كان آلاف اليابانيين الذين توجهوا الى عملهم صباح 20 آذار مارس الماضي على موعد مع كابوس من نوع مختلف لم يشهد مثله العالم من قبل. فعلى أرصفة خمس من محطات قطارات الانفاق في طوكيو كانت الغازات السامة تنشر الهلع والموت. وبدل ان ينتقلوا كعادتهم على متن هذه القطارات الى أماكن عملهم، ذهب 10من هؤلاء المسافرين في رحلة أبدية فيما بقي آلاف منهم أياماً عدة رهن المعالجة في مستشفيات العاصمة. وفجأة دخلت اليابان دائرة الضوء وشغلت صحافة العالم. ولم تبرح شاشات التلفزيون في الشرق والغرب مشاهد المسافرين الذين تهالكوا بالعشرات بحثاً عن اوكسيجين شح في محطات قطارات الانفاق، واحتلت الصفحات الاولى في الصحف الدولية صور حشود رجال الشرطة والاسعاف الذين هبوا لنجدة المصابين وهم مدججين باقنعة واقية من الغاز السام. هكذا بدأ الفصل الاول من الحدث الياباني الذي صعق العالم وأثار جملة من الاسئلة المستعصية، وكان بمثابة نافذة على احتمالات وسيناريوهات أشبه بتلك التي تصورها أفلام الرعب. فمن كان يتخيل أن بإمكان جهة ما أن تضع في عدد من قطارات الانفاق التي تزدحم بالمسافرين قوارير مليئة بغاز "سارين" -الذي امتنع حتى مبتكروه النازيون عن استخدامه في الحرب العالمية الثانية ضد أعدائهم؟ ولئن ذاعت أنباء استعمال هذا الغاز أثناء الحرب العراقية -الايرانية وخلال الحملة التي شنها نظام بغداد ضد الاكراد أواخر الثمانينات، فهل خطر لأحد من قبل أن مجموعة من المدنيين ستختار غاز "سارين" وسيلة ناجعة لخنق مدنيين آخرين وإرهاب بلاد بأكملها؟ قصص الرعب وحدها رسمت تفاصيل واقعة من هذا النمط، أما المراقبون والخبراء فإنهم اكتفوا العام 1993بعرض تكهنات مختلفة تضمنت امكان هجوم ارهابي بالغاز السام. ويذكر ان الاديب البريطاني غوردون توماس تخيل في رواية كتبها قبل 4 سنوات سيناريو بتفاصيل شبيهة بتلك التي شهدتها محطات قطارات الانفاق في طوكيو. و مع أن السلطات اليابانية لم توجه إتهاماً رسمياً حتى الآن الى أحد فالتحريات الاولية والتطورات التي تمخض عنها الحدث سلطت الضوء بقوة على فرقة دينية سرية تسمي نفسها " الحقيقة الأسمى" كمرشح أول لاحتلال قفص الاتهام. وتعزز الاحساس العام بأن الفرقة هي المسؤولة عن اطلاق الغاز السام بعدما صادرت الشرطة في مقرات "الحقيقة الأسمى" كميات من مواد كيماوية تكفي لقتل 10 ملايين انسان، على حد تعبير احدى الصحف اليابانية. ووضعت السلطات يدها على هذه المركبات القاتلة أثناء غارة نفذها 1000 شرطي داهموا 25 مقراً للفرقة البوذية بمعونة طيور الكنار التي تستخدم للكشف عن الغازات السامة. واكتشاف هذا المخزون الهائل من مواد يدخل بعضها في تركيب غاز "سارين"، أدى الى فتح ملف الفرقة السرية التي تلقت سلطات الامن منذ سنوات ما يزيد على 100 شكوى تتهمها بارتكاب مخالفات قانونية شتى تتراوح بين الخطف والضرب والتهديد... ويبدو أن الشبهات حامت حول هذه الجماعة في حزيران يونيوالماضي إثر حادثة مدينة ماتسوموتو التي هزت اليابان. اذ كانت محكمة المدينة تستعد لاصدار الحكم في قضية أرض تنازعت عليها الفرقة الدينية مع جهة أخرى على مدى سنوات، فلما شعر البوذيون ان القضاة