انتهى مؤتمر وزراء خارجية منظمة الوحدة الافريقية الذي انعقد في العاصمة الليبية طرابلس الى حل توفيقي لكنه لم يرض ليبيا التي كانت تأمل بدفع مسألة الوحدة الافريقية واعادتها الى السكّة بعدما تعثّر مشروعها الاصلي وبدا ان الحكومات التي وافقت عليها في قمة سرت في شهر ايلول سبتمبر الماضي تراجعت اليوم. وكانت قمة سرت التي تبدو اليوم وكأنها عاصمة ثانية لليبيا قد وافقت على مشروع معدل لمشروع طموح قدمه العقيد القذافي يرمي الى حل منظمة الوحدة الافريقية واستبدالها باتحاد فيديرالي تغيب منه الدولة الوطنية وتقوم محلها وحدة بأتم معنى الكلمة على شاكلة الولاياتالمتحدة الاميركية بحكومتها المركزية وبرلمانها ومؤسساتها الاقتصادية. وكان يبدو واضحاً ان المشروع الليبي الذي استعاض فيه القذافي عن احلام الوحدة العربية التي دعا اليها على مدى 30 سنة بوحدة افريقية لم يكن لينال انضمام الحكومات الافريقية. وقد جاء تأكيد ذلك في اول اجتماع لوزراء الخارجية الأفارقة انعقد في اديس ابابا مقر منظمة الوحدة الافريقية حيث تراجع ذلك الاجتماع حتى عن القدر من الوحدة التي خرجت به قمة سرت على رغم انه لم يكن يرضي القذافي. ومن هنا جاءت الدعوة الليبية لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية الأفارقة خارج الاطار الزمني والمكاني المحدد، فلا الانعقاد في موعده العادي ولا في مكانه العادي حيث ينعقد مؤتمر وزراء عادة مرة كل ستة اشهر وفي مقر المنظمة بالعاصمة الاثيوبية. ويبدو ان العقيد القذافي اراد من الدعوة لعقد المجلس الوزاري الطارئ ان يذكر القادة الأفارقة ب"التزاماتهم" التي قطعوها في قمة سرت كما اراد ان يدفع عملية الوحدة التي بدت معطلة بعد مؤتمر وزراء الخارجية لمعاضدة المشروع الليبي فيما جاء آخرون للعمل المتكتم ضده. وظهر من اعمال المؤتمر موقفان بارزان: الاول موقف أقلي تدعمه منظمة دول تجمع الصحراء والساحل التي تضم الى جانب ليبيا كلاً من تشاد والسودان والنيجر ودول اخرى عدة من جنوب الصحراء، ويدعو الى الاسراع بتفعيل الاتحاد الافريقي ووفق المشروع الليبي لا مشروع القمة التي انعقدت في سرت والذي يبدو متراجعاً كثيراً عن مشروع القذافي الاصلي. والثاني، موقف اغلبي يدعو الى التريث وعدم التسرّع والواقعية والحذر وقد تزعمت حكومة جنوب افريقيا هذا الموقف ولها رصيد مهم من الثقة بين الحكومات الافريقية. وكان تقرير اجتماع الخبراء الذي انعقد في اديس ابابا مؤيداً لوجهة النظر الثانية ما اغاظ طرابلس ودفع القذافي الى عقد اجتماع مع الوفود حدثهم فيه عن محاسن قيام وحدة افريقية ودعا الى الالتزام بالمشروع الذي قدمه في قمة سرت او على الاقل المشروع التي تمخض عن تلك القمة والذي اعتبر توفيقياً وان لم يرضِ الجانب الليبي. وتشكلت بعد الخطاب وما ظهر من خلافات بين الوزراء وداخل اللجان لجنة من 14 عضواً برئاسة دولة مالي وعضوية الجزائر وليبيا عن الدول الافريقية العربية لاعداد مشروع توفيقي بين نص قمة سرت ونص الخبراء. غير ان الاعضاء فوجئو بمشروع ثالث يعرضه رئيس اللجنة وزير خارجية مالي يختلف عن الاول والثاني بصورة حصلت معه تطورات دراماتيكية انتهت الى انسحاب وفد مالي ثم تشكيل لجنة خماسية انتهت بعد عودة الوفد المالي الى نص توفيقي آخر اهم ما فيه ارجاء البت في الفصول الاربعة التي تهم السيادة وعرض الامر في شأنها على قمة منظمة الوحدة الافريقية المقبلة في لومي عاصمة توغو في الصيف المقبل ما أفرغ المشروع الاصلي والمشاريع التالية من كل مضمون فعلي. كما اتفق فيما يبدو على عقد قمة سرت 2 في شهر آذار مارس العام 2001 للاعلان عن حل منظمة الوحدة الافريقية لنفسها وانشاء اتحاد الدول الافريقية الذي سيتحدد مضمونه في قمة العاصمة التوغولية بحيث يكون له رئيس مجلس ومجلس للرئاسة ومؤسسات تنفيذية وتشريعية ومؤسسات اقتصادية، هذا اذا تم الاتفاق فعلاً بعيداً عن طرابلس وتأثيرات القذافي فيها