النجاح والسعادة، هل هما حالتان تسيران في طريقين متوازيتين لا تلتقيان؟ كثيرون قد يقولون لا، ولكن من يتابع حياة كبار النجوم قد يجد ما يغريه بأن يقول أجل انهما لا يلتقيان، حتى وإن كانت المظاهر تقول عكس ذلك. تأكيداً لهذا روينا في "الوسط" حياة ناتالي وود، ثم ريتا هايوارث. وهنا حكاية غريتا غاربو، ساحرة السينما التي ملأت الدنيا وشغلت الناس منذ أيام السينما الصامتة وحتى بداية الأربعينات. كانت اذا نطقت يصرخون "غاربو نطقت"، وإذا ضحكت يهللون "غاربو ضحكت". ثم ذات يوم حملت أسرارها وغموضها واختفت. اعتزلت وهي في قمة مجدها، وغابت نصف قرن قبل أن ترحل وحيدة صامتة، كما كانت دائماً الا من أسرارها وأسرار تعاستها. ترى هل سيعرف أحد، ذات يوم، كيف عاشت غريتا غاربو السنوات الخمسين الأخيرة من حياتها؟ هذا السؤال قد يبدو غريباً بالنسبة الى الذين سمعوا دائماً باسم غاربو أو اعتادوا مشاهدة أفلامها، أو صورها في تلك الأيام. ففاتنة السينما تبدو في الأفلام وفي الصور، وكذلك في ذاكرة محبي السينما، من الحيوية والحضور، بحيث ينسى الكثيرون انها، بين العام 1941 والعام 1990 غابت تماماً عن الحياة العامة كما عن الحياة السينمائية. وكذلك غابت صورها الجديدة عن الصحف بحيث ان أحدث ما كان ينشر من صور لها، كان يعود دائماً الى ما قبل العام 1941. ولكن لماذا العام 1941؟ ببساطة لأنه العام الذي أعلنت فيه غريتا، رغبتها في اعتزال السينما وكذلك اعتزال الحياة العامة، والركون الى نفسها بعيداً عن أعين الفضوليين. والغريب انها لم تكن عجوزاً ولا مكتهلة، بل امرأة ساحرة ناضجة في السادسة والثلاثين من عمرها، تعيش أزهى لحظات مجدها. في العام 1941، حين أعلنت غريتا ذلك الاعتزال الذي سيظل الأشهر والأكثر صدقاً في تاريخ نجوم السينما، اعتقد الكثيرون انها غير جادة، وأنها ربما تغيب بضعة أشهر أو سنة أو سنتين ثم تعود. كان كل ما في حياتها ينهل من حب السينما ومن التوق الى الفن. وهذا ما طمأن محبيها يوماً. ولكن شيئاً فشيئاً تحولت النجمة الى أسطورة خرافية وغابت تماماً، بسحنتها الغامضة وابتسامتها الساخرة ونظراتها الساحرة. غابت هكذا بين ليلة وضحاها. وغابت خمسين عاماً، أعلن في نهايتها عن رحيلها فصدم كثيرون: بعضهم لأنه كان يعتقد أنها ماتت منذ زمن بعيد، وبعضهم الآخر لأنه كان يعتقدها حاضرة الى الأبد. أما بعضهم الثالث فصدمته صور نشرت لها، وكانت التقطت خفية، تمثل سيدة عجوزاً مرتعدة الأوصال تضع نظارات سوداء وتتلفت حواليها خشية أن يراها أحد. والحال ان تلك الصور دمرت الأسطورة جزئياً وأزالت السحر. ولكن هل كانت غريتا غاربو تعبأ بذلك حقاً؟ هل كانت تبالي بكل ما يحكى عنها وما يكتب حول حياتها؟ هل كانت خلال أعوام الغياب الطويلة تتابع ما يحدث في العالم؟ كيف كانت تفكر؟ هل كانت تعيش في ذكرياتها أم خارجها؟ هل كانت تحن الى النجمة والممثلة اللتين كانتهما وأوصلتاها الى الذروة؟ هل كان يعنيها ذلك المجد الكبير الذي جعل العالم كله يصرخ حين مثلت في أول فيلم ناطق لها، مردداً كالصدى ما جاء على ملصق الفيلم "غاربو... تتكلم أخيراً"؟ أو حتى حين مثلت في أول فيلم هزلي، حين جاء على الملصق الخاص بالفيلم: "غاربو تضحك أخيراً"؟ أسئلة ستظل حائرة، وعالم سينمائي كامل مثلته تلك السويدية الحسناء، وجعلها واحداً من الألغاز الأكثر غموضاً في تاريخ السينما. ويظل من هذا كله واقع يقول أن غريتا غاربو، بعدما قامت ببطولة فيلم "المرأة ذات الوجهين" من اخراج جورج كيوكر في العام 1941 اتخذت قرارها الذي لم تعد عنه أبداً بترك كل شيء والاخلاد الى الهدوء والراحة في بيتها ذي الغرف السبع، لا تزور أحداً ولا يزورها أحد، باستثناء حفنة أصدقاء كان من بينهم المخرج كلارنس براون، الذي اعتزل بدوره في العام 1951، وكان يروى عنهما أنهما في كل مرة يلتقيان فيها كانا يبدآن حديثهما على الشكل الآتي: يقول هو: متى نعود يا غريتا الى السينما؟ فتقول هي: حقاً متى نعود؟ ثم يبتسمان معاً ويصرخان بصوت واحد: أبداً.. لن نعود أبداً. لم يكن اعتزال غريتا غاربو الغموض الوحيد في حياتها. فالواقع ان حياتها كلها كانت مليئة بالغموض، ابتداء بأصولها المتواضعة، وصولاً الى حياتها العاطفية. وفي صدد هذا الأمر الأخير كانت الحكايات لا تتوقف، رابطة غريتا مرة بهذا الممثل ومرة ثانية بذلك المخرج، بل ان كثيراً من تلك الحكايات كان يؤكد انها مثلية الجنس تهوى النساء، أو أنها على الأقل مزدوجة الاتجاه الجنسي. وهو أمر عزز من تأكيده، روعة أدائها للدور المزدوج في فيلم "آنا كريستي" من اخراج كلارنس براون حيث قامت بدور ملكة زاهدة في الحكم تتنكر في ثياب الرجال. لقد كانت من البراعة يومها، في تنكرها وفي أدائها، بحيث عزز ذلك من حكاية مثليتها. ولدت غريتا غاربو وكان اسمها غريتا لويزا غوستافسون في ستوكهولم في السويد العام 1905. وكان والداها فقيرين الى درجة انها اضطرت الى ترك الدراسة والعمل باكراً جداً، بائعة في دكان وربما بائعة جوالة على الطرقات. غير ان جمالها سرعان ما لفت الأنظار، فاستدعيت لتمثل أدواراً صغيرة في مشاهد دعائية من نوع كان يعرض ضمن الأفلام في ذلك الحين. وحين بلغت السابعة عشرة من عمرها راحت تبدو ناضجة وكثيرة الحيوية، ما جعل من الطبيعي للسينمائيين ان يكتشفوها، وهكذا أسند اليها في العام 1922 دور في فيلم هزلي عنوانه "لوفار - بيتر". ولقد راق لها الأمر حتى قررت ان تمتهن التمثيل حقاً، فالتحقت بمدرسة للدروس الدرامية. وهناك تعرفت الى المخرج موريس ستيلر الذي أعجب بها على الفور وأسند اليها دور البطولة في فيلمه التالي "حكاية غوستا برلنغ". وهو في الوقت نفسه هام بها وأعطاها اسم غريتا غاربو، وقرر أن يجعلها نجمة أفلامه وحياته. ومن هنا اعتنى بتصويرها في فيلمه ذاك. ونجح الفيلم حين عرض في العالم. غير أن ستيلر لم يتمكن من أن يحقق فيلماً من بطولتها بعد ذلك، فإذا بها تنتقل الى العمل مع الدنمركي بابست في فيلمه "شارع لا سرور فيه" 1925 في ألمانيا، الى جانب النجمة الشهيرة في ذلك الحين آسستا