إختارت المطربة سحر طه منذ عام 1984 غناء الموشحات والأدوار والأغنيات العربية الكلاسيكية، مصرة على الإلتزام بالخط الغنائي التقليدي ورافضة مجاراة العصر بأغنياته السريعة. تحت ضغوطات الأهل تركت حلمها بتعلم عزف الأكورديون وتوجهت الى دراسة إدارة الأعمال ونالت الماجيستير في العراق موطنها الأصلي، وبعد إقترانها من اللبناني سعيد طه درست الموسيقى على أصولها في الكونسرفاتوار في لبنان، وعزف العود على يد الأستاذ سعيد سلام، وركزت على التراث العراقي القديم وقدمته بأصالته من دون أدنى تبديل. أسطوانتها الأولى تصدر قريبا، وهنا حوار معها: أنت مطربة وناقدة صحافية في آن ، لماذا اخترت الإحتفاظ بمهنة الصحافة في حين أن الغناء بات اليوم أكثر شعبية ومردوداً؟ - الواقع أنني دخلت الى عالم الصحافة عبر الموسيقى. تربيت في منزل أدبي، فوالدي هادي الخفاجي شاعر معروف في العراق ، منذ صغري أحببت الشعر والكلمة الحلوة والكتابة لا سيما عن الموسيقى وتحليل الصوت والمقامات وعناصر الأغنية المختلفة. وبعدما درست الموسيقى وعزف العود خضت ميدان النقد الموسيقي ولا أزال فيه حتى اليوم. هل تتقبلين النقد وما رأيك في مستوى النقد الفني السائد حالياً؟ -لا وجود للنقد الموسيقي اليوم إلا نادراً، ثمة نقد تشكيلي ومسرحي وسينمائي وأدبي فقط. إن غالبية من يكتبون عن الموسيقى ذواقة فقط، يقدمون عرضا للحفلة ولا يعطون وجهة نظر علمية. وأتمنى دوما أن يكتب عن فني إنسان لديه خبرة موسيقية كي أستفيد منه .فالإنسان مهما كان بارعاً لا يتنبه الى أخطائه، لكن إشارة الآخرين لها تجعله يتقدم. للأسف، ثمة فنانون لا يتقبلون سوى الكلمات الرنانة التي تمجد فنهم، وهناك أصوات قديرة لا تأخذ حقها فيما أخرى رديئة تبرز. قدمت التراث العراقي من دون أن تبدلي فيه أو تحوري محافظة على آلات التخت الشرقي، هل يصل هذا التراث برأيك الى آذان الجيل الجديد وقلوبهم؟ - بالطبع، لأن الأذن تألف ما تعتاده. أديت الأغنيات العراقية القديمة في الجامعات حيث الغلبة للشباب وكان التجاوب كبيراً. ما رأيك بمحاولات تجديد هذا التراث، لا سيما تجربة إلهام المدفعي؟ - إن التجديد ضروري وينبغي على الفنان أن يعيش عصره، لا يمكن الغناء على غرار سلامة حجازي في أوائل القرن الماضي،لكنني ألفت الى أن التجديد صعب وإلهام المدفعي لم يجدد الأغنيات العراقية بل أدخل اليها آلات موسيقية غربية مثل "الدرامز" و"الأورغ" و"الغيتارات" ولجأ الى التوزيع الغربي الجديد بينما بقيت الألحان عراقية قديمة خالصة. إن إدخال آلة أو عدم ادخالها لا يعتبر تجديدا. هل ترين في الأمر تشويها للتراث؟ - ليس تشويهاً ما دام يحظى بتقبل الجمهور. لم إذن لم تتبعي هذا الأسلوب الجديد في غنائك؟ - لا أحب التخلي عن مبادئي الغنائية، صحيح أن مجاراة العصر ضرورية لكن هناك أشخاصاً مثلي يتشبثون بهذا الأسلوب في الغناء. لكن هذا الأسلوب قديم ولا يوصل الى الشهرة... - صحيح، لكن الشهرة لا تهمني. لا أحد قادر على تغيير لون عيونه. اعتاد الناس على لوني الغنائي التراثي، وسيبقى العود رفيقي الدائم مهما تبدلت الأذواق. لماذا لا تنتشر الأغنية العراقية اليوم مثل الأغنية الخليجية؟ - كانت الأغنية العراقية معروفة في العالم العربي من خلال سعدون جابر وناظم الغزالي وفنانين آخرين، لكن قبل عام 1980 لم تكن وسائل الإعلام منتشرة كما اليوم، وبعد ذلك التاريخ كان العراق يعيش حالة حرب دائمة وتم عزلهما، أقفل الباب أمام انتشار الفنانين العراقيين. المطرب الوحيد الذي استطاع الاختراق هو كاظم الساهر، لأنه فنان طموح وذكي وأحب دخول بيوت كل العرب من خلال أغنيات تحاكي تطلعاتهم، لأنه لو بقي على المحلية العراقية لما لاقى هذا الترحيب والتجاوب من العرب. اسطوانتك الغنائية الأولى ستنزل قريبا الى الأسواق، ماذا عنها؟ - تتضمن الأسطوانة 10 أغنيات من التراث العراقي القديم، بينها 3 للمطرب العراقي القدير ناظم الغزالي، هي: "قللي يا حلو"، "حيك بابا حيك" و"يا ام العيون السود"، الى أغنيات أخرى منها: "هالليلة حلوة"، "عمي يا بياع الورد"، "سلم علي" و"يللي نسيتونا". تعيشين في لبنان منذ 20 عاما هل تفكرين بغناء اللون اللبناني؟ -أقدم في حفلاتي أغنيات لبنانية قديمة، لكن لا أفكر بإنتاج أغنيات لبنانية خاصة وبرأيي أنه ينبغي على كل فنان أن يغني بلهجته كي لا يكون غناؤه عرضة للركاكة. باستثناء اللون المصري، لا أحب أن يغني اللبناني اللون الخليجي والعكس صحيح كي لا يحصل تشويه في اللهجة وركاكة في اللفظ. هل من قواسم مشتركة بين اللونين اللبنانيوالعراقي؟ - باستثناء المقامات يختلف اللونان كلياً، لا سيما في البيئة. العراقي حزين بطبعه يجد فرحه في الحزن على عكس اللبناني الفرح دوماً والمعبر عن مكنوناته، فيما العراقي يؤثر الكبت. لم لا تنتجين أغنيات خاصة بك؟ - لا جلد لي على النزول الى ساحة "القتال الفني" الموجودة حالياً، أعطي الأولوية لعائلتي ولا أحب أن أكون عبدة لفني بل أفضل أن أسخر فني لمتعتي. هل يشدك الحنين الى العراق؟ - الحنين مرض أعاني منه باستمرار. أزور أهلي مرة كل سنة، وأذهب لأتلصص على منزلنا القديم الذي بناه والدي بيديه واضطررنا الى مغادرته، يحلو لي النظر الى شجرة التوت التي كنت أجلس فيها لساعات طويلة وأغني. البيئة العراقية واسعة، والحدائق منتشرة وقد تعودنا اللعب فيها نهارا ثم النوم فوق السطوح ليلا. هل تشبثك بغناء المقام العراقي يعود في جزء منه الى هذا الحنين؟ - ربما، المقام العراقي يتطلب الغناء بطريقة معينة وضمن شروط لا يمكن للمغني تجاوزها. وهي طريقة معروفة في العراق فقط دون سواه من البلدان العربية الأخرى، والمقام العراقي أقرب الى الموال المعروف في البلاد العربية لكنه موال تحده شروط معينة من البداية الى النهاية، ويتطلب صوتا قادرا على أداء المقام من القرار الى الجواب