سيحكمون لخصومهم قرروا التخلص منهم بواسطة كمية من غاز "سارين" أدى تحريرها الى اصابة عدد كبير من سكان المدينة بينهم القضاة الثلاثة، ومقتل 7 أشخاص. ولم تمض أشهر على الجريمة، التي لم تتهم الشرطة أحداً بارتكابها، حتى اشتكى بعض جيران الفرقة البوذية من انبعاث رائحة كريهة تشبه رائحة البلاستيك المحروق من مقر الفرقة. وأكدت صحيفة محلية حصولها على أدلة تشير الى ان تحليل عينات من تربة المجمع الذي تتخذه الفرقة مقراً لها أثبت للشرطة وجود بقايا مادة "سارين" ذاتهاالتي أدت الى سقوط ضحايا في ماتسوموتو اولاً ثم في طوكيو. وبعد حوالي اسبوع من تفتيش مقرات الفرقة البوذية، وتعرض رئيس الشرطة اليابانية الى محاولة اغتيال نجا منها بصعوبة، عثرت الشرطة لدى أحد كبار المهندسين من أعضاء الفرقة البوذية على مراجع أساسية عن كيفية تنقية معادن مشعة تدخل في صناعة القنبلة النووية . كما وجدوا في حوزة الشخص ذاته مواداً تستخدم لتركيب غاز "سارين" السام. هكذا يبدو أن الجماعة الدينية ليست متورطة في صناعة الغاز القاتل وحسب، بل هي على الارجح عازمة على حيازة سلاح تدمير شامل أشد فتكاً بكثير من هذا الغاز. الزعيم الموتور والفرقة المصممة على تدمير العالم هي كيان تبنّى "خليطاً من المبادىء والعقائد التي تعود أصولها الى مصادر شتى بوذية ويابانية وغيرها"، كما قال ل"الوسط" الدكتور ديفيد آراسي استاذ الدراسات اليابانية في كلية الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن. وأضاف الباحث الياباني: "أهم ما في هذا الكيان الغريب هو زعيمه شوكو آساهارا 40 عاماً الذي يحرك الخيوط على هواه". وطبيعي ان يتمتع آساهارا، كغيره من زعماء الفرق السرية، بصلاحيات مطلقة ويتحكم بمصائر من يضلل بهم كي ينفذوا تعليماته بدقة تامة. وفي هذا السياق يبدو سعي الفرقة الى نشر الخراب منسجماً مع توقعات الزعيم بأن نهاية العالم باتت قريبة وستحل بين عامي 1997 و2000، كما جاء في كتابه " الكارثة تهدد أرض الشمس المشرقة"، لابل ربما كان الهدف من هذا السعي هو تحقيق توقعات الزعيم آساهاري. لكن هذه الهلوسات حول نهاية العالم القريبة قد تكون تعبيراً عن رغبة قديمة لدى الزعيم بالانتقام من الدنيا التي حقد عليها منذ ولد شبه أعمى العام 1955 في جزيرة كيوشو لوالدين فقيرين. وفي سن السادسة التحق آساهارا بمدرسة للعميان، كان فيها موضع حفاوة بين زملائه الذين تسابقوا للتقرب منه باعتباره لم يكن مثلهم ضريراً تماماً بل قادراً على رؤية محدودة ومؤهلاً على الاخذ بيد زملائه العميان الى حيث يشاؤون. وبسبب هذا التميز، بدأ الاحساس بالعظمة يتبلور في نفس الطفل منذ سنواته الاولى. ومالبث آساهارا اليافع ان ترجم هذا الشعور عملياً، وأخذ يمارس شيئاً من الزعامة التي كانت تتفتق أحياناً عن سلوك عدواني دفعه مرة الى التهديد بحرق أسرة زملائه. وبعد تخرجه من المدرسة فوجىء بالعالم المحيط الذي حوّل قوته ضعفاً، اذ لم يعد المبصر الوحيد بين عشرات العميان بل غدا شحيح الرؤية وسط عالم من المبصرين. وضنت عليه الحياة العملية الجديدة بالنجاح الذي كان في ما مضى حليفه، فسرعان مااضطر الى اغلاق محل وخز الابر الصينية الذي