نيلسن. وهنا أمام "وصولية" غريتا، قرر ستيلر ان يخطو خطوة في منتهى الجرأة، اذ وجد صعوبة في مواصلة العمل في السويد فاصطحب غريتا وسافر معها الى الولاياتالمتحدة حيث السينما الناجحة، وحيث هوليوود وحياة النجوم. هكذا بدأت حكاية غريتا غاربو، واللافت انها بدأت بصدمة، اذ يروى ان ستيلر تمكن بسرعة من ان يقنع شركة "مترو غولدوين ماير" بتوقيع عقد معه ومعها، لكنها حين حاولت ان تشدد من شروطها عن طريق وكيل لأعمالها، قال له لويس ب. ماير بكل هدوء ولا مبالاة: "أرجوك ان تقول لهذه السيدة ان الجمهور الأميركي لا يحب النساء السمينات". وهكذا خففت غريتا من غلوائها وأدركت أنها، بالنسبة الى هوليوود، لم تصل الى مرتبة النجومية بعد، لكنها قالت بينها وبين نفسها: "سأريهم حين أصل". وبالفعل ما إن وصلت، حتى راحت تبتكر أساليب إذلال الاستديوهات وأصحابها. وكان وصولها سريعاً. وكانت في بدايته تخلت عن ستيلر متجاهلة إياه تماماً، وانصرفت الى العمل تحت إدارة مخرجين محليين. وكان أول فيلم لها "الاعصار" 1926 الذي مثلت فيه دور امرأة غاوية تقود الرجال الى جحيمهم وتدمرهم دافعة بهم الى ارتكاب الجرائم. لقد حقق ذلك الفيلم من النجاح ما جعل اسم غريتا غاربو على كل شفة ولسان، خصوصاً أن الصحافة راحت تربط اسم هذه الفاتنة السويدية الغامضة، بملامح الشخصية التي مثلتها في الفيلم، ضاربة المثل بعلاقتها مع المخرج الذي أوصلها وأتى بها الى هوليوود ثم دمرته دون رحمة: موريس ستيلر. بعد ذلك حين توفي ستيلر وحيداً روي ان غريتا بكت عليه بدموع غزيرة واعتكفت في غرفتها حزينة طوال أيام قيل انها مهّدت لاعتزالها اللاحق حسب بعض الذين كتبوا سيرتها. المهم ان غريتا كانت أصبحت منذ تلك اللحظة نجمة عالمية وامرأة يشتهيها الرجال . ابنة ستوكهولم المتشردة البائسة أصبحت ملكة هوليوود غير المتوجة فهل وصلت الى السعادة؟ لقد كان من الطبيعي، ان ينعكس ذلك على حياة غريتا غاربو نفسها. وفي هذا الصدد، لعل الباحث الفرنسي رولان بارث، في نص عنوانه "وجه غريتا غاربو" نشره في كتابه الشهير "أساطير"، كان الأقدر على التعبير عن تلك المماثلة بين روح غريتا غاربو وأدوارها، وانعكاس ذلك على نظرة المتفرجين اليها، اذ كتب "إن وجه غاربو، بوصفه لحظة انتقالية، يصالح بين زمنين تصويريين، اذ انه يؤمن العبور من الارهاب الى السحر" وأن "غاربو لا تزال تنتمي الى تلك اللحظة من عمر السينما حيث كان التقاط الوجه البشري يلقي الجمهور في وهدة الارتباك الشديد، حيث كان المتفرج يضيع حرفياً في الصورة الانسانية ... حين كان الوجه يشكل نوعاً من الحالة المطلقة التي لا يعود في امكان المرء ان يصل اليها ولا ان يتخلى عنها". غير ان هذا لم يكن كافياً لإبهار ملايين المتفرجين، وإن كان كافياً لجعل غريتا غاربو حالة ثقافية، فالجمهور العريض، امام مثل هذه المواصفات كان يحس بالضياع. بالنسبة اليه كان ارتباطه بالنجم يحتاج الى شيء من وضوح هذا النجم. ومن هنا، اذا كانت شهرة غريتا غاربو قد عمت الآفاق، فإن