وسط ضجيج إعلامي وجماهيري غير مسبوق ينفذ النادي الأهلي بطل مصر لكرة القدم حالياً عملية تغيير جلده وتجديد شباب فريقه، وهي عملية يجريها الأهلي بشجاعة وانتظام كل عشر سنوات، وسبق له أن ضحى بنجومه الافذاذ رفعت الفناجيلي وطه أسماعيل وميمي الشربيني في بداية السبعينات، وتبعهم باللاعبين صفوت عبد الحليم ومصطفى يونس وأحمد عبد الباقي وطاهر الشيخ في مطلع الثمانينات، وطاهر أبو زيد وربيع ياسين وعلاء ميهوب في مستهل التسعينات. ومع انطلاقة الألفية الثالثة انخرط الأهلي كعادته في التجديد، وبدأ بالمخضرم أسامة عرابي من دون متاعب، واصطدم الجهاز الفني بالثنائي الشقيقين التوأمين حسام وإبراهيم حسن وكلاهما أكمل 33 عاما الصيف الماضي، وهما الأكبر حاليا في صفوف الفريق. المواجهة مع التوأمين ليست سهلة، وهما لاعبان أساسيان باستمرار في الأهلي بل وفي منتخب مصر ويشاركان حاليا في نهائيات كأس الامم الافريقية في غانا ونيجيريا، وهما الانجح في تاريخ قارة أفريقيا على صعيد المباريات الدولية، وهما الوحيدان اللذان تخطيا حاجز 100 مباراة دولية في القارة السمراء واللاعبان يحظيان بشعبية جارفة ويمتلكان حماسة فائقة. مجلس إدارة الاهلي لا ينظر أبداً الى الأمور العاطفية أو الجماهير، ومع اتخاذ قرار التغيير بدأت العملية المنظمة بدفع اللاعبين إلى مواجهة مع الجهاز الفني تنتهي إلى وقوعهما في خطأ جسيم، وهو الأمر الذي يعطي للأهلي تبريراً جيداً على الصعيدين التربوي والجماهيري عند اتخاذ قرار باستبعادهما من الفريق، ونظراً لعدم ارتباط اسم الألماني راينر تسوبيل المدير الفني الحالي للفريق بالنادي الأهلي إلا لفترة قليلة إذ ينتهي عقده في الصيف المقبل، اسندت الادارة الذكية الى تسوبيل مهمة الصدام مع التوأمين مع دعم غير محدود للمدرب الألماني. بدأت العملية برفض سفر التوأمين الى جوهانسبورغ للمشاركة ضمن منتخب العالم في مباراة ودية ضد منتخب جنوب افريقيا لتكريم نيلسون مانديلا في آب اغسطس الماضي، وكان إبراهيم وحسام في قمة السعادة بالمشاركة في المباراة لأنها المرة الأولى التي يقع إختيار الفيفا عليهما وسط نخبة نجوم العالم، والمرة الأولى في التاريخ التي لعب فيها توأمان في مثل تلك المباريات، ورفض التوأمان حرمانهما من السفر وتوجها إلى جوهانسبورغ بعد ضغوط ضخمة لكن إبراهيم دفع الثمن سريعا باستبعاده من التشكيلة الأساسية لمباراة شوتنغ ستارز النيجيري في دوري أبطال أفريقيا، ورفض إبراهيم الجلوس احتياطيا وتعرض لايقاف طويل. الغريب أن إبراهيم كان حاصلا على لقب أحسن ظهير أيمن في كأس القارات في المكسيك قبل شهر واحد على حساب ظهراء البرازيل والمانيا والمكسيك. أضطر تسوبيل إلى إعادة إبراهيم حسن إلى التشكيلة بعد خسارة الأهلي في القاهرة أمام الرجاء البيضاوي المغربي صفر/1 في دوري ابطال افريقيا، وهي الهزيمة الأولى للأهلي طوال تاريخه في المسابقات الأفريقية على ملعبه، وتحققت بعد 33 عاما