منذ انتخابات 1992 وحزب الكتائب، دورة بعد اخرى، يواجه أزمات في خوضه هذا الاستحقاق، بعضها متصل بصعوبة ايجاد مقاعد له في اللوائح الانتخابية القوية لا سيما تلك التي تحظى برعاية السلطة مع ان الحزب يطرح نفسه دائماً موالياً، وبعضها الآخر متصل بترشيحات أعضائه لهذه الانتخابات بين مَن يسميه الحزب مرشحاً له ومَن يتمرد على قرار القيادة فيترشح من دون إذنها. وفي كل الاحوال يظل الحزب يفقد مواقعه داخل الحكم. عام 1992 قاطع الانتخابات، وفي عام 1996 لم ينل مقعداً واحداً على رغم وجود مرشحين له، وأبرزهم رئيسه الراحل جورج سعادة الذي ترشح على لائحة ائتلاف الرئيس عمر كرامي والوزير سليمان فرنجيه. لكن حلفاءه وشركاءه في هذه اللائحة، كفرنجيه والحزب السوري القومي الاجتماعي هم الذين أسقطوه. وهي مؤشرات دلت آنذاك على ان أوان عودة الحزب إلى السلطة لم ينضج بعد ولم يزل محاصراً بخصوم كثيرين على رغم انفتاحه، وفي طليعة هؤلاء الخصوم الدولة اللبنانية بالذات. وعلى أبواب انتخابات 2000 يواجه حزب الكتائب أزمة مماثلة، وان كانت تبدو اليوم ذات وجه داخلي من دون أي تعديل أساسي في موقف الحلفاء والسلطة اللبنانية منه سوى ابداء وزير الداخلية ميشال المر استعداده لضم مرشح للحزب الى لائحته في المتن الشمالي هو رئيسه الحالي منير الحاج. وهذا المقعد هو المقعد الوحيد حتى الآن الذي مُنح للحزب في لائحة قوية تحظى بدعم مسؤول رسمي هو وزير الداخلية رئيسها. مع ذلك ليس في وسع الحاج التأكد، على رغم هذا الاغراء، من ان فوزه محتوماً، اذ يواجهه في هذه الدائرة مرشحان كتائبيان آخران يملكان من القوة التجييرية للأصوات الحزبية أكثر مما يملك الحاج وان يكن الاخير يعول على الاصوات التي سيمنحه اياها المر سبيلاً وحيداً الى الفوز. وهذان المرشحان هما بيار أمين الجميل نجل الرئيس السابق للجمهورية الذي يسيطر على القاعدة الكتائبية المتنية الى حد كبير وابن عم والده بول الجميل الذي سبق له ان ترشح منفرداً في انتخابات 1996. وقد تكون الأهمية التي يكتسبها ترشيح بيار أمين الجميل انه حدّد أولاً خيار تحالفه مع المعارض ذي السمعة البرلمانية البارزة النائب نسيب لحود، وكونه يحظى ثانياً بدعم والده الرئيس المنفي في خوضه هذه الانتخابات، وسعيه ثالثاً، مع معرفة الجميل الابن بصعوبة فوزه في الانتخابات على الاقل بالنسبة الى موقفه المعارض والتصرف الرسمي الاخير الذي منع الجميل الأب من العودة الى بيروت الا انه يرمي من خلال هذه المحاولة الى تأكيد موقعه في المعادلة الانتخابية المتنية واظهار جدية دخوله المعترك السياسي العلني من هذا الباب. في ضوء وقائع انتخابات المتن يبدو واضحاً ان حزب الكتائب وقيادته خصوصاً التي تحاول التنكر لتأثير الجميل الأب في قاعدته، يواجه صعوبة خوض انتخاباته في هذه الدائرة، وقد بات المر على يقين بأن الحاج هو الحلقة الأضعف في لائحته والأكثر عرضة لأحداث خرق فيها من جهة أولى، فضلاً عن رفض القاعدة الكتائبية وقسم أساسي من القيادة التعاون الانتخابي في هذه اللائحة مع الخصم العقائدي التاريخي لحزب الكتائب الذي هو الحزب السوري القومي الاجتماعي. إزاء كل ذلك يواجه الحزب صعوبات في التوفيق بين مرشحيه، الكثيرين أحياناً في الدائرة الانتخابية الواحدة: في دائرة كسروان - جبيل يترشح اثنان شاكر سلامة كسروان وجاد نعمة جبيل. في دائرة عكار - بشري - الضنية يترشح إميل عيد. في دائرة بعلبك - الهرمل يترشح نادر سكر. في دائرة الجنوب يترشح رشاد سلامة. في دائرة الشوف يترشح جوزف عيد. في دائرة بعبدا - عاليه يترشح فادي الهبر عاليه وأنطوان غانم وغابريال كرم بعبدا. وبين هؤلاء جميعا اثنان فقط انضما الى لوائح انتخابية: الحاج في لائحة المر، وسكر في لائحة "حزب الله". لكن المثير في قرار الحزب ترشيح هؤلاء لان هناك شرطاً يقول بأن أي مرشح ينجح في الانضمام الى لائحة انتخابية ينسحب له منافسوه الكتائبيون في الدائرة نفسها. ولهذا يسعى الحزب الى التفاوض على ضم مرشحيه الى لوائح من شأنها وحدها اعطاء الحزب فرصة الوصول الى البرلمان. ولذلك فالمرشح الوحيد الذي يكاد يكون متأكداً من نيابته هو نادر سكر في لائحة بعلبك - الهرمل التي يترأسها "حزب الله". وسكر معروف في الأوساط المسيحية خصوصاً الحزبية منها وتربطه علاقات جيدة مع دمشق في المقابل يحاول الحاج التفاهم مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لضم أنطوان غانم الى لائحته في دائرة بعبدا - عاليه. والواقع ان المتن الشمالي لن يستأثر وحده بإظهار انقسام كتائبي - كتائبي في خوض المعركة الانتخابية بفعل المنافسة القاسية بين الحزبين، بل ثمة معركة اخرى في الاطار نفسه لا تترك في أي حال أثرها على مجمل انتخابات دائرة الشمال الثانية طرابلس وزغرتا والمنية والكورة والبترون، هي تنافس السيدة ليلى سعاده أرملة الرئيس السابق للحزب جورج سعادة، وهي غير كتائبية، مع مرشح الحزب نبيل حكيم، خلافاً لواقع انتخابات المتن التي يترك فيها التنافس الكتائبي - الكتائبي أثراً بالغاً على نتائجها. من غير اغفال السجال الحاد بين الحاج وليلي سعادة على موضوع ترشيحها واتهامها الرئيس الحالي بطعن ذكرى زوجها. يقود ذلك كله الى حصيلة صريحة هي ان حزب الكتائب، يوماً بعد آخر، يشهد لنفسه وبنفسه تفكيك آخر فرصة بإعادة اللحمة والوحدة اليه. لا هو يربح الحزب ولا يربح الانتخابات ولا يربح موالاته للسلطة.