هذا لم يعنِ ان الجمهور أحبها. هو سيحبها فقط، بعد زمن قصير، حين مثلت في فيلم "الجسد والشيطان" 1926 الى جانب جون جيلبيرت، من اخراج كلارنس براون. هنا حدثت "المعجزة": ربطت الصحافة اسم غريتا باسم جيلبيرت بوصفهما "عاشقي العصر" وارتدت سمات غريتا غاربو، فجأة طابعاً انسانياً أسقط النجمة من علاء الغموض الى واقع الانسان. وراحت صورها تملأ جدران البيوت. وبسرعة فقدت شيئاً من سحرها القديم الملتبس لمصلحة بعد إنساني قرّبها أكثر من الناس، لكنه أبعدها عن الأسطورة. ومن هنا كان على أفلامها ان تعيدها الى عالم السحر القديم. وهي في هذا الإطار عرفت كيف تختار مواضيع أفلامها التالية: المرأة العاشقة التي يشقيها الحب او السعي نحوه. ولقد وجد المخرجون في بعض روائع الأدب ما يمكنهم من توفير هذا النوع من الأدوار. وفي هذا الاطار كان فيلم "الحب" 1927 المأخوذ عن "آنا كارينا" للروسي تولستوي. ثم كان "المرأة السماوية" 1928 من اخراج مواطنها فيكتور سجوستروم، قبل ان تمثل في فيلمين ساهما في اعادة سمعتها الملتبسة مساهمة أساسية وهما "المرأة الغامضة" 1928 لفرد نيبلو و"سيدة الأعمال" 1929 الذي أعادها الى التعامل مع كلارنس براون. غير ان هذا كله كان قبل ان يسمع الجمهور العريض صوت غريتا غاربو، فالعصر كان عصر السينما الصامتة. وإذ أضيف الصوت الى السينما في العام 1929، كان من الطبيعي ان تكون الأفلام التالية لهذه الفاتنة أفلاماً ناطقة. والحال أن إضافة صوتها الى سحنتها أضاف الى السحر والغموض سحراً وغموضاً جديدين، إذ تبدى صوتها اجشاً ذا بحة غريبة وكأنه صوت نابع من أعماق وديان سحيقة. من هنا حين حمل ملصق فيلم "آنا كريستي" من اخراج كلارنس براون، عبارة تقول "أخيراً.. غاربو تتكلم" كان لتلك العبارة وقع السحر. ومنذ ذلك الحين تتكلم غريتا كثيراً ولكن في أفلامها فقط. أما في حياتها الشخصية فستظل نادرة الكلام غير راغبة في التعبير عما في صدرها. ولكن ما الذي كان في صدرها؟ غموض من جديد. غموض سيتواصل طوال السنوات العشر التالية، التي ستكون آخر سنوات غاربو كممثلة. خلال تلك السنوات، مثلت غريتا في أكثر من عشرة أفلام، وتحت إدارة كبار مخرجي هوليوود في تلك الحقبة، من جورج كيوكر، الى روبن ماموليان، ومن روبرت ليونارد الى جورج فيتز موريس، وصولاً الى أرنست لوبيتش. وكان واضحاً ان وجودها في أي فيلم من تلك الأفلام ضمانة لنجاحه، نقدياً وجماهيرياً في الوقت نفسه. ولكن النجمة، وكما كان حال فتاة الكاميليا في الفيلم الذي حققه لها جورج كيوكر عن رواية ألكسندر دوماس الابن الشهيرة، كانت تذوي بالتدريج: تزداد حزناً واطراقاً، وتقل رغبتها في ان تتحدث الى أحد أو يتحدث اليها أحد. ولطالما قيل في ذلك الحين، ان تصرفاتها تلك انما هي جزء من عملية دعائية تستهدف اثارة الاهتمام الدائم بها، ووضع معجبيها دائماً أمام قرارات منتظرة تزيد من شعبيتها ومن الحديث عنها لا أكثر. غير ان الذين كانوا قريبين منها كانوا يدركون ان الفاتنة، التي كانت