من احتفاظه برصيد نظيف. تعرض الأهلي لكبوة وخسر البطولة العربية على ملعبه ثم البطولة الأفريقية أمام الرجاء واضطر تسوبيل لإعادة حسام حسن إلى الصفوف قبل تمام شفائه من جراحة في الرقبة. وعندما استعاد الأهلي توازنه وفاز في مبارياته الثماني الأولى في الدوري على التوالي وأطمأن الجميع إلى حصول الفريق على دفعة قوية في المسابقة المحلية بدأت المرحلة الثانية من عملية تغيير الجلد على حساب حسام وإبراهيم. وعقب هزيمة الأهلي من الزمالك 2/1 في الدوري قرر تسوبيل استبعاد حسام وإبراهيم نهائيا من قائمة الفريق لمباراة الاتحاد السكندري ورأى الشقيقان في التصرف التصفوي من المدرب وهو الأول لهما مع الفريق منذ عام 1986 ظلما وايذاء بلا داع، وتقدما معا بطلب إلى ادارة النادي لاعفائهما من اللعب حتى نهاية الموسم ورحيل الألماني تسوبيل وابتعد الشقيقان عن مباريات الأهلي الأربع الاخيرة في الدوري. الرأي العام في مصر - وهو مؤيد للاهلي باستمرار - وقف مع الإدارة والمدرب ضد التوأمين تحت شعار المدرب على حق دائما، ولكن الفرنسي جيرار جيلي المدير الفني لمنتخب مصر لم يعبأ بالرأي العام ولا بموقف إدارة الأهلي ومدربه وقرر ضم الشقيقين إلى المنتخب المشارك في الامم الافريقية ووضعهما في التشكيلة الأساسية وهو إعلان صريح عن أنهما بين احسن 11 لاعباً في مصر وانهما اجدر بمكانيهما في المنتخب من اللاعبين المحترفين في أوروبا، وتحول الرأي العام تدريجا وببطء للوقوف بجوار الشقيقين. ولكن إدارة الاهلي التي يرأسها صالح سليم - الرجل الحازم وصاحب التاريخ الرياضي الناصع - لا تعبأ مطلقا بالرأي العام ولا تزال عند موقفها الواضح بدعم الألماني تسوبيل، وهو ما يشير إلى عدم الاتجاه للتجديد للشقيقين إبراهيم وحسام اللذين ينتهي عقدهما مع الأهلي بعد أشهر قليلة، وما أصعب أن يلقي المرء "جزاء سنمار" في بيته. أهتز الأهلي في بداية السبعينات بعد اعتزال الفناجيلي وطه والشربيني ولم يفز بأي بطولة حتى 1975 وأهتز في بداية الثمانينات وخسر الدوري عامي 83 و1984 على التوالي وأهتز في بداية التسعينات وخسر الدوري أعوام 91 و92 و1993. ولكن الجديد مع عملية التغيير الرابعة في مطلع الألفية الثالثة أن الاهلي لم يهتز بل حقق انجازاً رائعاً في الدوري المحلي واحتفظ ببريقه كحامل للقب في المواسم الستة الاخيرة. وفي غياب إبراهيم وحسام بعد خلافهما مع تسوبيل نجح الأهلي في الفوز على الأتحاد السكندري 3/1 في القاهرة وعلى المصري البورسعيدي 2/صفر في القاهرة ايضا، وعلى الشرقية 3/صفر في الزقازيق وانهى مرحلة الذهاب في الدوري بفوز ثمين على المقاولين العرب العنيد 1/صفر. وابتعد الأهلي في صدارة المسابقة بفارق 10 نقاط كاملة عن أقرب منافسيه وهو الزمالك ما يدعم موقف المتصدر في الاحتفاظ بلقبه للعام السابع على التوالي حتى لو صادفته بعض العثرات في مرحلة الاياب. وحقق الأهلي - وهو يخوض عملية تغيير الجلد التي ينفذها كل عشر