أجل انفضاض الدورة البرلمانية الثالثة لمجلس الأمة الأردني نهاية شباط فبراير احتمال الصدام بين السلطة التشريعية من جهة، وبين السلطة التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، على اثر قرارات ومواقف نيابية فاجأت المجتمع بشرائحه الاجتماعية والاقتصادية وألوانه السياسية، وأثارت مخاوف وجدلاً، الأمر الذي فتح شهية أطراف محلية كثيرة في البلاد لتطالب بحل مجلس النواب الذي لم يبق له سوى دورة عادية واحدة ستفتتح نهاية العام الحالي. وكان مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب قد رد مشروع تعديل لقانون الشركات يعطي مراقب الشركات دوراً في التدخل لإنقاذ الشركات المساهمة العامة الخاسرة. ورد أيضاً مشروع قانون الكسب غير المشروع الذي بقي منذ العام 1992 في أضابير مجلس الأعيان ويهدف إلى محاربة الفساد من خلال الزام كل من يتولى الوظيفة العامة بما فيهم النواب والأعيان والوزراء، إشهار ذممهم المالية قبل دخول الوظيفة والمنصب - وقبل مغادرتها. كما رد المجلس مشروع قانون الأسلحة بسبب استثناء النواب والأعيان والوزراء من التصريح لاقتناء الأسلحة. لم ينظر الأردنيون بارتياح إلى رد هذه القوانين الثلاثة، بل اعتبروا موقف النواب والأعيان مبنياً على قاعدة المصالح الشخصية، خصوصاً في ما يتعلق بقانون الكسب غير المشروع وقانون الأسلحة. وانتقدت الأوساط الإعلامية تباطؤ مجلس النواب في بحث مشروع قانون المدينة الإعلامية، الأمر الذي أفشل المشروع وجعل الفكرة المطروحة منذ ثلاثة أشهر حبراً على ورق. بل ان دولاً عربية أخذت الفكرة الأردنية وطبقتها. ووصلت الانتقادات أيضاً إلى موقف مجلس النواب من مشروع القانون المعدل لقانون العقوبات الأردني الذي يهدف لإلغاء المادة 340 التي تغطي ما يسمى "جرائم الشرف". وقد ذُهل الأردنيون من عريضة نيابية وقعها 55 نائباً تطالب الحكومة بوضع مشروع قانون لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في البلاد، وعلى رغم ان العريضة بشكلها القانوني غير ملزمة للحكومة، إلا أن عدد النواب الموقعين عليها وتوقيتها في ظل غياب نواب الحركة الإسلامية عن مجلس النواب، اعطت انطباعاً لدى الرأي العام بعدم جدية مجلس النواب في طرح أو تبني القضايا العامة. وعلى رغم ان انتهاء الدورة البرلمانية وتراجع أغلب الموقعين على العريضة قد أجل البحث فيها إلى الدورة المقبلة في نهاية العام، إلا أن الاتهام بدأ يعلو باتجاه مجلس النواب، باعتبار أنه "يعرقل مسيرة الاصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد" التي يقودها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. وفي المقابل، فإن الأيام الماضية لم تشهد أي رد فعل من جانب القصر الملكي على التحولات الكبيرة في مجلس الأمة، سوى المسيرة التي قادها الأمير علي بن حسين شقيق العاهل الأردني إلى مجلس الأمة للمطالبة بإلغاء المادة 340 من قانون العقوبات. وقالت مصادر إن طرح قضية الشريعة الإسلامية من دون تهيئة الظرف المناسب لتطبيقها فيه إضرار بالأردن وبالشريعة نفسها. وأحدثت العريضة جدلاً أيضاً في مجلس النواب بعد تراجع كثيرين عن تواقيعهم، حتى ان النائب الإسلامي المستقل الدكتور عبدالمجيد الأقطش اعتبر ان سحب التوقيع تكتنفه شبهة الردة عن الإسلام! الحكومة، من جانبها، التزمت الصمت على موقف مجلسي النواب والأعيان، واعتبرت ما جرى حقاً كفله الدستور الأردني لأعضاء مجلس الأمة، في الوقت الذي نفى فيه وزير الإعلام صالح القلاب وجود أي توجه لدى القصر أو الحكومة لحل مجلس النواب. ويبدو ان فكرة الحل غير واردة لدى العاهل الأردني الذي لا يرغب ان يسجل في عهده حل مجلس النواب، إضافة إلى ان مسؤولاً كبيراً في الديوان الملكي يعتقد بأن الانتخابات بحاجة إلى استقرار أمني وجهود كبيرة لترتيبها. لكن المرحلة الحالية لا تزال انتقالية وبحاجة إلى الهدوء والاستقرار أكثر من الدخول في متاهات عمليات الاقتراع والفرز.