لم يسبق ان وجد رئيس موريتاني حفاوة واستقبالاً مثل الذي حظي به الرئيس معاوية ولد سيدي احمد الطايع إبان زيارته الأخيرة للمغرب. فمنذ استقلال موريتانيا بقيت العلاقات المغربية - الموريتانية أسيرة "لعقدة أبوة"، حيث ظل المغاربة يعتبرون موريتانيا جزءاً من أراضيهم. وما تزال الذاكرة السياسية في المغرب تتذكر ما يصطلح عليه "خارطة علال الفاسي"، الذي كان أحد أبرز زعماء معركة الاستقلال توفي العام 1974، وكان يرى ان حدود "الإمبراطورية المغربية" تصل الى نهر السنغال، حدود موريتانيا الحالية. وتبعا لهذا الإرث التاريخي، لم يعترف المغرب باستقلال موريتانيا حتى العام 1969، وهو العام الذي انعقدت فيه أول قمة إسلامية في الرباط. بيد ان العلاقات المغربية - الموريتانية ظلت في حالة مد وجزر إبان حكم الملك الحسن الثاني. ولم يحدث في عهده ان وجهت دعوة رسمية لرئيس موريتاني لزيارة المغرب، إذ كانت الزيارات تتم في إطار مؤتمرات أو قمم عربية واسلامية. ويبدو ان الملك الراحل لم يكن متحمسا لرفع درجة العلاقات الى حد تبادل زيارات الدولة. فتلك كانت طرائق الحسن الثاني الديبلوماسية. لكن هذه المرة جاء ولد الطايع في زيارة رسمية وخصص له استقبال حافل. وكانت بداية الزيارة من طنجة في أقصى شمال المغرب. واختيار المدينة لم يأت عفويا. ففي طنجة عقد أول مؤتمر مغاربي حين اجتمعت أحزاب المغرب والجزائر وتونس لتبحث مسألة إقامة اتحاد لدول المغرب العربي. وهو اتحاد ما يزال مشروعا على الورق. وأجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس جولتين من المحادثات مع ولد الطايع كما اصطحبه في جولة لتدشين بعض المشاريع. وخلال هذه المحادثات تم الاتفاق على إنشاء لجنة عليا مشتركة يترأسها رئيسا الحكومتين في البلدين. وخلال اجتماع بين ولد الطايع وعبدالرحمن اليوسفي تم الاتفاق على ان تعقد هذه اللجنة اجتماعها الأول في العاصمة الموريتانية نواكشوط. وتقول بعض المصادر ان الرئيس الموريتاني بادر اليوسفي - الذي يتحدر من مدينة طنجة - عندما التقاه بسؤال عن المسافة التي تفصل بين طنجة و أوروبا. وأجاب اليوسفي بأنها في حدود 12 كيلومترا عبر مضيق جبل طارق. ولاشك في ان فكرة دارت في ذهن الرجلين وهما يتذكران هذه المسافة القصيرة، ما يمكن ان يشكله تعاون المغرب وموريتانيا، خصوصا ان أوروبا التي توجد على مرمى حجر ما تزال في حاجة ماسة لثروة تفيض بها الشواطئ المغربية والموريتانية على حد سواء. وهي ثروة السمك، المادة الغذائية التي يشتهيها الأوروبيون طازجة. لكن المؤكد ان محادثات ولد الطايع في طنجة لم تقتصر على موضوع التنسيق في مجال الصيد البحري بل طالت ما هو أهم سياسيا، خصوصا مشكلة الصحراء حيث جاء الرئيس الموريتاني الى المغرب بعد ان قررت السلطات في نواكشوط طرد ممثل جبهة بوليساريو بعد اتهامه "بالتطاول" على السيادة الموريتانية. كما ان الجانبين بحثا مسيرة اتحاد المغرب العربي المتعثرة. وعلى رغم ان بعض التحليلات المتسرعة ربطت بين الزيارة وفكرة إقامة محور جديد يضم المغرب وموريتانيا وتونس التي سيزورها العاهل المغربي مرة ثانية، هذا الشهر، بعد ان يحضر اجتماعات اللجنة العليا المغربية المصرية، لكن المسؤولين المغاربة سخروا من هذه الفكرة، وقال محمد بن عيسى وزير الخارجية "فكرة المحاور لم يعد لها وجود أو جدوى في الوقت الراهن". الى ذلك فإن موضوعا له حساسية خاصة تم بحثه خلال الزيارة، بيد ان البيان المشترك غفل ذكره، ويتعلق بالعلاقات الديبلوماسية التي أقامتها موريتانيا مع إسرائيل، وهي علاقات أدت الى توتر في علاقاتها مع كل من الجزائر وليبيا. وما كان يهم الجانب المغربي في هذه العلاقات هو المدى الذي ستصل إليه في مجال التعاون الثنائي. وكان المغاربة تابعوا عن كثب زيارة قام بها وفد من الكنيست الإسرائيلي لنواكشوط، والإعلان رسميا خلال تلك الزيارة التي تمت في الشهر الماضي ان إسرائيل ستعمل على دعم التعاون الثنائي في مجال تطوير الواحات التي توجد في شمال موريتانيا، وهو ما يعني ان وجودا إسرائيليا سيكون على مقربة من الحدود المغربية من جهة الصحراء. ولم يعط وفد الكنيست آنذاك تفاصيل وافية عن مشروع تطوير الواحات. وكانت رئيسة الوفد ناومي شازان وهي نائبة عن حزب العمل قالت ان زيارة الوفد الإسرائيلي أسفرت عن "نتائج تاريخية". وتقول المصادر ان الجانب الموريتاني وضع الجانب المغربي في بعض تفاصيل العلاقات مع إسرائيل. بيد ان الجانب المغربي تكتم على هذا الموضوع. وكان لافتا ان البيان المشترك، الذي صدر في أعقاب زيارة ولد الطايع، حرص على تثبيت فقرة حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط تؤكد تشبث البلدين بقيام دولة فلسطينية على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية والسورية. لقد حمل الرئيس الموريتاني انطباعات طيبة عن زيارته للمغرب، والمؤكد انه حمل معه كذلك بعض الأسئلة المغربية التي تأمل الرباط ان تحصل على أجوبة عليها وفي مقدمها موضوع الواحات