تقترب من الثلاثين من عمرها، كانت تعيش أزمة هوية حقيقية. كان من الواضح بالنسبة اليهم ان هذه السويدية غير قادرة على التكيف أكثر مع مجتمع هوليوود القاسي، وأن هذه المرأة غير قادرة، رغم سحرها، على ان تتكيف مع ذكورية المجتمع الهوليوودي. وبدا واضحاً ايضاً ان تعاملها مع أدوارها بات أكثر سحقاً لها. فهي من النوع الذي يعيش دوره في الحياة على الشاشة، ودوره على الشاشة في الحياة. ومن هنا لم يجد النقاد، او الجمهور، أية غرابة في ان تخلو الأدوار التي مثلتها طوال سنوات الثلاثين من أية ابتسامة، ومن أية لحظة سعادة حقيقية. هل كان ذلك اختياراً واعياً لديها، أم كان عضوياً في شخصيتها؟ من الصعب الإجابة، ففي أفلام مثل "آنا كريستي" أو "الفندق الكبير" أو "كما تريدني" وحتى في "كاميليا"، كانت هناك بالتأكيد لحظات سعادة وفرح، لكن المرأة كانت سرعان ما تدفع ثمنها غالياً. فهل نحن بعيدون هنا، عن مشاعر كان يمكن ان تنتاب غريتا غاربو خلال تلك اللحظات الصعبة والانعطافية من حياتها؟ أرنست لوبيتش الذي كان في ذلك الحين من كبار المخرجين، كما عرف بكونه من أبرز المعبرين عن النفس البشرية في أفلامه، أدرك ان ثمة تبديلاً أساسياً يجب ان يطاول شخصية غريتا غاربو على الشاشة. وهو في بعض مشاهد أفلامها القديمة كان لاحظ امكانيات كوميدية استغرب ألا يكون المخرجون الذين سبقوه الى العمل معها، قد تنبهوا اليه. ومن هنا خطا لوبيتش تلك الخطوة "الجريئة" حين عرض على غريتا ان تمثل دوراً كوميدياً خالصاً في فيلمه التالي "نينوتشكا" 1939 وكانت المفاجأة ان قبلت غريتا ذلك، وغرقت خلال الفيلم في احتساء الشراب وفي الضحك. تخلت تماماً عن ازدواجيتها القديمة وبدت مفعمة بالأنوثة الخالصة. ومن هنا لم يكن غريباً ان يحمل ملصق هذا الفيلم عبارة: "أخيراً... غاربو تضحك". ولسنا في حاجة الى التأكيد على النجاح الهائل الذي حققه الفيلم. ويبدو ان مذاق هذا النوع الجديد من النجاح طاب لغريتا، فأعادت الكرة في فيلم تالٍ هو "المرأة ذات الوجهين" من اخراج جورج كيوكر. ولكن حدثت المفاجأة الجديد اذ فشل هذا الفيلم، ولم يستطع نجاح "نينوتشكا" ان ينعكس نجاحاً جديداً. فكان هذا الفيلم بعنوانه ذي الدلالة، آخر عهد غريتا غاربو بالسينما. قررت على الفور ان تترك السينما والحياة العامة، مفضلة ان تظل لها لدى الناس صورة الشابة الأبدية، من أن تتحمل مزيداً من الفشل. حدث ذلك في العام 1941. أعلنت غريتا بنفسها انها لم تعد تواقة الى خوض التمثيل من جديد. في البداية لم يصدقها أحد. ولكن في العام 1990 حين رحلت عن عالمنا، تذكرها الكثيرون وأدركوا انها كانت صادقة في قرارها واختيارها. وحتى لئن كانت قد رحلت عجوزاً في الخامسة والثمانين، فإنها في نظر الملايين ظلت "الرمز الأبدي للأنوثة" و"التعبير الأسمى عن سحر المرأة وغموضها"، كما ظلت المرأة المعبرة أكثر من أية امرأة اخرى عن "روحانية الجنس" وعن "التوق دائم الى المطلق" كما تعبر عنه نظرات العيون، وشبح السخرية الماثل في الشفتين