افتتحه. وحين قرر العمل صيدلياً يبيع الادوية الصينية التقليدية بعدما تزوج توموكو ايشي، زميلته السابقة في المدرسة، وقعت الواقعة التي قلبت حياته رأساً على عقب. ففي العام 1982 اعتقل آساهارا لمدة 20 يوماً ودفع غرامة قدرها 800 دولار عقوبة له على بيعه أدوية مزيفة. ولما خرج من السجن، انقطع مع زوجته عن العالم بسبب شعوره الحاد بعار الفضيحة. وعندما لاقت مدرسة تعليم اليوغا، التي أسسها بعد حوالي سنتين، قسطاً من النجاح غدا حلم الزعامة القديم أكثر الحاحاً من أي وقت مضى، فسافر الى التيبت في رحلة قال انها كانت فسحة في " واحة روحية" أمدته بالقدرة على رؤية الحياة رؤية جديدة. الزعامة والثروة وفي 1987 أسس آساهارا فرقة "الحقيقة الأسمى" التي تمثل محاولة لتجسيد تلك الرؤية "الفريدة"، وبدأ السير على الدرب التي اعتقد انها قد توصله الى غاية اولى أفصح عنها مرة لزملائه في مدرسة العميان بقوله: "سأصبح رئيساً للحكومة في المستقبل". وهذه الدرب التي تنبعث منها رائحة غاز "سارين" القاتل، لم تكن مليئة بالصعاب أو مسكونة بالفشل. فالزعيم الغريب استطاع خلال فترة قصيرة نسبياً ان يجند مايزيد على 10 آلاف عضو ياباني وعدداً يتراوح بين 10 و40 ألف عضو روسي، ناهيك عن أولئك الذين التحقوا بمنظمته في الولاياتالمتحدة ودول أخرى. وأقامت فرقته 36 فرعاً لها في اليابان و6 في روسيا، اضافة الى مجموعة من المكاتب في نيويورك ومدن اميركية واوروبية. كمارشحت الفرقة العام 1990 عدداً من اعضائها الى الانتخابات البرلمانية. ومع ان هؤلاء المرشحين فشلوا جميعاً، فهم لفتوا انتباه مراقبين حذروا من تنامي ثقل الفرقة البوذية السياسي. أما مالياً، ففرقة "الحقيقة الأسمى" على درجة كبيرة من الثراء اذ تملك سلسلة من المقاهي ومصانع تجميع أجهزة الكومبيوتر والمخازن الشعبية... ويذكر انها تحملت العام 1993 خسارة تزيد قيمتها على مليون دولار من دون صعوبة كبيرة. وعلى رغم أن ازدهار هذه "الامبراطورية" المالية يدل على نجاح آساهاري في استقطاب خبرات ومهارات جيدة، يعتقد الدكتور آراسي ان معظم الذين جندهم الزعيم البوذي هم " أناس مهمشون ... وأظن ان الفرقة تعيش على الاموال التي يصادرها الزعيم من اتباعه وهو على الاغلب يأخذ منهم أملاكهم واموالهم. وأحسب أن الحديث عن ثرائه وازدهار اعماله لايخلو من بعض المبالغة، فهذه الفرقة كانت على الدوام شبه مجهولة." لكن ماذا عن الرأي السائد بأن غالبية الذين ينتسبون الى جماعته هم شباب يحملون شهادات جامعية عالية؟ قال الدكتور آراسي في شيء من المجاملةالتي لاتخفي عدم موافقته: " من المهم ان نعرف من اية جامعات تخرج هؤلاء ... لابد من التذكير ان احداً لم يعرف شيئاً عن هذه الفرقة او يسمع بها حتى وقت قريب. استغرب فعلاً ان يكون آساهاري قد استطاع التأثير في كثير من الشباب المثقفين الاصحاء نفسياً واجتماعياً". واذا كان الحديث عن ثراء آساهارا وقدرته على استقطاب الشباب مبالغاً فيه، فماذا بالنسبة الى الوزن السياسي الذي يتمتع به وهل غالى المراقبون في تقديره هو الآخر؟ أجاب الاكاديمي الياباني: " لاداعي في رأيي للقلق من الدور السياسي الذي قد تلعبه هذه الفرقة، فهي لم تطرح اي برنامج سياسي يدل على عزمها على احداث تغيير في البلاد وفق خطة محددة لها أهدافها وتوجهاتها السياسية، بل هي معنية بضرب الدولة ومؤسساتها من دون طرح شكل البديل." الرغبة بتدمير العالم وهل يعني ذلك ان فرقة الزعيم آساهارا لاتتميز عن غيرها من الفرق اليابانية المماثلة التي وصل عددها العام الحالي الى حوالي 18360 فرقة مختلفة؟ " بالطبع لا -ردّ الدكتور آراسي- هذه فرقة مختلفة وغريبة للغاية. فعادة تمتنع الفرق الدينية اليابانية عن استعمال العنف، واذا لجأت الى استخدامه يكون في الغالب موجهاً ضد أفرادها -كأن تشجعهم على الانتحار مثلاً- وليس ضد المجتمع الياباني ككل. ووجه الغرابة الرئيسي في هذه الجماعة هو رغبتها بتدمير الدولة وأجهزتها الامنية لالسبب واضح وانما بسبب جنون العظمة والارتياب المرضي اللذين يتسم بهما زعيمها." وعلى نحو غير مألوف بالنسبة الى الفرق الدينية اليابانية، حسب الدكتور آراسي، هاجمت "الحقيقة الأسمى" حكومة البلاد وحكومات أجنبية أيضاً. اذ أعرب آساهارا مراراً عن عدائه للولايات المتحدة واتهمها بتدبير محاولات لتدمير اليابان والقضاء على فرقته بواسطة غاز "سارين". ويقول الاستاذ الجامعي :"من المفيد مقارنة هذه الفرقة بأخرى تطلق على نفسها " سوكا غاكي". الاخيرة تعتبر من أضخم الفرق الدينية اليابانية وأكبرها عدداً. وهي وصلت الى هذه المكانة بفضل استفادتها من النظام السياسي للدولة، وليس بسبب اعلانها الحرب على المؤسسات الشرعية كما تفعل جماعة آساهارا". أحلاف ارهابية وفيما يظن الدكتور آراسي ان اليابان ستضع حداً لهذه الفرقة وللأذى الذي قد يصدر عنها، يخشى ان "تجرب جماعات مشابهة أومنظمات سياسية متطرفة اقتفاء أثر فرقة آساهارا" التي كانت سبّاقة الى السعي لتدمير المجتمع بواسطة الغاز السام. هل يمكن اذن الحديث عن امكان نشوء تحالف بين هذه الفرقة ومنظمة اخرى دينية او سياسية بقصد توحيد الجهود لدحر "العدو" المشترك؟ قال الدكتور آراسي :" لايمكن استبعاد ذلك نهائياً، كما اعتقد. فأولاً، ماشهدناه حتى الآن يؤكد ان الاحتمالات كلها قائمة. وفي حوزة الفرقة اسلحة نارية ومسدسات مثلما تدل محاولتها لاغتيال رئيس الشرطة. ومعروف ان الحصول على اسلحة نارية في اليابان امر في منتهى الصعوبة، فذلك يتطلب وجود رخصة قانونية لاتمنحها السلطات المعنية بسهولة. ويرجح ان المنظمات الاجرامية تستطيع وحدها حيازة اسلحة نارية يمكن استعمالها في نشاطات مخالفة للقانون. إذن، ربما كانت هناك صلات معينة تربط الفرقة البوذية بمنظمة اجرامية، او مجموعة سياسية متطرفة، قدمت اليها السلاح. ومن جهة أخرى، طبيعة النشاطات السرية التي تقوم بها جماعات من هذا النوع تفسح المجال لعضوية ثنائية بمعنى ان الشخص نفسه ينتمي الى المنظمتين. ولذا لايمكن القول ان تحالفاً ارهابياً بين مجموعات كهذه امر غير وارد اطلاقاً. لكني لاارى امكان قيام نوع من التعاون على اساس ايديولوجي وفكري، بل سينحصر الامر في تبادل الخبرة". البحث عن الهوية والاجماع وقد يكون القلق من تعاون كهذا أمراً سابقاً لاوانه حالياً، لكن الدكتور آراسي يجد أن " التوتر الذي يعيشه المجتمع الياباني " يبرر الخوف من تحول مجموعات دينية الى منظمات سياسية متطرفة. ويتابع:" تمر اليابان في مرحلة انتقالية تحاول فيها العثور على هويتها المستقلة عن الغرب وأميركا. ويبذل اليابانيون الجهود للتعامل مع حقيقة جديدة حاسمة وهي انهم قد يفقدون نهائياً الاجماع الوطني الذي تمتع به آباؤهم وأجدادهم و كان الاداة التي جعلت الفرد يتصرف، منذ بداية حياته العملية وحتى تقاعده، كجزء من الجماعة المتكاملة لاكفرد مستقل. ويُعزى النجاح الاقتصادي في بعض وجوهه الى هذه النزعة لنكران الذات. التحقق من غياب هذا الاجماع سيولد مزيداً من الجدال السياسي الحاد ليس بخصوص الوسائل فحسب بل أيضاً عن الغايات. وافتقار البلاد الى الاستقرار من شأنه ان يكون تربة خصبة تساعد الفرق الدينية السرية على النمو. وبسبب الظرف الراهن لم يكن توقيت الحدث الاخير مفاجئاً، وإن كانت طبيعته جديدة تماماً تجعل منه ظاهرة فريدة". فراغ روحي واجتماعي و يرى عدد من الباحثين ان هذه الفرقة البوذية تدين ببعض نجاحها الى الفراغ الروحي الذي عانت منه اليابان عقب الحرب العالمية الثانية، حين أجبر الحلفاء الامبراطور على التخلي عن مكانته الدينية كزعيم لمذهب "شنتو" ماأدى الى عدم استقرار اتباعه- وهم غالبية الشعب الياباني- واستعداد بعضهم للسير في ركب أي زعيم روحي ذكي يدعي لنفسه المكانة الدينية التي ظنوا ان امبراطورهم تمتع بها. الدكتور آراسي متفق مع وجهة النظر هذه، فهو يقول: " تجريد الامبراطور من منصبه الديني كانت له نتائج في غاية الاهمية على مستقبل الشعب الياباني. اذ نجم عن ذلك فراغ روحي، وفقد بسببه اليابانيون أيضاً فكرة العائلة-الدولة التي جمعتهم ومنحتهم الاحساس بوحدة الهوية، فالامبراطور كان على رأس الهرم الاجتماعي والسياسي والديني الذي يمثل اليابان. لكن على رغم هذه الخسارة الفادحة استطاعت البلاد ان تحافظ على نفسها لسبب رئيسي هو انها كرست نفسها للحاق بالغرب اقتصادياً. وهي نجحت في سباقها الاقتصادي وسعيها لتحقيق الازدهار المادي. الا ان المشكلة تكمن في أسئلة مطروحة حالياً من قبيل: ماذا بعد النجاح؟ ومن نحن؟ وماهي هويتنا؟ من هنا اعتقد ان اليابان دخلت مرحلة انتقالية يرجح ان تشهد للمرة الاولى منذ اواخر العشرينات جدالاً واسعاً حول الغايات التي يتطلع اليها المجتمع الياباني." مستقبل كالح؟ ولئن لم يستبعد الاكاديمي الياباني قيام تحالفات ارهابية خطيرة قد تكون مدججة بأسلحة تدمير شامل، فإن جهات عدة بدأت تخطط لمواجهة هذا الاحتمال وكأنه واقع لا محالة. ويخشى خبراء مكافحة الارهاب ان تكون حادثة اليابان مجرد تجربة ميدانية لعملية أخطر قد تقوم بها احدى المنظمات الارهابية خصوصاً ان سهولة تنفيذ العملية في اليابان قد يشجع على تجربتها في دول أخرى. لابل يمكن للارهابيين ان يلوحوا فقط باطلاق غاز سام في أي مكان مكتظ بالناس حتى تسارع سلطات البلاد الى الاستجابة الى طلباتهم وتنجح عملية الابتزاز نجاحاً باهراً. وفي تقرير سيُنشر قريباً، يتوقع خبراء في وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون ووكالة الاستخبارات الاميركية سي. آي. أي ومكتب التحقيقات الفيديرالي اف. بي. آي، اضافة