سنوات - رقمين قياسيين تاريخيين لم يحققهما أي جيل من الأجيال الذهبية في تاريخ النادي في الدوري على مدار 50 عاماً، وهما الفوز في 12 مباراة من أصل 13 في الدور الأول بنسبة نجاح مذهلة وغير مسبوقة والابتعاد بفارق شاسع من النقاط عن أقرب منافس وهو فارق قياسي في ختام الدور الأول منذ انطلاق الدوري. وأنهى الأهلي الدور الأول وهو صاحب أحسن الانجازات من كل الوجوه، اذ كان الأكثر فوزا والأقل تعادلا وهزيمة ولديه اقوى هجوم برصيد 25 هدفا وعنده هداف المسابقة وهو علاء ابراهيم برصيد 7 اهداف ويمتلك أقوى دفاع ولم يدخل مرماه سوى 5 أهداف وعنده انظف سجل بين كل الأندية في الأنذارات والطرد، ولم يتعرض أحد لاعبيه لأي بطاقة حمراء في 13 مباراة خلال الدور الأول. احتفاظ الاهلي بمكانته في الصدارة في تحقيق الفوز المستمر لم يأت من فراغ ووراءه سياسة حكيمة لإدارة النادي بدعم الصفوف بالاكفاء من الاندية الاخرى والصاعدين من الاشبال وعبر العامين الماضيين دعم الاهلي صفوفه بالمدافعين حسين شكري وسعيد عبد العزيز وشادي محمد والمهاجمين علي ماهر وعلاء ابراهيم، واصبح الخمسة اساسيين في الفريق رغم انهم بعيدون جدا عن المنتخب الوطني، ونجح علاء في تعويض غياب حسام حسن وبات هدافا ممتازا وتصدر قائمة الهدافين بالدوري واحرز هدفا في كل مباراة من المباريات الخمس الاخيرة في المسابقة. واعطى الاهلي الفرصة لعدد وافر من الصاعدين من فرق الاشبال، واحتل ابراهيم سعيد مكانا اساسيا في الفريق واصبح اساسيا ايضا في منتخب مصر وينتظره مستقبل باهر ومن المؤكد احترافه في اوروبا الموسم المقبل، وتبعه الصاعدون احمد عبد الظاهر قلب الدفاع الاساسي ومحمد جوده في خط الوسط ومحمد فاروق واحمد بلال في الهجوم، وتمكن الثلاثي جودة وفاروق وبلال من ترجيح كفة الاهلي بأهدافهم المؤثرة في اكثر من مباراة صعبة، ونال فاروق مكانا في قائمة منتخب مصر في كأس الامم الافريقية وبات جودة وبلال اساسيين في منتخب مصر الاولمبي الذي يخوض تصفيات دورة سيدني الاولمبية 2000 مع زملائهما الصغار احمد عبد الظاهر وسعيد عبد العزيز وشادي محمد وحارس المرمى الجديد احمد فوزي وامير عبد الحميد. ويمتلك الاهلي رصيدا جديدا من الناشئين الذين لم يحصلوا على فرصتهم الكاملة حتى الآن مثل الحارسين فوزي وعبد الحميد والظهير اسامة حسن الذي نال لقب هداف الدورة الودية التي اقيمت في القاهرة قبل اسابيع بمشاركة اندية رودا الهولندي ولازلو الهنغاري والمقاولين العرب والنيجيري اسحق اول - 20 عاما فقط - وقيده الاهلي في فرق الناشئين وكشف عن موهبة كبيرة عبر الدقائق القليلة التي شارك فيها خلال فترة ايقاف التوأمين. والوفرة الكبيرة لدى الاهلي في اللاعبين الاكفاء بين الاساسيين والاحتياطيين والصاعدين هي التي منحته الفرصة لمواجهة غياب الشقيقين إبراهيم وحسام حسن والمصابين وليد صلاح الدين وياسر ريان وشادي محمد والغاني يوسف يعقوب. ثابت البطل مدير