلة العمليات الإنتحارية وإختطاف الطائرات، رداً على الضربات الاميركية البريطانية لأفغانستان، فإن أسوأ المخاوف في الشارع الغربي يتركز بشكل متزايد على إحتمالات شن هجمات جرثومية. وبرز بوجه خاص إحتمال إستخدام "القاعدة" جرثومة "الجمرة الخبيثة" أنثراكس التي أدى ظهورها في ظروف غامضة في الولاياتالمتحدة الى وفاة مواطن أميركي. واعترف مسؤولون في الحكومة البريطانية بأن بلادهم تواجه خطر هجوم كيماوي أو جرثومي على أيدي عناصر "القاعدة" الذين أكد بين برادشو وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية أن بلاده تعتقد بأنهم ربما نجحوا في الحصول على أسلحة كيماوية وبيولوجية تتويجاً لمساع ظلوا يبذلونها لتحقيق تلك الغاية طوال السنوات العشر الماضية. للدكتور جوزف سمعان أستاذ علم الأدوية والمعالجة وعلم السموم في الجامعة الأميركية في بيروت ورئيس دائرة هذا الاختصاص فيها، الباحث فيه منذ نحو 40 عاماً، رأياً مغايراً في استخدام السلاح الكيماوي، إذ يعتقد ان هذا السلاح ليس بديلاً من الأسلحة التقليدية ولا هو الأقدر على حسم النزاعات المسلحة. ويؤكد سمعان ل"الوسط" ان: "السلاح الكيماوي لم يستخدم خلال الحرب العالمية الثانية في وقت كان متاحاً استخدامه لأن الحلفاء طوروا بعض المواد ولا سيما منها الفوسفورية، وكذلك الالمان. وتبيّن في نهاية الحرب ان ترسانتي كل من الحلفاء والالمان مليئتان بهذه المواد، لكنها لم تستخدم. وتأكد أن الجواب على ذلك هو ان أجهزة استخبارات كل طرف علمت بامتلاك الطرف الاخر السلاح الكيماوي مما أحدث توازن رعب بينهما. وبعد الحرب العالمية الثانية تبين وجود آلاف أطنان المواد السامة جداً كالمواد الفوسفورية وال VX القاتلة. والمشكلة الكبرى التي طرحت بعد الحرب هي كيفية التصرف بهذه المواد لأن من غير الممكن تفكيكها بسبب عدم القدرة على استعمال المواد الأولية، كما ان هناك خطراً كبيراً من اتلافها كون استعمالها مميتاً. ولذا استقر الرأي على تخزين القسم الأكبر منها تحت الأرض في مناجم غير مستخدمة، خصوصاً وانها مواد لا يمكن تفكيكها بسهولة مع الوقت. أي ان المشكلة كبيرة. أما تخزينها ففي معلبات لحماية الأرض والبيئة منها. علماً بأن ماء الفوسجين استعملت في الحرب العالمية الأولى لكن ليس على نطاق واسع ولم تكن فاعلة". هل السلاح الكيماوي هو البديل من الحرب التقليدية أي الجنود والمدافع والدبابات؟ - لست اختصاصياً في المسألة العسكرية والحروب الكيماوية، لكننا ندرّس المواد السامة لطلاب الطب حتى يعرفوا مفاعيل هذه المواد والتعرّف الى وسائل العلاج الممكنة. أما عن تصنيعها لجعلها سلاحاً كيماوياً ففي اعتقادي ان السلاح الأفتك هو القنبلة الذرية التي اختبرتها الدول الكبرى واستعملتها وتعرف تماماً فاعليتها، ولا أظن ان المواد الكيماوية أكثر تأثيراً من القنبلة الذرية لأن الدول، خصوصاً الكبرى، باتت تملك أسلحة أكثر فتكاً، على الأقل نظراً الى تجربتي هيروشيما وناغازاكي. هل استعملت الأسلحة والمواد الكيماوية في حرب الخليج الثانية؟ - لا لم تستعمل منذ الحرب العالمية الثانية باستثناء حالة واحدة سمعنا عنها، لكن في عمل ارهابي وليس في حرب، وهي عندما استعمل يابانيون غاز السارين عام 1995 في محطة لقطار الانفاق. في حرب الخليج الثانية كان هناك تخوف ليس من لجوء الأميركيين الى استعمال السلاح الكيماوي، وانما استعمال العراق له، كونه في متناول معظم الدول وتصنيعه ليس صعباً متى توافرت الامكانات المالية والخبرات في ظل الدولة. هل هناك قوانين تحرّم استعمال هذه الأسلحة؟ - منظمة الصحة العالمية ضد استعمال السلاح الكيماوي كون ضررها لا يطاول المتقاتلين فقط وانما الأبرياء والعزل أيضاً. لذلك اعتقد ان السلاح الكيماوي هو سلاح ذو حدين. لكن لا أظن ان هناك معاهدة دولية تحرّم استعمال هذه المواد. هل ان السلاح الكيماوي هو سلاح المستقبل لفض النزاعات المسلحة والحروب؟ - اعتقد ان الزمن تخطاه، في الحرب العالمية الثانية توافر بكثرة لكن الحكمة اقتضت عدم استعماله. ان معظم الدول التي انخرطت في تلك الحرب امتلكته. خزّنت المواد ولم تستعمل. وأظن ان هناك سبباً أكثر أهمية هو وجود أسلحة أكثر فتكاً، خصوصاً القنابل الذرية، لإنهاء الحرب لمصلحة فريق دون آخر. ولا اعتقد ان السلاح الكيماوي ضروري للحروب النظامية، الا ان في الامكان استعماله لنشاطات تخريبية وارهابية لأننا لا نستطيع تجاوز سابقة اليابان عام 1995. ما هو عملياً السلاح الكيماوي؟ - ان المواد الكيماوية التي استعملت في الحروب تاريخياً والواردة في المراجع العلمية الغربية هي مواد معروفة أما لأن فصائل منها تستعمل علاجياً بجرعات مدروسة وأما لأنها تستعمل في الزراعة كمبيدات للحشرات والجراثيم أو تستعمل في الصناعة. لكنها تشكل أخطاراً صحية وفي الامكان ان تكون قاتلة إذا ما جرى التعرض لها بكميات سامة. ان دراسة هذه المواد لجهة منفعتها أو ضررها هي في صلب برنامج التدريس في العلوم الصحية كالطب والصيدلة والتمريض، والاختصاص الذي يعنى بها هو علم الأدوية والمعالجة والسموم. هل ثمة حالات تاريخية استخدم فيها السلاح الكيماوي؟ - ليس استعمال المواد الكيماوية والجرثومية في الحروب أمراً جديداً بل عرف على امتداد قرون طويلة، الا ان الجديد هو فعاليته الأفضل واكتشاف الطرق الأكثر ملاءمة لاستعماله، وإذا ما رجعنا الى التاريخ القديم لوجدنا ان القائد الاثيني أمر بتسميم مياه النهر الذي كانت تشرب منه المنطقة المعادية والتي كان يحاصرها بجذور نبتة سامة تدعى Helleborus، فتمكن من القضاء على أعدائه. وكان ذلك حوالي سنة 700 قبل الميلاد. أما القائد القرطاجي فقد انسحب من معسكره تاركاً الخمر المسمم بنبتة Mendragora. فدخل العدو المعسكر وتسمم جنوده بعد شربهم الخمر، وكان ذلك سنة 200 قبل الميلاد. وهذه أمثلة على حروب استعملت فيها مواد كيماوية. أما هنيبعل فقد رمى قوارير مليئة بالأفاعي السامة على سفن العدو مما أحدث الذعر، وبلسعات الأفاعي تغلب على عدوه. وهذه حرب بيولوجية. أما الامبراطور الجرماني فريدريك بارباروسا فقد استولى في سنة 1155 على مدينة تورتونا بعدما أمر برمي جثث محاربيه في النهر فتلوثت مياهه بالجراثيم. وأما قائد القوات الانكليزية في أميركا فقد أهدى الهنود أغطية استعملها جنوده المرضى بحالات جرثومية فكان ان انتقلت عدواها اليهم. وهذا مثل آخر على الحرب الجرثومية. إلا ان الهدف من استعمال المواد الكيماوية أو الجرثومية في الحروب هو انها تتيح السيطرة على العدو من دون تخريب البنى التحتية والممتلكات. واستعمال السلاح الكيماوي بفاعلية يهدف الى ايذاء أعداد كبيرة من الناس، علماً ان ثمة سهولة في تصنيعه. هل المواد الكيماوية التي تستعمل في النزاعات المسلحة كثيرة؟ - المواد التي درست للاستعمال في الحروب تتجاوز المئات، ولكن التي اعدت فعلياً للاستعمال تاريخياً هي في حدود 60 مادة. أما التي استعملت في الحرب العالمية الأولى ففي حدود 40 مادة. وبعد التجربة تبيّن ان 12 عنصراً فقط تصلح للاستعمال في الحروب وهي تنتمي الى أربع فئات كيماوية هي: - المواد الفوسفورية. - مادة السيانيد. - مادة الفوسجين. - المشتقات الخردلية. ان خطورة هذه المواد الكيماوية تتوقف على نوع الأذى الذي تستطيع ان تحدثه في جسم الإنسان بالإضافة الى الكمية المطلوبة لاحداث التسمم. وكلما قلت الكمية المطلوبة لاحداث التسمم ازدادت خطورة الماء. فمثلاً ماء VX سامة بكثافة مقدارها نصف ميللغرام في المتر المكعب، ومادة السارين ميللغرام والمواد الخردلية 100 ميللغرام ومادة الفوسجين 1600 ميللغرام ومادة السيانيد 2000 ميللغرام. ويتبين من ذلك ان المادة الأكثر خطراً هي مادة VX. بالإضافة الى ان بقاء المادة السامة في الجو والطبيعة هو عنصر مهم أيضاً. فماء الفوسجين تبقى ساعة في الجو، ومادة السيانيد أربع ساعات، ومادة السارين يومين، والمواد الخردلية ثمانية أسابيع، ومادة VX 16 أسبوعاً. أي أهمية لهذه المواد؟ - بالنسبة الى المادة الفوسفورية فهي تشمل أربع مواد متشابهة هي سارين وتابون وسومان وVX. ونعرف خصائص كل من هذه المواد من خلال معرفتنا لمادة الديمول المعروفة علمياً باسم Parathion والتي تنتمي الى هذه الفئة. ولا أظن ان أحداً من هذه البلاد يجهل مادة الديمول لكثرة ما أحدثت من عوارض تسمم ومنها المميت عندما يتعرض لها العمال الزراعيون اثناء رشها كمبيدات للحشرات، وعند استعمالها للانتحار أو للقتل. وهي مادة تدخل الجسم من أي مكان تلامسه، من الجلد والرئتين أو الجهاز الهضمي. أما مادة السيانيد المعروفة فتستعمل صناعياً وتتولد من احتراق المواد البلاستيكية وهي موجودة أيضاً في البذور المرة لبعض الفواكه كالمشمس مثلاً. ومن الممكن ان تحدث عند الأطفال عوارض تسمم إذا أكل منها الطفل ما يزيد على خمس بذور. لكن الطعم المر هو الرادع الأساسي لها. اما مادة الفوسجين والغازات الأخرى فتؤثر في وظيفة الجهاز التنفسي وتتولد من استعمال بعض المواد الصناعية كالمواد التي تزيل الدهان والمواد التي تستعمل للتنظيف على البخار وسواها. لكنها قلما تحدث حالات تسمم لعدم وجودها بكميات كبيرة. والمواد الخردلية معروفة تماماً لدى الجهاز الطبي. إذ ان فئات منها تستعمل لمعالجة بعض الحالات السرطانية. وهي تلامس الجلد وبقية الأغشية الخارجية فتؤثر عليها محلياً وتدخل من خلالها الى الجسم وتؤثر فيه. وعندما تلامس الجلد والأغشية الخارجية تميت الخلايا وتحدث بقعاً شبيهة بالحروق. أما وجودها داخل الجسم فيقتل معظم الخلايا التي هي دوماً قيد التكاثر والتقاسم. ان الخبرة الطبية في هذه المواد السامة لجهة خصائصها الكيماوية وتأثيرها على الجسم وطرق معالجتها كاملة، لأن بعضها يستعمل علاجياً والبعض الآخر هو من السموم الموجودة حولنا. وهذا من شأنه أن يبدو على الأقل عنصراً واحداً من عناصر الخوف عند المواطن، إذ يجب ان يدرك أن الأطباء يفترض فيهم معرفة الكثير عن هذه الحالات من التسمم. وكل هذه المواد تدخل الجسم بملامسة الجلد والأغشية الخارجية أو عن طريق التنشق. والوقاية منها بسيطة إذا احتمى المواطن سريعاً منها في غرف تحت الأرض أو محكمة الاقفال بحيث لا يتسرب اليها الهواء الخارجي. ان الكلام عن السموم بالنسبة الينا يدخل في نطاق المعالجة والوقاية وليس في نطاق القتل والإضرار او تصنيعه من أجل ابادة جماعية أو كسلاح كيماوي لحسم الحروب والنزاعات المسلّحة. فمادة السيانيد استعملها هتلر في غرف الغاز التي أعدم فيها كثيرين، وهي المادة نفسها التي يستخدمها الأميركيون حالياً لتنفيذ أحكام الإعدام، كما ان هناك عناصر من مادة الديمول تستعمل علاجياً للعين لإزالة ارتفاع ضغط العين بمقدار استعمالها بكميات كبيرة في الحروب للقتل الجماعي