الى الجنرال أوليغ كالوغن المسؤول السابق عن مكافحة الارهاب في الاستخبارات الروسية كي. جي. بي، ان تشهد ال 15 سنة المقبلة اعمالاً ارهابية غير مألوفة اذ سيتمكن ارهابيون جدد او تقليديون من الحصول خلال هذه الفترة على اسلحة الدمار الشامل التي سيستخدمونها لتحقيق اهدافهم. ويبدي خبراء الدفاع في الغرب قلقهم من احتمال لجوء الارهابيين الى الاسلحة البيولوجية من جرثومية او فيروسية، اضافة الى الاسلحة الكيماوية كالغازات السامة كبديل من الاسلحة النووية والاشعاعية يمكن الحصول عليه بشكل اسهل واقل كلفة. وتحسباً لاحتمالات كهذه، باشرت بريطانيا التحضير لبناء مجمع ضخم للحرب البيولوجية في منطقة " بورتون داون" سيضم اهم مختبر من نوعه في العالم. و في هذا المختبر المتطور سينكب العلماء والباحثون على دراسة كيفية حماية الدول الغربية من هجوم بيولوجي ممكن قد تستعمل فيه منظمات ارهابية انواع جديدة من الفيروسات أو الجراثيم القاتلة. لكن هل تضمن هذه الجهود بقاء الغربيين الابرياء في مأمن من هذا الخطر، او ان الجريمة ستبقى قادرة على المفاجأة واحراز نجاح كالذي حققته فرقة آساهارا البوذية؟ غاز الأعصاب القاتل "سارين" يمكن تحضير غاز الأعصاب القاتل "سارين" داخل اي مختبر جامعي من مادتين كيماويتين هما "ايزو بروبانول" و"ميثيل فوسفونيل داي فلورايد". وبوسع اي كيميائي مختص تحضير كميات من غاز "سارين" تكفي لقتل عشرات الآلاف من الأبرياء بتكلفة لا تتعدى بضعة آلاف من الدولارات حسب الدكتور أليستير هاي اخصائي الكيمياء السريرية في جامعة ليدز البريطانية. وغاز الاعصاب "سارين" هو مركب كيماوي عديم اللون والرائحة يمتصه الجسم عن طريق الجلد والرئتين فيؤثر على الجهاز العصبي ويشل دفاعات الجسم مسبباً احتقاناً في الأنف والرئتين والعيون، ما يؤدي الى مضاعفات وأعراض مرضية متفاوتة حسب الكمية التي يمتصها الجسم. وقد يبدأ ذلك بسيلان الأنف ونزيفه والغثيان وغشاوة العينين وتعتيم البصر والتعرق الشديد والتقيؤ وصعوبة التنفس والصداع والارتعاشات العنيفة والموت خلال دقائق اذا كانت كمية الغاز مرتفعة أو اذا تأخر اسعاف المصاب باللقاح المضاد بسرعة. ويعتبر غاز "سارين" أكثر فتكاً من مادة البوتاسيوم سيانايد السامة بما يزيد عن 20 ضعفاً، كما انه اشد سمية في تركيبه النقي بحوالي 500 ضعفاً. وتكفي نقطة واحدة بحجم رأس الابرة لقتل انسان. وكان العالم الألماني النازي جيرارد شرايدر قد اكتشف هذا الغاز بطريق الصدفة في الثلاثينات اثناء قيامه بأبحاث عن مضادات الحشرات. اما اللقاح المضاد لغاز "سارين" فهو "الاتروبين" الذي يقوم مقام أنزيم "كولين استيريز" المسؤول عن وظائف الخلايا العصبية والذي يتم تجميده وتعطيل مهامه بفعل غاز "سارين". ويمكن استخدام اقراص "اوكسايم" لفك الارتباط بين غاز الاعصاب وأنزيم "كولين استيريز". وقد استخدمت هذه الاقراص من قبل قوات التحالف الدولي في حرب الخليج تحسباً لاستخدام العراق اسلحة كيماوية. ويعتقد الخبراء ان هذه الاقراص قد تكون مسؤولة عن بعض الاعراض والمضاعفات المرضية التي يعاني منها بعض الجنود الاميركيين والبريطانيين من الذين شاركوا في حرب الخليج بما