من لم يضحك في سرّه وهو يقرأ الخبر الذي تناقلته الصحف ووكالات الأنباء عن فضيحة "ذاكرة الجسد" التي أثيرت قبل أسابيع قليلة؟ لا شكّ في أن قلّة من الناس تلقّت الخبر بشيء من الاستغراب، أو بالرفض والشكّ، أو كان للنبأ عليها وقع الصدمة... أما الأكثريّة الساحقة، فوجدت في هذه الضجّة وسيلة تسلية جديدة، أو فرصة غير واعية للاقتصاص، وهناك على الأرجح كثيرون ضحكوا في سرّهم بمزيج من الساديّة والتشفّي، عندما اكتشفوا "الورطة" التي وقعت فيها أحلام مستغانمي، والاساءة التي لحقت بسمعتها حكماً. من هنا أن معظم المثقفين والصحافيين والمعنيين بالشأن الأدبي، صدّقوا الخبر بلا تردّد، ومن دون أن يشككوا لحظة واحدة بما سمعوه أو قرأوه، من أن الشاعر العراقي سعدي يوسف، هو الكاتب الحقيقي لرواية "ذاكرة الجسد". هكذا وجدت الكاتبة الجزائريّة نفسها عنوة في قفص الاتهام، من دون محامين ولا شهود، أمام محكمة عليا أصدرت حكمها المبرم... لم يأخذ أحد الوقت الكافي كي يسأل مستغانمي، كي يوجّه بعض الأسئلة إلى الصحافي الذي نشر المقالة مستنداً إلى تلميحات واعترافات باح بها سعدي يوسف في لحظة سمر. لم يعد أحد إلى الرواية مدققاً، مقارناً، ومحللاً، مراجعاً الأسلوب، اللغة، الفكرة، التجربة... فمن قال إن أحلام مستغانمي يمكن أن تكون لديها تجربة، ويمكن أن تمتلك لغة وموهبة وأسلوباً؟ هؤلاء الذين تجاهلوا الرواية بالأمس، أو احتقروها، أو رموها بأقسى التهم.... أو هؤلاء الذين صفّقوا للكاتبة، واهتمّوا بالرواية لأسباب لم تكن دائماً مرتبطة بصميم العمل الأدبي، تحلّقوا اليوم حول الكاتبة متلذذين برجمها، مطالبين بمزيد من الفضائح ونشر الغسيل الوسخ على سطوح حياتنا الأدبيّة والفكريّة. كنّا لمسنا بنفسنا، خلال مؤتمر الرواية العربيّة الذي انعقد في القاهرة قبل سنوات، وضمّ لفيفاً من أهل الأدب والابداع، ما أثاره نجاح روايتي أحلام مستغانمي لدى الكثير من زميلاتها وزملائها من حساسيات وغيرة، بل وحقد أحياناً. وقد تعامل بعضهم سلفاً مع التجربة بازدراء، بسبب وجماهيريّتها... لكن القراءات النقديّة المعمّقة بقيت نادرة. هل "طريق النجاح محفوف بالأحقاد"؟ كما قالت الكاتبة الجزائريّة التي خرجت عن صمتها أخيراً؟ وهل "النجاح هو أكبر جرم يرتكبه الكاتب العربي"، كما أضافت في المداخلة التي ألقتها أخيراً خلال "مهرجان الرباط"، ضمن ندوة خُصصت للأدب النسائي؟ هناك جرم آخر اقترفته أحلام مستغانمي، هو كونها انثى، أي محطّ كل أنواع الشبهات، متهمة سلفاً، مشكوك أساساً في قدرتها على كتابة رواية! وهذه الضجّة الآسنة، تدفعنا إلى اعادة النقاش إلى مجراه الصحّي والطبيعي، بعد أن تكلّم سعدي يوسف متأخّراً، ليكذّب الاشاعات... وليته ردّ على أسئلة الصحافي التونسي الذي حاول أن يعرف رأيه مراراً قبل نشر المقالة. "ذاكرة الجسد" رواية تنبض بجرأة كاتبة جريح، وتستبطن جزءاً أساسياً من الذاكرة الجزائريّة، ومن التاريخ الجزائري المثقل بالجراح. قد لا يحبّ بعضهم أعمال مستغانمي، وقد يجد فيها آخرون بعض الهنات، أو ينتقدها لأسباب مختلفة، وهذا مشروع طبعاً. لكنّ هل يحقّ لنا أن نسيء إلى سمعة كاتبة، في هذا الزمن الذي لم يعد ينجب إلا أنصاف المثقفين؟