الكرة الناجح في الاهلي على مدار اربع سنوات متتالية يعيش مع الفريق في موسمه الخامس متحديا الجميع بسياسات عنيفة ويقول: التوأمان مخطئان بكل المقاييس هما يريدان معاملة خاصة تختلف عن بقية اللاعبين، ولم يكن فريق الاهلي في أي يوم مسرحا للتمييز بين اللاعبين، وهما يريدان مركزا ثابتا في الفريق من دون النظر للمران أو الخطة أو رأي المدرب ويرفضان دوما اللعب كاحتياطيين وكلها امور تتعارض مع سياسة الاهلي والاساس أن المدرب هو صاحب القرار الأول والأخير في اختيار اللاعبين ووضعهم في الفريق الاساسي أو جلوسهم كاحتياطيين، وهو الذي يضع خطة المباراة ويكلف اللاعبين بمراكز وواجبات ويجري عمليات التغيير وكلها امور ليست محل مناقشة في الاهلي أو في أي ناد في العالم، ولن نسمح يوما باي تغيير على تلك القاعدة، والشقيقان حسام وابراهيم لاعبان كبيران ولهما تاريخ جيد وانجازات كبيرة وهما مطالبان بالانتظام في المران وطاعة المدرب واحترام قراراته وتنفيذها من دون مناقشة. ويضيف ثابت: عملية تجديد الفريق اساسية ومهمة لضمان الاحتفاظ بالبطولات حتى لايفاجأ الاهلي في احد المواسم باعتزال سبعة أو ثمانية لاعبين اساسيين دفعة واحدة، والتجديد يتم بعناية ودقة لضمان وجود عنصر الخبرة في الفريق، وعندما اعتزل اسامة عرابي واحترف محمد يوسف حرصنا على بقاء حسام وإبراهيم وهادي خشبة ووليد صلاح وياسر ريان ومشير حنفي وعصام الحضري، وكلهم اصحاب خبرة ممتازة، وسينضم اليهم في قطار الخبرة قريبا اللاعبون هشام حنفي وعلي ماهر وعلاء ابراهيم وحسين شكري وسيد عبد الحفيظ. وكل منهم لعب 4 مواسم على الاقل في الفريق الأول. وكرة القدم أو أي رياضة اخرى لم تدم يوما للاعب مهما كان اسمه وقدره، والا لاستمر محمود الخطيب حتى الآن في الاهلي. والتغيير سنة الحياة .. وعلينا أن نحترمه. ولكن المعارضين يؤكدون العكس ويرون ان سياسة الاحتراف التي يطبقها الاتحاد المصري تتيح للاهلي - اغنى الاندية واكثرها قوة ونفوذا - سلطة تغيير الفريق في أي موسم عن طريق شراء اللاعبين الممتازين من الاندية الاخرى محليا أو اجنبيا، وأن الاحتراف لا يترك أي فرصة لحدوث هزة اذا اعتزل سبعة لاعبين دفعة واحدة بدليل أن اندية اوروبا الكبرى يمكن ان تضم عشرة لاعبين جدد في موسم واحد من دون حدوث اهتزاز. ويدين البعض ايضا - وعلى رأسهم طاهر أبو زيد عضو مجلس الادارة الحالي وضحية عملية التغيير عام 1992 - ما حدث تجاه حسام وابراهيم حسن رغم عدم رضاه عن بعض تصرفاتهما، ويرى أن الحوار مع النجوم ضروري، وأن اللاعب الكبير يجب أن يحظى بمعاملة نفسية خاصة من المدرب أو مدير الكرة لاقناعه بالجلوس كاحتياطي أو الخروج من التشكيلة الاساسية. وآخرون يرون أن الوقت المناسب لاجبار حسام وابراهيم على الاعتزال لم يحن بعد وأن اتجاه الاهلي لابعادهما جاء مبكرا جدا وغير موفق بالمرة. ولكن النتائج تقول الاهلي في الصدارة الآن. والتاريخ يقول .. الاهلي لم يهتز ابداً