يعرف بپ"الظاهرة المرضية لحرب الخليج". اسلحة الارهاب الجديد هناك ترسانة متخمة من الاسلحة المتنوعة التي يمكن لممارسي الارهاب الجديد استعمالها. وبالذات اسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية والنووية والاشعاعية. الأسلحة الكيماوية من أسهل أنواع الأسلحة التي يمكن لمروجي الارهاب الحصول عليها. وتعتبر الغازات السامة من اهمها وأخطرها. أ. غازات الاعصاب: تؤثر على وظائف الجهاز العصبي وتؤدي الى شلل عضلات الصدر واحتقان الرئتين والأنف والعيون. كما يتعرض المصاب للارتعاشات والاختناق والى اعراض مرضية اخرى قد تنتهي بالموت. مثال: غازات "توبين"، "سارين"، "سومان" و"في. أكس". ب. الغازات القرحية والحوصلية: تدمر الجلد والعيون والرئتين وتتلف أي غشاء تلامسه. مثال: غازات الخردل وكبريت الخردل. ج. غازات الدم: تسمم مجرى الدم وتحرم الجسم من غاز الاوكسيجين الضروري لوظائف الاعضاء بعد سلبه قدرة قبول الاوكسيجين ونقله داخل الجسم. مثال: غازات سيانايد الهيدروجين، وزايكلون بي وأنواع السيانايد الأخرى. 2. الاسلحة البيولوجية: وتشمل هذه الاسلحة انواعاً من الفيروسات والجراثيم التي تسبب اعراضاً مرضية مختلفة تؤدي الى الموت ان لم تعالج بالادوية والامصال المضادة. أ. الفيروسات: فيروس "ايبولا" الذي يسبب حمى شديدة وارهاق كبير يتبعه التهاب في الحنجرة وأوجاع في الصدر والمعدة وطفح جلدي وإسهال. يلي ذلك نزيف داخلي وارتعاشات. فيروس "هانتا" الذي يتسبب في ظهور حمى شديدة بكافة اعراضها ويؤدي الى الفشل الكلوي والالتهاب الرئوي. حمى "ماربورغ" او حمى القرد الاخضر التي تتسبب في نزف الاعضاء الداخلية لبعض المرضى حتى الموت، بينما يغرق البعض الآخر نتيجة تشبع رئتيهم بالسوائل. الحمى النزفية الكورية التي تنقلها الفئران وتسبب طفحاً جلدياً في الرقبة يليه الموت نتيجة فشل كلوي حاد او تشبع الرئتين بالسوائل. ب. الجراثيم: 1. جرثومة "انثراكس" التي تولد بزوراً داخل الرئتين تؤدي للاصابة بالتهاب ذات الرئة والاختناق. كما انها تسبب عاهات وتشوهات في الاطراف. 2. جرثومة "يرسينا بستيس" التي تحملها القوارض عبر البراغيث وتتسبب بمرض الطاعون بأنواعه الثلاثة. "الرئوي" الذي يؤدي للاصابة بذات الرئة والاستسقاء او انحباس السوائل داخل الرئتين، و"الدبلي" الذي يؤدي للاصابة بالحمى وتورم الغدد اللمفية، وطاعون عفن الدم الذي يؤدي للاجهاد والانهيار الجسدي والعضلي مع خلل في الدماغ والموت. 3. الجرثومة البتيولية التي تسمم الجهاز التنفسي وتؤدي الى الاختناق والموت. السموم النباتية: سم "الرايسين" المستخرج من بزور نبتة زيت الخروع الذي يشل الدورة الدموية ويؤثر على القلب عبر تسميمه لمجرى الدم. الاسلحة النووية والاشعاعية: تشمل المواد الاشعاعية المختلفة المستخدمة في مراكز الابحاث والمؤسسات العلمية والمصانع التي تلوث الاجواء والبشر وتسبب التسمم والموت. وكذلك المواد المشعة التي تصنع منها القنابل النووية مثل اليورانيوم والبلوتونيوم. وتعتبر هذه المواد من اصعب انواع اسلحة الدمار الشامل التي يمكن الحصول عليها نظراً لخطورة التعامل معها وغلاء اسعارها في السوق السوداء.